أنا الرجل الذي يغلق ستائره. كل مساء، بعد نشرة الأخبار، يمكنك حتى أن تضبط الساعة على ذلك.
في شارعي يحدثُ القليل. لكن الحيّ الذي أعيشُ فيه، يردُ ذكره في الأخبار دائماً، إذ يتعرض الناس هناك دائماً للمضايقات وتُحطّمُ زجاج النوافذ، ويكون الجناة شباباً منحدرين من أصلٍ مغربي. يحدث ذلك بالقرب مني قاب قوسين أو أدنى، لكن ينبغي أن أقول وبصراحة أنني أسمع بذلك، إذ أقرأ حوله في الجريدة وحسب. المسألةُ ليست أنها أفعال تحدث في أوقات محددة، والمسألة ليست أيضاً أنك تفكر في المساء: «هيّا تعال، أنا أشعر بالملل، سأذهب لألقي نظرة على ما يحدث». أحياناً أسمع وأنا جالسٌ خلف مكتبي صوت كليب كلوب، كليب كلوب، وإن خطوتُ نحو النافذة، أرى شرطة الخيّالة تمرُّ في الأسفل، مشهدٌ غريب حقّاً، ما يجعلك تفكر على الفور في حالات الطوارئ وفي ساعات حظر التجول مساءً.
من أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، في وقتٍ مبكّر من الصباح، وأنا أفتح الستائر، رأيت على بعد بابٍ آخر سيارة كومبي، رمادية اللون مع نوافذ جانبية مظللة، تقف هناك. إنها سيارة خدمة صحة البلدية التي تلتقط جثث الأشخاص الذين يلقون حتفهم في منازلهم – تعرّفتُ على السيارة حالما رأيتها، دون أن أعرف ما الذي استندت إليه في ذلك. من المحتمل أنني كنت قد رأيت ريبورتاجاً على التلفزيون المحلي حول هذا الموضوع. بجوار سيارة الكومبي كانت تقف هناك سيارة شرطة أيضاً.
ما إن حضّرتُ قهوتي حتى مشيت نحو البلكونة. انحنيتُ على الحافة ورأيت أن باباً أمامياً من أبواب الجيران كان قد تُرك مفتوحاً. لم يكن باب الطابق الأرضي. حاولتُ أن أتذكر من كان يسكن في الطابق الأول والثاني. بعد بضع دقائق، خرج رجلان مع نقالةٍ كان يتمدد عليها مربوطاً شخصٌ مغطّى بالقماش المشمع الرمادي. دفعا النقّالة في السيارة وانطلقا. ما هي إلى لحظاتٌ حتى خرج ضابطان من المنزل. دخلا سيارة الشرطة، وثم غادرا هما أيضاً الشارع.
حينما عدت بعد ساعات قليلة من سوبر ماركت ألبرت هاين، كان هناك طاقمُ تصوير في الشارع. أخرجتُ مفتاحي، ولكن قبل أن أتمكن من وضعه في القفل، كان الفتى الذي يحمل الميكروفون قد أدركني. المصور كذلك كان يهرع خلفه. «هل تسكن هنا؟» قال الفتى. «أجل،» قلت. (عندما أستعيدُ هذا المشهد في رأسي مرة أخرى، أفكّرُ أحياناً، أنه كان ينبغي علي أن أقول: لا، أنا مجرّد عابرٍ، مجرّدُ راكضٍ يمرُّ بجميع الأبواب الأمامية في هذه المدينة، وللتو كنتُ عندك، مررتُ أم بابك أيضاً، ولكنه ربما كان سيقول أنه لا يسكن في المدينة أصلاً.) «هل تعلمون» قال الفتى – كان شعره أشقر مجعداً وكانت لديه ذقنٌ متراجعة للخلف، ما كان يكسبه هيئةً فيها شيءٌ من التلهف وشيءٌ من التفاهة في الوقت نفسه – “هل تعلمون أن جارتكم كانت ترقد ميتةً في شقتها منذ أكثر من عام؟»
«لا،» قلت. خطوتُ خطوةً إلى الخلف ونظرت إلى واجهة المبنى، نحو الأعلى. «الطابق الأول أو الثاني؟»
«الطابق الثاني،» قال الفتى.
