انطلقت اعتقالات نونبر 1974، إثر إيقاف الأستاذ الكرفاتي من قبل دورية للأمن، كانت تراقب وثائق الدراجات النارية، وكان الأخير متابعا منذ 1972، ويحمل أوراق هوية مزيفة، ورغم الجهود التي بذلت للإفراج عنه، فقد تبين أن البوليس تعرف على هويته الحقيقية مبكرا، وظل يناور من اجل كسب الوقت وتوسيع المجال لصيده، ولم نكن ندرك هذا الأمر، إلا بعد أن التهمت نيران القمع المقر المركزي للمنظمة، واعتقلت من كان فيه من أعضاء القيادة (اللجنة الوطنية)، ثم امتدت إلى مقر الجهاز التقني، الذي كان يشرف على الطبع… وانتقلت النيران بعد يوم أو يومين إلى بقية وجود التنظيم. لقد ارتكبنا أخطاء لا تغتفر!
ففي يوم السبت 4 نونبر، الذي اعتقل في صباحه جزء هام من القيادة، اجتمعنا في مسائه نحن بقية القيادة في شقة صغيرة استأجرها مع بعض أصدقائي في شارع الحسن الثاني، وكانت الشقة المذكورة، تستخدم بين الفينة والأخرى لاحتضان اجتماعات لجنة التوحيد بين منظمتنا التي بدأت تعرف بمنظمة 23 مارس، ومنظمة إلى الأمام، ولم نقم اعتبارا لإمكانية انكشاف ذلك المكان بعد أن اعتقل من كانوا يرتادونه. والأخطر من ذلك، أنني عدت إلى ذلك المكان قبيل زوال اليوم الموالي لأخذ بعض حاجياتي قبل التوجه إلى مراكش، وسأعرف بعد يومين، أن البوليس اقتحم الشقة يوم الأحد باكرا واعتقل أحد أصدقائي. ولكني لا أعرف حتى يومنا هذا، لماذا أخل البوليس بدوره؟ ولماذا انتقل في اليوم الموالي لاعتقال شريكي الثاني في استئجار الشقة من بيت أهله، وضرب الحصار على بيت أهلي ثم اقتحامه في عز الليل؟
وتوالت الأخطاء الجسيمة، فبعد أن نقلت نبأ الكارثة إلى رفاق مراكش واتفقنا على سبيل الاحتياط ألا نلتقي إلا في الشارع عند ساعة محددة يوميا لتبادل الأخبار واتخاذ ما يتوجب من تدابير، التحقت باليوسفية، وأنذرت المناضلين هناك، وقدمت الدرس الذي كان مبرمجا صباح ذلك اليوم، ونظفت مسكني من كافة الوثائق، ثم عدت ظهرا إلى مراكش. ولأن موعد اللقاء اليومي في الشارع العام كان ما يزال بعيدا، فقد قالت لي نفسي الأمارة بالسوء: لماذا لا أرتاح قليلا عند الأستاذ حيسان في بيته الذي احتضننا كثيرا؟، وقبل خطوات من السلم المؤدي إلى هذا البيت، استشعرت حركة سيارة تسير ورائي متمهلة… فقررت أن أواصل السير مبتعدا عن السلم والحي. وعلى الساعة الخامسة مساء، أخبرني رفاقي أن الأستاذ حيسان تم اعتقاله في مقر عمله صباحا.
خلال شهور المتابعة التي قضيتها في البيضاء، سافرت أثناءها مرات قليلة إلى مراكش والرباط، اكتشفت معدن بعض الناس.. فقد امتنع بعض زملائي عن تسليم ما كانوا يدينون به إلى خطيبتي التي كانوا يعرفونها جيدا، وتنكر بعض أقربائي إلى أهلي طيلة سنوات المحنة، ولكن المعادن الطيبة كانت غلابة. فقد منحني الأستاذ محمد جدي مفتاح بيته، وقد استضافني ذات مرة الأستاذ بشراوي لمقدم، وآوتني الأستاذة زهرة رميج. وفتحت لنا الرفيقة ربيعة الحافظي بيتها عدة أسابيع وقدم ابن خالي الفقيه الطاهر عزيزي أروع أمثلة التضامن والتضحية حين أشركنا سكناه في حي مبروكة مدة شهرين تقريبا، وكنا ثلاثة قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، أنا واليوبي بلقاسم وبن الصغير.
