على سبيل التقديم :
يبدو أن محمداً برادة في مسيرته الإبداعية الروائية، ابتداءً من " لعبة النسيان" إلى " امرأة النسيان " ، مروراً بــ" الضوء الهارب " ومثل صيف لن يتكرر " ، يؤسس لمشروع سيرة روائية خيالية طويلة ، تواكب من جهة مراحل مختلفة من حياة الذات الكاتبة ، وتواكب من جهة أخرى التطورات والتحولات التي عرفها الواقع الموضوعي سواء على الصعيد الوطني أو القومي أوالعالمي.
إن هذه الأعمال الروائية الأربعة تشكل في مجملها رباعية روائية تربط بينها عدة وشائج سواء على مستوى وجهة النظر السردية ، أو على مستوى بعض الشخصيات أوعلى مستوى بعض الفضاءات ، أو غيرها من نقاط الاتصال والاشتراك التي تجعل الجسور تمتد رابطة بين هذه الروايات.
ولا يتسع المجال هنالإيراد الشواهد والأمثلة الدالة على ذلك. ومن يقرأ الروايات الأربع ، لن يجد أي عناء في وضع اليد على كثير من هذه الشواهد والأمثلة. ) )
ومثل صنيع الأستاذ برادة في تأسيس مشروع سيرة ذاتية من خلال مجموعة من الأعمال الإبداعية نجده لدى بعض المبدعين المتميزين ، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : الروائي إدوار الخراط ، والسينمائي يوسف شاهين ( ) . يقول الأستاذ محمد الكردي : " تشكل كتابات الخراط كلها تقريبا سيرة ذاتية خيالية . لذلك تتكرر فيها الصور والتيمات والموضوعات في هيئة ذكريات وإشارات وتلميحات تذكرنا بأسلوب وتقنية تيار الوعي أو الاجترار الذاتي" .) (
هيكل الرواية ومتنها الحكائي :
تتألف الرواية من خمسة فصول رقمت من : )1 ـ 5( ، وهي كلها مصدرة بأقوال ونصوص موازية متنوعة .
ـ الفصل الأول : من ص : 4 ـ 21 ، ويشتمل على : 18 صفحة .
ـ الفصل الثاني : من ص : 24 ـ 47 ، ويشتمل على : 24 صفحة .
ـ الفصل الثالث : من ص : 50 ـ 83 ، ويشتمل على : 33 صفحة .
ـ الفصل الرابع : من ص : 86 ـ 104 ، ويشتمل على : 19 صفحة .
ـ الفصل الخامس : من ص : 106 ـ 135 ، ويشتمل على : 30 صفحة .
في الفصل الأول ، نجد الراوي المؤلف يعيش حياة رتيبة . يحدثنا عن صباح يوم من أيام شهر أكتوبر مضى منذ خمس سنوات . المكان : الرباط ، والزمان : الخريف . الأخبار لا تأتي بأي جديد ، ولكنه مع ذلك يظل طول النهار يتلقى ما يتوارد عليه منها عن طريق الصحف. ولا يخرجه من عالمه الروتيني إلا تذكره مشهدا مأساويا كان قرأه بالأمس في أوبرا " سالومي" لأوسكار وايلد) ( . يتوصل بمكالمة هاتفية من صديقة ل ف . ب إحدى شخصيات رواية " لعبة النسيان " ) ( ، تخبره فيها برغبة هذه الأخيرة في أن يقوم بزيارتها قصد مناقشته في أمور أوردها على لسانها في روايته . يحاول الراوي ـ المؤلف إقناع محدثته أن: ف. ب ما هي إلا شخصية خيالية ، بيد أنها تؤكد له أن لها وجودا واقعيا . وهي الآن تقطن في شقة بعمارة يملكها والدها بحي فردان بالدار البيضاء. تعاني من الوحدة والعزلة. يلتقي الراوي ـ المؤلف بـ ف . ب في مسكنها لينصت بإمعان إلى أحداث قصتها وخاصة تلك التي لم يذكرها الهادي أحد أبطال رواية" لعبة النسيان" ، والكاتب غفل عن تدوينها .
