تقديم:
يقول الكاتب في لقاء قديم بصحيفة اليوم السعودية ( ولدت على هذه الأرض ولبست لباسها).
إن رفد الأجيال والعالم بما اختزنته الذاكرة من تجارب وخبرات إنسانية, هي بالأصل نسيج الموروث الشعبي, وتقديمه في شكل عمل إبداعي, يعد من الأعمال النبيلة التي تساهم في تعزيز, و تعضيد مفهوم الهوية الجامعة.
العنوان العتبة الأولى:
منذ العتبة الأولى تجابه بسؤال الهوية في رواية أبناء الأدهم للكاتب السعودي جبير المليحان, والتي صدرت في العام 2016م من دار جداول للنشر والترجمة ببيروت, والحائزة على جائزة وزارة الثقافة السعودية في العام 2017م. يظهر العنوان المركب من مضاف ومضاف إليه بالمبتدأ, بلا خبر يجعلنا نقف على عتبة يحفها الغموض, فتتولد الأسئلة. من هو الأدهم, ومن هم أبناؤه, وما قصتهم؟
ثمة تساؤل يطرأ عن دلالة اللفظ لماذا أبناء و ليس أولاد, و ما هو الفرق بينه وبين لفظ أولاد التي نستخدمها في اللغة اليومية؟
تشمل الأبناء الأصلاب وغير الأصلاب وتعني فيما تعني علاقة ما ( علاقة دم.. زمان.. مكان أو نسب ما. أبناء الطبقة العاملة, أبناء الطبقة الراقية...). بينما كلمة الأولاد تقتضي بالضرورة حتمية العلاقة البيولوجية عن طريق الدم و الأصلاب, وإذا علمنا أن الأدهم ما هو إلا جبل نجد أن الكاتب وفق لحد بعيد في اختيار العنوان الدال و الغامض و الجاذب, وهو أدق لوصف الشخوص في النص ونسبهم إلى أبيهم المجازي.
مدخل لفهم تضاريس النص:
نحن إذن أمام سؤال الهوية, وإن الاجابة علي على هذا السؤال الملح هي المدخل الصحيح لفهم تضاريس النص وأجوائه المتقلبة, ونحن إزاء ذلك, لابد لنا من الخوض في المتن لتفكيكه و سبر أغواره و تحليل مآلاته المحتملة, إذ أن جميع الشخوص ظلت في معاناة دائمة ومكابدة لإيجاد إجابة لهذا السؤال. الشيخ مران يقول: هذا ليس اسمي ويشكك في نسب ابنته سلمى. صايل ومنهاد, أجا وسلمى, و غالبية الشخوص ظلوا في صراع ويبحثون عن هوية ما تجمعهم. لذا كان الارتحال نحو الجبل, ولا يخفى رمزية المكان المتمثل في الجبل, فهو بمثابة الحاضنة للكل, وهو الرسوخ والركوز والثبات والشموخ. وهي صفات الأب. بل الوطن.
يستهل النص بعنوان دال, وإن بدا خارج النص لكنه يظل العمود الذي رفع سقف السرد وثبت أوتاده الأربعة ( المقدمة, العقدة, الحبكة, التشويق و الحل). أصل الحكاية. يقول الكاتب (قيل أن شابا اسمه أجا من العماليق, عشق فتاة اسمها سلمى, وعشقته إلخ ... وقيل وقيل وقيل... ومع كل هذا نؤكد أن الحكاية حدثت كما يأتي).
هنا يمتلك الراوي العليم حق المعرفة, معرفة القصة بحذافيرها, ثم يبدأ الكاتب يسحب خيطه السردي رويدا رويدا بما يشبه التنويم المغناطيسي والايحاء تارة, والايهام تارة أخرى, بمعزل عن الزمن, لجعلنا نصدق أن كل ما يقوله هو الصواب, وأصل الحكاية والحقيقة التي لا يدانيها أدنى شك.
