د. أسامة عرفة - العجوز والفأر.. قصة قصيرة

كنت أختلس أحيانا بعض الوقت للجلوس في مرآب إصلاح السيارات المجاور للمنزل .. القائم عليه رجل مصري دمث الخلق طيب الروح أغلب ظني أنه أحد الشباب ممن رحلوا بحثا عن الرزق بعد أن أتموا الدراسة الجامعية .. كنت أهوى الحديث إليه سواء أثناء راحته أو أثناء عمله بين السيارات .. كان يضع لنا الكراسي التي لم تعد سياراتها بحاجة إليها و كان بجوارنا ثلاجة المياه الغازية التي تعمل بالعملة كنت أنظر إليها في غيظ فقد حرمتني من متعة وضع يدي في المياه المثلجة التي كنا نغمر فيها زجاجات الغازوزة و ألواح الثلج .. تلك الثلاجات المعدنية القديمة و ذلك المفتاح التقليدي الذي أحيل للاستيداع منذ زمن ..
في عصاري أحد تلك الأيام كان ذلك المشهد :
بواب العمارة التي بها المرآب رجل اقترب من الستين ضئيل الحجم بدأت أرجاء جسده في الانطواء أمسك بمقشته البالية يدفع بها على مهل التراب عن مدخل العمارة و كان من ضمن ما دفعه فأر شديد الضآلة غير قادر على الجري .. دفعه إلى نهر الطريق و هو مبتسم .. وقف الفأر حائرا هل يعبر الطريق ؟.. هل يعود إلى صاحبنا ؟.. هل يسير مع السيارات ؟.. أمره غريب هذا الفار هل يريد الانتحار تحت عجلات السيارات .. يبدو أنه أخذ قراره بالعودة لمرافقة صاحبنا الذي راح من ناحيته يعيده المرة تلو الأخرى إلى نهر الطريق .. كانت خطة العجوز الخبيثة التخلص من الفأر تحت عجلات السيارات المارة التي راحت من جانبها تتفادى القيام بهذه المهمة .. لقد انكشف صاحبنا العجوز أنه أرق من أن يقتل الفأر نفسه .. لا تطاوعه نفسه على القتل بيده .. كما أنه لا يملك التكنولوجيا المتقدمة للقتل عن بعد فليس لديه صواريخ أو قاذفات أو قطع جبن مفخخة ..
ترى هل هو أذكى من ذلك ؟.. هل كان يخشى المثول أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب خصوصا أنه لا يتمتع بالحصانة المغتصبة لكبار المجرمين ..
هممت بالانصراف تاركا الوضع على ما هو عليه قائلا في نفسي ربما قرر صاحبنا منح الفأر حق تقرير المصير ..

د. أسامة عرفة


العجوز والفأر. دكتور أسامة عرفة
أعلى