في الفصل الثاني من الرواية ، يلتقي الراوي ـ المؤلف ب " سي مصلح " رفيقه في الطفولة والنضال الحزبي في سنوات الستين والسبعين ، فيحدثنا عن نشاطه في الحزب ، وتفانيه في خدمة رفاقه ومساعدتهم في الشدائد والملمات دون أن يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق أي مكسب أو مصلحة. كان شخصاً يتسم بالمرح وروح التفاؤل .يعيش في الغالب خارج الوطن . له اطلاع على الأوضاع الراهنة في البلاد ، وعلى ما يجري من فساد واستهتار في أوساط من بيدهم أزمة الأمور . وقد كان له الفضل في إزاحة الغشاوة السميكة التي كانت تحجب الرؤية الواضحة عن عيني الراوي ـ المؤلف ، فيسرب له ما يحصل من تغير في العلاقات بين المناضلين ، وما ينبيء عن وقوع الحزب في أزمة خانقة . وكان لهذا التحول الخطير في صفوف حزبه أثر عميق على نفسية " سي مصلح " ، فلم يعد ذلك الإنسان المرح ، كثير الضحك .. وسيزداد الأمر وضوحا بالنسبة للراوي ـ المؤلف ، حينما سيقنعه هذا الصديق بحضور حفلة عشاء ساهرة يحضرها أعضاء من الحزب قصد مناقشة وتحليل تجربة التناوب . وفي فيلا الأخ الحلايبي المناضل الانتهازي ، ستزداد معرفة الراوي ـ المؤلف بما آلت إليه الأوضاع في حزبه من تحول ، وسيستمع إلى التبريرات التي يبرر بها الحزب دخوله إلى ما يسمى بحكومة التناوب ، وهي التبريرات نفسها التي كان يقرأها على صفحات الجريدة الناطقة باسمه :" هناك إجراءات وقرارات هامة سيظهر مفعولها بعد سنوات . الإرث ثقيل ، وأعداء التغيير يناورون ويتربصون . لا بد من دراسة الملفات ، وتعلم تدبير شؤون الدولة . مسؤوليتنا هي قبل كل شيء إنقاذ البلاد من التردي الذي يتهددها .. " . ) ( ينتاب الراوي ـ المؤلف شعور بانقطاع الصلة بينه وبين إخوانه في اللجنة المركزية ، ويتذكر الاجتماعات التي كانت تتم في هذا الإطار والتي أصبحت تبدو له الآن مجرد اجتماعات من أجل التباري في إلقاء الخطب الجوفاء .) ( لقد جعلت هذه الحفلة الساهرة الراوي ـ المؤلف يقف على مدى التحول الذي عرفه أعضاء حزبه بين الأمس واليوم .
في الفصل الثالث ، يحكي الراوي ـ المؤلف عن زيارته الثانية ل : ف .ب ، فتخبره بأنها في انتظار قدوم خادمتها السابقة " الضاوية " ، ويعرف منها أن لها قصة طريفة تصلح مادة قصصية . في هذا الفصل ، يتناوب الراوي ـ المؤلف وف . ب على عملية السرد ، فتحكي ف. ب عن حياتها في باريس ، وزواجها من الدكتور جليل ، ثم طلاقها منه بعد مدة قصيرة ، وعن علاقتها ب " الضاوية" ، وعن صديقتها حليمة، فيمتد سردها خلال صفحات قد تكثر ، فتصل إلى خمس صفحات تقريباً من )ص : 51 ـ 55 ( أو تقل ، فلا تتجاوز الصفحتين : من )ص: 57 ـ 58 (
بينما لا يتعدى دور الراوي ـ المؤلف بعض التعليقات الموجزة التي يمهد بها لعملية سرد أخرى من لدن الشخصية ـ الراوية ف . ب : ـ " بعد فترة صمت قصيرة ، سمعت نقرات على الباب . أشارت ف . ب إلى أن " الضاوية " قد وصلت . كانت فعلا جميلة ومثيرة للشهوة … " ) ( ـ " بعد مقطع الصمت المعتاد ، استعاد وجه ف ب سمت الرزانة والوقار " ) ( ـ " بعد صمت قصير استأنفت ". ) ( ولكن الراوي ـ المؤلف يتولى مهمة السرد في الجزء الثاني من الفصل الثالث ، حيث يحكي عن قصة "ابن عريش" بطل أحداث المغارة المثيرة في مدينة تازة ، ولقائه في السجن ، كما يحكي كذلك عن ذكرياته الغرامية في باريس مع "جوزيت" الطالبة السويسرية ، و"صوفيا" الإيطالية ، ومارتين الشقراء. وذلك ابتداءً من ( ص : 69 إلى نهاية الفصل ) ، ولا يتخلل هذا السرد إلا حوارات قصيرة بين ف.ب والراوي ـ المؤلف كما هو الحال في الصفحتين ) 78 و79 ) ، أو ذلك التعليق الختامي المفعم بالحكمة واتخاذ العبرة . قالت ف. ب في هدوء: " نحن مولعون بالحديث عن التجارب التي نعتقد أنها أصبحت في عداد الماضي ، فهي التي تجتذبنا فنعود إلى تحليلها وتشريحها...". ) )
