ما قبل التقديم
قال احد المفكرين: عندما أسمع كلمة الثروة ( الغنى) فإنني أفكر مباشرة في الجريمة.
ففي مغرب اليوم، يصعب فعلا الحديث عن الثروة والأغنياء خارج الجريمة بكل معانيها: النهب، الاختلاس، الرشوة، الاستغلال( مراكمة فائض القيمة)…و صولا إلى القتل.
نجد في مختلف الجرائم طرفين: المجرم و الضحية. فما هي الأطراف المعنية في واقعنا الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي الذي يتسم بالفقر والحرمان و التهميش من جهة،
وبالبذخ و التسلط و العجرفة من جهة ثانية نتيجة تعدد الجرائم و مراكمتها عبر السنين؟
يندرج عملنا هذا في محاولة الإجابة على هذا السؤال.
لا يندرج هذا العمل في إطار "البحث الأكاديمي" أو في إطار صياغة " ورقة سياسية- نظرية" متكاملة. انه بكل بساطة محاولة فهم الواقع الطبقي الحالي و إبراز أهم عناصر الصيرورة التاريخية التي أنتجته، و محاولة لمس خلفيات و أبعاد أهم الصراعات التي تحرك مجتمعنا.
إن الهدف من هذا العمل هو دفع المناضلين التقدميين إلى البحث و النقاش والجدل عند الضرورة، من أجل الاغناء الفكري وتحديد قوى الثورة و القوى المضادة و إنارة طريق التغيير.
لقد اطلع بعض الرفاق على هذه المساهمة قبل الطبع، ومنهم من أبدى بعض الملاحظات( في الشكل و في المضمون) أخذت بعين الاعتبار البعض منها.
يجب التعامل مع هذه المقاربة كأرضية تقدم معطيات تاريخية و تضم مواقف نظرية و سياسية راسخة لدى صاحبها، و كأرضية تطرح بعض التساؤلات لم يجب عليها صاحبها لما تتطلبه من ابحاث و نقاشات وقراءات للواقع المتغير من خلال الممارسة.
وفي الأخير نعترف أن هناك" تقزيم" بعض المحطات و الحقب التاريخية، وتكرار بعض الأفكار وبعض المفاهيم مثل تعريف الطبقات الاجتماعية.
التقديم
1 – أفكـار عامة :
بعد انهيار تجارب رأسمالية الدولة البيروقراطية بأوربا الشرقية، والتراجع النسبي لنضالات الشعوب من أجل مجتمعات إنسانية أفضل، وبعد الردة التي عرفتها العديد من المنظمات الثورية أمام هجوم الفكر البرجوازي الليبرالي، و أمام زحف ما يسمى بالعولمة المتوحشة… حاول العديد من" المفكرين ومن مناضلي الأمس"، صياغة خطاب جديد- قديم لتبرير الردة، ولإعطاء نوع من المشروعية "النظرية" لتخليهم عن قطار الكادحين و هرولتهم نحو قطار المخزن و من يدور في فلكه.
إن الهدف الأساسي من هذه "الإجتهادات النظرية"، هو محاولة إيهام الرأي العام بحتمية خلود النظام الرأسمالي، و بعدم وجود الطبقات الاجتماعية، وبالتالي بعدمية الحديث عن الصراع الطبقي و عن المجتمع الشيوعي الذي ينعدم فيه استغلال الإنسان للإنسان.
إن الخلاصة من "اجتهادات" الجيل الجديد من " رجال المطافيء " المتمخزنين، هي محاولة إقناع الجماهير ومناضليها بأن المطروح هو العمل، من داخل المؤسسات المزورة، من أجل تلطيف شروط الاستغلال، و القبول بطبيعة النظام السائد اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا و ثقافيا، و من أجل " تحديثه" حتى يتكيف مع متطلبات النظام الرأسمالي العالمي في واقعه الراهن.
من جهتنا نحن، نعتبر أنه لا يمكن لحركة تناضل من أجل التغيير الجذري أن تهمش في دراساتها، وتحاليلها، وممارساتها، الواقع بمختلف جوانبه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية…
لا يمكن لحركة تتبنى الماركسية- اللينينية كمرجعية أساسية في فكرها، أن تجهل أو تتجاهل التشكيلة الطبقية المكونة للمجتمع، والتناقضات-الصراعات التي تحركها.
إن التشكيلة الاجتماعية (أنماط الإنتاج السائدة، والطبقات الاجتماعية المتواجدة، و علاقة الإنتاج السائدة…) الحالية ليست معطى قارا. إنها نتاج سيرورة تاريخية غنية بتحولات عميقة أفرزتها تناقضاتها وصراعاتها الداخلية، وتأثرت كذلك بعوامل خارجية (الاستعمار، تطور أوضاع الإنسانية بشكل عام…). إن الواقع الحالي ليس كذلك جامدا، فهو في تغيير مستمر، وهذا ما يفرض على القوى التقدمية الجذرية أن تعمل جاهدة للتأثير على هذه الحركية في اتجاه التغيير الذي يخدم بالأساس مختلف الكادحين وفي مقدمتهم الطبقة العاملة.
وهذا التأثير لا يمكن أن يكون فاعلا وحاسما إلا إذا انخرطت الطبقات الشعبية في عملية التغيير، وهذا الانخراط لا يمكن أن يتم بدون الوعي والتنظيم. إن الجماهير الواعية والمنظمة هي ضمان التغيير والاستمرارية في التغيير نحو المجتمع الخالي من الطبقات والاستغلال.
يشكل عموم الكادحين (في المدن وفي البوادي) العمود الفقري القوة الضاربة للتغيير، وتشكل الطبقة العاملة بفكرها (الاشتراكية العلمية) و بموقعها في عملية الإنتاج قيادته السياسية.
2 – مرتكزات التحليل الطبقي :
يمكن تعريف التشكيلة الاجتماعية "بمجمل الطبقات الاجتماعية المتواجدة ومختلف العلاقات (الاقتصادية و السياسية والثقافية والاجتماعية…)التي تربط بعضها بالبعض".ويبقى العنصر الأساسي في تطور وتغيير التشكيلة الاجتماعية هوالتناقضات الداخلية (تناقض المصالح) والصراعات الناتجة عنها (الصراع الاقتصادي، الصراع السياسي، الصراع الفكري…). لا يمكن الحديث عن التشكيلة الاجتماعية خارج الثنائي : التناقض والصراع.
إن التناقض في المصالح مرتبط بوضعية كل طبقة اجتماعية في الهرم الطبقي. ويمكن تحديد كل طبقة اجتماعية انطلاقا من عناصر موضوعية يصعب الخلاف حولها. أما الصراع الطبقي بمختلف أوجهه، فتحدده عدة عوامل أغلبها ذاتية، وفي مقدمتها الوعي الطبقي، والانخراط في مشروع مجتمع بديل عبر النضال والتنظيم…
ولتحديد الانتماء الطبقي، فإننا نعتمد على العناصر الآتية:
أ – العلاقات بوسائل الإنتاج: هل يمتلك الفرد وسائل الإنتاج التي يشتغل بها/ فيها أم لا ؟
ب – الموقع داخل علاقة الإنتاج: هل يستغل (بكسر الغين) الفرد الآخرين أم لا ؟ وهل يستغل (بفتح الغين) الفرد من طرف آخر أم لا ؟
ج – الموقع داخل الهرم الإدارى-التسييرى-التدبيرى: هل للفرد مكانة مهمة في موقع القرارات المتعلقة بسياسات المقاولة-المؤسسة أم لا ؟
د – أهمية الدخل: يشكل مستوى الدخل، مقارنة بمستوى الأجور(في حالة المقاولة الرأسمالية مثلا) و مقارنة بالمعدل العام للمداخل، عنصرا مهما في تحديد الانتماء الطبقي أو الفئوي…
يشكل العنصران الأوليان المقياس الأساسي في عملية تحديد الانتماء الطبقي في مجتمع تسود فيه المقاولة الرأسمالية الخاصة، كما يشكل العنصران الآخران المقياس الأساسي في عملية تحديد الانتماء الطبقي في المقاولات-المؤسسات العمومية و في إطار سيادة علاقات "رأسمالية الدولة". وفي هذا الإطار لا يمكن تصنيف مدراء المقاولات و المؤسسات العمومية و الخاصة المغربية، وكذلك مختلف الأطر العليا للدولة، إلا في خانة الطبقات السائدة، لأنها تحتل المناصب الاستراتيجية في إطار قسمة العمل، و تتصرف في وسائل الإنتاج كفئة من الرأسماليين العاديين رغم أنها لا تمتلك قانونيا هذه الوسائل. و بشكل عام، يمكن أن نقول أن العناصر الأربعة تبقى في غالب الأحيان متداخلة ومتكاملة.
و يبقى هذا كله تعريفا عاما، يعتمد الاتجاهات الأساسية، و يبقى مطروحا على المناضلين الاجتهاد في الحالات والمعطيات المرتبطة بالواقع الملموس.