منذ الوهلة تشعر أن الكاتب يغرف من مخزون لغوي يتسم بالثراء والعمق على جميع مستوياته, السرد والوصف والحوار, هذا المخزون ليس رشة غيمة عابرة بل هو معين مزج بموروث شعبي رضعه الكاتب من بيئة غنية وأصيلة, وهو يستلهم رؤاه من سيسيولوجيا الأسطورة القديمة. في دروب البحث عن هوية, يؤسس الكاتب عتبات داخلية كما لو أنها قصة قائمة بذاتها أو قصاصات أحجية مبعثرة. هنا نلحظ بوضوح ولاء الكاتب لجنس القصة القصيرة الذي هو من سدنته وشيوخه الكبار. تتداخل القصص و تتشابك في فسيفساء النسيج السردي, تصور المعاناة والصراع من أجل البقاء و الوجود و إثبات الهوية حيث لا سلطة, دينية أو سياسية كانت في ظل بيئة متقلبة, وحياة قاسية يقلب عليها الشظف و الحروب والنزاعات القبلية على الأرض والموارد الشحيحة. في بيئة بتلك القسوة أمكن للحب أن يتفتح كما تتفتح الوردة من بين الأشواك. ومن خلال تقنيات الراوي العليم والفلاش باك والتداعي الحر والتقطيع السينمائي يصنع الكاتب أسطورة ( سيسيولوجيا ومورفولوجيا) هوية خاصة بالنص في فضائها الزمكاني, وإن تشابهت مع الواقع حد التطابق, لكنها قطعا ليست هي, وإن بدت قديمة وطمّرت, إلا أن جذورها لاحقا غذّت قصص وحكايات العشق التي نبتت في الصحراء على مر العصور, وأصبحت يتوبيا يحتفى بها كموروث, و الذاكرة العربية والعالمية تحفظ الكثير( عنتر وعبلة, قيس وليلى, روميو وجوليت).
دور البيئة واضح في بلورة شخصية الكاتب, يمضي النص بتعدد أصواته, ودلالات الأسماء, ولغة الحوار في بناء الشخوص, فتشعر بدف وحميمية مع تلك الشخوص وكأنك تعرفها وكأنها تمشي بين السطور, يتحول النص السردي في اللاوعي إلى نص درامي تشاهده بعينك وأنت تقرؤه, ومع الحواشي والهوامش التي حرص عليها الكاتب, يتشكل وعي جمعي لدى المتلقي, يصبح ملما بأدق التفاصيل. عن البيئة, العادات والتقاليد والموروث وأنواع الأكل والشرب, فيحدث الاندماج الكلي في (سيسلو جيا) بيئة النص أو حياة النص أو هوية النص.
يقول الكاتب في صفحة 43 ( تتذكر تلك الأيام الحلوة, أيام الفرح إذ تجتمع البنات في باحة أحد البيوت للغناء والرقص... وقد فككن ضفائرهن) إلا أن يقول ( تنطلق البنات بالرقص على الايقاعات في حلقة دائرية تتسع قليلا, قليلا وعلى مهل ثم تضيق حتى تكاد الرؤوس تتلامس والظهور تنحني ثم تتفتح الدائرة مبتعدة كورق زهرة تتنفس في ضوء الشمس). هذا العرض الفلكلوري سمة المجتمعات الراسخة, إذ يبقى الرقص الشعبي وسيلة للاندماج في المجتمع و معززا للهوية. رأينا ذلك في ملاحم الواقعية العالمية مائة عام من العزلة ماركيز و ثلاثية محفوظ الخالدة, و رائعة الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال.
الحب في النص أيضا هوية بسطوته على الروح والجسد, وعلى البيئة المحيطة, يتغير المرء, ويبدأ البحث عن هويته الذاتية الحقيقية ككائن من روح ودم. منهاد المرأة الصلدة, رق قلبها كأم, أجا الشاب العازف الحالم الذي ارتبط بناقته الحمراء تحول إلى فارس مقدام يمكن أن يصارع قبيلة من أجل الانتصار لحبه, وريقة هي أيضا اكتسبت جسارة وقوة, وقررت مجابهة سطوة زوجها مران بالغناء وهكذا.