في الفصل الرابع ، يحكي الراوي المؤلف عن حلم رآه فيما يرى النائم ، وهو مستلق على لحاف مقابل للسماء في بيته وقت الظهيرة بينما تنبعث موسيقى كونسيرتو "كولن". ومفاد هذا الحلم أن الراوي ـ المؤلف وجد نفسه في أحد التجمعات الحزبية المليئة بالحماس والشعارات والخطب ، وهي تذكره بذلك التجمع التاريخي الذي أقيم سنة 1962 كما همست له بذلك ف.ب التي كانت حاضرة في هذا التجمع الحلمي. يتردد على منبر الخطابة أشخاص يستغرب الراوي ـ المؤلف وجودهم في مراكز هامة بالحزب أمثال : " تخموت " و" قربال " و" عيطاط " ، كما يلاحظ الممارسات اللاديمقراطية خلال هذا التجمع ، ويستمع إلى التبريرات التي يتعلل بها الحزب للمشاركة في الحكم ، وإلى شعار التسامح والتصالح مع الماضي الذي مؤداه " أننا أبناء اليوم "، ) ) ولذلك : " لننس الماضي ، ولنبدأ صفحة جديدة بيضاء ، وشعارنا دائماً إغناء الفقير دون إفقار الغني".( ) وفي هذا الإطار يدخل حفل التكريم الذي أقامه رئيس الحكومة لفائدة وزير الداخلية السابق كما أُخْبِرَ بذلك عن طريق صديق من الثقاة. وفي هذا التجمع الذي رآه في المنام ، يلتقي بالمعتصم الحزبي الانتهازي الذي يتميز بمنطقه التبريري ، وبالأستاذ السندوسي الجامعي المجتهد الذي يحلل الوضع السياسي ، مركزاً على طبيعة السلطة في البلاد. وحينما يلتقي للمرة الثانية بـ: ف. ب ، تطلعه على إحساسها باقتراب نهايتها. تقول : " أنا أحس أن أشياء تنتهي ، وأننا ننتهي معها". ( ) وتقول أيضا ً: أنا سأرحل عن هذه الحياة قريباً وأنت ستستمر بعدي ". ( )
وهكذا ينتهي هذا الفصل بخواطر وأفكار حزينة حول سير الكائنات والأشياء نحو النهاية ، وذلك من خلال الحوار بين الراوي ـ المؤلف وف. ب داخل الحلم.
في الفصل الخامس والأخير من الرواية ، يحكي الراوي ـ المؤلف عن سفره إلى الدار البيضاء لزيارة ف .ب ، فيفاجأ بموتها، كما يفاجأ كذلك بالخبر الذي قرأه في إحدى الصحف عن موت " الضاوية " مقتولة في أحد فنادق عين الذئاب أثناء مداهمة الشرطة له قصد إلقاء القبض على مهرب مخدرات خطير، ( ) فأصابت الرصاصة الضاوية وأخطأت المهرب.
في هذه المدينة الشاسعة المليئة بالحركة والحياة ، يتوقف الراوي ـ المؤلف ليتذكر ذكريات خلت ، يتصل بعضها بزيارته إياها في طفولته " وعمري لم يتجاوز التاسعة " .) ( بصحبة خالته كنزة ، ويرتبط بعضها بفترة الشباب إذ كان يزورها للاتصال برفاق له من الكتاب والشعراء في حي المعاريف الذي كان يتميز بطابع إسباني ، فيقضي في رفقتهم أوقاتاً سعيدة ، مليئة بالمرح والأنس والمتعة ، بهدف محاولة نسيان واقع الاستبداد الذي يجثم على الصدور.) ( كما يتصل بعضها الآخر بذكرياته في مدينة موسكو التي زارها إبان عهدها السوفياتي حيث تبين له بالملموس أن ثمة فرقاً كبيراً بين النظرية والتطبيق . جاء على لسان الراوي ـ المؤلف في حوار له مع مترجمه " ميشا " " إن الفروق بين النظرية والتطبيق معضلة إنسانية لم يعثرلها على علاج ".) (
وبعد أن يعرف أن ف . ب . ماتت من طرف خادمتها الجديدة ، تنثال عليه ذكريات حياته في باريس ، ويستعيد مناظر شوارع باريس وحديقة اللكسومبرغ ، ووجوه التماثيل المنتشرة فيها للمشاهير من رجالات فرنسا الحضارة والثقافة، ( ) أمثال : رابليه ( ) وموليير( ) وبلزاك ( ) وهيجو( ) ودانتون ( ) وروسو ( ). وبعد ذلك، يعود الراوي ـ المؤلف إلى الرباط ، ولكن دون أن يزايله طيف ف . ب . وينغمر في التفكير في الموت وذكريات وفاة زوجة خاله سيد الطيب ، وهو في الرابعة من عمره . ) ( ويجد نفسه يعيش فراغاً كبيراً بعد وفاة ف . ب . النجية التي تجيد الاستماع . ولذلك يحاول استحضارها في خياله للاستئناس بها ، والتخفيف من معاناته من الوحدة والغربة والإحباط والإحساس باقتراب شبح الموت . هل هذه إشارة إلى أن الإبداع وسيلة لقهر الموت والفناء ولعبة لنسيان هواجس الوحدة والغربة والخيبة وغيرها من المشاعر التي تؤرق المبدع المرهف الإحساس ؟
