سيد البحراوي - شعر الهزيمة والمقاومة..

حين يبحث مؤرخ الأدب المعاصر عن السمة الأكثر أهمية في هذا الأدب، شعره ونثره، فلن يجد سوى الهزيمة ومحاولة مقاومتها. وليس المقصود بالهزيمة هنا هو اندحار الجيش في 1967، وإنما هزيمة مشروع كامل اقتصادي، سياسي، واجتماعي. وهي هزيمة لم تقع سنة 1967، وإنما كانت بوادرها ومبرراتها كامنة في المشروع ذاته، وكانت مؤشراتها قد بدأت تظهر للعيان قبل 67 بسنوات. وكانت بعض الدراسات سواء في مصر (في مجلة الطليعة) أو في الخارج قد أخذت ترصد تناقضات المشروع والنظام السياسي والحياة في مصر مع تبلور ما كان يسمى آنذاك “الطبقة الجديدة”.

غير أن الشعر والقصة القصيرة وبعض الروايات، كانت أكثر قدرة على سبر غور هذه التناقضات وفضحها، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر. ولعل رواية تلك الرائحة (1962) لصنع الله إبراهيم وقصيدة أمل دنقل “الأرض.. والجرح الذي لا ينفتح” (1966) من النصوص البارزة في هذا السياق.

وسوف نترك مهمة تحليل هذه الهزيمة شعريا، لقصيدة هي الأكثر شهرة وأهمية، وهي قصيدة “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” لأمل دنقل (1967). فهي نموذج جمالي رائع للكتابة الشعرية عن الهزيمة، ليس فقط من حيث الدلالة والرؤية الثاقبة لما حدث في سيناء وأسبابه، وإنما أيضا للقيم الجمالية التي أثارتها الهزيمة في طاقة الشاعر (وغيره من الشعراء) على المستوى الجمالي والفني.

غير أني قبل ذلك أود أن أوضح أن هزيمة 67 بالمعنى الشامل الذي أشرت إليه، لم تترك أثرها على أمل دنقل وجيله فحسب، وإنما على كافة أجيال الشعر المعاصر، قبل أمل وبعده. وسأقدم فقط هذه النماذج الواضحة الدلالة.

يقول أحمد عبد المعطي حجازي في قصيدته الشهيرة “مرثية للعمر الجميل”:

من ترى يحمل الآن عبء الهزيمة فينا

المغني الذي طاف يبحث للحلم عن جسد يرتديه

أم هو الملك المدَّعي أن حلم المغني تجسَّد فيه

هل خدعت بملكك حتى حسبتك صاحبي المنتظر

أم خدعت بأغنيتي

وانتظرت الذي وعدتك به ثم لم تنتصر

أم خدعنا معا بسراب الزمن الجميل؟!

ونتيجة لهذا الإحساس الفادح بالهزيمة والمشاركة فيها من قبل الشاعر، يصبح منطقيا أن يقول في ديوان تال “كائنات مملكة الليل”:

أنا والثورة العربية

نبحث عن عمل في شوارع باريس

نبحث عن غرفة

نتسكع في شمس أبريل

إن زماناً مضى

وزمانا يجيء!

قلت للثورة العربية:

لابد أن ترجعي أنت،

أما أنا

فأنا هالك

تحت هذا الرذاذ الدفيء!

ونفس الموقف نجده في قصيدة فاروق شوشة “اعترافات العمر الخائب” من ديوان “في انتظار ما لا يجيء” يقول فيها:

عندما يجتاحنا الحزن الرمادي

ونقعي في زوايا القلب، مكسورين

نجتر الحكايات القديمة..

الأسى الفارغ يستيقظ من بين الدهاليز

ويصحو وتر الشجو

الكتابات التي جفت على الأوراق

كانت ذات يوم صوتنا العالي

لفح الشوق

والرؤيا الحميمة!

خرجت منها وجوه، لفعتها دورة الأيام،

شاخت في كوى النسيان

تحكي وجه بومة!