و للاستئناس أقدم التعريف اللينيني للطبقات الاجتماعية:
"إن ما نقصده بالطبقات هي مجموعات كبيرة من البشر تتميز من بعضها بحسب الموقع الذي تحتله في نظام إنتاج اجتماعي محدد تاريخيا و كذلك بحسب ما لها من علاقات بوسائل الإنتاج و هي علاقات تضبطها و تكرسها قوانين معينة في أغلب الأحيان و كذلك بحسب دورها في التنظيم الاجتماعي للعمل أي حسب الطرق التي تحصل بها على الثروات الاجتماعية و ما تحوزه منها. إن الطبقات هي مجموعات من الناس يستطيع بعضهم ابتزاز عمل الآخرين لا لشيء إلا أنهم يحتلون موقعا متميزا في بنية معينة من الاقتصاد الاجتماعي. إن الواضح هو أن إلغاء الطبقات نهائيا لا يتطلب مجرد الإطاحة بالاستغلاليين و الملاكين العقاريين الكبار و الرأسماليين أو إلغاء ملكيتهم، بل يجب كذلك إلغاء كل أشكال ملكية وسائل الإنتاج و ردم الهوة بين المدينة و الريف و بين العمال اليدويين و المثقفين…"
Lénine :La grande initiative, 1919, œuvre 29, p 425
(عن معجم الماركسية النقدية، ص 848 )
الجزء الأول : المغرب قبل الاستعمار المباشر
أولا: أهم أشكال الملكية السائدة عشية الغزو الاستعماري
1 – على مستوى البادية :
أ -الملكية الجماعية للأرض في إطار القبيلة أو في إطار وحدات اجتماعية أصغر من القبيلة.
ب-الملكية الخاصة (العائلية بالأساس).
ت -ملكية مؤسسات دينية (الحبوس).
ث -ملكية الدولة (أراضي الكيش…).
إن الأملاك الجماعية وأملاك الدولة كانت تشكل العنصر الأساسي في قضايا الأرض من ناحية المساحة ومن ناحية الجودة (أراضي السهول الخصبة).
وقد انتشرت الملكية الخاصة، ومنذ القدم في الجبال والسفوح المجاورة (مساحات صغيرة تعتمد السقي بالدرجة الأولى).
2 – على المستوى الحضري :
إن الأنشطة الحرفية والصناعية والتجارية كانت مرتبطة بالملكية الخاصة بالدرجة الأولى وبملكية الحبوس وملكية الدولة بالدرجة الثانية.
ثانيا : ملاكو الأراضي الكبار
يمكن تقسيم ملاكي الأراضي الكبار إلى شريحتين رئيسيتين:
1 – ملاكو الأراضي الكبار الذين يملكون أراضي شاسعة، ويؤجرونها مقابل ريع عيني أو نقدي، ويعيشون الرفاهية اعتمادا بالأساس على هذا الريع. إن هؤلاء لا يبذلون أي جهد يذكر في عملية الإنتاج.
2 – ملاكو الأراضي الكبار الذين يدبرون أراضيهم ويسهرون في حدود معينة على عملية الإنتاج.
إذا كان الصراع يدور قبل الحماية بالأساس بين المخزن (المتمثل في مختلف مؤسسات الدولة وعلى رأسها وفي قلبها السلطان وحاشيته)، وبين القبائل ( وبين القبائل نفسها حول المراعي والماء)، فإن القبيلة تحمل في طياتها تناقضات وإفرازات طبقية (مالكو الأراضي والمواشي بشكل وافر مقابل الفلاحين الفقراء، والخماسة، والرباعة، والرعاة…).
إن التنظيم الإداري الذي كان سائدا لم يتغير في جوهره إلى حد الآن:
- العاهل أو السلطان.
- ولي العهد وهو المرشح لخلافة السلطان.
- الحكومة المكونة من الوزراء يتقدمهم الصدر الأعظم (أقرب وزير إلى الملك) ثم وزراء مثل وزير البحر، وزير الجيش ووزير المالية…
- العمال
- الباشوات
- القواد
- الشيوخ
إن ظهور ملاكي الأراضي الكبار ونمو مصالحهم تمت تحت رعاية وحماية وتشجيع المخزن، وكان السلطان من أكبر المستفدين من عملية نهب أراضي الجموع وأراضي الفلاحين المغضوب عليهم. وهذا لم يتم بدون مقاومة الفلاحين المنظمين أساسا في إطار القبيلة.
إن ممثلي السلطة المركزية في البوادي، استغلوا مواقعهم للتنكيل بالمواطنين وقمعهم، وقد سهل هذا الإرهاب عملية الاستيلاء على الأراضي.
"والسلطة السياسية التي كان يمثلها القائد داخل البادية كانت في معظمها سلطة فردية مطلقة تميل في كثير من الأحيان إلى العنف، حيث كان العنف هو عنوان قوة القائد، وقدرته على البطش وقهر أفراد إيالته، وانصياعهم لأوامره، وتقديم واجباتهم بانتظام إلى المخزن". (البادية المغربية عبر التاريخ ص 74 مساهمة مصطفى فنيتر).
وهذه الممارسات الشاذة كانت تشجع في غالب الأحيان من طرف السلطان. وقد جاء في رسالة السلطان مولاي سليمان إلى العامل عمر بوسته لمحاورة قبيلة عبدة التي ثارت ضد قائدها ابن عبد الصادق: "ومن جار عليه العامل لا يحل له أن يحارب، ولا أن ينتصر على العامل" لقوله (ص) "أدوا الذي عليكم واطلبوا الله الذي لكم" وفي قوله (ص): "إن ضربك فاصبر، وإن أخذ مالك فاصبر، وإن شتمك فاصبر…" (نفس المرجع ص 76).
وقد شجع السلطان مولاي عبد الرحمن قواد البوادي عندما سطر مبدأين لسياسة الدولة المخزنية تجاه سكان البادية:
- المبدأ الأول : ظلم واحد أخف من ظلم العدد الكثير : و يعنى هدا أن ظلم شخص واحد (ممثل الدولة) لعدة مواطنين أقل ضررا من ظلم المواطنين لهدا الممثل.
- المبدأ الثاني : الرعية أظلم من العمال و قواد البوادي.
وينطلق هدا الموقف من كون الرعية في نظر السلطان تكره الولاة على كل حال.
إن هذه العلاقات المخزنية، سهلت عملية نزع الأراضي من أصحابها الشرعيين لصالح ممثلي السلطة المركزية في البوادي، ولصالح المخزن (الأملاك المخزنية)."وكانت تضاف باستمرار إلى أملاك المخزن أراضي جديدة وبهائم زائدة تأتيه من مصادر بائية شرعية وغير شرعية"(نفس المرجع، مساهمة محمد نجيدي ص 103).
وقد تحدثت بعض المراسلات المخزنية عن هذا النهب مثل"حيازة بقر من بني مطير للجانب العالي بالله"، وموافقة السلطان مولاي الحسن على مقترح محتسب مراكش المتعلق "بشراء جنانين من الأملاك المعتبرة التي لا ينبغي أن تكون إلا للجانب الشريف… لجانب سيدنا أو لجانب نجله الأعز مولانا عبد العزيز".
وقد زادت الكلف من تفقير و تهجير القبائل من أراضيها.
و تعني الكلف في مغرب القرن التاسع عشر ضريبة غير دينية تتمثل في تقديم مجهود عضلي أو مادي لفائدة المخزن، وكانت تتميز بالنسبة لسكان البوادي بما يلي:
- الطابع الإلزامي باستثناء الشرفاء، وأصحاب الظهائر، والعساكر والمحميين من طرف القوى الأجنبية.
- التعدد والتنوع الكبير : أعمال مجانية، كلف مالية، الحركة (بجزم الراء)…
- 1 أنواع الكلف :
- التويزة: وتعني العمل الجماعي بدون مقابل، ويعبر أصلا على التعاون، والتضامن والتآزر، إلا أن المستفيد من هذه العملية هو المخزن و الملاكون الكبار الذين كانوا يستفيدون من يد عاملة مجانية "وتتم هذه العمليات على أساس أن يقدم فلاحو القبيلة عملهم اليدوي ومحاريثهم ودوابهم، ويقتصر دور المخزن على تقديم البذور فقط، وقد كان هذا الأخير متشددا في الشروط التي يتطلبها إنجاز هذه الكلفة، فقد جاء في رسالة حسنية (السلطان مولاي الحسن) إلى احمد اومالك "فكل من أتاك من المكلفين بحرث توائز المخزن بالبقر ذكورا كانت أم إناثا أو بالحمير بقصد الحرث بها فلك حجزها منه ولتأت بها لدار المخزن واقبض على أولئك الواردين بها ومن أتى بالبغال أو الخيل أو الفرسان فاقبلها منه".
يقوم السكان بعمليات الحرث والحصاد والدرس وحمل المحصول إلى أماكن الاختزان، زيادة على أعمال أخرى.
- توفير بعض المواد الأولية بدون مقابل: الخشب، الجير، الجبس، الفحم الخشبي…
- النقل: نقل المواد من مكان إلى مكان آخر (من مدينة إلى مدينة، من موانئ الاستيراد إلى المدن الداخلية…).
- إصلاح الطرق.
- إنجاز بعض البنايات في البوادي (القصبات).
- الكلف المالية: الفروض (مقادير مالية كانت تفرض على "كانون" أو خيمة بالبادية لفائدة المخزن)، المئونة (إطعام العاملين مع المخزن أو تأدية المقابل بالنقود)، السخرة (العمولات التي كانت تقدم لموظفي المخزن من طرف القبائل مقابل عمل لفائدتها).
- الحركة: فزيادة على طابعها العسكري، فلها مفهوم آخر ككلفة كانت تفرض على القبائل في شكل اقتطاع عدد من إمكانياتها البشرية والمادية: تجنيد أبناء القبيلة، وتوفير المئونة الضرورية، وجميع لوازم الحركة، من خيل وبغال وإبل وتلاليس…
- 2 آثار الكلف :
إن كثرة الكلف، وتجاوزات ممثلي المخزن في فرضها كان يؤدي إلى ردود فعل القبائل تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن قبيلة إلى أخرى، حسب التماسك الداخلي، وموازن القوى: فمن الرفض والمقاومة إلى الفرار والتخلي عن الأرض.