وفي ختام الفصل ، يحكي الراوي ـ المؤلف عن صديقه الأعز عبد الموجود الذي زاره قبل أسبوع في بيته ليفضي إليه بمكابدته بسبب إصابة زوجته بالاكتئاب العصابي مما يجعل حياته جحيماً . ويبلغه بمدى اليأس والإحباط الذي انتهى إليهما سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي ، حيث تبخر حماسه ، وفتر نشاطه بعد أن اكتشف أن الكل لا يعمل إلا من أجل تحقيق مصالحه الشخصية .
وينتهي هذا الفصل الأخير بحوار شجي حول الإبداع والموت .
رواة امرأة النسيان :
يتناوب على عملية السرد في الرواية راويان أساسيان هما : الراوي ـ المؤلف والراوية ـ الشخصية ف . ب النازحة من رواية " لعبة النسيان " ، ويشترك معهما في هاته العملية بعض الشخصيات الروائية أهمها : " الضاوية " وابن " عريش"، ) ( غيرأن هذين الأخيرين لا يقدمان إلا بعض المقاطع السردية القصيرة ، بينما يهيمن الساردان الأولان على سرد كل أحداث الرواية .
إن الرواية تقدم أحداثاً تتعلق بهاتين الشخصيتين المحوريتين ، بيد أن هذه الأحداث التي تمثل جزءاً هاما من حياتهما ، تتقاطع في محطات عديدة يمكن أن نحددها فيما يلي :
ـ متابعة الدراسات العليا في باريس .
ـ الطموح إلى تحقيق أقصى درجات الحرية الفردية .
ـ الإيمان بالحركات التحررية والتقدمية التي كانت سائدة زمن الستينيات ، سواء في فرنسا أو المغرب .
ـ النضال من أجل تغيير الواقع المتخلف .
ـ النهل من ينابيع الثقافة الغربية .
ـ التنقل بين المغرب وفرنسا للدراسة والبحث عن فضاء أكثر حرية .
ـ حب الحياة إلى درجة الانغمار في أقصى ما تسمح به من متع للجسد والروح .
ـ الإحساس بالغربة داخل الوطن وعدم القدرة على الانسجام التام مع المجتمع.
ـ الشعور بالإحباط وانهيار الأحلام بمجتمع أفضل ، ووطن متقدم .
ـ الإحساس المؤرق بالسير نحو النهاية .
وبعد كل هذا ، يمكن القول : إن شخصية ف . ب . ما هي إلا جزء مكمل لشخصية الراوي ـ المؤلف ، وأن حياتها جزء لا يتجزء من حياته ، وأنها حينما تسرد قصتها إنما تقدم ملامح بارزة من سيرته . لقد جرد المؤلف من روايته : " لعبة النسيان " شخصية ف . ب . ليختفي وراءها سارداً كثيراً من تفاصيل حياته الخاصة . جاء في حوار الراوي ـ المؤلف مع طيف ف. ب :
ـ " أنتِ تنسين أننا ظلان لكيان واحد : منك أستمد اللغة ، وكتابتي تمنحكِ الوجود . " ) (
ـ " ظلان ؟ قرينان ؟ ليس تماماً . أنا غير أنت . أنا أمثل في نظرك حالة قصوى عجزت عن بلوغها ، لذلك لم تكف عن ملاحقتي لسبر أغواري والنفاذ إلى ما تظنه سراً كامنا في رحلتي غير المعتادة بالنسبة للأخريات اللائي عرفتهن ." ) (
ـ " لكنني أتطلع إلى التمازج بك رغم الفروق القائمة بيننا في الظاهر " ) ( يتبدى هذا التقارب الواضح بين الشخصيتين في كثير من الملامح والصفات والمواقف كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه ، بيد أن الصنعة الروائية أرادت أن تكون إحدى الشخصيات من طينة ، وثانيتهما من طينة أخرى مختلفة. فالشخصية الأولى هو المؤلف نفسه بلحمه ودمه ، وتؤكد ذلك شواهد عديدة من الرواية أكثرها جلاءً أنه هو مؤلف رواية " لعبة النسيان " . أما الشخصية الثانية ، فهي شخصية خيالية خرجت من بين صفحات تلك الرواية ، وأصبح لها وجود في عالم روائي آخر ، تستدعي المؤلف لزيارتها في شقتها بالدار البيضاء ، وتروي له أحداثاً أغفلها في ثناياها .