في الجدار الأسود الشاخص، نرتدُّ

وفي قاع العيون الجوف، نهوي

نكتوي من لذعة الذكرى

ومن وحدتنا في ليلنا العاري،

ومن هول انسحاق القلب

من طعم الهزيمة.

ولكن في مقابل هذا الموقف الذي أصاب أجيال المثقفين التي ارتبطت بمشروع “الحلم القومي” في الخمسينات، نجد موقفا آخر، يقوم على وعي عميق وإرادة قوية للمقاومة، في قصيدة “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة”، وهذا هو نصها:

أيتها العرافة المقدسة….

جئت إليك.. مثخنا بالطعنات والدماء

أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدسة

منكسر السيف، مغَّبر الجبين والأعضاء.

أسأل يا زرقاء…

عن فمك الياقوت عن، نبوءة العذراء

عن ساعدي المقطوع… وهو ما يزال ممسكا بالراية المنكسة

عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاة على الصحراء

عن جاري الذي يهُمّ بارتشاف الماء…

فيثقب الرصاص رأسه… في لحظة الملامسة!

عن الفم المحشو بالرمال والدماء!!

أسأل يا زرقاء…

عن وقفتي العزلاء بين السيف… والجدار!

عن صرخة المرأة بين السَّبي.. والفرار؟

كيف حملتُ العار…

ثم مشيتُ؟ دون أن أقتل نفسي؟! دون أن أنهار؟!

ودون أن يسقط لحمي…. من غبار التربة المدنسة؟!

تكلمي أيتها المقدسة

أيتها النبية المقدسة…

لا تسكتي.. فقد سَكَتُّ سَنَة فَسَنَةً

لكي أنال فضلة الأمان

قيل لي “اخرس…”

فخرستُ… وعميت… وائتممتُ بالخصيان!

ظللتُ في عبيد (عبس) أحرس القطعان

أجتزُّ صوفَها…

أردُّ نوفها…

أنام في حظائر النسيان

طعامي: الكسرةُ… والماءُ.. وبعض التمرات اليابسة

وها أنا في ساعة الطعان

ساعة أن تخاذل الكماة… والرماة… والفرسان

دُعيت للميدان!

أنا الذي ما ذقت لحم الضان

أنا الذي لا حول لي أو شأن

أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان،

أدعى إلى الموت…. ولم أدع إلى المجالسة!!

تكلمي أيتها النبية المقدسة

تكلمي… تكلمي…

فها أنا على التراب سائلٌ دمي

وهو ظمئ.. يطلب المزيدا.

أسائل الصمت الذي يخنقني:

“ما للجمال مشيُها وئيدا…؟!

“أجندلا يحملن أم حديدا…؟!

ها أنت يا زرقاء

وحيدة………. عمياء!

والعربات الفارهات.. والأزياء!

فأين أخفي وجهي المشوهَّا

كي لا أعكر الصفاء… الأبله المشوهَّا

في أعين الرجال والنساء؟!

وأنت يا زرقاء..

وحيدة… عمياء!

وحيدة… عمياء!

تتكون القصيدة من ثلاثة أجزاء، أكبرها حجما هو الأول يليه الثاني ثم الثالث، كل منهم يعتبر محورا خاصا يحمل جانبا من الدلالة يتضافر مع الجوانب الأخرى لتتكون القصيدة بنية ودلالة.

يبدأ المحور الأول بمخاطبة زرقاء اليمامة التي جاءت في عنوان القصيدة، وهي كما نعرف امرأة جاهلية كانت في اليمامة عرفت بحدة البصر. وذات يوم رأت عن بعد جيوش الأعداء (إحسان بن تبع الحميري)، وحذرت قومها منهم لكنهم لم يعبئوا بنبوءتها، فهاجمتهم الجيوش وهم غير مستعدين وهزمتهم.

