كان ذلك عام 1974 بالضبط ،كنت أعد وأقدم برنامجا أذاعيا اسبوعيا لاذاعة بغداد تحت اسم (نادي القصة ) بتكليف من الاستاذ سعد البزاز رئيس القسم الثقافي لاذاعة بغداد ايامها،قبل أن ينتقل الى التلفاز.
كان معد البرنامج الاول هو المرحوم الصديق الاستاذموفق خضر قد اعتذر عن الاستمرار في اعداد البرنامج لارتباطه بالعمل الثقافي في مجلة(الف باء) فقبلت المهمة رغم صعوبتها .
مكمن الصعوبة ان المعدهنا ينبغي له أن يحاور اذاعيا صاحب القصة المختارة للتقديم ذلك الاسبوع في بنية اقصوصته ومراميها الفكرية والدرامية،وقل في(صنعة ) تلك القصة القصيرة برمتها،قبل أن تقدم دراميا ،اي تمثيليا من قبل الراوي وعدد من الممثلين المرموقين من ذوي الاصوات المعبرة والجاذبة للميكرفون .
كان المعد الدرامي اول الامر الاستاذ بدري حسون فريد ثم اضطررت لاعداد المادة الاذاعية دراميا لانشغالات الاستاذ فريد المتعددة .
مادة درامية
كان من ممثلي المادة الدرامية لـ(نادي القصة) السيدات والسادة : عواطف نعيم – فوزية الشندي-غزوة الخالدي – هناء محمد-سامي قفطان- سامي السراج- زهير عباس – عزيز خيون- طعمة التميمي -فوزي مهدي وسواهم .
تعاقب على اخراج نادي القصة عدد من المخرجين الاذاعيين المرموقين منهم: زهير عباس – باسل علي عمران- د.سعدعبد الجبار- عبد الجبار سلمان-رياض عبد الامير .
وكان معظم القصاصين الذين من المفروض أن يجري الحوار معهم يهابون الوقوف خلف (مايك ) الاذاعة خشية اللحن ،لذلك يضطرون للكتابة للمادة التي ستلقى من قبلهم عبر المايكرفون عن القصةالمختارة للتقديم وكان من هؤلاء الصديق المرحوم نزار عباس الذي ننشر مداخلته عن قصته الشهيرة (مياه جديدة ) بعد هذا التقديم.
كان البعض من قصاصينا لايهاب المايك الاذاعي فقط (الذي انفتح اليوم لمن هب ودب) بل لايجروء على الوقوف خلفه ،فأضطر الى الاستعانة بناقد متمرس يستطيع الحديث بـ(رهاوة ) وخبرة عن القاص والقصةالمختارة ،وكان من هؤلاء الاساتذة :ياسين النصير ومؤيد الطلال ورزاق ابراهيم حسن والمرحوم عبد الجبار عباس.
كل هذه المتاعب والتفصيلات من أجل تقديم برنامج اسبوعي يرضي المستمع ويعرف(بتشديد الراء وكسرها ) بالقصة وبالقاص العراقي .
وكنت استعين بالنقاد وكتاب القصة للحديث عن قصص الكتاب الاوائل امثال : محمود السيد ويوسف متي وذو النون ايوب وجعفر الخليلي . وعبد المجيد لطفي .
بعض من سجلت احاديثهم عن قصصهم استعنت بمادتهم الغنية وحواراتهم في كتبي النقدية امثال القاص المجدد نزارسليم وعبد المجيد لطفي وسواهما.
عن تجربة نزار عباس
ولد نزار عباس زيدان عام 1936 في كرخ بغداد ، وكان احد أربعة أدركتهم حرفة الادب وقد اجتمعوا كطلبة في الصف الاول المتوسط-حتى الثالث- في ثانوية الكرخ وهم : نزارعباس وصادق الصائغ شاكر السعيد وباسم عبد الحميد حمودي .