«الشقة التي بجانبي،» قلت.
«هل كان لديكم تواصلٌ معها؟»
«لا،» قلت. عندما شاهدتُ نفسي على التلفزيون لاحقاً، بل ولاحظتُ أنني هززتُ رأسي أيضاً وأنا أرد.
«وعندما تسمعون هذا الآن، ما رأيكم؟»
على ذلك لم أعرف بماذا أرد. «همم، حسناً،» قلت.
«هل كنتم تعلمون من كان يعيش هناك؟»
«امرأة تعيش لوحدها؟» لقد كان نصف سؤال منّي، بل وشكاً واضحاً، وفقط حينما شاهدته مرة أخرى في المساء، بعد نشرة الأخبار، أدركت ما الذي استندت إليه في هذا الشك: الفتى كان قد سأل عن «جارتكم».
«أجل، امرأة تعيش لوحدها،» قال الفتى. («تعيش لوحدها، كلمة تستخدمها بدون تفكير، ولكنها تحمل دلالة مريرة في هذه الحالة،» قال صوت المعلّق على الريبورتاج أثناء عملية البث.)
كنتُ أهز رأسي. على التلفزيون، بدا الأمر كما لو أنني كنتُ تحت التأثير، لكن في الواقع أظنّ أنني كنتُ أنتظر أن يردف الفتى شيئاً ما.
«أربعة عشر شهراً وهي ترقد هناك.» قال الفتى. «على الطرف الآخر من جدار بيتكم، فيما إذا كنت قد فهمت بشكل صحيح.» توقف للحظة، كما لو أنه قد فقد الخيط. «ألم تكونوا تشمون أي شيء على الإطلاق؟» سأل حينها.
«لا،» قلت. «لكنني في الحقيقة أعاني وبشكلٍ دائم من الرشح المزمن.» بدا هذا الجزء الأخير غريباً بعض الشيء. على الرغم من أنني لم أكن أقصد ذلك مطلقاً ليبدو على نحوٍ غريب، كنت أريد فقط أن أوسّع إجابتي قليلاً كي أساعد الفتى؛ كان يبدو أنه لا يعرف بالضبط كيف ينبغي أن يمضي قدماً، ويبدو أن كلمة «لا» قصيرة جداً. إذا كان هناك أحدٌ ما قد ارتكب خطأً هنا، فإنه الفتى: السؤال فيما إذا لم تكن قد شممتَ شيئاً ينبغي عليك أن تطرحه على الجيران الذين يعيشون متقاسمين الدرج نفسه، في الطرف نفسه من المبنى، وليس الجيران في الطرف الآخر. على التلفزيون تسقطُ هذه التفاصيل الدقيقة؛ وبالتأكيد في هذه الحالة، لأنني كنت الوحيد في الصورة. «أجل، لا يمكن فعل أي شيء بهذا الشأن،» قال الفتى. لكن هذا لم يساعد الريبورتاج. الآن ومباشرة بعد ملاحظتي حول الرشح المزمن، أدخلتُ المفتاح في القفل، وبعدها خطوتُ إلى الداخل وأغلقت الباب ورائي.
هناك فوق، خلعت معطفي ووضعت أكياس البقالة جانباً. ثم ذهبت إلى غرفة النوم لأرتدي سترةً أرق؛ كان الجو أقل برودة مما كنت قد ظننت. حينما كنتُ قد ارتديت سترة أخرى، دنوتُ من نافذة غرفة النوم. الفتى والمصور كانا يقفان في منتصف الشارع. سوى ذلك كان الشارع فارغاً. ترك المصور كاميرته لتنزلق بهدوء على طول واجهة المبنى. حالما كان قد رآني، أوقف كاميرته عليّ. حينها وكردّ فعل تلقائي، أمسكتُ بالستائر وأغلقتها بقوة.