وأمل دنقل في هذه القصيدة، كدأبه في قصائد أخرى كثيرة، يستعين بالتراث العربي وغيره لربط القارئ المعاصر بماضيه من ناحية، ويستفيد منه من الناحية التشكيلية والجمالية من ناحية أخرى. وهو هنا يبدأ بالبكاء بين يدي هذه العرافة، لكن القصيدة تنتهي بأن يتوحد معها، بما يعني أنه هو نفسه فعل ما فعلته الزرقاء حين تنبأ في قصيدة سابقة أو حتى في هذه القصيدة التي قيل أنها كتبت قبل هزيمة 1967، وإن كانت قد نشرت بعد وقوعها بأيام.

يقول مثلا في قصيدة “الأرض… والجرح الذي لا ينفتح” (مايو 66):

الأرض ما زالت، بأذنيها دم من قرطها المنزوع(1)

قهقهة اللصوص تسوق هودجها.. وتتركها بلا زاد،

تشد أصابع العطش المميت عن الرمال،

تضيع صرختها بحمحمة الخيول.

الأرض ملقاة على الصحراء.. ظامئة

وتلقي الدلو مرات.. وتخرجه بلا ماء!

وتزحف في لهيب القيظ..

تسأل عن عذوبة نهرها..

والنهر سممه المغول

وعيونها تخبو من الإعياء، تستسقي جذور الشوك،

تنتظر المصير المر.. يطحنها الذبول

والنص يشير بوضوح إلى الإهمال الذي تلقاه سيناء. ومن ثم مصيرها المر تحت أعين “المغول” أو الحكام الذين سمموا النهر، أي النيل.

هذا المصير يصفه الشاعر بالتفصيل في الجزء الأول من “البكاء” عبر مجموعة من الصور المأساوية للجنود والأطفال والنساء، وهي صور يعتمد معظمها على نمط جديد من المجاز هو المفارقة (irony) التي يجتمع فيها نقيضان فتثير تأثيرا تهكميا مأساويا في نفس الوقت، مثل قوله:

عن جاري الذي يهم بارتشاف الماء..

فيثقب الرصاص رأسه… في لحظة الملامسة.

أو قوله:

عن ساعدي المقطوع… وهو ما يزال ممسكا بالراية المنكسة.

أما الجزء الثاني من القصيدة فإنه وإن كان يواصل الحوار مع زرقاء اليمامة، يعود إلى الأسباب التي أدت إلى الهزيمة وهي القمع، وغياب الديمقراطية، وغياب العدالة الاجتماعية، حيث الفقراء المحرومون هم الذين يدعون إلى الحرب بعد هزيمة الجيوش المرفهة، وهو نفس المعنى الذي ذكره بوضوح في قصيدة تالية بعنوان “تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات” (سبتمبر 1970)، يقول فيها:

قلت لكم مرارا

إن الطوابير التي تمر..

في استعراض عيد الفطر والجلاء

(فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)

لا تصنع انتصارا.

إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحارى

لا تطلق النيران.. إلا حين تستدير للوراء.

إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء:

لا تقتل الأعداء

لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا

تقتلنا، وتقتل الصغار!

وواضح في النص أن الشاعر يستمر في منهج المفارقة المضحكة المبكية حيث تمارس العناصر وظيفة عكس وظيفتها، كاشفة عن الخلل والفساد في الواقع الاجتماعي والتناقضات التي لابد أن تؤدي إلى الكوارث، وهو الأمر الذي يمتد إلى حرب 1948، حيث كانت الأسلحة الفاسدة تقتل حامليها وليس الأعداء، كما أن الأسلحة الآن (في زمن القصيدة وزمننا) لا توجه إلى الأعداء وإنما توجه إلينا نحن إذا رفعنا صوتنا جهارا.

وطبقا لمنهج الشاعر في التعامل مع التراث، يعود في الجزء الثاني قصيدة “البكاء” إلى العصر الجاهلي، حيث يتماهى من ناحية مع الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد العبسي، كشخصية معروفة اضطهد لكونه أسود رغم أنه ابن سيد القبيلة، ولم يُعترف بفضله إلى حين احتاجوا إليه في القتال، ومن ناحية أخرى يستعين ببيت من الشعر الجاهلي للـ”زباء” أو زنوبيا ملكة الجزيرة في العراق. وهذا البيت هو:

ما للجمال مشيها وئيدا… أجندلا(2) يحملن أم حديدا

وفيه تتساءل الزباء تساؤلا تهكميا عن حقيقة ما تحمله الجمال الذي يجعلها تسير ببطء شديد. والمعروف أن “قصيرا” (3) كان قد أوهمها أنها تحمل هدايا لها، في حين أنه خبّأ فيها رجالا مقاتلين.