افترق عنا صادق الصائغ وشاكر السعيد في الاعدادية،وأعتقل الصائغ وفصل من المدرسة لنشاطه السياسي وانتقل شاكر محمد حسين السعيد الى الاعدادية المركزية ليعمل بعد سنوات محررا للصفحة الثقافية في جريدة الحرية وليصدر – مبكرا – مجموعته القصصية (نفوس جديدة) وليختفي من عالم الادب مسافرا الى اوربا للدراسة والتثقف،ولم يبق من الاربعة في الرابع الادبي سوى نزار وكاتب السطور ولينظم الينا القاص زيد عبد الجليل الفلاحي الذي شكل مع نزار ثنائيا مرموقا وسط شباب الادب في حينه مؤمنا بالتجديد والاختلاف عن الكتابة النمطية للقصة والقصيدة .
عند أكمال نزار الدراسة الاعدادية عين معلما مستخدما في ناحية الهويدر في بعقوبة لعام دراسي واحد اكتنزت خلالها تجربته الحياتية ثم عاد الى بغداد لينتسب كطالب في كلية الآداب وليخالط نماذج محتلفة في الوعي وفي الثقافة ولكنه سرعان ما امتزج مع عبد الاله أحمد ورشدي العامل وهاشم الطعان ومنعم المخزومي ،على أختلاف الافكار والامزجة ، وعندما تخرج عمل في التدريس والصحافة .، وعند تقاعده من الوظيفة استمر منتجا بارعا لقصص قصيرة وخواطر موحية حتى وفاته في الاول من تشرين الثاني 2003 .
كتب نزار القصةوالشعر المركز والخاطرة ،وكان شديد التدقيق في كتاباته رشيق العبارة شديد الاهتمام بحرية الانسان ،لكنه كان متأثرا بالفكر الوجودي الكاموي ويعيش سوادوية خاصة .
في تجربة نزار عباس
أول قصة نشرها نزار في جريدة (أخبار الساعة) بعنوان (قادر) في 18 نيسان 1953(حسب فهرست عبد الآله أحمد – ط1 ص282) . ، ومن قصصه المهمة القصة التي اختارها البرنامج الاذاعي – نادي القصة- في حلقة من حلقاته هي قصة (مياه جديدة) التي نشرها القاص في ك2-شباط في مجلة (المثقف) العدد4-5 – 1959 ونشر غيرها في المجلات والصحف العراقية.
أختار نزار أن تكون القصة عنده متمتعةببنية فنية خاصة ، وكانت كتابة القصة لديه تعني المعاناة في الصياغة التي تبتعد عن تسطيح الحدث والغوص في اعماق النفس الانسانية مختارا موقف الشاهد المنفعل.
في اقصوصة (حكاية رجل بسيط) نجد ابعادا عن طريقة الاستبطان ،بحيث يتجاورالحوار الداخلي والوصف الدلالي الخارجي ويتخذان طريقا جاذبا في تحريك البطل ،حيث يسقط ذلك الرجل البسيط الذي لايقرأ سوى اخبار الوفيات في الصحف زمن النظام الملكي بيد السلطة و يقاد الى التحقيق والسجن نتيجة اكتشافه جثة ملقاة على رصيف الجسر .
في قصة (السرير رقم 13) عرض لنوع من القهر والادانة المباشرة للطل رغم تطلعه لأن يكون أفضل واقعا، بينما نجد نزارا في اقصوصة (السيف) يقدم دلالات مثقلة بالرمزوحيث البدوي يمتلك الصحراء ويستطيع التحرك كيفما يشاء عكس ابن المدينة الذي يجده البدوي غاطسا في الرمال يلوك كلماته دون ان يستطيع شيئا فينقذه البدوي من ورطته دون ان يهتم بكلماته.
