يعود اكتشاف الغربيين لأبي بكر عبد القاهر الجُرجاني، الذي توفي سنة 1074، إلى بدايات القرن السابع عشر حين قام المستشرق الهولندي توما فون أرب (1584-1624) بطبع كتابه "العوامل المائة" بعدَ أن تمت ترجمته إلى اللاتينية، وكان ذلك في حدود سنة 1617.
ومُنذ ذلك الحين، لم يفتر اهتمام العلماء بالجرجاني والاحتفاء بكتبه فترجَم بعضَها إلى الإنجليزية، سنة 1814، أ. لوكت، وقرَّره في بَرامج التدريس بفور وليام في البنغال الهندية.
وازداد هذا الاحتفاء رسوخاً حين تجشَّم العَلّامة هلموت ريتر عناءَ تَرجمة "أسرار البلاغة" إلى اللسان الألماني سنة 1954. وبعدها اشتغل الدارسون على قراءة آثار الجرجاني وطبعها وتحقيقها.
ما ذُكرَ غَيض من فيض عن آلاف الأطروحات والكتب عن اللغوي العربي، فَلِمَ يَعود هذا الاهتمام وقد مَرَّ على وفاته ما يناهز الألف عام؟
نفسر الاحتفاء الغربي بالجرجاني لما كان له من أثر في الحقل البلاغي ولعمقه في التحليل الألسني، إذ غاص في مَظان الجمال وتوصَّل إلى معرفة ما يقوم به البيان، ومن ثمرات نظره الوقوف على العلاقات بين المعاني الأصليَّة والمعاني الحافَّة التي صنفها حسب المشابهة.
كما سَبر الجرجاني بأدواته دلائل الإعجاز في كلّ كلام، وأدرك ما يشد جمهور القراء إلى الجانب الأدبي من النصوص، حتى سبَق كبار علماء الأسلوبية إلى معرفة قوانين الشعرية، وتَفَنَّن في وَصفها، فكان مؤثراً في أعمال بول ريكور أو جون كوهن في تحليلهما للقوانين الأدبيَّة.
ولنا أيضاً أن نعلّل هذا الاهتمام بوضع الجُرجاني لأُسس علمٍ جديد سمَّاه القدماء علم البلاغة، ويصرُّ المُحدثون على تسميته: علم الأدب أو الأسلوبية، ويسميه الألماني هنريش بليت علم الدلالة التركيبية.
يصوغ الجُرجاني معالم هذا الفنّ بوضوح المُنَظِّرين الجدد، وغالباً ما يكون لوضع العلوم واكتشاف مَجالاتِ المَعرفة البِكر وقعٌ خاص عند المهتمين بتاريخ العلوم، وبما أنَّ الجُرجاني كان واضعَ العلم و"شيخَ الصناعة" فقد عاد النقّاد إلى تقسيمه لأبواب البيان، وَوضعه للمصطلحات، بالإضافة الى تحليل أمهات المسائل العويصة فيها.
أخرج هذا الاعتناء الجُرجانيَّ من دائرة الدراسة العربية إلى فضاء الإسهام الإنساني في تحليل ظواهر البيان وإبراز براعة الأسلوب وجودة التصوير الفنّي، ولكن ما تزال جلّ كتبه -على كثرة دارسيها شرقاً وغرباً- أرضاً بِكراً تنتظر أجيالَ الباحثين، فَيَنبَرونَ لِفَهم مَقاصده ووَضعه في التاريخ التراكمي/ القطائعي للمعرفة، وتحليل أسرار بلاغته في الكشف عن أسرار اللغة.
* باحث وأستاذ جامعي/ باريس
ومُنذ ذلك الحين، لم يفتر اهتمام العلماء بالجرجاني والاحتفاء بكتبه فترجَم بعضَها إلى الإنجليزية، سنة 1814، أ. لوكت، وقرَّره في بَرامج التدريس بفور وليام في البنغال الهندية.
وازداد هذا الاحتفاء رسوخاً حين تجشَّم العَلّامة هلموت ريتر عناءَ تَرجمة "أسرار البلاغة" إلى اللسان الألماني سنة 1954. وبعدها اشتغل الدارسون على قراءة آثار الجرجاني وطبعها وتحقيقها.
ما ذُكرَ غَيض من فيض عن آلاف الأطروحات والكتب عن اللغوي العربي، فَلِمَ يَعود هذا الاهتمام وقد مَرَّ على وفاته ما يناهز الألف عام؟
نفسر الاحتفاء الغربي بالجرجاني لما كان له من أثر في الحقل البلاغي ولعمقه في التحليل الألسني، إذ غاص في مَظان الجمال وتوصَّل إلى معرفة ما يقوم به البيان، ومن ثمرات نظره الوقوف على العلاقات بين المعاني الأصليَّة والمعاني الحافَّة التي صنفها حسب المشابهة.
كما سَبر الجرجاني بأدواته دلائل الإعجاز في كلّ كلام، وأدرك ما يشد جمهور القراء إلى الجانب الأدبي من النصوص، حتى سبَق كبار علماء الأسلوبية إلى معرفة قوانين الشعرية، وتَفَنَّن في وَصفها، فكان مؤثراً في أعمال بول ريكور أو جون كوهن في تحليلهما للقوانين الأدبيَّة.
ولنا أيضاً أن نعلّل هذا الاهتمام بوضع الجُرجاني لأُسس علمٍ جديد سمَّاه القدماء علم البلاغة، ويصرُّ المُحدثون على تسميته: علم الأدب أو الأسلوبية، ويسميه الألماني هنريش بليت علم الدلالة التركيبية.
يصوغ الجُرجاني معالم هذا الفنّ بوضوح المُنَظِّرين الجدد، وغالباً ما يكون لوضع العلوم واكتشاف مَجالاتِ المَعرفة البِكر وقعٌ خاص عند المهتمين بتاريخ العلوم، وبما أنَّ الجُرجاني كان واضعَ العلم و"شيخَ الصناعة" فقد عاد النقّاد إلى تقسيمه لأبواب البيان، وَوضعه للمصطلحات، بالإضافة الى تحليل أمهات المسائل العويصة فيها.
أخرج هذا الاعتناء الجُرجانيَّ من دائرة الدراسة العربية إلى فضاء الإسهام الإنساني في تحليل ظواهر البيان وإبراز براعة الأسلوب وجودة التصوير الفنّي، ولكن ما تزال جلّ كتبه -على كثرة دارسيها شرقاً وغرباً- أرضاً بِكراً تنتظر أجيالَ الباحثين، فَيَنبَرونَ لِفَهم مَقاصده ووَضعه في التاريخ التراكمي/ القطائعي للمعرفة، وتحليل أسرار بلاغته في الكشف عن أسرار اللغة.
* باحث وأستاذ جامعي/ باريس