الرواية تنتصر للمرأة باعتبارها أرض خصبة, رحم حاضن وثدي مغذي لجينات الهوية, رأينا كيف أنها ظلت تدافع عن نفسها, حبها, تكابد الحياة كتف بكتف مع الرجل, ومع الكم الكبير للحروب والغزوات, لم نر حالة سبية واحدة. يقول الشيخ شجاع والد منهاد الفتاة المقاتلة لقومه في أمر زواجها: دعوها إنها حرة. هنا أيضا انتصار لهوية الحب, قمة الانتصار عندما يثمر الحب حيوات جديدة بنفس الهوية الراسخة. في السهل عند قدمي الجبل, يولد سهل بن سلمى بن أجا ويولد سلموات وأجاوين كثر يحملون ذات الهوية.
وإن اختلفت النهاية مع ما تداوله الناس في الأسطورة, إلا أن النص في صراعه الداخلي و حياته الخاصة, خلق النهاية التي تخصه وكانت لقوى الطبيعة والفيضان والانزلاقات الأرضية كلمتها. عمّقت الفجوة وفصلت بين القوم. القوم المحبين ومطارديهم الأشرار, نهاية دراماتيكية مفتوحة على كل الاحتمالات, إلا احتمال فقدان الجبل والأرض وهما الهوية الجامعة للكل.
تمنيت أن يطرز الأستاذ جبير بعض الفصول بأغاني تراثية باللغة الدارجة بالخصوص في مقطع رقص الفتيات, لتكتمل المتعة والمعرفة بالخصوص أن النص في مجمله يصور ملحمة درامية, أو نسخة إلياذة صحراوية بدوية أصيلة.
في ختام هذه القراءة الانطباعية لابد لي أن أقول أن هذا النص الباذخ يستحق القراءة. و إن كان لصوتي صدى أتمنى أن يصل إلى وزارة الثقافة التي منحت هذا العمل شرف الفوز بجائزتها للعام 2017م ووزارة التعليم, أتمني أن يضمنا هذا العمل ضمن مناهج التعليم الثانوي أو الجامعي, أو يحول إلى عمل درامي مشاهد, ففيه الزبدة, فيه ما يمكث في الذهن, وما ينفع الأجيال ويحمي هويتهم من المسخ.
د/ جمال الدين علي الحاج
قاص و روائي سوداني
يقول الكاتب في لقاء قديم بصحيفة اليوم السعودية ( ولدت على هذه الأرض ولبست لباسها).
إن رفد الأجيال والعالم بما اختزنته الذاكرة من تجارب وخبرات إنسانية, هي بالأصل نسيج الموروث الشعبي, وتقديمه في شكل عمل إبداعي, يعد من الأعمال النبيلة التي تساهم في تعزيز, و تعضيد مفهوم الهوية الجامعة.
العنوان العتبة الأولى:
منذ العتبة الأولى تجابه بسؤال الهوية في رواية أبناء الأدهم للكاتب السعودي جبير المليحان, والتي صدرت في العام 2016م من دار جداول للنشر والترجمة ببيروت, والحائزة على جائزة وزارة الثقافة السعودية في العام 2017م. يظهر العنوان المركب من مضاف ومضاف إليه بالمبتدأ, بلا خبر يجعلنا نقف على عتبة يحفها الغموض, فتتولد الأسئلة. من هو الأدهم, ومن هم أبناؤه, وما قصتهم؟
ثمة تساؤل يطرأ عن دلالة اللفظ لماذا أبناء و ليس أولاد, و ما هو الفرق بينه وبين لفظ أولاد التي نستخدمها في اللغة اليومية؟
تشمل الأبناء الأصلاب وغير الأصلاب وتعني فيما تعني علاقة ما ( علاقة دم.. زمان.. مكان أو نسب ما. أبناء الطبقة العاملة, أبناء الطبقة الراقية...). بينما كلمة الأولاد تقتضي بالضرورة حتمية العلاقة البيولوجية عن طريق الدم و الأصلاب, وإذا علمنا أن الأدهم ما هو إلا جبل نجد أن الكاتب وفق لحد بعيد في اختيار العنوان الدال و الغامض و الجاذب, وهو أدق لوصف الشخوص في النص ونسبهم إلى أبيهم المجازي.