كان بإمكاني أيضاً أن أخطو خطوةً إلى الخلف، ولو أنني كنت قد قدّرت درجة الحرارة في وقت مبكر من اليوم، لما كنتُ أصلاً في غرفة نومي في ذلك الوقت. ولكن هذه ليست المعلومات التي يتم بثها مع الصورة. في الأيام التالية اتصل بي ولأكثر من مرة أشخاصٌ شاهدوا الريبورتاج وبالكاد كان بإمكانهم أن يصدّقوا أنني كنتُ كذلك، إذ لم يكن لي أبداً أن أتصرّف هكذا. ومن الطريقة التي قالوا بها ذلك، كان ملحوظاً أنهم بدأوا يعاملونني بإرتياب. وكذلك في ألبرت هاين تحدثوا معي حول ذلك. كان هناك أحدٌ ما قد رقد على الأرض لمدة أربعة عشر شهراً دون أن يلاحظه أحد وأنني قد أغلقتُ ستائري. ولم تساعد أيضاً في شيء حقيقةُ أن الحي الذي أسكنه كان دائماً يرد في الأخبار بشكلٍ سلبي. الجيران الذين كانوا يردّون التحية دائماً عندما كنتُ أقول لهم مرحباً، ظلّوا يفعلون ذلك، لكن بشيءٍ من الحذر، كما لو كانوا خائفين، أنهم سيظهرون في الصورة كداعمين متحمسين لي؛ بطريقة أو أخرى كان يبدو أنهم يظنون أن الكاميرات ما تزال تتبعني. أنا، نفسي، بقيت بضعة أيام أواجه مشاكل مع هذه الفكرة التي كانت تراودني. ما لا يمكنني أيضاً تفسيره تماماً هو لماذا تركت أنا ستائر غرف النوم هذه مغلقة لعدة أيام.
عندما تم تطهير شقّة المرأة المتوفاة، عاد الفتى والمصور ليظهرا مرة أخرى في الشارع. أخفيتُ نفسي بجانب النافذة وتتبعت تحركاتهم. كان المصور يقوم بتصوير الحاوية الكبيرة التي وضعت على الرصيف والتي ألقى فيها بعض الرجال أثاثاً قديماً. الفتى كان ينظر حوله متردداً. وفي لحظةٍ محددة مشى نحو بابي الأمامي. رن الجرس، لكنني لم أفتح. في ذلك المساء، بعد نشرة الأخبار، قام برنامج الحدث اليوم ببث ريبورتاج عن الوحدة في مجتمعٍ يتزايد فيه الطابع الفردي بإستمرار. أثناء الريبورتاج تم بثّ صورٍ أُلتقطتْ لجنازة جارتي. أحد أعضاء مجموعة الشعراء الذين يحضرون جنازات الأشخاص الذين لا عوائل لديهم ولا أصدقاء، قرأ قصيدة كُتبت خصيصاً لهذه المناسبة. «نهايةُ حياةٍ بلا رؤية،» أعلن الشاعر «الجوارُ يغلق ستائره بإحكام.»
بعد يومٍ واحد رأيت أن برنامج الحدث اليوم قد غيّر قائده. بقيتْ الموسيقى نفسها، ولكن تم إجراء بعض التغييرات على الصور التي تلت بعضها البعض بسرعة. بين صورة دبابةٍ تطلق النار وصورة طفلٍ يبكي، يمكنك أن ترى كيف أن شخصاً غامضاً يغلق ستائره وبقوة. لستُ واضحاً في الصورة بحيث يمكن أن يتم التعرّف علي، لكن ومع ذلك، في إمكاني أن أقوم بأي شيء ضد ذلك. عليّ أن أعترف وبصراحة أنه لا رغبة لدي أبداً في إثارة أية قضية، وبصرف النظر عن الدعاية التي ستجرها معها. لاحظتُ كذلك أنني حتى لا أنظر إلى ذلك بإشمئزاز. لا أريد أن أقول إنني فخور بذلك، لكن، ومن ناحيةٍ أخرى، ما أزال لا أعرف بالضبط ما الخطأ الذي ارتكبته.
مجلة دي خيدس، العدد 169
(2006)
روب فان إيسّين (1963) كاتب ومترجم وناقد هولندي، من أعماله الروائية: صياد السمك (2008)، الشتاء في أمريكا (2017)، والابنُ الصالح (2018) التي توجت بجائزة ليبريس للآداب عام 2019.