وهكذا يمتزج الواقعي بالخيالي في " امرأة النسيان " ، وهذا ما يجعلها تتمرد على الانحصار في خانة السيرة الذاتية لتتموقع في إطار مايسمى برواية السيرة الذاتية ) ( ، أو الرواية التي تتخذ نقطة " انطلاقها من التجربة الشخصية ، ومن موقع الذات للإطلال على الواقع بعوالمه ، وشخوصه ، لتبني فضاءها الروائي الخاص " ( ) ، كما يرى الأستاذ أحمد اليابوري . فالمؤلف يغدو شخصية روائية حين يدخل في حوار مع الراوية ـ الشخصية ف. ب أو " ابن عريش " مثلا. وفي رواية ( لعبة النسيان ) " نجد المؤلف نفسه يدخل في حوار مع السارد الرئيسي فيتحول ، نتيجة لذلك ، إلى شخصية روائية إلى صوت سردي بين باقي الأصوات ". ( ) إن الأمر هنا يتعلق بلعبة الفن ، فالمرء لا يستطيع أن يفكك الخيوط المتشابكة بين ما هو واقعي وما هو خيالي في الرواية ، ما هو متصل بالمؤلف باعتباره شخصية حقيقية تعيش بيننا ، وما هو متصل بـ ف. ب. باعتبارها شخصية من نسج الخيال ، تنتقل من كون خيالي إلى آخر) (فالراوي ـ المؤلف نفسه يصرح في أحد المقاطع السردية بأنه أثناء كتابته عن " ابن عريش " في روايته الجديدة ، لم يكتف بما قرأه في الصحف عن أخباره والوقائع الحقيقية التي مرت بتلك المغارة الغرائبية في مدينة تازة ، بل إنه سعى إلى اللقاء به شخصيا في السجن ، وذلك لكي يجمع بين الحقيقة والخيال. ) (
ويرى د. جابرعصفور أن الكتاب يلجأون إلى " استغلال مراوغات القص التخييلية في رواية السيرة الذاتية للتغطية على العلاقة المباشرة من أحداث الرواية ، وأحداث حياتهم مراعين سلطة المجتمع التقليدي الذي يتجنبون قمعها بواسطة الرمز والمجاز والأقنعة التي تتباعد أوجهها المستعارة عن الإشارة إلى موضوعها الأصلي أو أوجهها الحقيقية ". ) ( لقد كانت مسألة التمويه على المتلقي ، وخلق جو من الالتباس بين الواقعي والخيالي إحدى أهم الطرائق الفنية التي تم توظيفها في الرواية بقدر كبير من الدقة والإحكام ، مما أكسبها قدرة لا يستهان بها على الإمتاع الفني الذي لا نجده إلا في الأعمال الأدبية التي كتبت بغير قليل من المهارة والحرفية . فنحن ـ كما يقول برسي لوبوك: " نبحث في الرواية عن الشكل ، الحبكة الروائية كما هو الحال في أي عمل فني ، فالرواية هي خير ما يحتوي هذه الأشياء . يجب أن تحصل على ذلك إذا كانت الرواية عملا فنياً خالصاً يجب أن تكون كذلك طالما كان من الواضح أن النقل الحرفي للحياة أمر مستحيل ." ) (
الشخصيات :
يمكن أن نصنف شخصيات " امرأة النسيان " كما يلي :
أ ـ شخصيات مثقفة : ويمثلها : الراوي ـ المؤلف ؛ ف . ب ؛ حليمة صديقة ف . ب . وتتميز هاته الشخصيات بالنزوع إلى الحداثة والثقافة الغربية . فنجد في كثير من صفحات الرواية ، وفي صدر كل فصل من فصولها الخمسة نصوصاً أو إشارات تتصل ببعض الأعمال الفنية الغربية من رواية ومسرحية ونحت وموسيقى ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : أوبرا " سالومي " لأوسكار وايلد ، ص : 5 ؛ روايات ستاندال ( ) وفلوبير( ) ودوستويفسكي ( ) ، ص : 39 ؛ مسرحية نتالي ساروت ( ) " من أجل نعم ، من أجل لا " ص : 58 ؛ " زرقة السماء " Le : bleu du ciel لجورج باتاي ( ) ، ) ص : 77( ؛ " بعد السقــوط" لآرثـر ميللـر( ) ( ص : 98 ( ، فيلم: " السطح " للمخرج الإيطالي " إيتور سكولا " ( ) ) ص: 38( ؛ فيلم " الأبدية ويوم " للمخرج اليوناني تيو أنجيلوبولوس " ( )) ص : 113( ؛ قصائد بوشكين ( ) ومايكوفسكي ( ) وإسنين ( ) ، وسيمفونيات تشايكوفسكي ( ) ورحمانينوف ( ) ، ) ص : 118( ، كما أن هذه الشخصيات تابعت دراستها العليا بباريس ، وتشبعت بالأفكار التحررية واليسارية : ) ثورة الطلبة 1968 ـ الاشتراكية باعتبارها نظاما يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بين الناس بالعدل (، وغيرذلك من المباديء التي كانت مطمح الشباب في مجتمعات العالم الثالث في سنوات الستين والسبعين .