أن هذا الفصل الصارم – يومذاك – بين عالمين لايقع واقعا لكن القاص يتخذه رمزا لنموذجين حياتين حيث يبدو الفرق بين عالمين،
اننا نتحدث هنا عن قصص حوتها مجموعته القصصية الاساسية(زقاق الفئران) التي صدرت طبعتها الاولى عام 1972 وطبعتها الثانية عام 1979 في ذات الدار الناشرة وهي دار الشؤون الثقافية العامة ،وهو أمر لم يحدث الاقليلا في هذه الدار،وسببه أهمية هذه المجموعة في مجرى الادب القصصي العراقي ،أذ أن كاتبها الذي ظلمه بعض النقاد وعدوه من جيل (الوسط الضائع) كمااصرعلى ذلك صديقه الفقيد الدكتور عبد الاله احمد في دراسته عن القصة العراقية والمح اليه الناقد ماجد صالح السامرائي في دراسة له عنه حيث عده (من الجيل الضائع ) متناسيين انطباق هذا المصطلح على مجموعة ثقافية اطلقت على نفسها (جيل الوقت الضائع ) زمن الحرب العالمية الثانية (وقد ضمت السادة :نزار وجواد سليم وعدنان رؤوف الاول وخلدون ساطع الحصري وغيرهم)
الدكتور أحمد وضع نزارا وجيان وسافرة جميل حافظ وباسم حمودي وغازي العبادي ضمن (جيل ) افترضه واقعا بين جيل فؤاد-عبد الملك التنويري والجيل الذي اعقب انقلاب 14تموز وصولا الى الستينيات ،وقد ناقشناه في ذلك مرارا لكن البعض منا استمرأ هذه التسمية وروج لها ومن هؤلاء المرحوم غازي العبادي خالطا بين التجارب والاجيال .
الجيل الثالث
واقع الامر أن نزار عباس وخضير عبد الامير وجيان وغازي العبادي وكاتب السطور (في بداياته قاصا) وجاسم محمد الجوي وسافرة جميل حافظ (وقد سبقتهم في النشر) هم من الجيل الثالث في مسار القصة العراقية الحديثة بعد جيل الرواد(محمود السيد ومجايليه) وجيل البنية الفنية الخالصة(التكرلي – عبد الملك نوري ومحمد روزنامجي – نزار سليم – مهدي عيسى الصقر).
أن مجموعته (زقاق الفئران ) تصور بمجملها عذابات الانسان المثقف ورفضه للواقع المأزوم وقد تحدثت عن تجربته المتكاملة في القسم الثاني من دراستي عن القصة العراقية القصيرة واجيلها في كتابي (رحلة مع القصة العراقية ) الصادر عام 1980
نزار عباس يتحدث عن (مياه جديدة)
كانت القصة المختارة التي اعددتها لبرنامج نادي القصة هي (مياه جديدة ) كما اسلفت ،وقد دون نزار ملاحظاته عنها كتابيا قبل ان يجلس خلف الميكرفون ليتحدث وبقيت محتفظا بورقة الملاحظات حتى يومنا وهي بخطه الجميل المعبر .
قال نزار:
( يمكن أن يكون بطل مياه جديدة،شخصا مراقبا ولكن غير محايد،شاهدا على الاحداث غير منضو. يبقى الى نهاية القصة كذلك ولكنه في الاسطر الاخيرة يقرر فعلا أن ينهي حالته هذه،يهبط الى الشارع كي يلتحم بالناس أو حتى يقتل.
عندما أعيد قراءتها الآن أشعر بأنني كنت قدتأثرت كثيرا بدستوفيسكي وكامو.طبعا أن هذا التأثر يبدو الآن في قصصي الجديدة غير واضح تماما،ولكن ينبغي الاعتراف أنه كان خطيرا في بعض قصصي القديمة ومنها مياه جديدة .
ليس أعتباطا أن تكون أحدى أقدم قصصي القصيرة وهي (الاطفال) مستوحاة تماما من صرخة أيفان في الأخوة كارامازوف(لماذا يقتلون الاطفال).