تقول فاطمة العساوي في مساهمتها (البادية المغربية عبر التاريخ) : "…يتزامن الامتناع مع ظاهرة "الفرار" من القبيلة، حيث نجد أن هناك عددا من سكان البوادي كان يفضل مغادرة أرضه، رغم ما تعنيه بالنسبة له على مواجهة الكلفة المخزنية… وكان يلتجأ البعض إلى الدخول في الحماية الفردية الأجنبية. فقد كتب أحد ممثلي المخزن " فمنهم من لزمه واجبه جمل ولما طالبهم المخزن بذلك امتنعوا وفر كثير من الناس وتعلقوا بالحمايات ولا زال الأمر في ازدياد" (مايو 1889)".
الخلاصة :
- إن الملكية الجماعية للأرض هي السائدة أصلا، خصوصا في السهول الخصبة.
- إن السكان في البوادي كانوا منظمين أساسا في إطار القبيلة.
- كان المخزن يتعامل أساسا مع القبيلة وليس مع الأفراد.
- إن الأملاك المخزنية والأملاك الخاصة ظهرت وتوسعت في إطار عملية النهب والقمع التي نتج عنها تشريد أصحاب الأرض الأصليين.
- ازدهرت طبقة الملاكين الكبار، و تعاظم نفوذها تحت رعاية وحماية المخزن، وهذا على حساب جل سكان البادية.
- إن الوسائل والأساليب المستعملة في الإنتاج الفلاحي تبقى عتيقة، خلافا للتحولات الهائلة التي تعرفها أروبا :الحرث بالبهائم، والمحراث الخشبي، الحصاد بالمنجل، والدرس بالبهائم… والاعتماد على الفلاحة البورية بالأساس.
وكان يرتكز النشاط الفلاحي أساسا على إنتاج الحبوب، والزيتون، وتربية المواشي (وقد كانت أغلب القبائل تعتمد إنتاج الحبوب وتربية المواشي في آن واحد).
- انعدام العمل المأجور في البادية.
ثالثا: فئة التجار- الملاكون
مع الانفتاح على السوق الرأسمالية، وتطور العلاقات مع السوق الخارجي، ظهرت إمكانيات تسويق في المدن الداخلية، وتصدير مواد فلاحية للخارج (الحبوب، الصوف…). فقد أقدم العديد من التجار على امتلاك أراضي خصبة، وهكذا ظهرت النواة الأولى لبرجوازية زراعية- عقارية. ويعطي ادريس بن علي بعض الأمثلة بمدينة فاس (المجلة المغربية للقانون والسياسية والاقتصاد 1980).
تقديرات حول ملكية بعض التجار في آخر القرن التاسع عشر ( منطقة فاس)
الاسم
عدد الهكتارات
التازي - 1130
بناني - 1557
بنيس - 894
بن شقرون - 868
لحلو - 801
برادة - 668
بن سليمان - 256
بن كيران - 257
بن يخلف - 145
بن جلون - 145
الكوهن - 110
جسوس - 123
بنونة - 58
كما ذكرت في دراسات أخرى أسماء الخمليشي وبوستة وبن عزو…بمكناس.
رابعا: البرجوازية الحضرية
كانت تتكون بالأساس من التجار الكبار ومن الفئة العليا من الصناع والحرفيين.
1- البرجوازية الصناعية:
- كانت الصناعة ترتكز بالأساس على العمل اليدوي في غياب أي ضمان اجتماعي وتقنين لمدة العمل وللأجرة والسن…
- كانت الصناعة تعتمد بالأساس على المواد الخام المحلية (المعادن، الصوف…).
- كان الإنتاج موجه بالأساس للسوق الداخلية.
- شكلت فاس وتطوان ومراكش أهم المدن الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر.
- كانت ظروف استغلال اليد العاملة من طرف البرجوازية جد فظيعة بمبرر أن المنتجين يتعلمون "الصنعة".
- لم تتطور هذه الصناعة التقليدية إلى صناعة عصرية تعتمد وسائل إنتاج حديثة لعاملين أساسيين: تخلف التعليم في المغرب (الذي يبقى تعليما دينيا) حيث لا يساعد على البحث والاكتشاف… و طبيعة المخزن الطفيلية التي تثقل الصناع بضرائب وهدايا لا تساعد على تراكم رأسمالي يؤدي إلى استثمارات جديدة وتوسيع دائرة الإنتاج.
فزيادة على المنتوج الصناعي التقليدي كثياب الكتان، والبلاغي والسروج والأواني النحاسية والحلي والمصوغات من الذهب والفضة والمضمات والزرابي… فقد ازدهرت نسبيا، صناعة الذخائر والسلاح الفردي (القنابل، المكاحل، البارود) كما ظهرت صناعة تكرير السكر التي لم تعمر طويلا لانعدام المتخصصين.
2 – البرجوازية التجارية :
يتم تسويق المنتوج أو البضاعة في المتاجر، وفي الأسواق الأسبوعية بالبوادي وفي الأسواق اليومية بالمدن، وعبر التبادل عن طريق البحر أو القوافل.
إن التجارة عبر القوافل تقلصت لصالح التجارة عبر البحر التي ازدهرت انطلاقا من أوربا.
وقد ظهرت فئة من التجار استفادت من علاقاتها بالمخزن لتحصل على احتكار تسويق بعض المواد. يقول ابراهيم حركات في كتابه "المغرب عبر التاريخ" الجزء الثالث ص 505: " ومن أهم الظواهر التي تميزت بها التجارة الداخلية على الأخص احتكار بعض المواد لفترة محددة وغالبا في جهة أو ميناء معين ولصالح شخص بعينه. وهذا الاحتكار ينبغي أن نعتبره نوعا من الإقطاع مثلما كانت تقطع أرض تستغل أومكس يختص به شخص يحظى بعطف المخزن لسبب ما".
فقد أدى مثلا قرار مولاي عبد الرحمن منح احتكار بيع السكر والبن لتجار معينين إلي ارتفاع صاروخي في الأثمنة (1850)، وتعرض الشاي لقرار مشابه. إن احتكار تصدير الجلود من طرف السلطان سبب في معانات فئات محلية: فقد طلب من 3600 دباغ وضع كل مدخراتهم من الجلود تحت تصرف أعوان المخزن.
يلجأ المخزن في كثير من الأحيان إلى بيع حق التصدير أو حق الاحتكار بالنسبة لمادة أو مواد معينة، بالمزاد، ويقول نفس المؤرخ وفي نفس الكتاب (ص 506) أن الكيف (الحشيش) كان يدر بهذه الطريقة مبلغا كبيرا في كل من طنجة، تطوان، العرائش، القصر الكبير، مكناس، الرباط، الدار البيضاء، الجديدة ومراكش.
ومن نماذج الاحتكارات الداخلية لصالح الخواص:
- امتياز بيع الثيران و وسقها من العرائش وطنجة وتطوان لمدة سنة واحدة مقابل 8 آلاف مثقال لصالح محمد بن الحاج المسعودي ، والحاج قاسم حصار السلاوى، والحاج بوعبيد الحصيني الرباطى.
- امتياز بيع الغاسول وشرائه ووسقه من كل الموانئ المغربية لمدة 4 أعوام تبتدئ من 1860 لصالح محمد بن المدني بنيس.
- امتياز بيع الجلود و وسقها مقابل 60 ألف مثقال لمدة سنتين ابتداء من 1852 لصالح مصطفى الدكالي والمكي القباج.
لقد أعطى التطور الطبيعي للمجتمع المغربي، زيادة على سياسة المخزن في ميدان التجارة، فئة برجوازية طورت مصالحها و وسعت من نفوذها تحت رعاية وحماية المخزن.
إن التحالف ألمخزني-البرجوازي تبلور من خلال الامتيازات والاحتكارات مقابل أموال وخدمات عدة، وكان السلطان يمنح في كثير من الأحيان حمايته بظواهر "التوقير والاحترام".
وابتداء من 1856 بدأ يعطي لبعض التجار لقب "تاجر السلطان" وهذا ما يمنحهم امتيازات جديدة.
3 – النواة الأولى للبرجوازية الكمبرادورية :
تتكون هذه الفئة من البرجوازيين المرتبطين بالرأسمال الأجنبي، حيث يمر نمو و تطور مصالحهم وتوسع نفوذهم عبر خدمة هذا الرأسمال، فهناك من ينعتهم بسماسرة (أو وسطاء) الخارج.
ابتداء من نصف القرن التاسع عشر، بدأ أغلب التجار الكبار المغاربة يتحولون تدريجيا إلى وكلاء في تصدير بعض المنتوجات المغربية إلى أوربا واستيراد المواد الأوروبية.
وقد لعبت هذه الفئة دورا مهما في التغلغل الأوروبي، وأصبح هذا النوع من الوسطاء يتمتعون بنظام الحماية، متحررين من الالتزامات تجاه المخزن.
وقد ظهرت فئة من "البرجوازية المالية" التي تعتمد على منح قروض بفوائد تقع بين 50 و 60% في السنوات العادية، وتصل إلى 200% في ظروف الأزمات، كما تعتمد على الشراء ألمضاربتي (المحاصيل الزراعية، الصوف…).