وتطوعت مناضلة تلميذة انتقلت من مراكش إلى البيضاء، فاستأجرت لنا مسكنا في زنقة أكادير، أقمنا فيها إلى أن غادرت البلاد، واستضفنا فيه أحد قادة تنظيم “لنخدم الشعب” تضامنا معه في تلك المحنة المشتركة.
وبالنظر إلى الأخطاء المرتكبة أثناء الحملة القمعية، كنت أقول لنفسي إنني لم أجتنب الاعتقال… ولكنه الاعتقال الذي اجتنبني.
ففي يوم السبت 4 نونبر، الذي اعتقل في صباحه جزء هام من القيادة، اجتمعنا في مسائه نحن بقية القيادة في شقة صغيرة استأجرها مع بعض أصدقائي في شارع الحسن الثاني، وكانت الشقة المذكورة، تستخدم بين الفينة والأخرى لاحتضان اجتماعات لجنة التوحيد بين منظمتنا التي بدأت تعرف بمنظمة 23 مارس، ومنظمة إلى الأمام، ولم نقم اعتبارا لإمكانية انكشاف ذلك المكان بعد أن اعتقل من كانوا يرتادونه. والأخطر من ذلك، أنني عدت إلى ذلك المكان قبيل زوال اليوم الموالي لأخذ بعض حاجياتي قبل التوجه إلى مراكش، وسأعرف بعد يومين، أن البوليس اقتحم الشقة يوم الأحد باكرا واعتقل أحد أصدقائي. ولكني لا أعرف حتى يومنا هذا، لماذا أخل البوليس بدوره؟ ولماذا انتقل في اليوم الموالي لاعتقال شريكي الثاني في استئجار الشقة من بيت أهله، وضرب الحصار على بيت أهلي ثم اقتحامه في عز الليل؟
وتوالت الأخطاء الجسيمة، فبعد أن نقلت نبأ الكارثة إلى رفاق مراكش واتفقنا على سبيل الاحتياط ألا نلتقي إلا في الشارع عند ساعة محددة يوميا لتبادل الأخبار واتخاذ ما يتوجب من تدابير، التحقت باليوسفية، وأنذرت المناضلين هناك، وقدمت الدرس الذي كان مبرمجا صباح ذلك اليوم، ونظفت مسكني من كافة الوثائق، ثم عدت ظهرا إلى مراكش. ولأن موعد اللقاء اليومي في الشارع العام كان ما يزال بعيدا، فقد قالت لي نفسي الأمارة بالسوء: لماذا لا أرتاح قليلا عند الأستاذ حيسان في بيته الذي احتضننا كثيرا؟، وقبل خطوات من السلم المؤدي إلى هذا البيت، استشعرت حركة سيارة تسير ورائي متمهلة… فقررت أن أواصل السير مبتعدا عن السلم والحي. وعلى الساعة الخامسة مساء، أخبرني رفاقي أن الأستاذ حيسان تم اعتقاله في مقر عمله صباحا.
خلال شهور المتابعة التي قضيتها في البيضاء، سافرت أثناءها مرات قليلة إلى مراكش والرباط، اكتشفت معدن بعض الناس.. فقد امتنع بعض زملائي عن تسليم ما كانوا يدينون به إلى خطيبتي التي كانوا يعرفونها جيدا، وتنكر بعض أقربائي إلى أهلي طيلة سنوات المحنة، ولكن المعادن الطيبة كانت غلابة. فقد منحني الأستاذ محمد جدي مفتاح بيته، وقد استضافني ذات مرة الأستاذ بشراوي لمقدم، وآوتني الأستاذة زهرة رميج. وفتحت لنا الرفيقة ربيعة الحافظي بيتها عدة أسابيع وقدم ابن خالي الفقيه الطاهر عزيزي أروع أمثلة التضامن والتضحية حين أشركنا سكناه في حي مبروكة مدة شهرين تقريبا، وكنا ثلاثة قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، أنا واليوبي بلقاسم وبن الصغير.
وتطوعت مناضلة تلميذة انتقلت من مراكش إلى البيضاء، فاستأجرت لنا مسكنا في زنقة أكادير، أقمنا فيها إلى أن غادرت البلاد، واستضفنا فيه أحد قادة تنظيم “لنخدم الشعب” تضامنا معه في تلك المحنة المشتركة.
وبالنظر إلى الأخطاء المرتكبة أثناء الحملة القمعية، كنت أقول لنفسي إنني لم أجتنب الاعتقال… ولكنه الاعتقال الذي اجتنبني.