سارة الجاك - حلولات القمر عند فاطنة تر..

الزمان : في مثل هذا اليوم قبل أربعين عاماً
المكان : الديوم بحري
تقاطع شارع ميدان عقرب العرضي المؤدي الى قبة الشيخ خوجلي ابو الجاز ومن ثم النيل , مع شارع الزبطية الطولي , المؤدي للشفخانة الواقعة جنوب حي الديوم وشمال النيل الازرق متلاطم الأمواج . وفي الركن الجنوبي الغربي من التقاطع , المنزل الثاني بعد الناصية المتجه شمالا" بابه زنك يفتح على ممر طويل يوصلك الى راكوبة فاطمة تر , قصيرة القامة , مفتولة القد , موشومة الخدود , ذات وجه مستدير وشعر أسود كثيف وممشط مساير , سمراء اللون تعطيك احساس التي قدمت لتوها من حلة الصقور شمال شرق منزلهم بعد ان شربت منبهاً من المريسة هناك ووضعت ما تؤنس به ليلتها من بستلة الطلس الخاصة بالمريسة أمامها وتوسدت يمينها في عنقريب القد القصير وسرحت في الحوش الممتد أمامها مسافة ليست طويلة ثم رفعت رأسها لتجد القمر متربعا" في وسط السماء ينظر اليها ويبتسم وينشر ضوءه في ارجاء المنزل بل ويتسلل الى الغرفة اليتيمة ذات الباب الجنوبي الا انه لا يستطيع كشف الظلام عنها , عجيبة هذة الغرفة حتى الشمس لم تستطع النيل من ظلامها , لا تحاول التسلل الى الداخل أكثر فان ساكن هذة الغرفة لا يحب الضوء وأخشى عليك من أن يؤذيك دعك منه وتعال تذوق هذة المريسة الساحرة المسكرة التي ترفعني انا الى سمائك العلية وتنزلك الى ارضنا السفلية وضحكت ضحكة سافرة ورددت انا فاطمة تر يا وكانت دعوتها للقمر
لبّى القمر دعوتها بأن، انعكست صورته على وجه مريستها الساكن ورأته
فرحت بنزوله الى ارضها السفلية حكت له عن الزعيم اسماعيل الازهري , والاستقلال وكيف استطاع الرجوع الى الحكم مرة ثانية وقصتها مع الضابط الانجليزي الذي حاول اغوائها وأبت لانها كانت وما زالت تحب زوجها يوسف جادين الذي سبقه صوته الى المنزل مترنما" مترنحا"
انا يوسف جادين ساكن قبوجة باللفة وسّع الشارع يا ولد أَخ تف
- صوت وخبط وضرب بالباب كان قد قصد الراكوبة وارتمى عند قدمي فاطمة تر التي سألته
( اتأخرت مالك الليلة سكرت وين ؟
هيغ أَخ تف انا الليلة مشيت كارا _بلسان تقيل مخمور
(قلت أغير من حلة الصقور حبة واجهجه اليمانية بتاعين الموية ديل , لقيت ليك ود صالح هاوشته كده دفع لي حق الكاس وضحكنا كدة وشاققت لمن وصلت , انت اخبارك شنو يا وجع قلبي
_ردت
انا طيبة وعجبتني المريسة جبت ليك منها الا القمر كان بعاين لي وعزمته وقلت ليه أنا بريدك شديد يا يوسف يا ود امي
وانتي عارفاني بريدك هيغ أَخ تف لكن تعزمي القمر ليه انتي ما عارفاني بغير عليك , كدي يا يوسف أخوي قوم على عنقريبك
_ كان قد توسد ساقيها وشر سواعده في نصفها تخلصت منه وعنيت بأمره حتى استلقى على ظهره ونام لكنها لم تنم بل واصلت محادثتها للقمر الذي آثار فضوله صاحب الغرفة المظلمة الذي لا يحب الضوء فسألها
واجابته
في الحقيقة يا القمر أخوي الأوضة دي أوضة ست البيت ده وهي هسه في الحج ومعرسها جني قدر ما يعرسها بني آدم بكاتله والحرابة تقوم آخر واحد شيخ من الصعيد اتكاتلوا وفلقه لما جاب دمه وآخر ما آخر ساقها ومشوا الحج ولي هسه ما جوا
_قالت كلماتها تلك ونامت الى ان سمعت
حي يا قيوم... حي يا قيوم
الحي الله... الحي الله
لا اله الا الله.... محمد رسول الله
لا اله الا الله.... محمدا" رسول الله . خرجت الى الشارع فرأت الرتائن ، محمولاً بأيدي الرجال ، فإذا بموكب يحمل نعشاً ، يتجه به الى مقابر الشيخ خوجلي ، يحملون الرتائن أو صديقها القمر كما تراءى لها ، ليتبينوا خطاهم ، لكنها لم تتبين النعش ، وظنت ان الموكب أحد مواكب السادة الختمية فعدلت من وقفتها ووضعت يدها في خصرها وأطلقت زغرودة تبعتها زغاريد ثم هتفت عاش السيد علي الميرغني عاش السيد علي الميرغني فإختلط صوت هتافها مع تهليلاتهم الى أن مروا من أمامها وإستودعتهم القمر الذي تولى مهمة إيصالهم الى المقابر

يوليو /2007
أعلى