و نرد هنا بعض الحالات من المحميين من طرف القوى الأوروبية:
الاسم .............. نوع النشاط ..............القوة الحامية
إدريس التازي - تاجر القطن، موقع في منشستر - إنجلترا
أبو بكر التازي - 4 محلات تجارية في مانشستر - إنجلترا
لعربي بنيس - مستورد كبير للثوب - فرنسا
محمد بن زايد برادة - زبون كبير لمدينة جنوة بإيطاليا - فرنسا
محمد الشرايبي - مصدر ومستورد كبير - ألمانيا
بناصر لحلو - زبون كبير لمدينتي جنوة وليون - ألمانيا
محمد القباج - تصدير واستيراد مختلف المواد - انجلترا – إيطاليا – ألمانيا
خامسا : البرجوازية الصغيرة
تتشكل هذه الطبقة من الأفراد الذين يمتلكون أرضا، أو رأسمالا أو مهارة أو معرفة تسمح لهم بأن يعيشوا دون استغلال الآخرين ودون أن يستغلوا من طرف الآخرين (ويشكل الاستغلال عنصر ثانوي إذا ما حدث).
1 – البرجوازية الصغيرة الحضرية :
وتتكون بالأساس من الحرفيين والصناع التقليديين الصغار والمتوسطين، والتجار الصغار والمتوسطين، وموظفي الدولة الصغار وأصحاب المقاهي، والحجامة…
2 – البرجوازية الصغيرة القروية :
وتتكون من الفلاحين المتوسطين، ومربي الماشية ومن كل الذين لا يحتاجون إلى عمل الآخرين إلا في حالة نادرة، ومن الذين لا يحتاجون إلى البحث عن العمل من أجل العيش. يصعب تحديد أهمية هذه الشريحة نظرا لسيادة الملكية الجماعية للأرض.
سادسا : أشباه البروليتاريا (أو أشباه العمال)
تتشكل هذه الطبقة من الأفراد الذين لا يملكون (أو يملكون بشكل غير كافي) ما يحميهم من الاستغلال، حيث يضطرون إلى بيع قوة عملهم(عينيا أو نقديا) للعيش.
1 – أشباه البروليتاريا الحضرية :
وتتكون هذه الطبقة من فئات عريضة كالحمالة، والباعة المتجولين، والكرابة، والكسالة، وحراس الليل وخصوصا من آلاف العاملين "كمتعلمين" أو كمياومين في مختلف المقاولات الحرفية والصناعية…
2 – أشباه البروليتاريا في البادية :
وتتكون من الفلاحين الفقراء (يملكون بعض القطع الصغيرة من الأرض وبعض رؤوس الماشية لا تستجيب لحاجيتهم الأساسية) ومن المواطنين بدون أرض ولا ماشية …كل هؤلاء يلتجئون إلى العمل كخماسة، أو رباعة أو رعاة (سراحة)..
سابعا : البرولتاريا المشردة(lumpen- prolétriat)
وتتكون هذه الطبقة من المشردين، والسعاية والعاهرات، والمعوقين، وقطاعي الطرق وكل المهمشين في المجتمع. و يبدو أن عدد هؤلاء كان جد قليلا، وبالتالي يصعب الحديث عن طبقة اجتماعية في ذلك العهد. إن ظهور ونمو أحياء الصفيح، وتزايد عدد المهمشين واستفحال الظواهر الاجتماعية الشاذة، قد ارتبط بالاحتلال الأجنبي، ودخول الرأسمالية، والاستيلاء على الأراضي الجماعية، والنمو الديمغرافي…
وقد تعمقت هذه الظاهرة بعد 1956.
ثامنا : الطبقة العاملة
إن مفهوم الطبقة العاملة مرتبط بنمط الإنتاج الرأسمالي، والعامل هو من يضطر إلى بيع قوة عمله لرأسمالي يحتكر وسائل الإنتاج، ولا يمكن الحديث هنا عن الطبقة العاملة خارج العمل المأجور والقار نسبيا في وحدات صناعية (بالأساس) أو فلاحية أو خدماتية عصرية.
نجد من جهة مالك وسائل الإنتاج (الرأسمالي) و من جهة أخرى بائع قوة العمل (العامل)، وتنتج عن هذه الوضعية علاقات إنتاج تتسم بالاستغلال: العامل ينتج، ولا يتقاضى كمقابل عمله إلا أجرة تقل بكثير عن قيمة إنتاجه، والفرق بين قيمة المنتوج (قيمة المبادلة) وأجرة العامل تسمى فائض القيمة.
وبهذا المفهوم يصعب الحديث عن طبقة عاملة قبل دخول الاستعمار.
تاسعا : التناقض الأساسي والصراع الطبقي
فمن الناحية النظرية، يمكن اعتبار أن نمط الإنتاج السائد هو الذي يحدد التناقض الأساسي في المجتمع. مثلا في إطار سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن التناقض الأساسي يتجلى في التناقض بين العمل والرأسمال، أي بين الطبقة العاملة والبرجوازية الرأسمالية، لكن التناقض الآني الذي يميز بشكل حاد الصراع السياسي في ظروف معينة، يمكن أن يخترق المجتمع بشكل آخر، فمثلا يمكن في إطار مواجهة الخطر الأجنبي، أن نجد أن الصراع يدور بين الطبقات الوطنية بما فيها جزء من البرجوازية التي تتناقض موضوعيا مصالحها مع مصالح الأجنبي، هذا من جهة؛ و من جهة أخرى، العدو الأجنبي والطبقات أو الفئات المحلية المرتبطة به، وهذا التناقض يسمى التناقض الرئيسي، ويحتم تحالفات سياسية طبقية مرحلية.
إن التناقض الأساسي يحدد الأهداف البعيدة المدى ولا يتغير إلا بتغيير نمط الإنتاج وبالتالي تغيير أطرافه الطبقية، في الوقت الذي يحدد التناقض الرئيسي الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، ويمكن أن تختلف أطرافه على أطراف التناقض الأساسي (تحالف واسع لمواجهة شريحة فاشية، أو مواجهة خطر أجنبي…).
لم يحدد إلى حد الآن الباحثون نوعية نمط الإنتاج السائد في المغرب عشية الغزو الاستعماري، ومن هنا يمكن التركيز على التناقض بين الطبقات الشعبية (أو الوطنية؟) المكونة من البرجوازية الصغيرة بمختلف فئاتها وشرائحها، وأشباه البروليتاريا، وفئة الصناع والتجار الكبار (برجوازية وطنية ؟) المتضررين من سياسات المخزن والاحتكاريين، والمحميين والتغلغل الأجنبي، هذا من جهة، والمخزن بكل مؤسساته وامتداداته داخل البادية، و الاستعمار (الإمبريالية؟) الغربي والفئات المحلية المرتبطة به (الكمبرادور؟) من جهة ثانية.
إن ما يسمى بالسيبة، هو في الواقع مقاومة الفلاحين ومربي الماشية المنظمين في إطار القبيلة، لسياسات المخزن التي أغرقتهم في مستنقعات الكلف والضرائب الدينية وغير الدينية، وسياسة الاستيلاء على الأراضي الجماعية، وسياسة الاستبداد التي يمارسها العمال والبشوات والقواد المحليين… إن تاريخ المغرب خلال القرون الأخيرة هو تاريخ الصراعات بين القبائل حول أراضي الرعي و حول الماء بالأساس، إلا أن هذه الصراعات تبقى ثانوية من ناحية المعانات التي تنتج عنها، لأن الصراعات المستمرة والمدمرة لسكان المغرب، هي الصراعات بين السكان المدافعين عن كرامتهم وحقوقهم الطبيعية من جهة، والمخزن بمختلف مؤسساته وملاكي الأراضي الكبار من جهة ثانية.
إن سكان المدن، خصوصا سكان فاس، عاصمة المغرب في أواخر القرن التاسع عشر، قد دخلوا في عدة صراعات ضد المخزن دفاعا عن كرامتهم، ومنددين بكثرة الضرائب، والهدايا المفروضة عليهم لصالح السلطان، وضد سياسة الاحتكار التجاري الذي يمنحه السلطان للبعض.
ومن أهم الانتفاضات الحضرية انتفاضة سكان فاس(1821-1819) بقيادة البرجوازية المحلية ضد العامل محمد الصفار ورموز المخزن، و قدانتقل السلطان من مدينة مكناس على رأس جيشه نحو فاس لإخماد الانتفاضة، وهاجمت قبائل المنطقة مؤخرة جيشه، وقد أمر السلطان "بنهب بيوت البربر" (المغرب عبر التاريخ لابراهيم حركات ص 142 ).
وخلال حملة قام بها السلطان بين الرباط ومراكش، استولى العبيد على الخيام الملكية وما بها، وعادوا إلى مكناس، واقتدى بهم أهل فاس في الاستهتار بالمخزن، وانتفضوا، وتكونت بالمدينة لجنة ثلاثية انتخبها السكان لإدارة شؤونهم، وقد توجه أحد "الأدباء" محمد بن ادريس الفاسي بقصيدة إلى السلطان مولاي سليمان يستعديه على الأوداية (الذين قادوا الانتفاضة) ويتألم لموقف البربر منه (نفس المرجع ص 143).
كما عرفت فاس انتفاضات في آخر القرن التاسع عشر بقيادة الدباغة (فئة من البرجوازية الصغيرة) احتجاجا بالأساس على الضرائب، واحتكار تجارة تصدير الجلود من طرف السلطان.
و تتضح من خلال الأمثلة التي سردناها سابقا، أن مناهضة المخزن هي عملية سكان البادية وسكان المدينة في آن واحد، و لا يتميز فيها من يتحدث بالأمازيغية أو العربية.
وقد تحدث إبراهيم حركات في كتابه "المغرب عبر التاريخ – الجزء الثالث، ص 144" عن مشاورات بين "الفاسيين والبربر لبيعة ملك جديد" في 1820، خلافا للسلطان مولاي سليمان الذي التجأ إلى مراكش، ثم رجع لمحاصرة فاس لمدة عشرة شهور.