إن هذه الشخصيات الثلاث تعاني جميعها من الإحباط والإحساس بالاغتراب وعدم القدرة على الانسجام مع مجتمعها . فشخصية ف . ب حاولت أن تندمج في المجتمع عن طريق زواجها بالدكتور جليل والحياة معه بين أفراد عائلته الكبيرة في مدينة الراشيدية ، تقول : " إنني في حاجة إلى اختبار قدرتي على العيش وسط مجتمعي " ) ( ، لكنها فشلت في هذه التجربة ، فطلبت من زوجها الطلاق ، وعادت إلى الحياة في باريس ، ثم انتهى بها المطاف إلى الحياة في عزلة عن المجتمع في معزبتها في عمارة العائلة بالدار البيضاء.
ويحاول الراوي ـ المؤلف إيهام النفس بأنه يتغلب على الشعور بالغربة واللانسجام مع واقع مجتمعه، ولكن دون جدوى. يقول : " لم أعد أشعر بالغربة في أي مكان حللت به. هنا أو خارج الوطن سيان" ) ( ، ولكنه في واقع الأمر ، يواجه الغربة داخل الوطن وفي حضور خلانه وزملائه في الحزب العتيد الذي ينتمي إليه : " أنا منهم رغم ما قد أشعر به من تباعد ، وتذكرت أنني هذا الصباح ، أحسني قادراً على تكسير الغربة وعلى نسج التآلف بين كل المختلفات ". ) (
إنه يفشل أيضاً في مقاومة شعور الغربة وعدم القدرة على الاندماج في هذا الواقع المتغير . يقول : " أما أنا فقد خيل ألي أن هواجس الغربة والوحدة بدأت تلفني من جديد ". ) ( أما حليمة صديقة ف . ب ، فقد عاشت عدة سنوات في باريس ، حيث تقاسمتا حياة المغامرات والنضال والجسد والمعرفة. ) ( شخصية رافضة لكل المواضعات، مؤمنة بالحرية الفردية حتى النخاع . وهي الأخرى ، لم تتمكن من الانسجام مع ما حولها سواء على مستوى الأسرة أو مع الزملاء في الكلية التي تعمل بها ، لذلك هي تعيش حالات حادة من الاكتئاب. وهي وإن كانت لم تنسحب من الحياة ، ) ( كما هو الحال بالنسبة لـف. ب ، فإنها مع ذلك تجد صعوبة في التواصل مع الناس سواء تعلق الأمر بأفراد أسرتها أو أصدقائها وصديقاتها. وهذه الشخصيلت الثلاث تشترك مع شخصيات أخرى في رواية " الغربة " لعبدالله العروي هي مارية ولارة ومريم في كونها " تنتمي لمجتمع ، وتعيش خارجه ، تبذل جهداً للانخراط في المؤسسة السياسية ـ الاجتماعية ، ولكنها تفشل في تحقيق ذلك الانخراط، إلى حد يصبح معه تهميش الذات نوعاً من " الفداء " من أجل الحفاظ على حالة ( البراءة ) وتحقيق (الخلاص ) ، في عالم يسير نحو الانهيار ". ( )
ولا شك أن من أقسى مشاعر الغربة هي التي يحسها الإنسان وهو في وطنه. يقول الدكتور عبدالواحد لؤلؤة : إن الاغتراب لأسباب معاشية صعب ، لكن الاغتراب لأسباب أهمها تجنب مخاطر السياسة وطلب الأمان الشخصي يفوق في صعوبته وإيلامه كل شيء عداه. وقد لا يقترب من هذا الإيلام إلا شعور الإنسان بالغربة في وطنه ، وهي ظاهرة عجيبة برزت في آخر عقدين أو ثلاثة عقود في بعض الأقطار العربية ". ) (