نهاية مقنعة
كان من الممكن ان تطول هذه القصة أكثر،أن المنولوغ يغري ولكن نهايتها بالشكل الذي كان في ذهني أعجبني فأنهيتها ،واعتقدأن النهاية كانت مقنعة وذات جو رمزي واضح الرسالة. –
أعتقدأن القصة القصيرة بمفهومها الحديث بدأت من نوري وفؤاد التكرلي مع تقديري للجيل الذي سبقهم.
وكان ذلك في فترة الخمسينات الخصبة والمخلصة حقا والباحثة بصدق عن الجديد والاصيل.
في الستينات سقطت القصة العراقية في التجريبية ولم تتخلص منها حتى الآن ، انهم الآن يكتبون ما سمونه قصة قصيرة جدا ،وعندما اقرأ ما يكتبون أفكر بأن أجمع ما كتبته من خواطر وسوانح في الخمسينات في كتب وأطلق عليها أسم القصة القصيرة جداجدا !
مايزال الصدق هو الخبز اليومي لأغلب الكتاب الجيدين ولو كان لي الحق في أن أنصح أحدا لقلت له تناول من هذا الخبز اليومي المر أحيانا ولكن الحقيقي والرائع .
أدب بلا معيشة،بلا صدق،هو فانتازيا مزيفة
نزار عباس
والواضح ان نزارا هنا 0وقد كتب هذه الخاطرة وأذاعها أذاعيا في برنامج( نادي القصة) عام 1975 وكان الاحتدام قائما بين اجيال القصة العراقية والسعي المحتدم نحو التجريب عالي الوتيرة في وقت كان فيه نزار عباس يكتب بهدوء المتيقن من من صياغته الفنية المحتدمة الشخوص داخليا وهو يتعامل مع المنولوج كبحث في طبيعة النفس الانسانية لا كجزء من تجريب مصنوع .
من ذلك نجد أن قصصه القصيرة مرسومة الشخصيات بمهارة تترك اثرها الفني والاجتماعي واضحا لدى القراء والنقاد .
ان نزارا من جيل فريد يدرك اهمية القصة بوصفها رسالة فنية – اجتماعية معا،وستظل شخصياته المرسومة تستحق الدراسة والبحث ما دامت هناك قصة عراقية
كان معد البرنامج الاول هو المرحوم الصديق الاستاذموفق خضر قد اعتذر عن الاستمرار في اعداد البرنامج لارتباطه بالعمل الثقافي في مجلة(الف باء) فقبلت المهمة رغم صعوبتها .
مكمن الصعوبة ان المعدهنا ينبغي له أن يحاور اذاعيا صاحب القصة المختارة للتقديم ذلك الاسبوع في بنية اقصوصته ومراميها الفكرية والدرامية،وقل في(صنعة ) تلك القصة القصيرة برمتها،قبل أن تقدم دراميا ،اي تمثيليا من قبل الراوي وعدد من الممثلين المرموقين من ذوي الاصوات المعبرة والجاذبة للميكرفون .
كان المعد الدرامي اول الامر الاستاذ بدري حسون فريد ثم اضطررت لاعداد المادة الاذاعية دراميا لانشغالات الاستاذ فريد المتعددة .
مادة درامية
كان من ممثلي المادة الدرامية لـ(نادي القصة) السيدات والسادة : عواطف نعيم – فوزية الشندي-غزوة الخالدي – هناء محمد-سامي قفطان- سامي السراج- زهير عباس – عزيز خيون- طعمة التميمي -فوزي مهدي وسواهم .
تعاقب على اخراج نادي القصة عدد من المخرجين الاذاعيين المرموقين منهم: زهير عباس – باسل علي عمران- د.سعدعبد الجبار- عبد الجبار سلمان-رياض عبد الامير .
وكان معظم القصاصين الذين من المفروض أن يجري الحوار معهم يهابون الوقوف خلف (مايك ) الاذاعة خشية اللحن ،لذلك يضطرون للكتابة للمادة التي ستلقى من قبلهم عبر المايكرفون عن القصةالمختارة للتقديم وكان من هؤلاء الصديق المرحوم نزار عباس الذي ننشر مداخلته عن قصته الشهيرة (مياه جديدة ) بعد هذا التقديم.