(يتبع)
قال احد المفكرين: عندما أسمع كلمة الثروة ( الغنى) فإنني أفكر مباشرة في الجريمة.
ففي مغرب اليوم، يصعب فعلا الحديث عن الثروة والأغنياء خارج الجريمة بكل معانيها: النهب، الاختلاس، الرشوة، الاستغلال( مراكمة فائض القيمة)…و صولا إلى القتل.
نجد في مختلف الجرائم طرفين: المجرم و الضحية. فما هي الأطراف المعنية في واقعنا الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي الذي يتسم بالفقر والحرمان و التهميش من جهة،
وبالبذخ و التسلط و العجرفة من جهة ثانية نتيجة تعدد الجرائم و مراكمتها عبر السنين؟
يندرج عملنا هذا في محاولة الإجابة على هذا السؤال.
لا يندرج هذا العمل في إطار "البحث الأكاديمي" أو في إطار صياغة " ورقة سياسية- نظرية" متكاملة. انه بكل بساطة محاولة فهم الواقع الطبقي الحالي و إبراز أهم عناصر الصيرورة التاريخية التي أنتجته، و محاولة لمس خلفيات و أبعاد أهم الصراعات التي تحرك مجتمعنا.
إن الهدف من هذا العمل هو دفع المناضلين التقدميين إلى البحث و النقاش والجدل عند الضرورة، من أجل الاغناء الفكري وتحديد قوى الثورة و القوى المضادة و إنارة طريق التغيير.
لقد اطلع بعض الرفاق على هذه المساهمة قبل الطبع، ومنهم من أبدى بعض الملاحظات( في الشكل و في المضمون) أخذت بعين الاعتبار البعض منها.
يجب التعامل مع هذه المقاربة كأرضية تقدم معطيات تاريخية و تضم مواقف نظرية و سياسية راسخة لدى صاحبها، و كأرضية تطرح بعض التساؤلات لم يجب عليها صاحبها لما تتطلبه من ابحاث و نقاشات وقراءات للواقع المتغير من خلال الممارسة.
وفي الأخير نعترف أن هناك" تقزيم" بعض المحطات و الحقب التاريخية، وتكرار بعض الأفكار وبعض المفاهيم مثل تعريف الطبقات الاجتماعية.
التقديم
1 – أفكـار عامة :
بعد انهيار تجارب رأسمالية الدولة البيروقراطية بأوربا الشرقية، والتراجع النسبي لنضالات الشعوب من أجل مجتمعات إنسانية أفضل، وبعد الردة التي عرفتها العديد من المنظمات الثورية أمام هجوم الفكر البرجوازي الليبرالي، و أمام زحف ما يسمى بالعولمة المتوحشة… حاول العديد من" المفكرين ومن مناضلي الأمس"، صياغة خطاب جديد- قديم لتبرير الردة، ولإعطاء نوع من المشروعية "النظرية" لتخليهم عن قطار الكادحين و هرولتهم نحو قطار المخزن و من يدور في فلكه.
إن الهدف الأساسي من هذه "الإجتهادات النظرية"، هو محاولة إيهام الرأي العام بحتمية خلود النظام الرأسمالي، و بعدم وجود الطبقات الاجتماعية، وبالتالي بعدمية الحديث عن الصراع الطبقي و عن المجتمع الشيوعي الذي ينعدم فيه استغلال الإنسان للإنسان.
إن الخلاصة من "اجتهادات" الجيل الجديد من " رجال المطافيء " المتمخزنين، هي محاولة إقناع الجماهير ومناضليها بأن المطروح هو العمل، من داخل المؤسسات المزورة، من أجل تلطيف شروط الاستغلال، و القبول بطبيعة النظام السائد اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا و ثقافيا، و من أجل " تحديثه" حتى يتكيف مع متطلبات النظام الرأسمالي العالمي في واقعه الراهن.
من جهتنا نحن، نعتبر أنه لا يمكن لحركة تناضل من أجل التغيير الجذري أن تهمش في دراساتها، وتحاليلها، وممارساتها، الواقع بمختلف جوانبه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية…
لا يمكن لحركة تتبنى الماركسية- اللينينية كمرجعية أساسية في فكرها، أن تجهل أو تتجاهل التشكيلة الطبقية المكونة للمجتمع، والتناقضات-الصراعات التي تحركها.
إن التشكيلة الاجتماعية (أنماط الإنتاج السائدة، والطبقات الاجتماعية المتواجدة، و علاقة الإنتاج السائدة…) الحالية ليست معطى قارا. إنها نتاج سيرورة تاريخية غنية بتحولات عميقة أفرزتها تناقضاتها وصراعاتها الداخلية، وتأثرت كذلك بعوامل خارجية (الاستعمار، تطور أوضاع الإنسانية بشكل عام…). إن الواقع الحالي ليس كذلك جامدا، فهو في تغيير مستمر، وهذا ما يفرض على القوى التقدمية الجذرية أن تعمل جاهدة للتأثير على هذه الحركية في اتجاه التغيير الذي يخدم بالأساس مختلف الكادحين وفي مقدمتهم الطبقة العاملة.
وهذا التأثير لا يمكن أن يكون فاعلا وحاسما إلا إذا انخرطت الطبقات الشعبية في عملية التغيير، وهذا الانخراط لا يمكن أن يتم بدون الوعي والتنظيم. إن الجماهير الواعية والمنظمة هي ضمان التغيير والاستمرارية في التغيير نحو المجتمع الخالي من الطبقات والاستغلال.
يشكل عموم الكادحين (في المدن وفي البوادي) العمود الفقري القوة الضاربة للتغيير، وتشكل الطبقة العاملة بفكرها (الاشتراكية العلمية) و بموقعها في عملية الإنتاج قيادته السياسية.
2 – مرتكزات التحليل الطبقي :
يمكن تعريف التشكيلة الاجتماعية "بمجمل الطبقات الاجتماعية المتواجدة ومختلف العلاقات (الاقتصادية و السياسية والثقافية والاجتماعية…)التي تربط بعضها بالبعض".ويبقى العنصر الأساسي في تطور وتغيير التشكيلة الاجتماعية هوالتناقضات الداخلية (تناقض المصالح) والصراعات الناتجة عنها (الصراع الاقتصادي، الصراع السياسي، الصراع الفكري…). لا يمكن الحديث عن التشكيلة الاجتماعية خارج الثنائي : التناقض والصراع.
إن التناقض في المصالح مرتبط بوضعية كل طبقة اجتماعية في الهرم الطبقي. ويمكن تحديد كل طبقة اجتماعية انطلاقا من عناصر موضوعية يصعب الخلاف حولها. أما الصراع الطبقي بمختلف أوجهه، فتحدده عدة عوامل أغلبها ذاتية، وفي مقدمتها الوعي الطبقي، والانخراط في مشروع مجتمع بديل عبر النضال والتنظيم…
ولتحديد الانتماء الطبقي، فإننا نعتمد على العناصر الآتية:
أ – العلاقات بوسائل الإنتاج: هل يمتلك الفرد وسائل الإنتاج التي يشتغل بها/ فيها أم لا ؟
ب – الموقع داخل علاقة الإنتاج: هل يستغل (بكسر الغين) الفرد الآخرين أم لا ؟ وهل يستغل (بفتح الغين) الفرد من طرف آخر أم لا ؟
ج – الموقع داخل الهرم الإدارى-التسييرى-التدبيرى: هل للفرد مكانة مهمة في موقع القرارات المتعلقة بسياسات المقاولة-المؤسسة أم لا ؟
د – أهمية الدخل: يشكل مستوى الدخل، مقارنة بمستوى الأجور(في حالة المقاولة الرأسمالية مثلا) و مقارنة بالمعدل العام للمداخل، عنصرا مهما في تحديد الانتماء الطبقي أو الفئوي…
يشكل العنصران الأوليان المقياس الأساسي في عملية تحديد الانتماء الطبقي في مجتمع تسود فيه المقاولة الرأسمالية الخاصة، كما يشكل العنصران الآخران المقياس الأساسي في عملية تحديد الانتماء الطبقي في المقاولات-المؤسسات العمومية و في إطار سيادة علاقات "رأسمالية الدولة". وفي هذا الإطار لا يمكن تصنيف مدراء المقاولات و المؤسسات العمومية و الخاصة المغربية، وكذلك مختلف الأطر العليا للدولة، إلا في خانة الطبقات السائدة، لأنها تحتل المناصب الاستراتيجية في إطار قسمة العمل، و تتصرف في وسائل الإنتاج كفئة من الرأسماليين العاديين رغم أنها لا تمتلك قانونيا هذه الوسائل. و بشكل عام، يمكن أن نقول أن العناصر الأربعة تبقى في غالب الأحيان متداخلة ومتكاملة.
و يبقى هذا كله تعريفا عاما، يعتمد الاتجاهات الأساسية، و يبقى مطروحا على المناضلين الاجتهاد في الحالات والمعطيات المرتبطة بالواقع الملموس.