إن هذه الشخصيات تعيش تمزقاً بين الذات والآخر ، بين الارتباط بمجتمعها على علاته ، والارتماء في أحضان الغرب غير الدافئة ، بين الاحتماء بروح المجتمع وهويته وتقاليده وتراثه، وبين الانغمار في حداثة مادية لم تحقق لها أي استقرار أو طمأنينة. لذلك وجدت هذه الشخصيات نفسها كما وصفتها ف . ب حين تحدثت عن عدم تآلفها هي وصديقتها مع مجتمعها: " داخل عنق الزجاجة أمام واقع يرفضنا مثلما أننا نكابر في قبوله ". ) ( ويبدو لي أن أزمة الأبطال الثلاثة ناجمة عن التهافت على الحداثة الغربية ثقافة وسلوكاً ونمط حياة ، متخلين عن الجذور التي تربطهم بتربتهم وهويتهم الحضارية والروحية ، لذلك فهم يعيشون أزمة روحية ، فكل ما تشبثوا به من أفكار ومباديء وآمال وأحلام آلت كلها إلى السقوط والزوال.
إن الحداثة الجديدة التي من شأنها أن تحقق التوازن بين قيم الذات وقيم الآخر هي التي يدعو إليها الدكتور عبدالوهاب المسيري " حداثة تتبنى قيم العلم والتكنولوجيا ، ولا تضرب بالقيم أو بالغائية الإنسانية عرض الحائط ، حداثة تحيي العقل ، ولا تميت القلب ، تنمي وجودنا المادي ولا تنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث ". ) (
ب ـ شخصيات حزبية: وتنقسم إلى قسمين :
شخصيات لها أسماء دالة :
وأهم هذه الشخصيات : " سي مصلح " و " الحلايبي " ، ويقفان على طرفي نقيض : فالأول مناضل حزبي مخلص ، يحدثنا الراوي ـ المؤلف عن نشاطه الحزبي الدؤوب ، وتفانيه في خدمة رفاقه ومساعدتهم في الشدائد ، ولا غاية له إلا العمل من أجل التغيير والإصلاح . أما " الحلايبي " ، فهو يجسد نمط الانتهازي الذي ينخرط في صفوف الحزب من أجل تحقيق أغراضه ومصالحه الذاتية . وقد أصبح رجل أعمال ، واستفاد من مواقعه في الحزب. ) (
والحقيقة أن برادة إذا كان يوجه إلى حزب الاتحاد الاشتراكي نقداً لاذعا بسبب مشاركته في حكومة التناوب ، وتقديمه كثيراً من التنازلات عن المباديء التي قام عليها ودعا إليها من موقع المعارضة ، إلا أنه مع ذلك يقف موقفا موضوعياً من بعض مناضلي حزبه ، ويكن لهم الود والتقدير والاحترام مثل " سي مصلح " ، ولعل الراوي ـ المؤلف هنا يتخذ هذه الشخصية رمزاً لكثير من مناضلي الحزب الذين منهم من قضى ، ومنهم من لازال على العهد .
ـ شخصيات يرمز إليها الكاتب بحرف من حروف المعجم :
1 ـ شخصية )ص ( : برز في الميدان النضالي عندما كان طالباً ، ولجأ إلى الخارج هارباً من السلطة ، وهناك ارتقى في سلم الرتب القيادية بسرعة قياسية . تم العفو عنه ، وعاد إلى البلاد والعمل الحزبي ، بيد أنه سرعان ما فقد مكانته بسبب تلاعبه في الانتخابات ، وقد أبعد عن الحكومة ، ولكنه ـ كما يتنبأ الراوي ـ المؤلف ـ يسعى للدخول إلى السلطة من بابها الواسع .
2ـ شخصية )ح( : تكنولوجي ، يكتب في جريدة الحزب عن التكنولوجيا . فوجىء بإبعاده عن منصب في حكومة التناوب ، وذهب إلى أحد أصدقائه الذين استوزروا ، طالباً منه التنازل له عن المنصب لأسباب واهية وسخيفة .
