إنه يومُ اللاشيء. دام الصيفُ لقرونٍ ولم ينتهِ بعد. نستلقي، شيف وأنا، على الظهر في ملعب كرة قدم مغطّى بالعشب الإصطناعي خلف منزلنا. أقصدُ بِ«منزلنا» غرفتَه، غرفةَ الطلبة، حيث ذهبتُ إليها في أول العطلة ومعي فستانٌ وثلاثةُ كلاسين نظيفة وثم لم أعد من هناك، منذ ذلك الحين.
«ماذا سنفعل؟» أسأل.
«ماذا تقصدين؟» يلتفتُ نحوي.
لديّ رغبةٌ في أن أحشر أنفه في فمي والنمش الذي عليه وكلّ شيء.
«ها نحن بالفعل نقومُ هنا بشيءٍ ما،» يقول.
«أنا ضجرانة.»
يرفع كتفيه للأعلى.
«علّمني شيئاً،» أقول.
«مثلاً؟»
«هكذا، أيَّ شيء.»
ينظر شيف إلى السماء. أنظرُ معه. فيما مضى كنتُ أرغبُ في شيءٍ كهذا كثيراً، هكذا، أن أجلس بجوار أحدٍ ما. الآن لديّ شيف وأنا قد اعتدتُ عليه. بالكاد ألاحظُ فيما إذا كان ما يزال هناك بجواري، أم لا.
يسحب شيئاً من بين أسنانه. «يمكنني أن أعلمكِ أن تلّفي سيگارة، لكنها في الداخل.»
«اذهبْ واجلبها إذن.»
يتنهّد، يقف ويمضي متثاقلاً. يصطفقُ قماشُ الشورت الذي يرتديه، الشورت ذي الأزرق الخفيف. ترددُ أمي دائماً: إذا كنت تعلم أنك لن تكوي ملابسك، لا ينبغي عليك أن تشتري الكتّان.
يفتح شيف باب منزله الأمامي وأنا أشاهدُ كيف تترك طيّارةٌ خلفها خطًاً في السماء الزرقاء الساطعة. في داخلها لا بدّ من أناسٍ يجلسُون هناك. يمضون إلى منازلهم أو إلى حيث الشمس ليقضوا عطلاتهم. هل يشعرون بالذنب، لأجل كل هذا الكيروسين؟ أنا شخصياً بطلةٌ، إذْ أبقى في البيت. سيقولون فيما بعد: أناسٌ مثلها أنقذوا هذا العالم.
ها هو شيف هناك. سأقوم لأجلس.
«هيه، أنت هناك! يا فتى!» أنادي.
يرفع بصره، يحرّكُ رأسه للأعلى، ما معناه: ماذا؟
«هلّا أتيت؟ هل لديكَ سيگارة؟»
يسحبُ الباب خلفه ويسير نحوي، يقفز متثاقلاً من فوق السياج الواطئ.
«عليكِ أن تلّفيها بنفسكِ،» يقول، يسلّمني الباكيت. أغمزه بعيني، سعيدةٌ أنا بكونه يلعب معي اللعبة.
«لا أستطيع، هل تحبّ أن تعلّمني؟»
«طبعاً.»
يجلسُ متربعاً، ساقاه الطويلتان، ركبتاه المنثنيتان.
«ما اسمكَ؟» أسأله.
«شيف.»
«ماذا؟»
«شيف، طبّاخ.» يسحب ورقة لفّ من باكيته، وثمّ فلتراً. «هذه يجب أن تمسكيها باليد اليسرى. إذا كنتِ تستعملين كلتا يديكِ، طبعاً.»
«أنا كذلك.»
«وثمّ هكذا، بين أصابعكِ.» يحطُّ يده الدافئة، الجافة حول يدي، بحيث يكون بإمكاني أن أشعر كيف يكون ذلك، ينشر التبغ على ورقة اللف. إنه يبدو، تماماً، كشعر العانة. ثم يتناولُ يدي الأخرى، أصابُعه على أصابعي. يحركها جيئةً وذهاباً ولكن ورقة اللف تتجعد.
«مهلاً،» أقول.
«كلا، إنه على ما يرام. لا حاجة أن تكون أنيقة ومرتبة.»
يدفع إبهامي نحو الداخل. أضحك، يدغدغني ذلك، يقعُ بعض التبغ على ساقيّ العاريتين.