و للاستئناس أقدم التعريف اللينيني للطبقات الاجتماعية:
"إن ما نقصده بالطبقات هي مجموعات كبيرة من البشر تتميز من بعضها بحسب الموقع الذي تحتله في نظام إنتاج اجتماعي محدد تاريخيا و كذلك بحسب ما لها من علاقات بوسائل الإنتاج و هي علاقات تضبطها و تكرسها قوانين معينة في أغلب الأحيان و كذلك بحسب دورها في التنظيم الاجتماعي للعمل أي حسب الطرق التي تحصل بها على الثروات الاجتماعية و ما تحوزه منها. إن الطبقات هي مجموعات من الناس يستطيع بعضهم ابتزاز عمل الآخرين لا لشيء إلا أنهم يحتلون موقعا متميزا في بنية معينة من الاقتصاد الاجتماعي. إن الواضح هو أن إلغاء الطبقات نهائيا لا يتطلب مجرد الإطاحة بالاستغلاليين و الملاكين العقاريين الكبار و الرأسماليين أو إلغاء ملكيتهم، بل يجب كذلك إلغاء كل أشكال ملكية وسائل الإنتاج و ردم الهوة بين المدينة و الريف و بين العمال اليدويين و المثقفين…"
Lénine :La grande initiative, 1919, œuvre 29, p 425
(عن معجم الماركسية النقدية، ص 848 )
الجزء الأول : المغرب قبل الاستعمار المباشر
أولا: أهم أشكال الملكية السائدة عشية الغزو الاستعماري
1 – على مستوى البادية :
أ -الملكية الجماعية للأرض في إطار القبيلة أو في إطار وحدات اجتماعية أصغر من القبيلة.
ب-الملكية الخاصة (العائلية بالأساس).
ت -ملكية مؤسسات دينية (الحبوس).
ث -ملكية الدولة (أراضي الكيش…).
إن الأملاك الجماعية وأملاك الدولة كانت تشكل العنصر الأساسي في قضايا الأرض من ناحية المساحة ومن ناحية الجودة (أراضي السهول الخصبة).
وقد انتشرت الملكية الخاصة، ومنذ القدم في الجبال والسفوح المجاورة (مساحات صغيرة تعتمد السقي بالدرجة الأولى).
2 – على المستوى الحضري :
إن الأنشطة الحرفية والصناعية والتجارية كانت مرتبطة بالملكية الخاصة بالدرجة الأولى وبملكية الحبوس وملكية الدولة بالدرجة الثانية.
ثانيا : ملاكو الأراضي الكبار
يمكن تقسيم ملاكي الأراضي الكبار إلى شريحتين رئيسيتين:
1 – ملاكو الأراضي الكبار الذين يملكون أراضي شاسعة، ويؤجرونها مقابل ريع عيني أو نقدي، ويعيشون الرفاهية اعتمادا بالأساس على هذا الريع. إن هؤلاء لا يبذلون أي جهد يذكر في عملية الإنتاج.
2 – ملاكو الأراضي الكبار الذين يدبرون أراضيهم ويسهرون في حدود معينة على عملية الإنتاج.
إذا كان الصراع يدور قبل الحماية بالأساس بين المخزن (المتمثل في مختلف مؤسسات الدولة وعلى رأسها وفي قلبها السلطان وحاشيته)، وبين القبائل ( وبين القبائل نفسها حول المراعي والماء)، فإن القبيلة تحمل في طياتها تناقضات وإفرازات طبقية (مالكو الأراضي والمواشي بشكل وافر مقابل الفلاحين الفقراء، والخماسة، والرباعة، والرعاة…).
إن التنظيم الإداري الذي كان سائدا لم يتغير في جوهره إلى حد الآن:
- العاهل أو السلطان.
- ولي العهد وهو المرشح لخلافة السلطان.
- الحكومة المكونة من الوزراء يتقدمهم الصدر الأعظم (أقرب وزير إلى الملك) ثم وزراء مثل وزير البحر، وزير الجيش ووزير المالية…
- العمال
- الباشوات
- القواد
- الشيوخ
إن ظهور ملاكي الأراضي الكبار ونمو مصالحهم تمت تحت رعاية وحماية وتشجيع المخزن، وكان السلطان من أكبر المستفدين من عملية نهب أراضي الجموع وأراضي الفلاحين المغضوب عليهم. وهذا لم يتم بدون مقاومة الفلاحين المنظمين أساسا في إطار القبيلة.
إن ممثلي السلطة المركزية في البوادي، استغلوا مواقعهم للتنكيل بالمواطنين وقمعهم، وقد سهل هذا الإرهاب عملية الاستيلاء على الأراضي.
"والسلطة السياسية التي كان يمثلها القائد داخل البادية كانت في معظمها سلطة فردية مطلقة تميل في كثير من الأحيان إلى العنف، حيث كان العنف هو عنوان قوة القائد، وقدرته على البطش وقهر أفراد إيالته، وانصياعهم لأوامره، وتقديم واجباتهم بانتظام إلى المخزن". (البادية المغربية عبر التاريخ ص 74 مساهمة مصطفى فنيتر).
وهذه الممارسات الشاذة كانت تشجع في غالب الأحيان من طرف السلطان. وقد جاء في رسالة السلطان مولاي سليمان إلى العامل عمر بوسته لمحاورة قبيلة عبدة التي ثارت ضد قائدها ابن عبد الصادق: "ومن جار عليه العامل لا يحل له أن يحارب، ولا أن ينتصر على العامل" لقوله (ص) "أدوا الذي عليكم واطلبوا الله الذي لكم" وفي قوله (ص): "إن ضربك فاصبر، وإن أخذ مالك فاصبر، وإن شتمك فاصبر…" (نفس المرجع ص 76).
وقد شجع السلطان مولاي عبد الرحمن قواد البوادي عندما سطر مبدأين لسياسة الدولة المخزنية تجاه سكان البادية:
- المبدأ الأول : ظلم واحد أخف من ظلم العدد الكثير : و يعنى هدا أن ظلم شخص واحد (ممثل الدولة) لعدة مواطنين أقل ضررا من ظلم المواطنين لهدا الممثل.
- المبدأ الثاني : الرعية أظلم من العمال و قواد البوادي.
وينطلق هدا الموقف من كون الرعية في نظر السلطان تكره الولاة على كل حال.
إن هذه العلاقات المخزنية، سهلت عملية نزع الأراضي من أصحابها الشرعيين لصالح ممثلي السلطة المركزية في البوادي، ولصالح المخزن (الأملاك المخزنية)."وكانت تضاف باستمرار إلى أملاك المخزن أراضي جديدة وبهائم زائدة تأتيه من مصادر بائية شرعية وغير شرعية"(نفس المرجع، مساهمة محمد نجيدي ص 103).
وقد تحدثت بعض المراسلات المخزنية عن هذا النهب مثل"حيازة بقر من بني مطير للجانب العالي بالله"، وموافقة السلطان مولاي الحسن على مقترح محتسب مراكش المتعلق "بشراء جنانين من الأملاك المعتبرة التي لا ينبغي أن تكون إلا للجانب الشريف… لجانب سيدنا أو لجانب نجله الأعز مولانا عبد العزيز".
وقد زادت الكلف من تفقير و تهجير القبائل من أراضيها.
و تعني الكلف في مغرب القرن التاسع عشر ضريبة غير دينية تتمثل في تقديم مجهود عضلي أو مادي لفائدة المخزن، وكانت تتميز بالنسبة لسكان البوادي بما يلي:
- الطابع الإلزامي باستثناء الشرفاء، وأصحاب الظهائر، والعساكر والمحميين من طرف القوى الأجنبية.
- التعدد والتنوع الكبير : أعمال مجانية، كلف مالية، الحركة (بجزم الراء)…
- 1 أنواع الكلف :
- التويزة: وتعني العمل الجماعي بدون مقابل، ويعبر أصلا على التعاون، والتضامن والتآزر، إلا أن المستفيد من هذه العملية هو المخزن و الملاكون الكبار الذين كانوا يستفيدون من يد عاملة مجانية "وتتم هذه العمليات على أساس أن يقدم فلاحو القبيلة عملهم اليدوي ومحاريثهم ودوابهم، ويقتصر دور المخزن على تقديم البذور فقط، وقد كان هذا الأخير متشددا في الشروط التي يتطلبها إنجاز هذه الكلفة، فقد جاء في رسالة حسنية (السلطان مولاي الحسن) إلى احمد اومالك "فكل من أتاك من المكلفين بحرث توائز المخزن بالبقر ذكورا كانت أم إناثا أو بالحمير بقصد الحرث بها فلك حجزها منه ولتأت بها لدار المخزن واقبض على أولئك الواردين بها ومن أتى بالبغال أو الخيل أو الفرسان فاقبلها منه".
يقوم السكان بعمليات الحرث والحصاد والدرس وحمل المحصول إلى أماكن الاختزان، زيادة على أعمال أخرى.
- توفير بعض المواد الأولية بدون مقابل: الخشب، الجير، الجبس، الفحم الخشبي…
- النقل: نقل المواد من مكان إلى مكان آخر (من مدينة إلى مدينة، من موانئ الاستيراد إلى المدن الداخلية…).
- إصلاح الطرق.
- إنجاز بعض البنايات في البوادي (القصبات).
- الكلف المالية: الفروض (مقادير مالية كانت تفرض على "كانون" أو خيمة بالبادية لفائدة المخزن)، المئونة (إطعام العاملين مع المخزن أو تأدية المقابل بالنقود)، السخرة (العمولات التي كانت تقدم لموظفي المخزن من طرف القبائل مقابل عمل لفائدتها).
- الحركة: فزيادة على طابعها العسكري، فلها مفهوم آخر ككلفة كانت تفرض على القبائل في شكل اقتطاع عدد من إمكانياتها البشرية والمادية: تجنيد أبناء القبيلة، وتوفير المئونة الضرورية، وجميع لوازم الحركة، من خيل وبغال وإبل وتلاليس…
- 2 آثار الكلف :
إن كثرة الكلف، وتجاوزات ممثلي المخزن في فرضها كان يؤدي إلى ردود فعل القبائل تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن قبيلة إلى أخرى، حسب التماسك الداخلي، وموازن القوى: فمن الرفض والمقاومة إلى الفرار والتخلي عن الأرض.