والدلالة المباشرة التي يستخدم أمل دنقل البيت من أجلها هي دلالة الاستبطاء واستثقال الصمت والقيود المفروضة عليه بفعل الهزيمة والقمع، غير أن هناك دلالة غير مباشرة تنضح من القصة القديمة، وهي دلالة الغدر والخيانة الكامنتين وراء الهزيمة، بسبب التقاعس من قبل كبار الضباط وقادة الجيش والحكام بصفة عامة.

ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن الشاعر ـ في هذا الجزء ـ يستمر في الاعتماد على تقنية المفارقة لإظهار التناقض، وذلك في قوله:

أدعى إلى الموت… ولم أدع إلى المجالسة!!

في الجزء الثالث من القصيدة يعود الشاعر إلى التاريخ القديم، حيث يمزج بين ما حدث للزرقاء وشعبها بعد أن وقعت بهم الهزيمة وبين ذاته وشعبه بعد الهزيمة أيضا، فالشعب ذليل مكسور مهان في حين:

ما تزال أغنيات الحب… والأضواء

والعربات الفارهات… والأزياء!

وهي أيضا مفارقة تكشف التناقض بين ما يعيشه الشعب وما يعيشه الأغنياء والحكام الذين تسببوا في الهزيمة. أما الشاعر والزرقاء فقد ظلت.. وحيدة عمياء… وحيدة عمياء.

وهكذا تنتهي القصيدة بالتوحد بين الزرقاء والشاعر، لتفضح العلاقة الصراعية الممتدة عبر التاريخ بين الشعب وطليعته من الأدباء والحكماء من ناحية، والحكام من ناحية أخرى. الشعب يضحي وينصح، والحكام لاهون يتسببون في الكوارث ولا ينالون أي أذى منها، ويظلون يقمعون الشعوب ويهينونها.

ورغم أن الجزء الأول من أجزاء القصيدة يركز اللحظة الراهنة (1967) والجزء الثاني يركز على ما قبلها بقليل، والثالث يقدم اللحظة الجاهلية، فإن الحركة البندولية بني الأزمنة طوال الأجزاء الثلاثة تمهد للنهاية حيث يتوحد الماضي والحاضر، والمستقبل أيضا، لأنها تكشف التناقض الرئيسي الذي ما يزال مستمرا.

هنا تأتي وظيفة المفارقة التي أشرنا إليها في مواقعها في القصيدة، وتساعدها علامات الترقيم المنتشرة في القصيدة أيضا، وأهمها علامات التعجب التي تأتي في نهايات كثير من السطور، أحيانا مرة واحدة وأحيانا مرتين لتأكيد التعجب والتهكم والاستنكار. كذلك يساعد الإيقاع على تحقيق وحدة القصيدة، ويبرز في نفس الوقت خصوصية كل جزء من أجزائها.

إن القصيدة تنتمي إلى الشعر الحر. وهو شكل شعري ازدهر منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي. وهو لا يلتزم بالشروط التي سار عليها الشعر العربي القديم والتي وضعها البلاغيون والنقاد. فلا يلتزم بوحدة الوزن أو القافية ولا بشكل الأبيات المتساوية الأطوال في كل القصيدة، وإنما يأتي على شكل سطور تطول أو تقصر حسب المعنى الذي يريد الشاعر أن يؤكد عليه في كل سطر.

