في العام ٢٠١٦ أنجزت أمل أبو حنيش رسالة دكتوراه، في الجامعة الأردنية، عنوانها «صورة اليهودي وصورة العربي في نماذج من الرواية العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين» وفي عدد مجلة «الجديد»، ملف كامل عن اليهود في الرواية العربية شارك فيه نقاد عرب منهم عبدالله إبراهيم وإبراهيم عادل وممدوح فراج النابي وزياد الأحمد ومصطفى بيومي وأسماء معيكل وآخرون، وأدلى فيه قسم من الروائيين، مثل مايا أبو الحيات وإبراهيم الجبين وعلي المقري، بشهاداتهم.
والتفات الدارسة والمجلة لهذا الموضوع لم يكن مفاجئا، فهو استمرار لدراسات عكف عليها دارسون أسسوا للموضوع ورصدوا الالتفات إليه في الأدب العربي والرواية العربية. ومن الدارسين من رصد الأعمال الأدبية ودرسها ومنهم من ركز على علم روائي بعينه.
أتت أبو حنيش على الدراسات السابقة، ورصدها كذلك ممدوح النابي في إحدى دراستيه في مجلة «الجديد».
ربما ما يبدو مفاجئا في الموضوع هو هذا الفيضان الروائي في الكتابة عن اليهود في مطلع القرن الحادي والعشرين قياسا إلى ما كتب عنهم في القرن العشرين.
في رسالة أبو حنيش وفي دراسة النابي يلحظ المرء عددا لا بأس به من الروايات، وحين تلقي نظرة على مصادر الدارسة تقرأ ما لا يقل عن عشرين عنوانا صدرت في مطلع القرن، وهناك روايات أخرى صدرت خلال إنجاز الرسالة وبعده مثل رواية إلياس خوري «أولاد الغيتو: اسمي آدم» و»أولاد الغيتو: نجمة البحر» وروايات: الحبيب السائح «صديقي حاييم» وسليم بركات «لماذا رحلت السيدة راحيل؟» ووليد أسامة خليل «أحببت يهودية» وسهيل كيوان «بلد المنحوس» وربعي المدهون «مصائر» وكميل أبو حنيش «مريم مريام»، وأحمد أبو سليم «كوانتوم»، وبعض هذه الروايات درسها ممدوح النابي وبعضها لم يدرسه، هذا إذا غضضنا النظر عن روايات صدرت قبل أن تنجز الدارسة أطروحتها مثل رواية الطاهر وطار «الزلزال» وروايتي واسيني الأعرج «البيت الأندلسي» و»سوناتا لأشباح القدس» ولم يلتفت إليها ممدوح النابي أيضا. وهناك روايات مغاربية مثل رواية الجزائري الذي يكتب بالفرنسية ويثير ضجة أمين زاوي «اليهودي الأخير من تمنطيط» التي درسها عبد الوهاب الشعلان، والرواية المغاربية وصورة اليهود فيها موضع رسالة دكتوراه تنجزها الآن Chahra Blg، كما عقبت على مقال لي وأخبرتني أن الرواية المغاربية في الموضوع مهملة من الدارسين.
لقد لاحظ بعض المشاركين في ملف «الجديد» تسيد دال «اليهودي» في العناوين، مثلما طغى حضور اليهود في المنجز الروائي العربي المعاصر، وتساءل عن أسباب هذا الحضور والتسيد، وهو حقا محق في تساؤله.
شخصيا، وعلى صفحتي في الفيسبوك التفت إلى صورة الفلسطيني في الرواية العربية مقابل صورة اليهودي واقترحت على المجلة أن تخصص ملفا كاملا حتى تكتمل الصورة، وقد وعد علي عواد بإنجازه.
اللافت هو تناول بعض الدارسين الروايات العربية التي كتبها روائيون عرب يهود. هنا أشير إلى دراسة العراقي عبد الله إبراهيم لروايات اليهود العراقيين، وقد انشغل، من قبل، بهذا الجانب وأنجز غير بحث عارضا لأعمال نعيم قطان وسمير نقاش وشمعون بلاص ومتوقفا أمام سؤال الهوية الذي أرق هؤلاء الكتاب في رواياتهم، وفي حياتهم أيضا. لقد دفع قسم من الكتاب ثمنا باهظا بعد الخروج من وطنهم الأم العراق. حقا كيف نتعامل مع روايات هؤلاء ونحن نكتب عن صورة اليهود؟
اليهودي هنا عربي والعراق وطنه وحين يكتب مصورا حياته وحياة أبناء الديانة اليهودية لا يكتب عن آخر يهودي وإنما يكتب عن ذاته عربيا يهوديا، ولا يكون العربي هو آخره، فآخره، حين يهاجر إلى فلسطين، هو اليهودي الغربي المتعالي، وهو ما صوره عموما بعض الفلسطينيين مثل سميح القاسم في «الصورة الأخيرة في الألبوم».