مدخل لفهم تضاريس النص:
نحن إذن أمام سؤال الهوية, وإن الاجابة علي على هذا السؤال الملح هي المدخل الصحيح لفهم تضاريس النص وأجوائه المتقلبة, ونحن إزاء ذلك, لابد لنا من الخوض في المتن لتفكيكه و سبر أغواره و تحليل مآلاته المحتملة, إذ أن جميع الشخوص ظلت في معاناة دائمة ومكابدة لإيجاد إجابة لهذا السؤال. الشيخ مران يقول: هذا ليس اسمي ويشكك في نسب ابنته سلمى. صايل ومنهاد, أجا وسلمى, و غالبية الشخوص ظلوا في صراع ويبحثون عن هوية ما تجمعهم. لذا كان الارتحال نحو الجبل, ولا يخفى رمزية المكان المتمثل في الجبل, فهو بمثابة الحاضنة للكل, وهو الرسوخ والركوز والثبات والشموخ. وهي صفات الأب. بل الوطن.
يستهل النص بعنوان دال, وإن بدا خارج النص لكنه يظل العمود الذي رفع سقف السرد وثبت أوتاده الأربعة ( المقدمة, العقدة, الحبكة, التشويق و الحل). أصل الحكاية. يقول الكاتب (قيل أن شابا اسمه أجا من العماليق, عشق فتاة اسمها سلمى, وعشقته إلخ ... وقيل وقيل وقيل... ومع كل هذا نؤكد أن الحكاية حدثت كما يأتي).
هنا يمتلك الراوي العليم حق المعرفة, معرفة القصة بحذافيرها, ثم يبدأ الكاتب يسحب خيطه السردي رويدا رويدا بما يشبه التنويم المغناطيسي والايحاء تارة, والايهام تارة أخرى, بمعزل عن الزمن, لجعلنا نصدق أن كل ما يقوله هو الصواب, وأصل الحكاية والحقيقة التي لا يدانيها أدنى شك.
منذ الوهلة تشعر أن الكاتب يغرف من مخزون لغوي يتسم بالثراء والعمق على جميع مستوياته, السرد والوصف والحوار, هذا المخزون ليس رشة غيمة عابرة بل هو معين مزج بموروث شعبي رضعه الكاتب من بيئة غنية وأصيلة, وهو يستلهم رؤاه من سيسيولوجيا الأسطورة القديمة. في دروب البحث عن هوية, يؤسس الكاتب عتبات داخلية كما لو أنها قصة قائمة بذاتها أو قصاصات أحجية مبعثرة. هنا نلحظ بوضوح ولاء الكاتب لجنس القصة القصيرة الذي هو من سدنته وشيوخه الكبار. تتداخل القصص و تتشابك في فسيفساء النسيج السردي, تصور المعاناة والصراع من أجل البقاء و الوجود و إثبات الهوية حيث لا سلطة, دينية أو سياسية كانت في ظل بيئة متقلبة, وحياة قاسية يقلب عليها الشظف و الحروب والنزاعات القبلية على الأرض والموارد الشحيحة. في بيئة بتلك القسوة أمكن للحب أن يتفتح كما تتفتح الوردة من بين الأشواك. ومن خلال تقنيات الراوي العليم والفلاش باك والتداعي الحر والتقطيع السينمائي يصنع الكاتب أسطورة ( سيسيولوجيا ومورفولوجيا) هوية خاصة بالنص في فضائها الزمكاني, وإن تشابهت مع الواقع حد التطابق, لكنها قطعا ليست هي, وإن بدت قديمة وطمّرت, إلا أن جذورها لاحقا غذّت قصص وحكايات العشق التي نبتت في الصحراء على مر العصور, وأصبحت يتوبيا يحتفى بها كموروث, و الذاكرة العربية والعالمية تحفظ الكثير( عنتر وعبلة, قيس وليلى, روميو وجوليت).
دور البيئة واضح في بلورة شخصية الكاتب, يمضي النص بتعدد أصواته, ودلالات الأسماء, ولغة الحوار في بناء الشخوص, فتشعر بدف وحميمية مع تلك الشخوص وكأنك تعرفها وكأنها تمشي بين السطور, يتحول النص السردي في اللاوعي إلى نص درامي تشاهده بعينك وأنت تقرؤه, ومع الحواشي والهوامش التي حرص عليها الكاتب, يتشكل وعي جمعي لدى المتلقي, يصبح ملما بأدق التفاصيل. عن البيئة, العادات والتقاليد والموروث وأنواع الأكل والشرب, فيحدث الاندماج الكلي في (سيسلو جيا) بيئة النص أو حياة النص أو هوية النص.