في شارعي يحدثُ القليل. لكن الحيّ الذي أعيشُ فيه، يردُ ذكره في الأخبار دائماً، إذ يتعرض الناس هناك دائماً للمضايقات وتُحطّمُ زجاج النوافذ، ويكون الجناة شباباً منحدرين من أصلٍ مغربي. يحدث ذلك بالقرب مني قاب قوسين أو أدنى، لكن ينبغي أن أقول وبصراحة أنني أسمع بذلك، إذ أقرأ حوله في الجريدة وحسب. المسألةُ ليست أنها أفعال تحدث في أوقات محددة، والمسألة ليست أيضاً أنك تفكر في المساء: «هيّا تعال، أنا أشعر بالملل، سأذهب لألقي نظرة على ما يحدث». أحياناً أسمع وأنا جالسٌ خلف مكتبي صوت كليب كلوب، كليب كلوب، وإن خطوتُ نحو النافذة، أرى شرطة الخيّالة تمرُّ في الأسفل، مشهدٌ غريب حقّاً، ما يجعلك تفكر على الفور في حالات الطوارئ وفي ساعات حظر التجول مساءً.
من أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، في وقتٍ مبكّر من الصباح، وأنا أفتح الستائر، رأيت على بعد بابٍ آخر سيارة كومبي، رمادية اللون مع نوافذ جانبية مظللة، تقف هناك. إنها سيارة خدمة صحة البلدية التي تلتقط جثث الأشخاص الذين يلقون حتفهم في منازلهم – تعرّفتُ على السيارة حالما رأيتها، دون أن أعرف ما الذي استندت إليه في ذلك. من المحتمل أنني كنت قد رأيت ريبورتاجاً على التلفزيون المحلي حول هذا الموضوع. بجوار سيارة الكومبي كانت تقف هناك سيارة شرطة أيضاً.
ما إن حضّرتُ قهوتي حتى مشيت نحو البلكونة. انحنيتُ على الحافة ورأيت أن باباً أمامياً من أبواب الجيران كان قد تُرك مفتوحاً. لم يكن باب الطابق الأرضي. حاولتُ أن أتذكر من كان يسكن في الطابق الأول والثاني. بعد بضع دقائق، خرج رجلان مع نقالةٍ كان يتمدد عليها مربوطاً شخصٌ مغطّى بالقماش المشمع الرمادي. دفعا النقّالة في السيارة وانطلقا. ما هي إلى لحظاتٌ حتى خرج ضابطان من المنزل. دخلا سيارة الشرطة، وثم غادرا هما أيضاً الشارع.
حينما عدت بعد ساعات قليلة من سوبر ماركت ألبرت هاين، كان هناك طاقمُ تصوير في الشارع. أخرجتُ مفتاحي، ولكن قبل أن أتمكن من وضعه في القفل، كان الفتى الذي يحمل الميكروفون قد أدركني. المصور كذلك كان يهرع خلفه. «هل تسكن هنا؟» قال الفتى. «أجل،» قلت. (عندما أستعيدُ هذا المشهد في رأسي مرة أخرى، أفكّرُ أحياناً، أنه كان ينبغي علي أن أقول: لا، أنا مجرّد عابرٍ، مجرّدُ راكضٍ يمرُّ بجميع الأبواب الأمامية في هذه المدينة، وللتو كنتُ عندك، مررتُ أم بابك أيضاً، ولكنه ربما كان سيقول أنه لا يسكن في المدينة أصلاً.) «هل تعلمون» قال الفتى – كان شعره أشقر مجعداً وكانت لديه ذقنٌ متراجعة للخلف، ما كان يكسبه هيئةً فيها شيءٌ من التلهف وشيءٌ من التفاهة في الوقت نفسه – “هل تعلمون أن جارتكم كانت ترقد ميتةً في شقتها منذ أكثر من عام؟»
«لا،» قلت. خطوتُ خطوةً إلى الخلف ونظرت إلى واجهة المبنى، نحو الأعلى. «الطابق الأول أو الثاني؟»
«الطابق الثاني،» قال الفتى.