«تعالي، سأقوم أنا بذلك من أجلك.» يمكنه أن يقوم بذلك لوحده بشكل أفضل. سيگارة مشدودة ومستقيمة. يعطيها لي، يلفُّ واحدةً أخرى لنفسه. تقدحُ النار من فم قدّاحته.
«ماذا تفعلين هنا في ملعب كرة قدم، بدون كرةٍ معكِ؟» يسأل.
«كنتُ آملُ أن ألتقي بفتىً جميل.» ننظرُ إلى بعضنا البعض، ينفث الدخانُ. لديّ رغبة في أن أقبّله، لكن هذا من شأنه أن يفسد اللعبة.
«أنا أعيش هناك،» يقول. «مع صاحبتي.»
«أووه، لديكَ صاحبة؟»
يومئ برأسه.
«أهي جميلة؟»
«أجل. لكن ليس في قدر جمالكِ.» يضحك ويقولها غامزاً غمزةً صغيرة. يعلقُ الدخانُ بحلقي حاداً ولزجاً.
«هل يجوز أن تقول هذا عنها؟»
«إنها، على أي حال، ليست هنا. هيا، هل تريدين أن تري منزلي؟ سأريكِ إياه.» يقف ويرمي سيگارته، لتسقط في خطّ على شكل قوس، يفعلها كأي مدّخنٍ حقيقي. ثم يمدّ يده ويشدّني نحوه.
أرتطمُ بجسده، عن قصد، رائحتهُ رائحةُ عرقٍ، رائحةُ فتى طيبة. «أصاحبتكَ ليست في البيت؟»
«إنها في المدينة.»
يمسكُ بي عندما أتسلق لأقفز من فوق السياج الواطئ، على الرغم من أنه يعلم أنني يمكنني أن أفعل ذلك بنفسي. يبدو الخشب المصقول اللامع للباب الأمامي وكأنه جديدٌ تماماً. يفتح شيف الباب وأكاد أن أكون متوترة بشأن ما خلفه، رغم أنني أعلم ما هو موجودٌ هناك: ممرٌ فيه موكيتٌ رمادي وبريدٌ لم يُفتح بعد. نسير إلى الداخل. في القاعة الصغيرة آخر الممر أخلع حذائي، أنظر إلى غرفة المعيشة، وثم إلى المطبخ المفتوح.
«يا له من منزلٍ كبير،» أقول.
إنه لمالكة البيت التي أستأجرُ عندها، غرفتي في الطابق العلوي. «هل تأتين معي؟» يا خسارة. كنتُ آمل أنه سيكذب ويقول أنه غني، أو أن والده قد اشترى له هذا المنزل. ربما لكان سيسمح لي حينها أن أشرب من تلك الكؤوس الفاخرة.
أتبعه وأمشي على الدرج. «هل مالكة البيت أيضاً ليستْ هنا؟»
«إنها تقضي عطلتها في رحلةٍ بحرية. ها هي غرفتي.» يقوم بفتح الباب. إنها على حالها، كما تركناها: سريرُ إيكيا، الأطباق الفارغة، جهاز الألعاب إكس بوكس، كل تلك الملابس التي على الأرض. هل سيسمحُ حقّاً لشخصٍ غريبٍ أن يرى كل هذه الفوضى التي له؟
«يا لها من نافذة كبيرة،» أقول.
«هل تريدين أن تشربي شيئاً؟» يسأل. «لديّ بيرة فقط». يتناول علبة بيرة دوميليش من براد التخييم الصغير.
«شكراً لكَ،» أقول. تتلامس أصابعنا عندما يناوليني علبة بيرة، بشرةُ جلده ناعمة جداً مقارنة مع بشرة جلدي. أريد أن ألمسه في كل مكان. تقريباً.
تصدرُ العلبةُ هسيساً تحت أصابعي وأنا أفتحها. أذهبُ لأجلس وأنا محرجةٌ على الإسفنجة الناعمة على السرير، حقاً، أشعرُ أن هذه ليست غرفتي. «هل تجلبُ غالباً فتيات معك؟»
يضحك ويأتي ليجلس بجانبي، تغور الإسفنجة للأسفل تحتنا وأشعر بنفسي أنزلق قليلاً نحوه. «عندما يكنّ جميلاتٍ مثلكِ وحسب.»
«أجمل من صاحبتكَ، إذن؟»
يضحك، يحطُّ أصبعاً على شفتيّ. حركةٌ حلوة منه، لطيفة، هذا ما لا يفعله في العادة أبداً. «ششش،» يقول، «لا تتحدثي في ذلك، لا أريد أن أفكّر فيها،» يقول. «الآن أنتِ هنا.»