تقول فاطمة العساوي في مساهمتها (البادية المغربية عبر التاريخ) : "…يتزامن الامتناع مع ظاهرة "الفرار" من القبيلة، حيث نجد أن هناك عددا من سكان البوادي كان يفضل مغادرة أرضه، رغم ما تعنيه بالنسبة له على مواجهة الكلفة المخزنية… وكان يلتجأ البعض إلى الدخول في الحماية الفردية الأجنبية. فقد كتب أحد ممثلي المخزن " فمنهم من لزمه واجبه جمل ولما طالبهم المخزن بذلك امتنعوا وفر كثير من الناس وتعلقوا بالحمايات ولا زال الأمر في ازدياد" (مايو 1889)".
الخلاصة :
- إن الملكية الجماعية للأرض هي السائدة أصلا، خصوصا في السهول الخصبة.
- إن السكان في البوادي كانوا منظمين أساسا في إطار القبيلة.
- كان المخزن يتعامل أساسا مع القبيلة وليس مع الأفراد.
- إن الأملاك المخزنية والأملاك الخاصة ظهرت وتوسعت في إطار عملية النهب والقمع التي نتج عنها تشريد أصحاب الأرض الأصليين.
- ازدهرت طبقة الملاكين الكبار، و تعاظم نفوذها تحت رعاية وحماية المخزن، وهذا على حساب جل سكان البادية.
- إن الوسائل والأساليب المستعملة في الإنتاج الفلاحي تبقى عتيقة، خلافا للتحولات الهائلة التي تعرفها أروبا :الحرث بالبهائم، والمحراث الخشبي، الحصاد بالمنجل، والدرس بالبهائم… والاعتماد على الفلاحة البورية بالأساس.
وكان يرتكز النشاط الفلاحي أساسا على إنتاج الحبوب، والزيتون، وتربية المواشي (وقد كانت أغلب القبائل تعتمد إنتاج الحبوب وتربية المواشي في آن واحد).
- انعدام العمل المأجور في البادية.
ثالثا: فئة التجار- الملاكون
مع الانفتاح على السوق الرأسمالية، وتطور العلاقات مع السوق الخارجي، ظهرت إمكانيات تسويق في المدن الداخلية، وتصدير مواد فلاحية للخارج (الحبوب، الصوف…). فقد أقدم العديد من التجار على امتلاك أراضي خصبة، وهكذا ظهرت النواة الأولى لبرجوازية زراعية- عقارية. ويعطي ادريس بن علي بعض الأمثلة بمدينة فاس (المجلة المغربية للقانون والسياسية والاقتصاد 1980).
تقديرات حول ملكية بعض التجار في آخر القرن التاسع عشر ( منطقة فاس)
الاسم
عدد الهكتارات
التازي - 1130
بناني - 1557
بنيس - 894
بن شقرون - 868
لحلو - 801
برادة - 668
بن سليمان - 256
بن كيران - 257
بن يخلف - 145
بن جلون - 145
الكوهن - 110
جسوس - 123
بنونة - 58
كما ذكرت في دراسات أخرى أسماء الخمليشي وبوستة وبن عزو…بمكناس.
رابعا: البرجوازية الحضرية
كانت تتكون بالأساس من التجار الكبار ومن الفئة العليا من الصناع والحرفيين.
1- البرجوازية الصناعية:
- كانت الصناعة ترتكز بالأساس على العمل اليدوي في غياب أي ضمان اجتماعي وتقنين لمدة العمل وللأجرة والسن…
- كانت الصناعة تعتمد بالأساس على المواد الخام المحلية (المعادن، الصوف…).
- كان الإنتاج موجه بالأساس للسوق الداخلية.
- شكلت فاس وتطوان ومراكش أهم المدن الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر.
- كانت ظروف استغلال اليد العاملة من طرف البرجوازية جد فظيعة بمبرر أن المنتجين يتعلمون "الصنعة".
- لم تتطور هذه الصناعة التقليدية إلى صناعة عصرية تعتمد وسائل إنتاج حديثة لعاملين أساسيين: تخلف التعليم في المغرب (الذي يبقى تعليما دينيا) حيث لا يساعد على البحث والاكتشاف… و طبيعة المخزن الطفيلية التي تثقل الصناع بضرائب وهدايا لا تساعد على تراكم رأسمالي يؤدي إلى استثمارات جديدة وتوسيع دائرة الإنتاج.
فزيادة على المنتوج الصناعي التقليدي كثياب الكتان، والبلاغي والسروج والأواني النحاسية والحلي والمصوغات من الذهب والفضة والمضمات والزرابي… فقد ازدهرت نسبيا، صناعة الذخائر والسلاح الفردي (القنابل، المكاحل، البارود) كما ظهرت صناعة تكرير السكر التي لم تعمر طويلا لانعدام المتخصصين.
2 – البرجوازية التجارية :
يتم تسويق المنتوج أو البضاعة في المتاجر، وفي الأسواق الأسبوعية بالبوادي وفي الأسواق اليومية بالمدن، وعبر التبادل عن طريق البحر أو القوافل.
إن التجارة عبر القوافل تقلصت لصالح التجارة عبر البحر التي ازدهرت انطلاقا من أوربا.
وقد ظهرت فئة من التجار استفادت من علاقاتها بالمخزن لتحصل على احتكار تسويق بعض المواد. يقول ابراهيم حركات في كتابه "المغرب عبر التاريخ" الجزء الثالث ص 505: " ومن أهم الظواهر التي تميزت بها التجارة الداخلية على الأخص احتكار بعض المواد لفترة محددة وغالبا في جهة أو ميناء معين ولصالح شخص بعينه. وهذا الاحتكار ينبغي أن نعتبره نوعا من الإقطاع مثلما كانت تقطع أرض تستغل أومكس يختص به شخص يحظى بعطف المخزن لسبب ما".
فقد أدى مثلا قرار مولاي عبد الرحمن منح احتكار بيع السكر والبن لتجار معينين إلي ارتفاع صاروخي في الأثمنة (1850)، وتعرض الشاي لقرار مشابه. إن احتكار تصدير الجلود من طرف السلطان سبب في معانات فئات محلية: فقد طلب من 3600 دباغ وضع كل مدخراتهم من الجلود تحت تصرف أعوان المخزن.
يلجأ المخزن في كثير من الأحيان إلى بيع حق التصدير أو حق الاحتكار بالنسبة لمادة أو مواد معينة، بالمزاد، ويقول نفس المؤرخ وفي نفس الكتاب (ص 506) أن الكيف (الحشيش) كان يدر بهذه الطريقة مبلغا كبيرا في كل من طنجة، تطوان، العرائش، القصر الكبير، مكناس، الرباط، الدار البيضاء، الجديدة ومراكش.
ومن نماذج الاحتكارات الداخلية لصالح الخواص:
- امتياز بيع الثيران و وسقها من العرائش وطنجة وتطوان لمدة سنة واحدة مقابل 8 آلاف مثقال لصالح محمد بن الحاج المسعودي ، والحاج قاسم حصار السلاوى، والحاج بوعبيد الحصيني الرباطى.
- امتياز بيع الغاسول وشرائه ووسقه من كل الموانئ المغربية لمدة 4 أعوام تبتدئ من 1860 لصالح محمد بن المدني بنيس.
- امتياز بيع الجلود و وسقها مقابل 60 ألف مثقال لمدة سنتين ابتداء من 1852 لصالح مصطفى الدكالي والمكي القباج.
لقد أعطى التطور الطبيعي للمجتمع المغربي، زيادة على سياسة المخزن في ميدان التجارة، فئة برجوازية طورت مصالحها و وسعت من نفوذها تحت رعاية وحماية المخزن.
إن التحالف ألمخزني-البرجوازي تبلور من خلال الامتيازات والاحتكارات مقابل أموال وخدمات عدة، وكان السلطان يمنح في كثير من الأحيان حمايته بظواهر "التوقير والاحترام".
وابتداء من 1856 بدأ يعطي لبعض التجار لقب "تاجر السلطان" وهذا ما يمنحهم امتيازات جديدة.
3 – النواة الأولى للبرجوازية الكمبرادورية :
تتكون هذه الفئة من البرجوازيين المرتبطين بالرأسمال الأجنبي، حيث يمر نمو و تطور مصالحهم وتوسع نفوذهم عبر خدمة هذا الرأسمال، فهناك من ينعتهم بسماسرة (أو وسطاء) الخارج.
ابتداء من نصف القرن التاسع عشر، بدأ أغلب التجار الكبار المغاربة يتحولون تدريجيا إلى وكلاء في تصدير بعض المنتوجات المغربية إلى أوربا واستيراد المواد الأوروبية.
وقد لعبت هذه الفئة دورا مهما في التغلغل الأوروبي، وأصبح هذا النوع من الوسطاء يتمتعون بنظام الحماية، متحررين من الالتزامات تجاه المخزن.
وقد ظهرت فئة من "البرجوازية المالية" التي تعتمد على منح قروض بفوائد تقع بين 50 و 60% في السنوات العادية، وتصل إلى 200% في ظروف الأزمات، كما تعتمد على الشراء ألمضاربتي (المحاصيل الزراعية، الصوف…).