غير أن الشعر الحر يستفيد من الإيقاع فتأتي سطوره موزونة لكن دون عدد ثابت من التفعيلات، كما أن القافية تأتي في نهاية كثير من السطور لكن ليس باطراد، وإنما بالتناوب أو التبادل. فمثلا نلاحظ أن السطر الأول من القصيدة مكون من ثلاثة تفعيلات على النحو التالي:

أيتها العرافة المقدسة

/0///0 /0/0//0 //0//0

– ﮟ ﮟ – – – ﮟ – ﮟ – ﮟ –

في حين أن السطر الثاني أربع تفعيلات والثالث خمسة والرابع أربعة والخامس اثنتان فقط وهكذا. ومع ذلك فإن امتداد نفس التفعيلة في كل القصيدة، وهي تفعيلة الرجز (مستفعلن) يضمن وحدة النغم في القصيدة من أولها إلى آخرها.

غير أننا هنا لابد أن نلاحظ خاصية تميز بها شعر أمل دنقل، وهي استخدامه لما أسماه العروضيون بالزحافات والعلل للإسراع بالإيقاع أو إبطائه وخاصة في نهايات السطور، حيث يشيع في معظمها التقاء الساكنين مما يؤدي إلى التوقف الحتمي عند قراءة هذه النهايات. مثال: الدماء/ الجدار/ الخنادق/ الأمان/ الخ.

وهنا نجد الدور المهم للقافية، حيث نجد في كل جزء عددا من القوافي. في الجزء الأول نجد (سه/ اء/ ار/ ان/ دق) وفي الثاني (ان/ سه/ دا) وفي الثالث (سه/ ار/ اء). ونلاحظ امتداد قافيتين من البداية حتى النهاية، وهما (سه/ اء) والأخيرة هي الأكثر شيوعا، وهي مناسبة تماما لحالة الأسى والحزن المهيمنة على القصيدة، حيث حرف الهمزة المهموس ذي الخصائص التي تجعله صعبا ومجهدا في النطق.

إن السمة الغالبة على القصيدة هي الأسى والحزن كما قلنا، ولكن التساؤل الضروري هنا هو: هل معنى ذلك أن القصيدة تدعو إلى اليأس والاستسلام، أم إلى الرفض والمقاومة؟

الإجابة هي أن القصيدة رغم نهايتها ترصد وقوع الهزيمة وعزلة الشاعر وقناعه (الزرقاء)، فإن رصد التناقضات وفضحها يدين الحكام والمسئولين ويثير القارئ ضدهم ويؤدي إلى الرفض والمقاومة.

وهذا هو موقف الشاعر المعروف في قصائد أخرى مثل “كلمات سبارتاكوس الأخيرة” و”الكعكة الحجرية” و”لا تصالح” وغيرها.

يقول مثلا في الأولى:

المجد للشيطان.. معبود الرياح

من قال “لا” في وجه من قالوا “نعم”

من علّم الإنسان تمزيق العدم

من قال “لا”.. فلم يمت.

وظلَّ روحاً أبدية الألم.

ويقول في الثانية:

أيها الواقفون على حافة المذبحة

أشهروا الأسلحة!

سقط الموت، وانفرط القلب كالمسبحة

والدم انساب فوق الوشاح!

والمنازل أضرحة،

والزنازن أضرحة،

والمدى أضرحة،

فارفعوا الأسلحة،

واتبعوني.

ويقول في الثالثة:

لا تصالح

ولو قيل ما قيل من كلمات السلام.

كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنس؟

كيف تنظر في عيني امرأة..

أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

كيف تصبح فارسها في الغرام؟

كيف ترجو غداً.. لوليد نام؟

هكذا دفعت هزيمة 67 البعض إلى الانهزام، والبعض الآخر إلى المقاومة، وتوالت أجيال الهزيمة… والمقاومة؛ حتى الآن… وهذا موضوع دراسة أخرى.

ملاحظات

1 – إشارة واضحة إلى الجزء الذي ظلت إسرائيل تحتله من سيناء منذ 1956.

2 – الجندل هو المكان من النهر المليء بالصخور، والمقصود هنا الصخور نفسها على سبيل المجاز المرسل.

3 – قصير هو مستشار عمرو بن عدي ملك مملكة بشاطئ الفرات والذي دبر له حيلة السيطرة على مملكة الزبَّاء بالخديعة.


أعلى