«الشقة التي بجانبي،» قلت.
«هل كان لديكم تواصلٌ معها؟»
«لا،» قلت. عندما شاهدتُ نفسي على التلفزيون لاحقاً، بل ولاحظتُ أنني هززتُ رأسي أيضاً وأنا أرد.
«وعندما تسمعون هذا الآن، ما رأيكم؟»
على ذلك لم أعرف بماذا أرد. «همم، حسناً،» قلت.
«هل كنتم تعلمون من كان يعيش هناك؟»
«امرأة تعيش لوحدها؟» لقد كان نصف سؤال منّي، بل وشكاً واضحاً، وفقط حينما شاهدته مرة أخرى في المساء، بعد نشرة الأخبار، أدركت ما الذي استندت إليه في هذا الشك: الفتى كان قد سأل عن «جارتكم».
«أجل، امرأة تعيش لوحدها،» قال الفتى. («تعيش لوحدها، كلمة تستخدمها بدون تفكير، ولكنها تحمل دلالة مريرة في هذه الحالة،» قال صوت المعلّق على الريبورتاج أثناء عملية البث.)
كنتُ أهز رأسي. على التلفزيون، بدا الأمر كما لو أنني كنتُ تحت التأثير، لكن في الواقع أظنّ أنني كنتُ أنتظر أن يردف الفتى شيئاً ما.
«أربعة عشر شهراً وهي ترقد هناك.» قال الفتى. «على الطرف الآخر من جدار بيتكم، فيما إذا كنت قد فهمت بشكل صحيح.» توقف للحظة، كما لو أنه قد فقد الخيط. «ألم تكونوا تشمون أي شيء على الإطلاق؟» سأل حينها.
«لا،» قلت. «لكنني في الحقيقة أعاني وبشكلٍ دائم من الرشح المزمن.» بدا هذا الجزء الأخير غريباً بعض الشيء. على الرغم من أنني لم أكن أقصد ذلك مطلقاً ليبدو على نحوٍ غريب، كنت أريد فقط أن أوسّع إجابتي قليلاً كي أساعد الفتى؛ كان يبدو أنه لا يعرف بالضبط كيف ينبغي أن يمضي قدماً، ويبدو أن كلمة «لا» قصيرة جداً. إذا كان هناك أحدٌ ما قد ارتكب خطأً هنا، فإنه الفتى: السؤال فيما إذا لم تكن قد شممتَ شيئاً ينبغي عليك أن تطرحه على الجيران الذين يعيشون متقاسمين الدرج نفسه، في الطرف نفسه من المبنى، وليس الجيران في الطرف الآخر. على التلفزيون تسقطُ هذه التفاصيل الدقيقة؛ وبالتأكيد في هذه الحالة، لأنني كنت الوحيد في الصورة. «أجل، لا يمكن فعل أي شيء بهذا الشأن،» قال الفتى. لكن هذا لم يساعد الريبورتاج. الآن ومباشرة بعد ملاحظتي حول الرشح المزمن، أدخلتُ المفتاح في القفل، وبعدها خطوتُ إلى الداخل وأغلقت الباب ورائي.
هناك فوق، خلعت معطفي ووضعت أكياس البقالة جانباً. ثم ذهبت إلى غرفة النوم لأرتدي سترةً أرق؛ كان الجو أقل برودة مما كنت قد ظننت. حينما كنتُ قد ارتديت سترة أخرى، دنوتُ من نافذة غرفة النوم. الفتى والمصور كانا يقفان في منتصف الشارع. سوى ذلك كان الشارع فارغاً. ترك المصور كاميرته لتنزلق بهدوء على طول واجهة المبنى. حالما كان قد رآني، أوقف كاميرته عليّ. حينها وكردّ فعل تلقائي، أمسكتُ بالستائر وأغلقتها بقوة.