أريد أن أقول شيئاً، لا أعرف ماذا. أنا الآن هنا، أجل، أنا لستُ صاحبته. يحطّ يده على رقبتي، بشدةٍ أكثر من المعتاد، أميل نحوه، نقبّلُ بعضنا، قبلة فم. مذاقُ فمه مذاقُ البيرة والتبغ، يقبّل بقوّة، أقبّل بقوّة، أريد أن أقول: «هذه أنا، شيف،» لكن لا يبوء الأمر بالنجاح، ما من مجالٍ أبداً. أنا فتاةُ ملعبِ كرة القدم.
نسقطُ خلفاً على السرير، تطرطشُ بيرتي على الشراشف. يأخذ علبتي مني ويضعها على عتبة النافذة بجانب علبته. تنحسر تنورتي للأعلى، ينكشفُ كلسوني.
«كم أنتِ مبتلّة،» يقول. ما لا يقوله في العادة أبداً، لكنه صحيح. ينزلُ بنطاله، أحبس أنفاسي، وثم إلى هناك نمضي. ينظر نحو الحائط، لا نحو وجهي، يقذفُ قبل أن يكون بإمكاني حتى أن أفكر في الأمر. يسقط بجانبي على السرير.
«واو،» أقول. كان ذلك سريعاً. ينظرُ إلي. لا أستطيعُ أن أتخيّل أن هذا هو نفسه الفتى الذي أرغب أحياناً أن أحشر أنفه في فمي.
«شيف،» أقول. «تعال. قمْ»
«الآن عليكِ أن تغادري.» يقول وهو يقف. «قبل أن ترجع صاحبتي إلى البيت.» يرفع بنطاله عليه وينظر فيما حوله على الأرض.
«شيف؟»
يأخذ كلسوناً لي، ليس الذي كنتُ ألبسه للتو.
«هنا، هذا» يقول، «يمكنكِ أن تلبسي هذا، من كلاسين صاحبتي، هذا ما لا تلاحظه هي.»
«هيه، شيف؟»
«إلبسيه الآن.»
أقف، أمسكُ بالكلسون وأهمُّ أن أرفعه من بين ساقيّ. أشعرُ أن القماش قذرٌ، كما لو أنه يعود حقاً لشخصٍ آخر. نقف قبالة بعضنا البعض.
«إذهبي إذن،» يقول. تنتصب حواجبه بجدّ، تماماً كما حين يكون منغمساً في لعبة فيفا. أفتّش في وجهه عما يدلّ على أنه تعرّف عليّ من جديد، أريد أن أرى أنه يراني، لكن ما من شيءٍ يحدث.
أمضي. أفتحُ باب غرفته، أركضُ نازلةً على الدرج، عابرةً غرفةَ المعيشة الفاخرة، القاعةَ الصغيرةَ والممرَ المفروشين بالموكيت. أترك حذائي، وأفتح الباب. أشعر بالدفء حولي، أغلقُ الباب ورائي. بقدمين حافيتين أسيرُ على ملعب كرة القدم. لا يزال باكيت التبغ هناك. ألتقطه وأقذفه بعيداً، بقوة، أبعد ما أستطيع. وثم أذهب لأجلس وأنا مرتديةٌ الكلسون القذر، كلسون تلك الفتاة الأخرى.
أفكّر أنه ينبغي عليّ أن أبكي، لكن هذا لا يحدث. الخطوطُ التي تركتها الطائرات لا تزال هناك في السماء. سيخرج ليأتي ساعياً خلفي، سيقبلني برقّة، ويسألني في ما إذا كنا سنشاهد مسلسلاً ونحن في السرير. خلف نوافذ غرفته تنزلقُ الستائر لتنغلق. أنا أنتظر.
أنهض، أتمشّى، أركل حصاةً بقدمي العارية. أنتظر. أينتظرني هو أيضاً في الداخل؟ أتسلق من فوق السياج مرة أخرى، أسيرُ نحو الباب وأضطّرُ إلى أن أدقّ الجرس، مفاتيحي في الداخل هناك.
لا يفتح.
أدقُ الجرسَ مرة أخرى، أرفع غطاءَ فتحة البريد في الباب وأنظرُ عبرها. إنه مظلمٌ في الممر.
«شيف؟» أنادي.