كان البعض من قصاصينا لايهاب المايك الاذاعي فقط (الذي انفتح اليوم لمن هب ودب) بل لايجروء على الوقوف خلفه ،فأضطر الى الاستعانة بناقد متمرس يستطيع الحديث بـ(رهاوة ) وخبرة عن القاص والقصةالمختارة ،وكان من هؤلاء الاساتذة :ياسين النصير ومؤيد الطلال ورزاق ابراهيم حسن والمرحوم عبد الجبار عباس.
كل هذه المتاعب والتفصيلات من أجل تقديم برنامج اسبوعي يرضي المستمع ويعرف(بتشديد الراء وكسرها ) بالقصة وبالقاص العراقي .
وكنت استعين بالنقاد وكتاب القصة للحديث عن قصص الكتاب الاوائل امثال : محمود السيد ويوسف متي وذو النون ايوب وجعفر الخليلي . وعبد المجيد لطفي .
بعض من سجلت احاديثهم عن قصصهم استعنت بمادتهم الغنية وحواراتهم في كتبي النقدية امثال القاص المجدد نزارسليم وعبد المجيد لطفي وسواهما.
عن تجربة نزار عباس
ولد نزار عباس زيدان عام 1936 في كرخ بغداد ، وكان احد أربعة أدركتهم حرفة الادب وقد اجتمعوا كطلبة في الصف الاول المتوسط-حتى الثالث- في ثانوية الكرخ وهم : نزارعباس وصادق الصائغ شاكر السعيد وباسم عبد الحميد حمودي .
افترق عنا صادق الصائغ وشاكر السعيد في الاعدادية،وأعتقل الصائغ وفصل من المدرسة لنشاطه السياسي وانتقل شاكر محمد حسين السعيد الى الاعدادية المركزية ليعمل بعد سنوات محررا للصفحة الثقافية في جريدة الحرية وليصدر – مبكرا – مجموعته القصصية (نفوس جديدة) وليختفي من عالم الادب مسافرا الى اوربا للدراسة والتثقف،ولم يبق من الاربعة في الرابع الادبي سوى نزار وكاتب السطور ولينظم الينا القاص زيد عبد الجليل الفلاحي الذي شكل مع نزار ثنائيا مرموقا وسط شباب الادب في حينه مؤمنا بالتجديد والاختلاف عن الكتابة النمطية للقصة والقصيدة .
عند أكمال نزار الدراسة الاعدادية عين معلما مستخدما في ناحية الهويدر في بعقوبة لعام دراسي واحد اكتنزت خلالها تجربته الحياتية ثم عاد الى بغداد لينتسب كطالب في كلية الآداب وليخالط نماذج محتلفة في الوعي وفي الثقافة ولكنه سرعان ما امتزج مع عبد الاله أحمد ورشدي العامل وهاشم الطعان ومنعم المخزومي ،على أختلاف الافكار والامزجة ، وعندما تخرج عمل في التدريس والصحافة .، وعند تقاعده من الوظيفة استمر منتجا بارعا لقصص قصيرة وخواطر موحية حتى وفاته في الاول من تشرين الثاني 2003 .
كتب نزار القصةوالشعر المركز والخاطرة ،وكان شديد التدقيق في كتاباته رشيق العبارة شديد الاهتمام بحرية الانسان ،لكنه كان متأثرا بالفكر الوجودي الكاموي ويعيش سوادوية خاصة .
في تجربة نزار عباس
أول قصة نشرها نزار في جريدة (أخبار الساعة) بعنوان (قادر) في 18 نيسان 1953(حسب فهرست عبد الآله أحمد – ط1 ص282) . ، ومن قصصه المهمة القصة التي اختارها البرنامج الاذاعي – نادي القصة- في حلقة من حلقاته هي قصة (مياه جديدة) التي نشرها القاص في ك2-شباط في مجلة (المثقف) العدد4-5 – 1959 ونشر غيرها في المجلات والصحف العراقية.