و نرد هنا بعض الحالات من المحميين من طرف القوى الأوروبية:
الاسم .............. نوع النشاط ..............القوة الحامية
إدريس التازي - تاجر القطن، موقع في منشستر - إنجلترا
أبو بكر التازي - 4 محلات تجارية في مانشستر - إنجلترا
لعربي بنيس - مستورد كبير للثوب - فرنسا
محمد بن زايد برادة - زبون كبير لمدينة جنوة بإيطاليا - فرنسا
محمد الشرايبي - مصدر ومستورد كبير - ألمانيا
بناصر لحلو - زبون كبير لمدينتي جنوة وليون - ألمانيا
محمد القباج - تصدير واستيراد مختلف المواد - انجلترا – إيطاليا – ألمانيا
خامسا : البرجوازية الصغيرة
تتشكل هذه الطبقة من الأفراد الذين يمتلكون أرضا، أو رأسمالا أو مهارة أو معرفة تسمح لهم بأن يعيشوا دون استغلال الآخرين ودون أن يستغلوا من طرف الآخرين (ويشكل الاستغلال عنصر ثانوي إذا ما حدث).
1 – البرجوازية الصغيرة الحضرية :
وتتكون بالأساس من الحرفيين والصناع التقليديين الصغار والمتوسطين، والتجار الصغار والمتوسطين، وموظفي الدولة الصغار وأصحاب المقاهي، والحجامة…
2 – البرجوازية الصغيرة القروية :
وتتكون من الفلاحين المتوسطين، ومربي الماشية ومن كل الذين لا يحتاجون إلى عمل الآخرين إلا في حالة نادرة، ومن الذين لا يحتاجون إلى البحث عن العمل من أجل العيش. يصعب تحديد أهمية هذه الشريحة نظرا لسيادة الملكية الجماعية للأرض.
سادسا : أشباه البروليتاريا (أو أشباه العمال)
تتشكل هذه الطبقة من الأفراد الذين لا يملكون (أو يملكون بشكل غير كافي) ما يحميهم من الاستغلال، حيث يضطرون إلى بيع قوة عملهم(عينيا أو نقديا) للعيش.
1 – أشباه البروليتاريا الحضرية :
وتتكون هذه الطبقة من فئات عريضة كالحمالة، والباعة المتجولين، والكرابة، والكسالة، وحراس الليل وخصوصا من آلاف العاملين "كمتعلمين" أو كمياومين في مختلف المقاولات الحرفية والصناعية…
2 – أشباه البروليتاريا في البادية :
وتتكون من الفلاحين الفقراء (يملكون بعض القطع الصغيرة من الأرض وبعض رؤوس الماشية لا تستجيب لحاجيتهم الأساسية) ومن المواطنين بدون أرض ولا ماشية …كل هؤلاء يلتجئون إلى العمل كخماسة، أو رباعة أو رعاة (سراحة)..
سابعا : البرولتاريا المشردة(lumpen- prolétriat)
وتتكون هذه الطبقة من المشردين، والسعاية والعاهرات، والمعوقين، وقطاعي الطرق وكل المهمشين في المجتمع. و يبدو أن عدد هؤلاء كان جد قليلا، وبالتالي يصعب الحديث عن طبقة اجتماعية في ذلك العهد. إن ظهور ونمو أحياء الصفيح، وتزايد عدد المهمشين واستفحال الظواهر الاجتماعية الشاذة، قد ارتبط بالاحتلال الأجنبي، ودخول الرأسمالية، والاستيلاء على الأراضي الجماعية، والنمو الديمغرافي…
وقد تعمقت هذه الظاهرة بعد 1956.
ثامنا : الطبقة العاملة
إن مفهوم الطبقة العاملة مرتبط بنمط الإنتاج الرأسمالي، والعامل هو من يضطر إلى بيع قوة عمله لرأسمالي يحتكر وسائل الإنتاج، ولا يمكن الحديث هنا عن الطبقة العاملة خارج العمل المأجور والقار نسبيا في وحدات صناعية (بالأساس) أو فلاحية أو خدماتية عصرية.
نجد من جهة مالك وسائل الإنتاج (الرأسمالي) و من جهة أخرى بائع قوة العمل (العامل)، وتنتج عن هذه الوضعية علاقات إنتاج تتسم بالاستغلال: العامل ينتج، ولا يتقاضى كمقابل عمله إلا أجرة تقل بكثير عن قيمة إنتاجه، والفرق بين قيمة المنتوج (قيمة المبادلة) وأجرة العامل تسمى فائض القيمة.
وبهذا المفهوم يصعب الحديث عن طبقة عاملة قبل دخول الاستعمار.
تاسعا : التناقض الأساسي والصراع الطبقي
فمن الناحية النظرية، يمكن اعتبار أن نمط الإنتاج السائد هو الذي يحدد التناقض الأساسي في المجتمع. مثلا في إطار سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن التناقض الأساسي يتجلى في التناقض بين العمل والرأسمال، أي بين الطبقة العاملة والبرجوازية الرأسمالية، لكن التناقض الآني الذي يميز بشكل حاد الصراع السياسي في ظروف معينة، يمكن أن يخترق المجتمع بشكل آخر، فمثلا يمكن في إطار مواجهة الخطر الأجنبي، أن نجد أن الصراع يدور بين الطبقات الوطنية بما فيها جزء من البرجوازية التي تتناقض موضوعيا مصالحها مع مصالح الأجنبي، هذا من جهة؛ و من جهة أخرى، العدو الأجنبي والطبقات أو الفئات المحلية المرتبطة به، وهذا التناقض يسمى التناقض الرئيسي، ويحتم تحالفات سياسية طبقية مرحلية.
إن التناقض الأساسي يحدد الأهداف البعيدة المدى ولا يتغير إلا بتغيير نمط الإنتاج وبالتالي تغيير أطرافه الطبقية، في الوقت الذي يحدد التناقض الرئيسي الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، ويمكن أن تختلف أطرافه على أطراف التناقض الأساسي (تحالف واسع لمواجهة شريحة فاشية، أو مواجهة خطر أجنبي…).
لم يحدد إلى حد الآن الباحثون نوعية نمط الإنتاج السائد في المغرب عشية الغزو الاستعماري، ومن هنا يمكن التركيز على التناقض بين الطبقات الشعبية (أو الوطنية؟) المكونة من البرجوازية الصغيرة بمختلف فئاتها وشرائحها، وأشباه البروليتاريا، وفئة الصناع والتجار الكبار (برجوازية وطنية ؟) المتضررين من سياسات المخزن والاحتكاريين، والمحميين والتغلغل الأجنبي، هذا من جهة، والمخزن بكل مؤسساته وامتداداته داخل البادية، و الاستعمار (الإمبريالية؟) الغربي والفئات المحلية المرتبطة به (الكمبرادور؟) من جهة ثانية.
إن ما يسمى بالسيبة، هو في الواقع مقاومة الفلاحين ومربي الماشية المنظمين في إطار القبيلة، لسياسات المخزن التي أغرقتهم في مستنقعات الكلف والضرائب الدينية وغير الدينية، وسياسة الاستيلاء على الأراضي الجماعية، وسياسة الاستبداد التي يمارسها العمال والبشوات والقواد المحليين… إن تاريخ المغرب خلال القرون الأخيرة هو تاريخ الصراعات بين القبائل حول أراضي الرعي و حول الماء بالأساس، إلا أن هذه الصراعات تبقى ثانوية من ناحية المعانات التي تنتج عنها، لأن الصراعات المستمرة والمدمرة لسكان المغرب، هي الصراعات بين السكان المدافعين عن كرامتهم وحقوقهم الطبيعية من جهة، والمخزن بمختلف مؤسساته وملاكي الأراضي الكبار من جهة ثانية.
إن سكان المدن، خصوصا سكان فاس، عاصمة المغرب في أواخر القرن التاسع عشر، قد دخلوا في عدة صراعات ضد المخزن دفاعا عن كرامتهم، ومنددين بكثرة الضرائب، والهدايا المفروضة عليهم لصالح السلطان، وضد سياسة الاحتكار التجاري الذي يمنحه السلطان للبعض.
ومن أهم الانتفاضات الحضرية انتفاضة سكان فاس(1821-1819) بقيادة البرجوازية المحلية ضد العامل محمد الصفار ورموز المخزن، و قدانتقل السلطان من مدينة مكناس على رأس جيشه نحو فاس لإخماد الانتفاضة، وهاجمت قبائل المنطقة مؤخرة جيشه، وقد أمر السلطان "بنهب بيوت البربر" (المغرب عبر التاريخ لابراهيم حركات ص 142 ).
وخلال حملة قام بها السلطان بين الرباط ومراكش، استولى العبيد على الخيام الملكية وما بها، وعادوا إلى مكناس، واقتدى بهم أهل فاس في الاستهتار بالمخزن، وانتفضوا، وتكونت بالمدينة لجنة ثلاثية انتخبها السكان لإدارة شؤونهم، وقد توجه أحد "الأدباء" محمد بن ادريس الفاسي بقصيدة إلى السلطان مولاي سليمان يستعديه على الأوداية (الذين قادوا الانتفاضة) ويتألم لموقف البربر منه (نفس المرجع ص 143).
كما عرفت فاس انتفاضات في آخر القرن التاسع عشر بقيادة الدباغة (فئة من البرجوازية الصغيرة) احتجاجا بالأساس على الضرائب، واحتكار تجارة تصدير الجلود من طرف السلطان.
و تتضح من خلال الأمثلة التي سردناها سابقا، أن مناهضة المخزن هي عملية سكان البادية وسكان المدينة في آن واحد، و لا يتميز فيها من يتحدث بالأمازيغية أو العربية.
وقد تحدث إبراهيم حركات في كتابه "المغرب عبر التاريخ – الجزء الثالث، ص 144" عن مشاورات بين "الفاسيين والبربر لبيعة ملك جديد" في 1820، خلافا للسلطان مولاي سليمان الذي التجأ إلى مراكش، ثم رجع لمحاصرة فاس لمدة عشرة شهور.
(يتبع)