يقول الكاتب في صفحة 43 ( تتذكر تلك الأيام الحلوة, أيام الفرح إذ تجتمع البنات في باحة أحد البيوت للغناء والرقص... وقد فككن ضفائرهن) إلا أن يقول ( تنطلق البنات بالرقص على الايقاعات في حلقة دائرية تتسع قليلا, قليلا وعلى مهل ثم تضيق حتى تكاد الرؤوس تتلامس والظهور تنحني ثم تتفتح الدائرة مبتعدة كورق زهرة تتنفس في ضوء الشمس). هذا العرض الفلكلوري سمة المجتمعات الراسخة, إذ يبقى الرقص الشعبي وسيلة للاندماج في المجتمع و معززا للهوية. رأينا ذلك في ملاحم الواقعية العالمية مائة عام من العزلة ماركيز و ثلاثية محفوظ الخالدة, و رائعة الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال.
الحب في النص أيضا هوية بسطوته على الروح والجسد, وعلى البيئة المحيطة, يتغير المرء, ويبدأ البحث عن هويته الذاتية الحقيقية ككائن من روح ودم. منهاد المرأة الصلدة, رق قلبها كأم, أجا الشاب العازف الحالم الذي ارتبط بناقته الحمراء تحول إلى فارس مقدام يمكن أن يصارع قبيلة من أجل الانتصار لحبه, وريقة هي أيضا اكتسبت جسارة وقوة, وقررت مجابهة سطوة زوجها مران بالغناء وهكذا.
الرواية تنتصر للمرأة باعتبارها أرض خصبة, رحم حاضن وثدي مغذي لجينات الهوية, رأينا كيف أنها ظلت تدافع عن نفسها, حبها, تكابد الحياة كتف بكتف مع الرجل, ومع الكم الكبير للحروب والغزوات, لم نر حالة سبية واحدة. يقول الشيخ شجاع والد منهاد الفتاة المقاتلة لقومه في أمر زواجها: دعوها إنها حرة. هنا أيضا انتصار لهوية الحب, قمة الانتصار عندما يثمر الحب حيوات جديدة بنفس الهوية الراسخة. في السهل عند قدمي الجبل, يولد سهل بن سلمى بن أجا ويولد سلموات وأجاوين كثر يحملون ذات الهوية.
وإن اختلفت النهاية مع ما تداوله الناس في الأسطورة, إلا أن النص في صراعه الداخلي و حياته الخاصة, خلق النهاية التي تخصه وكانت لقوى الطبيعة والفيضان والانزلاقات الأرضية كلمتها. عمّقت الفجوة وفصلت بين القوم. القوم المحبين ومطارديهم الأشرار, نهاية دراماتيكية مفتوحة على كل الاحتمالات, إلا احتمال فقدان الجبل والأرض وهما الهوية الجامعة للكل.
تمنيت أن يطرز الأستاذ جبير بعض الفصول بأغاني تراثية باللغة الدارجة بالخصوص في مقطع رقص الفتيات, لتكتمل المتعة والمعرفة بالخصوص أن النص في مجمله يصور ملحمة درامية, أو نسخة إلياذة صحراوية بدوية أصيلة.
في ختام هذه القراءة الانطباعية لابد لي أن أقول أن هذا النص الباذخ يستحق القراءة. و إن كان لصوتي صدى أتمنى أن يصل إلى وزارة الثقافة التي منحت هذا العمل شرف الفوز بجائزتها للعام 2017م ووزارة التعليم, أتمني أن يضمنا هذا العمل ضمن مناهج التعليم الثانوي أو الجامعي, أو يحول إلى عمل درامي مشاهد, ففيه الزبدة, فيه ما يمكث في الذهن, وما ينفع الأجيال ويحمي هويتهم من المسخ.
د/ جمال الدين علي الحاج
قاص و روائي سوداني