ضغطت على أصابعي المرتعشة و حاولت أن أجعلها متماسكة، لألملم بعض الأوراق المبعثرة على أرضية الغرفة، التي تحتضن أحلاما سرقتها أبواب الجحيم الموغلة في الزمن، ألامس ما تترك الكلمات من أثر على الصفحات المشوهة، وما علق في الذاكرة من صور مفزعة يصعب أن تبارحها، صور ذات لون باهت تأتي كلما كان الوقت معتما وموغلا بالصمت، عبارة السلام التي لقيت حتفها في بحر دامي أحمر وعلى متنها العشرات من الأحلام والتخيلات والأصوات المستغيثة، وأسماك انغرست أشواكها بجسد إنسان فقير لم تسعفه دريهماته للعبور إلى أحلامه بأجنحة بيضاء .... بدلوا قصارى جهدهم ليثبتوا أمام التحدي، ورموا بحوافر القلق بعيدا، متشبثين بقوائم النجاة لعله يأتي يوما يعانقون الحلم وهم في الضفة الأخرى من الساحل، ولكن هيهات أن يبلغ الإنسان دوما ما يتمناه، فقد رحلوا والصورة المفزعة تتراءى للعلن، موت وغرق وحلم النجاة، وابتسامة سرعان ما توارت خلف براثين الظلام ،رحلة سرقت تفاصيل كل الآمال التي كانت تترنح في دروبهم الوعرة .كانت لهم أحلام تحملهم بعيدا دون أن يعرفوا إلى أين، دون أن يوقفوا خطواتهم السريعة، فقط استمروا في خطوهم، كطفل يتتبع طائرته الورقية في سعادة عارمة... لتنتهي الرحلة وتكتسي الليلة صبغة السواد، لم يتكون فيها القمر الذي سيخفف من وطأة الضياع ، ليلة محزنة فقد فيها الوطن الكثير وانطوت ساعاتها على ما أحبوا وانغلقت على ما لا يريدون...