أختار نزار أن تكون القصة عنده متمتعةببنية فنية خاصة ، وكانت كتابة القصة لديه تعني المعاناة في الصياغة التي تبتعد عن تسطيح الحدث والغوص في اعماق النفس الانسانية مختارا موقف الشاهد المنفعل.
في اقصوصة (حكاية رجل بسيط) نجد ابعادا عن طريقة الاستبطان ،بحيث يتجاورالحوار الداخلي والوصف الدلالي الخارجي ويتخذان طريقا جاذبا في تحريك البطل ،حيث يسقط ذلك الرجل البسيط الذي لايقرأ سوى اخبار الوفيات في الصحف زمن النظام الملكي بيد السلطة و يقاد الى التحقيق والسجن نتيجة اكتشافه جثة ملقاة على رصيف الجسر .
في قصة (السرير رقم 13) عرض لنوع من القهر والادانة المباشرة للطل رغم تطلعه لأن يكون أفضل واقعا، بينما نجد نزارا في اقصوصة (السيف) يقدم دلالات مثقلة بالرمزوحيث البدوي يمتلك الصحراء ويستطيع التحرك كيفما يشاء عكس ابن المدينة الذي يجده البدوي غاطسا في الرمال يلوك كلماته دون ان يستطيع شيئا فينقذه البدوي من ورطته دون ان يهتم بكلماته.
أن هذا الفصل الصارم – يومذاك – بين عالمين لايقع واقعا لكن القاص يتخذه رمزا لنموذجين حياتين حيث يبدو الفرق بين عالمين،
اننا نتحدث هنا عن قصص حوتها مجموعته القصصية الاساسية(زقاق الفئران) التي صدرت طبعتها الاولى عام 1972 وطبعتها الثانية عام 1979 في ذات الدار الناشرة وهي دار الشؤون الثقافية العامة ،وهو أمر لم يحدث الاقليلا في هذه الدار،وسببه أهمية هذه المجموعة في مجرى الادب القصصي العراقي ،أذ أن كاتبها الذي ظلمه بعض النقاد وعدوه من جيل (الوسط الضائع) كمااصرعلى ذلك صديقه الفقيد الدكتور عبد الاله احمد في دراسته عن القصة العراقية والمح اليه الناقد ماجد صالح السامرائي في دراسة له عنه حيث عده (من الجيل الضائع ) متناسيين انطباق هذا المصطلح على مجموعة ثقافية اطلقت على نفسها (جيل الوقت الضائع ) زمن الحرب العالمية الثانية (وقد ضمت السادة :نزار وجواد سليم وعدنان رؤوف الاول وخلدون ساطع الحصري وغيرهم)
الدكتور أحمد وضع نزارا وجيان وسافرة جميل حافظ وباسم حمودي وغازي العبادي ضمن (جيل ) افترضه واقعا بين جيل فؤاد-عبد الملك التنويري والجيل الذي اعقب انقلاب 14تموز وصولا الى الستينيات ،وقد ناقشناه في ذلك مرارا لكن البعض منا استمرأ هذه التسمية وروج لها ومن هؤلاء المرحوم غازي العبادي خالطا بين التجارب والاجيال .
الجيل الثالث
واقع الامر أن نزار عباس وخضير عبد الامير وجيان وغازي العبادي وكاتب السطور (في بداياته قاصا) وجاسم محمد الجوي وسافرة جميل حافظ (وقد سبقتهم في النشر) هم من الجيل الثالث في مسار القصة العراقية الحديثة بعد جيل الرواد(محمود السيد ومجايليه) وجيل البنية الفنية الخالصة(التكرلي – عبد الملك نوري ومحمد روزنامجي – نزار سليم – مهدي عيسى الصقر).
