(١)
يتباين التفكير البشري فيما يعتقده الناس، فالأفهام لا تتفق حول عقيدة واحدة، فهذا ملحد لا يقر بوجود محرك للحياة، بمثابة (صانع الساعات الأعمى) الذي يتبناه ريتشارد دوكينز، بل يعتقد أن الحياة خالية من الإله الخارق (وهم الإله)، وعلى النقيض نرى المؤمن الذي يعتبر كل ما يقوله الملحد كفر وزندقة، فهل يتفق المؤمنون أم اختلفوا؟!، حينما نأخذ نموذج طريقة الاستنتاج للوصول للخالق، نرى أن شريحة ترى العقل أساس في عملية الاستدلال، بينما ترجح شريحة أخرى القلب وتعتبره هو الحكم والفيصل .
بدأ حوار بيني وبين أحد أصدقائي حول ما يفهمه المسلم وما يراه الملحد، وكان منطلق الحديث مقالة للدكتورة نورة الهديب تحمل عنوان : (نظرية اليقين وفلسفة العقل البشري)، تشير الدكتورة إلى أن العقل في هذا الزمان المعاصر تحول إلى نقمة، حيث تأثر بالطمع والغرور، فظن أنه يتمكن بذكائه أن يعرف المغيبات والمستقبل . ترى الدكتورة أن العقل يتخبط في التساؤلات والاستنتاجات، فأين النجاة من خرائط التيه؟!، تجيب الهديب أن الحل يقع على القلب الملازم للعقل، لما يمتلك من يقين بالتوكل، وهنا وقع الجدل وتعقد الحوار بيني وبين صديقي واحتدم النقاش .
* بدأتُ الحديث بهذا التساؤل : كيف يمكننا بلوغ اليقين؟!، والعقل البشري ناقص وتساوره التخبطات، أما القلب فيُداخله الوهم؟، وكل ديانة تقول اليقين في جيبها، فأين اليقين الحق؟! وكيف نميزه؟!، بالقلب الواهم أم بالعقل المتخبط؟!، أم بلوغ اليقين محال بأدوات يشوبها القصور ؟!
> أتلقى الإجابة منه : نبلغ اليقين بالإيمان الذي يأخذ دور الجاذبية للعقل، فالإيمان كـ ( دليل طريق) يجذبه دائما إلى منهجية التفكير السليم، ولنا في إبراهيم قدوة حين أعطى العقل مساحته في التأمل والتفكير، إذا قال : هذا ربي، وهو يشير : للكوكب، والقمر، والشمس، ثم في الأخير يبلغ أعلى المراتب وهي درجة اليقين .
أشعل النقاش : أي إيمان وأي جاذبية تُثَبِّتُ العقل؟!، أنا الآن أتجرد واستعير عقل ملحد يكفر بالإيمان، فكيف سيبلغ نور الإيمان لهذا الملحد وفاقد الشيء لا يعطيه؟!، الحديث تكريس لثقافة متوارثة، الحل في الإيمان، كيف نبلغ اليقين بالإيمان؟!، والتسلسل باطل كما يقول المناطقة، هلا أجبت على عقل ذلك الملحد الذي أتحدث بالنيابة عنه؟!، تناول صديقي القرآن الكريم وانتخب منه هذه الآية : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )، لم يكن مقتنع إبراهيم فيما يعبد قومه، وعبر منهج الشك والتأمل بلغ اليقين، حيث لاحظ أفول المخلوقات بينما الخالق ينبغي أن لا يصيبه الأفول، حينها قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض .
* قلتُ لصديقي بشيء من التفاعل : الملحد يعتقد أن كل الأديان خرافة وصناعة بشرية، فكيف سنقنع هذا الملحد الأشوس بآيات لا يؤمن بها؟! ، وبقصة يراها أسطورية خيالية نسجها المستأكلون بالدين، على حد قوله !!، الملحد يضحك على من يسجد للصنم والبقر والكعبة على حد سواء، وربما يقول القائل المسلم يسجد لله لا للكعبة، كذلك المشركون يؤمنون بالله لكنهم يشركون معه، لأن الأصنام تقربهم من الله زلفى، فالحجر الأسود حجر، واللات والعزة وهبل مجرد أحجار، فلماذا هنا وثنية وهناك لا أوثان؟!، وكما قال عمر : (وإني أعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع)، فلماذا التقاتل بين المسلمين عليه؟!
> عموماً سيواصل الملحد نقده لهذه الدراما الإبراهيمية، ويقول : أين الله؟، ألم يأفل هو الآخر؟!، ثم ما الدليل على إله المسلمين؟!، هل يعقل خالق الأكوان يتصاغر ليحاسب رجل حين يقدم رجله اليمنى أم اليسرى عند دخول بيت الخلاء؟!، ثم لا يعبه بمصير مجازر جماعية جزرت بسيف نبيه في بني قريظة؟!، الحديث سيتشعب، ولكن السؤال هو ذات السؤال الذي أسأله الدكتورة نورة الهديب : كيف يبلغ الملحد اليقين؟! ، إن قلنا بالإيمان فهو ملحد لا إيمان له، وإن قلنا بالعلم فالعلم كما ذكرتي تشوبه التخبطات سواء في الاستنتاجات أو التساؤلات الخاطئة .