16 آب 2019
جريدة إن. آر. سي هاندلسبلاد
نيكول كاندورپ (1997) كاتبة هولندية، تكتب القصص القصيرة والمقالات، اختيرت هذه القصة كأفضل قصة في المسابقة الكبرى للكتابة في الأراضي المنخفضة لعام 2019.
«ماذا سنفعل؟» أسأل.
«ماذا تقصدين؟» يلتفتُ نحوي.
لديّ رغبةٌ في أن أحشر أنفه في فمي والنمش الذي عليه وكلّ شيء.
«ها نحن بالفعل نقومُ هنا بشيءٍ ما،» يقول.
«أنا ضجرانة.»
يرفع كتفيه للأعلى.
«علّمني شيئاً،» أقول.
«مثلاً؟»
«هكذا، أيَّ شيء.»
ينظر شيف إلى السماء. أنظرُ معه. فيما مضى كنتُ أرغبُ في شيءٍ كهذا كثيراً، هكذا، أن أجلس بجوار أحدٍ ما. الآن لديّ شيف وأنا قد اعتدتُ عليه. بالكاد ألاحظُ فيما إذا كان ما يزال هناك بجواري، أم لا.
يسحب شيئاً من بين أسنانه. «يمكنني أن أعلمكِ أن تلّفي سيگارة، لكنها في الداخل.»
«اذهبْ واجلبها إذن.»
يتنهّد، يقف ويمضي متثاقلاً. يصطفقُ قماشُ الشورت الذي يرتديه، الشورت ذي الأزرق الخفيف. ترددُ أمي دائماً: إذا كنت تعلم أنك لن تكوي ملابسك، لا ينبغي عليك أن تشتري الكتّان.
يفتح شيف باب منزله الأمامي وأنا أشاهدُ كيف تترك طيّارةٌ خلفها خطًاً في السماء الزرقاء الساطعة. في داخلها لا بدّ من أناسٍ يجلسُون هناك. يمضون إلى منازلهم أو إلى حيث الشمس ليقضوا عطلاتهم. هل يشعرون بالذنب، لأجل كل هذا الكيروسين؟ أنا شخصياً بطلةٌ، إذْ أبقى في البيت. سيقولون فيما بعد: أناسٌ مثلها أنقذوا هذا العالم.
ها هو شيف هناك. سأقوم لأجلس.
«هيه، أنت هناك! يا فتى!» أنادي.
يرفع بصره، يحرّكُ رأسه للأعلى، ما معناه: ماذا؟
«هلّا أتيت؟ هل لديكَ سيگارة؟»
يسحبُ الباب خلفه ويسير نحوي، يقفز متثاقلاً من فوق السياج الواطئ.
«عليكِ أن تلّفيها بنفسكِ،» يقول، يسلّمني الباكيت. أغمزه بعيني، سعيدةٌ أنا بكونه يلعب معي اللعبة.
«لا أستطيع، هل تحبّ أن تعلّمني؟»
«طبعاً.»
يجلسُ متربعاً، ساقاه الطويلتان، ركبتاه المنثنيتان.
«ما اسمكَ؟» أسأله.
«شيف.»
«ماذا؟»
«شيف، طبّاخ.» يسحب ورقة لفّ من باكيته، وثمّ فلتراً. «هذه يجب أن تمسكيها باليد اليسرى. إذا كنتِ تستعملين كلتا يديكِ، طبعاً.»
«أنا كذلك.»
«وثمّ هكذا، بين أصابعكِ.» يحطُّ يده الدافئة، الجافة حول يدي، بحيث يكون بإمكاني أن أشعر كيف يكون ذلك، ينشر التبغ على ورقة اللف. إنه يبدو، تماماً، كشعر العانة. ثم يتناولُ يدي الأخرى، أصابُعه على أصابعي. يحركها جيئةً وذهاباً ولكن ورقة اللف تتجعد.
«مهلاً،» أقول.
«كلا، إنه على ما يرام. لا حاجة أن تكون أنيقة ومرتبة.»
يدفع إبهامي نحو الداخل. أضحك، يدغدغني ذلك، يقعُ بعض التبغ على ساقيّ العاريتين.
«تعالي، سأقوم أنا بذلك من أجلك.» يمكنه أن يقوم بذلك لوحده بشكل أفضل. سيگارة مشدودة ومستقيمة. يعطيها لي، يلفُّ واحدةً أخرى لنفسه. تقدحُ النار من فم قدّاحته.