كان بإمكاني أيضاً أن أخطو خطوةً إلى الخلف، ولو أنني كنت قد قدّرت درجة الحرارة في وقت مبكر من اليوم، لما كنتُ أصلاً في غرفة نومي في ذلك الوقت. ولكن هذه ليست المعلومات التي يتم بثها مع الصورة. في الأيام التالية اتصل بي ولأكثر من مرة أشخاصٌ شاهدوا الريبورتاج وبالكاد كان بإمكانهم أن يصدّقوا أنني كنتُ كذلك، إذ لم يكن لي أبداً أن أتصرّف هكذا. ومن الطريقة التي قالوا بها ذلك، كان ملحوظاً أنهم بدأوا يعاملونني بإرتياب. وكذلك في ألبرت هاين تحدثوا معي حول ذلك. كان هناك أحدٌ ما قد رقد على الأرض لمدة أربعة عشر شهراً دون أن يلاحظه أحد وأنني قد أغلقتُ ستائري. ولم تساعد أيضاً في شيء حقيقةُ أن الحي الذي أسكنه كان دائماً يرد في الأخبار بشكلٍ سلبي. الجيران الذين كانوا يردّون التحية دائماً عندما كنتُ أقول لهم مرحباً، ظلّوا يفعلون ذلك، لكن بشيءٍ من الحذر، كما لو كانوا خائفين، أنهم سيظهرون في الصورة كداعمين متحمسين لي؛ بطريقة أو أخرى كان يبدو أنهم يظنون أن الكاميرات ما تزال تتبعني. أنا، نفسي، بقيت بضعة أيام أواجه مشاكل مع هذه الفكرة التي كانت تراودني. ما لا يمكنني أيضاً تفسيره تماماً هو لماذا تركت أنا ستائر غرف النوم هذه مغلقة لعدة أيام.
عندما تم تطهير شقّة المرأة المتوفاة، عاد الفتى والمصور ليظهرا مرة أخرى في الشارع. أخفيتُ نفسي بجانب النافذة وتتبعت تحركاتهم. كان المصور يقوم بتصوير الحاوية الكبيرة التي وضعت على الرصيف والتي ألقى فيها بعض الرجال أثاثاً قديماً. الفتى كان ينظر حوله متردداً. وفي لحظةٍ محددة مشى نحو بابي الأمامي. رن الجرس، لكنني لم أفتح. في ذلك المساء، بعد نشرة الأخبار، قام برنامج الحدث اليوم ببث ريبورتاج عن الوحدة في مجتمعٍ يتزايد فيه الطابع الفردي بإستمرار. أثناء الريبورتاج تم بثّ صورٍ أُلتقطتْ لجنازة جارتي. أحد أعضاء مجموعة الشعراء الذين يحضرون جنازات الأشخاص الذين لا عوائل لديهم ولا أصدقاء، قرأ قصيدة كُتبت خصيصاً لهذه المناسبة. «نهايةُ حياةٍ بلا رؤية،» أعلن الشاعر «الجوارُ يغلق ستائره بإحكام.»
بعد يومٍ واحد رأيت أن برنامج الحدث اليوم قد غيّر قائده. بقيتْ الموسيقى نفسها، ولكن تم إجراء بعض التغييرات على الصور التي تلت بعضها البعض بسرعة. بين صورة دبابةٍ تطلق النار وصورة طفلٍ يبكي، يمكنك أن ترى كيف أن شخصاً غامضاً يغلق ستائره وبقوة. لستُ واضحاً في الصورة بحيث يمكن أن يتم التعرّف علي، لكن ومع ذلك، في إمكاني أن أقوم بأي شيء ضد ذلك. عليّ أن أعترف وبصراحة أنه لا رغبة لدي أبداً في إثارة أية قضية، وبصرف النظر عن الدعاية التي ستجرها معها. لاحظتُ كذلك أنني حتى لا أنظر إلى ذلك بإشمئزاز. لا أريد أن أقول إنني فخور بذلك، لكن، ومن ناحيةٍ أخرى، ما أزال لا أعرف بالضبط ما الخطأ الذي ارتكبته.
مجلة دي خيدس، العدد 169
(2006)
روب فان إيسّين (1963) كاتب ومترجم وناقد هولندي، من أعماله الروائية: صياد السمك (2008)، الشتاء في أمريكا (2017)، والابنُ الصالح (2018) التي توجت بجائزة ليبريس للآداب عام 2019.