أن مجموعته (زقاق الفئران ) تصور بمجملها عذابات الانسان المثقف ورفضه للواقع المأزوم وقد تحدثت عن تجربته المتكاملة في القسم الثاني من دراستي عن القصة العراقية القصيرة واجيلها في كتابي (رحلة مع القصة العراقية ) الصادر عام 1980
نزار عباس يتحدث عن (مياه جديدة)
كانت القصة المختارة التي اعددتها لبرنامج نادي القصة هي (مياه جديدة ) كما اسلفت ،وقد دون نزار ملاحظاته عنها كتابيا قبل ان يجلس خلف الميكرفون ليتحدث وبقيت محتفظا بورقة الملاحظات حتى يومنا وهي بخطه الجميل المعبر .
قال نزار:
( يمكن أن يكون بطل مياه جديدة،شخصا مراقبا ولكن غير محايد،شاهدا على الاحداث غير منضو. يبقى الى نهاية القصة كذلك ولكنه في الاسطر الاخيرة يقرر فعلا أن ينهي حالته هذه،يهبط الى الشارع كي يلتحم بالناس أو حتى يقتل.
عندما أعيد قراءتها الآن أشعر بأنني كنت قدتأثرت كثيرا بدستوفيسكي وكامو.طبعا أن هذا التأثر يبدو الآن في قصصي الجديدة غير واضح تماما،ولكن ينبغي الاعتراف أنه كان خطيرا في بعض قصصي القديمة ومنها مياه جديدة .
ليس أعتباطا أن تكون أحدى أقدم قصصي القصيرة وهي (الاطفال) مستوحاة تماما من صرخة أيفان في الأخوة كارامازوف(لماذا يقتلون الاطفال).
نهاية مقنعة
كان من الممكن ان تطول هذه القصة أكثر،أن المنولوغ يغري ولكن نهايتها بالشكل الذي كان في ذهني أعجبني فأنهيتها ،واعتقدأن النهاية كانت مقنعة وذات جو رمزي واضح الرسالة. –
أعتقدأن القصة القصيرة بمفهومها الحديث بدأت من نوري وفؤاد التكرلي مع تقديري للجيل الذي سبقهم.
وكان ذلك في فترة الخمسينات الخصبة والمخلصة حقا والباحثة بصدق عن الجديد والاصيل.
في الستينات سقطت القصة العراقية في التجريبية ولم تتخلص منها حتى الآن ، انهم الآن يكتبون ما سمونه قصة قصيرة جدا ،وعندما اقرأ ما يكتبون أفكر بأن أجمع ما كتبته من خواطر وسوانح في الخمسينات في كتب وأطلق عليها أسم القصة القصيرة جداجدا !
مايزال الصدق هو الخبز اليومي لأغلب الكتاب الجيدين ولو كان لي الحق في أن أنصح أحدا لقلت له تناول من هذا الخبز اليومي المر أحيانا ولكن الحقيقي والرائع .
أدب بلا معيشة،بلا صدق،هو فانتازيا مزيفة
نزار عباس
والواضح ان نزارا هنا 0وقد كتب هذه الخاطرة وأذاعها أذاعيا في برنامج( نادي القصة) عام 1975 وكان الاحتدام قائما بين اجيال القصة العراقية والسعي المحتدم نحو التجريب عالي الوتيرة في وقت كان فيه نزار عباس يكتب بهدوء المتيقن من من صياغته الفنية المحتدمة الشخوص داخليا وهو يتعامل مع المنولوج كبحث في طبيعة النفس الانسانية لا كجزء من تجريب مصنوع .
من ذلك نجد أن قصصه القصيرة مرسومة الشخصيات بمهارة تترك اثرها الفني والاجتماعي واضحا لدى القراء والنقاد .
ان نزارا من جيل فريد يدرك اهمية القصة بوصفها رسالة فنية – اجتماعية معا،وستظل شخصياته المرسومة تستحق الدراسة والبحث ما دامت هناك قصة عراقية