«ماذا تفعلين هنا في ملعب كرة قدم، بدون كرةٍ معكِ؟» يسأل.
«كنتُ آملُ أن ألتقي بفتىً جميل.» ننظرُ إلى بعضنا البعض، ينفث الدخانُ. لديّ رغبة في أن أقبّله، لكن هذا من شأنه أن يفسد اللعبة.
«أنا أعيش هناك،» يقول. «مع صاحبتي.»
«أووه، لديكَ صاحبة؟»
يومئ برأسه.
«أهي جميلة؟»
«أجل. لكن ليس في قدر جمالكِ.» يضحك ويقولها غامزاً غمزةً صغيرة. يعلقُ الدخانُ بحلقي حاداً ولزجاً.
«هل يجوز أن تقول هذا عنها؟»
«إنها، على أي حال، ليست هنا. هيا، هل تريدين أن تري منزلي؟ سأريكِ إياه.» يقف ويرمي سيگارته، لتسقط في خطّ على شكل قوس، يفعلها كأي مدّخنٍ حقيقي. ثم يمدّ يده ويشدّني نحوه.
أرتطمُ بجسده، عن قصد، رائحتهُ رائحةُ عرقٍ، رائحةُ فتى طيبة. «أصاحبتكَ ليست في البيت؟»
«إنها في المدينة.»
يمسكُ بي عندما أتسلق لأقفز من فوق السياج الواطئ، على الرغم من أنه يعلم أنني يمكنني أن أفعل ذلك بنفسي. يبدو الخشب المصقول اللامع للباب الأمامي وكأنه جديدٌ تماماً. يفتح شيف الباب وأكاد أن أكون متوترة بشأن ما خلفه، رغم أنني أعلم ما هو موجودٌ هناك: ممرٌ فيه موكيتٌ رمادي وبريدٌ لم يُفتح بعد. نسير إلى الداخل. في القاعة الصغيرة آخر الممر أخلع حذائي، أنظر إلى غرفة المعيشة، وثم إلى المطبخ المفتوح.
«يا له من منزلٍ كبير،» أقول.
إنه لمالكة البيت التي أستأجرُ عندها، غرفتي في الطابق العلوي. «هل تأتين معي؟» يا خسارة. كنتُ آمل أنه سيكذب ويقول أنه غني، أو أن والده قد اشترى له هذا المنزل. ربما لكان سيسمح لي حينها أن أشرب من تلك الكؤوس الفاخرة.
أتبعه وأمشي على الدرج. «هل مالكة البيت أيضاً ليستْ هنا؟»
«إنها تقضي عطلتها في رحلةٍ بحرية. ها هي غرفتي.» يقوم بفتح الباب. إنها على حالها، كما تركناها: سريرُ إيكيا، الأطباق الفارغة، جهاز الألعاب إكس بوكس، كل تلك الملابس التي على الأرض. هل سيسمحُ حقّاً لشخصٍ غريبٍ أن يرى كل هذه الفوضى التي له؟
«يا لها من نافذة كبيرة،» أقول.
«هل تريدين أن تشربي شيئاً؟» يسأل. «لديّ بيرة فقط». يتناول علبة بيرة دوميليش من براد التخييم الصغير.
«شكراً لكَ،» أقول. تتلامس أصابعنا عندما يناوليني علبة بيرة، بشرةُ جلده ناعمة جداً مقارنة مع بشرة جلدي. أريد أن ألمسه في كل مكان. تقريباً.
تصدرُ العلبةُ هسيساً تحت أصابعي وأنا أفتحها. أذهبُ لأجلس وأنا محرجةٌ على الإسفنجة الناعمة على السرير، حقاً، أشعرُ أن هذه ليست غرفتي. «هل تجلبُ غالباً فتيات معك؟»
يضحك ويأتي ليجلس بجانبي، تغور الإسفنجة للأسفل تحتنا وأشعر بنفسي أنزلق قليلاً نحوه. «عندما يكنّ جميلاتٍ مثلكِ وحسب.»
«أجمل من صاحبتكَ، إذن؟»
يضحك، يحطُّ أصبعاً على شفتيّ. حركةٌ حلوة منه، لطيفة، هذا ما لا يفعله في العادة أبداً. «ششش،» يقول، «لا تتحدثي في ذلك، لا أريد أن أفكّر فيها،» يقول. «الآن أنتِ هنا.»