عدا دراسة عبد الله إبراهيم هناك دراسة ممدوح النابي الذي لم يقتصر فيها على الأعمال الروائية، وإنما كان يلجأ إلى مقاربة صورة اليهود في الرواية في ضوء الصورة التي قدمت لهم في السينما المصرية، ويبدو أنه كان مطلعا اطلاعا جيدا على نماذج منها، وصحيح أنه درس صورة اليهود في الرواية في مطلع القرن الحالي، ولكنه التفت إلى صورتهم في الأدب المصري في القرن العشرين، فتوقف أمام صورتهم في روايات محفوظ وعبد القدوس. وما لم يلتفت إليه في الرواية المصرية تناوله مصطفى بيومي الذي خصص دراسته لرواية رضوى عاشور «قطعة من أوروبة» وكتب عن اليهود في مصر من خلالها، ويبدو أن رضوى كتبت عن حضور اليهود في مصر متكئة على كتب ودراسات علمية أكثر مما كتبت عن نماذج عرفتها أو احتكت بها - هنا لاحظت أن ما ورد في الرواية حضر جزء منه في مسلسل «حارة اليهود» قبل أربع سنوات - وهذا بدوره يثير السؤال عن مصادر كتابة الروائيين العرب عن اليهود، وهنا ترفدنا الشهادات التي قدمها الروائيون.
من أين استمد هؤلاء معلوماتهم عن نماذجهم التي كتبوا عنها؟
وما هي صلتهم باليهود؟ هل هي صلة ناجمة عن معايشة ومعرفة عن قرب أم أنها تتكئ على الكتب والمراجع؟
وشهادتا إبراهيم الجبين وعلي المقري تقولان لنا هذا وذاك، فالجبين كتب عن يهود دمشق وحارتهم من خلال وجوده في المدينة، وعلي المقري عاد إلى المصادر والمراجع ليكتب عن يهود اليمن في القرن السابع عشر، وأما مايا أبو الحيات فقد شاهدتهم على الحواجز وفي المدن التي وجدوا فيها.
هناك دراسات تناولت بعض روايات كتب فيها عن اليهود السود مثل رواية «رغوة سوداء» للكاتب الإرتيري جابر عزت، وقد التفت إليها دارسان، علما بأن بطلها لم يكن من أصول يهودية ولكنه تحول إليها وهاجر إلى إسرائيل وعاش فيها فعانى باعتباره يهوديا أسود.
هل اختلفت الكتابة عن اليهود في القرن الحالي عنها في القرن العشرين، وما الصورة الجديدة لهم إن اختلفت، وما سبب ذلك ودوافعه؟ هذان هما السؤالان اللذان راودا الدارسين.
والتفات الدارسة والمجلة لهذا الموضوع لم يكن مفاجئا، فهو استمرار لدراسات عكف عليها دارسون أسسوا للموضوع ورصدوا الالتفات إليه في الأدب العربي والرواية العربية. ومن الدارسين من رصد الأعمال الأدبية ودرسها ومنهم من ركز على علم روائي بعينه.
أتت أبو حنيش على الدراسات السابقة، ورصدها كذلك ممدوح النابي في إحدى دراستيه في مجلة «الجديد».
ربما ما يبدو مفاجئا في الموضوع هو هذا الفيضان الروائي في الكتابة عن اليهود في مطلع القرن الحادي والعشرين قياسا إلى ما كتب عنهم في القرن العشرين.
في رسالة أبو حنيش وفي دراسة النابي يلحظ المرء عددا لا بأس به من الروايات، وحين تلقي نظرة على مصادر الدارسة تقرأ ما لا يقل عن عشرين عنوانا صدرت في مطلع القرن، وهناك روايات أخرى صدرت خلال إنجاز الرسالة وبعده مثل رواية إلياس خوري «أولاد الغيتو: اسمي آدم» و»أولاد الغيتو: نجمة البحر» وروايات: الحبيب السائح «صديقي حاييم» وسليم بركات «لماذا رحلت السيدة راحيل؟» ووليد أسامة خليل «أحببت يهودية» وسهيل كيوان «بلد المنحوس» وربعي المدهون «مصائر» وكميل أبو حنيش «مريم مريام»، وأحمد أبو سليم «كوانتوم»، وبعض هذه الروايات درسها ممدوح النابي وبعضها لم يدرسه، هذا إذا غضضنا النظر عن روايات صدرت قبل أن تنجز الدارسة أطروحتها مثل رواية الطاهر وطار «الزلزال» وروايتي واسيني الأعرج «البيت الأندلسي» و»سوناتا لأشباح القدس» ولم يلتفت إليها ممدوح النابي أيضا. وهناك روايات مغاربية مثل رواية الجزائري الذي يكتب بالفرنسية ويثير ضجة أمين زاوي «اليهودي الأخير من تمنطيط» التي درسها عبد الوهاب الشعلان، والرواية المغاربية وصورة اليهود فيها موضع رسالة دكتوراه تنجزها الآن Chahra Blg، كما عقبت على مقال لي وأخبرتني أن الرواية المغاربية في الموضوع مهملة من الدارسين.