أريد أن أقول شيئاً، لا أعرف ماذا. أنا الآن هنا، أجل، أنا لستُ صاحبته. يحطّ يده على رقبتي، بشدةٍ أكثر من المعتاد، أميل نحوه، نقبّلُ بعضنا، قبلة فم. مذاقُ فمه مذاقُ البيرة والتبغ، يقبّل بقوّة، أقبّل بقوّة، أريد أن أقول: «هذه أنا، شيف،» لكن لا يبوء الأمر بالنجاح، ما من مجالٍ أبداً. أنا فتاةُ ملعبِ كرة القدم.
نسقطُ خلفاً على السرير، تطرطشُ بيرتي على الشراشف. يأخذ علبتي مني ويضعها على عتبة النافذة بجانب علبته. تنحسر تنورتي للأعلى، ينكشفُ كلسوني.
«كم أنتِ مبتلّة،» يقول. ما لا يقوله في العادة أبداً، لكنه صحيح. ينزلُ بنطاله، أحبس أنفاسي، وثم إلى هناك نمضي. ينظر نحو الحائط، لا نحو وجهي، يقذفُ قبل أن يكون بإمكاني حتى أن أفكر في الأمر. يسقط بجانبي على السرير.
«واو،» أقول. كان ذلك سريعاً. ينظرُ إلي. لا أستطيعُ أن أتخيّل أن هذا هو نفسه الفتى الذي أرغب أحياناً أن أحشر أنفه في فمي.
«شيف،» أقول. «تعال. قمْ»
«الآن عليكِ أن تغادري.» يقول وهو يقف. «قبل أن ترجع صاحبتي إلى البيت.» يرفع بنطاله عليه وينظر فيما حوله على الأرض.
«شيف؟»
يأخذ كلسوناً لي، ليس الذي كنتُ ألبسه للتو.
«هنا، هذا» يقول، «يمكنكِ أن تلبسي هذا، من كلاسين صاحبتي، هذا ما لا تلاحظه هي.»
«هيه، شيف؟»
«إلبسيه الآن.»
أقف، أمسكُ بالكلسون وأهمُّ أن أرفعه من بين ساقيّ. أشعرُ أن القماش قذرٌ، كما لو أنه يعود حقاً لشخصٍ آخر. نقف قبالة بعضنا البعض.
«إذهبي إذن،» يقول. تنتصب حواجبه بجدّ، تماماً كما حين يكون منغمساً في لعبة فيفا. أفتّش في وجهه عما يدلّ على أنه تعرّف عليّ من جديد، أريد أن أرى أنه يراني، لكن ما من شيءٍ يحدث.
أمضي. أفتحُ باب غرفته، أركضُ نازلةً على الدرج، عابرةً غرفةَ المعيشة الفاخرة، القاعةَ الصغيرةَ والممرَ المفروشين بالموكيت. أترك حذائي، وأفتح الباب. أشعر بالدفء حولي، أغلقُ الباب ورائي. بقدمين حافيتين أسيرُ على ملعب كرة القدم. لا يزال باكيت التبغ هناك. ألتقطه وأقذفه بعيداً، بقوة، أبعد ما أستطيع. وثم أذهب لأجلس وأنا مرتديةٌ الكلسون القذر، كلسون تلك الفتاة الأخرى.
أفكّر أنه ينبغي عليّ أن أبكي، لكن هذا لا يحدث. الخطوطُ التي تركتها الطائرات لا تزال هناك في السماء. سيخرج ليأتي ساعياً خلفي، سيقبلني برقّة، ويسألني في ما إذا كنا سنشاهد مسلسلاً ونحن في السرير. خلف نوافذ غرفته تنزلقُ الستائر لتنغلق. أنا أنتظر.
أنهض، أتمشّى، أركل حصاةً بقدمي العارية. أنتظر. أينتظرني هو أيضاً في الداخل؟ أتسلق من فوق السياج مرة أخرى، أسيرُ نحو الباب وأضطّرُ إلى أن أدقّ الجرس، مفاتيحي في الداخل هناك.
لا يفتح.
أدقُ الجرسَ مرة أخرى، أرفع غطاءَ فتحة البريد في الباب وأنظرُ عبرها. إنه مظلمٌ في الممر.
«شيف؟» أنادي.
16 آب 2019
جريدة إن. آر. سي هاندلسبلاد
نيكول كاندورپ (1997) كاتبة هولندية، تكتب القصص القصيرة والمقالات، اختيرت هذه القصة كأفضل قصة في المسابقة الكبرى للكتابة في الأراضي المنخفضة لعام 2019.