لقد لاحظ بعض المشاركين في ملف «الجديد» تسيد دال «اليهودي» في العناوين، مثلما طغى حضور اليهود في المنجز الروائي العربي المعاصر، وتساءل عن أسباب هذا الحضور والتسيد، وهو حقا محق في تساؤله.
شخصيا، وعلى صفحتي في الفيسبوك التفت إلى صورة الفلسطيني في الرواية العربية مقابل صورة اليهودي واقترحت على المجلة أن تخصص ملفا كاملا حتى تكتمل الصورة، وقد وعد علي عواد بإنجازه.
اللافت هو تناول بعض الدارسين الروايات العربية التي كتبها روائيون عرب يهود. هنا أشير إلى دراسة العراقي عبد الله إبراهيم لروايات اليهود العراقيين، وقد انشغل، من قبل، بهذا الجانب وأنجز غير بحث عارضا لأعمال نعيم قطان وسمير نقاش وشمعون بلاص ومتوقفا أمام سؤال الهوية الذي أرق هؤلاء الكتاب في رواياتهم، وفي حياتهم أيضا. لقد دفع قسم من الكتاب ثمنا باهظا بعد الخروج من وطنهم الأم العراق. حقا كيف نتعامل مع روايات هؤلاء ونحن نكتب عن صورة اليهود؟
اليهودي هنا عربي والعراق وطنه وحين يكتب مصورا حياته وحياة أبناء الديانة اليهودية لا يكتب عن آخر يهودي وإنما يكتب عن ذاته عربيا يهوديا، ولا يكون العربي هو آخره، فآخره، حين يهاجر إلى فلسطين، هو اليهودي الغربي المتعالي، وهو ما صوره عموما بعض الفلسطينيين مثل سميح القاسم في «الصورة الأخيرة في الألبوم».
عدا دراسة عبد الله إبراهيم هناك دراسة ممدوح النابي الذي لم يقتصر فيها على الأعمال الروائية، وإنما كان يلجأ إلى مقاربة صورة اليهود في الرواية في ضوء الصورة التي قدمت لهم في السينما المصرية، ويبدو أنه كان مطلعا اطلاعا جيدا على نماذج منها، وصحيح أنه درس صورة اليهود في الرواية في مطلع القرن الحالي، ولكنه التفت إلى صورتهم في الأدب المصري في القرن العشرين، فتوقف أمام صورتهم في روايات محفوظ وعبد القدوس. وما لم يلتفت إليه في الرواية المصرية تناوله مصطفى بيومي الذي خصص دراسته لرواية رضوى عاشور «قطعة من أوروبة» وكتب عن اليهود في مصر من خلالها، ويبدو أن رضوى كتبت عن حضور اليهود في مصر متكئة على كتب ودراسات علمية أكثر مما كتبت عن نماذج عرفتها أو احتكت بها - هنا لاحظت أن ما ورد في الرواية حضر جزء منه في مسلسل «حارة اليهود» قبل أربع سنوات - وهذا بدوره يثير السؤال عن مصادر كتابة الروائيين العرب عن اليهود، وهنا ترفدنا الشهادات التي قدمها الروائيون.
من أين استمد هؤلاء معلوماتهم عن نماذجهم التي كتبوا عنها؟
وما هي صلتهم باليهود؟ هل هي صلة ناجمة عن معايشة ومعرفة عن قرب أم أنها تتكئ على الكتب والمراجع؟
وشهادتا إبراهيم الجبين وعلي المقري تقولان لنا هذا وذاك، فالجبين كتب عن يهود دمشق وحارتهم من خلال وجوده في المدينة، وعلي المقري عاد إلى المصادر والمراجع ليكتب عن يهود اليمن في القرن السابع عشر، وأما مايا أبو الحيات فقد شاهدتهم على الحواجز وفي المدن التي وجدوا فيها.
هناك دراسات تناولت بعض روايات كتب فيها عن اليهود السود مثل رواية «رغوة سوداء» للكاتب الإرتيري جابر عزت، وقد التفت إليها دارسان، علما بأن بطلها لم يكن من أصول يهودية ولكنه تحول إليها وهاجر إلى إسرائيل وعاش فيها فعانى باعتباره يهوديا أسود.
هل اختلفت الكتابة عن اليهود في القرن الحالي عنها في القرن العشرين، وما الصورة الجديدة لهم إن اختلفت، وما سبب ذلك ودوافعه؟ هذان هما السؤالان اللذان راودا الدارسين.
اليهود في الرواية العربية - عادل الأسطة - دفاتر الأيام
www.al-ayyam.ps