3ـ شخصية )ك( : مناضل قديم في الحزب . رأيه أن المناضلين لم يخلقوا ليموتوا في المعارضة . لذلك ربط علاقات حميمة ببعض رجالات السلطة ، وقد استفاد من هذه العلاقات في تطوير مشاريعه) تربية الأبقار وغيرها( . ومما عرف به هذا " المناضل " عمله على التوفيق بين المخزن والاشتراكية ، كما عرف عنه أيضاً تملقه المبالغ فيه أحد الوزراء القدماء )مولاي أحمد( الذي أقعده المرض بعد ثلاثين سنة من العمل في حكومات متعددة .
4 ـ شخصية " عوالا " : كان طالبا نابها . درس بباريس وأصبح وزيراً وهو في ريعان شبابه . رئي وهو يبكي ، ويضرب الجدار بقبضته لأنه أبعد من لائحة الترشيحات للبرلمان رغم قيمته المعروفة في نظره .
5 ـ شخصية ) ن ( : مناضلة عرفها الراوي ـ المؤلف من عشرين سنة في بداية خوضها غمار العمل الحزبي . أعجب بشخصيتها النازعة إلى التحرر من التقاليد والمواضعات . بيد أنه فوجيء منذ عشر سنوات بزواجها من محام ينتمي إلى نفس الحزب بشمال البلاد ، معروف بشخصيته المتسلطة .
6 ـ شخصية )ج( : مناضل له خبرة واسعة في تعبئة الجماهير، مستواه العلمي بسيط . له علاقات مع مناضلي الحزب من مختلف المستويات والأمزجة. علاقته بالحزب تطبعها الانتهازية والمنفعة الشخصية .
إن الخيط الرابط بين كل هذه الشخصيات هو روح الانتهازية ، والطموح إلى تحقيق أهداف شخصية من خلال الارتباط بهيئة سياسية لها وزنها في الحقل السياسي المغربي .
ثمة شخصيات حزبية أخرى حضرت حفل العشاء لا يرمز إليها الراوي ـ المؤلف ـ بأي رمز ، وبكتفي بالإشارة إلى أنهم مناضلون من الوزن الثقيل لأنهم دخلوا السجن أو حوكموا بالإعدام ، غير أنه يقسمهم إلى قسمين :
أ ـ مناضلين آثروا موقف التريث والاحتراز إزاء مسلسل التغيير .
ب ـ مناضلين يدافعون عن المشاركة في هذا المسلسل . والموقف الثاني يذكر الراوي ـ المؤلف بالقولة المأثورة : " الراس اللي ما يدور كدية ". ) (
ج ـ شخصيات مهمشة :
وأهمها : الضاوية وابن عريش :
1 ـ الضاوية : وهي تمثل نموذج الفتاة المغربية النازحة من البادية إلى المدينة بحثاً عن الرزق ، فتقع بين أنياب الذئاب التي لا ترحم ، فتبيع جسدها لتسد جوعها. فهي ضحية من ضحايا مجتمع لا تتحقق فيه كرامة الإنسان ، وإنما تداس وتمتهن. وقد اختار لها الكاتب اسمين : " الضاوية " و" أضواء ". ولهذين الاسمين دلالتهما في سياق الرواية : فقد كانت الضاوية نوراً يضيء عتمة حياة ف. ب . في عزلتها القاسية. وعندما صار اسمها " أضواء" ، أضحت تغمر الناس بضياء جمالها . إنها تذكرنا بشخصية " نور" في رواية" اللص والكلاب" لنجيب محفوظ ، لقد كانت نقطة النور الوحيدة التي تشع في حياة البطل" سعيد مهران" المغمورة بظلام الخيانة والحقد والزيف ، رغم أنها في نظر المجتمع امرأة ساقطة.
2 ـ ابن عريش :
شاب مغربي أقفلت في وجهه أبواب الرزق والأمل ، واجه عنف الواقع بالرفض والتمرد وممارسة الجريمة. إن العنف يولد العنف. ولنقرأ هذا المقطع المفعم بروح الرفض والتمرد والمرارة على لسان ابن عريش : " نعرف أن أبواب الأمل والرزق موصدة في وجوهنا ، ومحكوم علينا أن نعيش وسط غابات تزين مداخلها القوانين والتعاليم السماوية وشعارات التوافق والوئام ، إلا أن طقوسها تتستر على من يفترسون ويمتصون العظام قبل أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ". ) (
إن هاتين الشخصيتين أفرزهما واقع القهر والحرمان والتهميش في زمن تطلع فيه الناس إلى تغيير الأوضاع إلى الأحسن. وإذا كان الكاتب يؤمن بأن الكتابة لا يمكن أن تكون إلا بجانب المقهورين ، فإن الواقع المرير يثبت عدم جدوى ذلك. يقول الراوي ـ المؤلف : " ما جدوى الكتابة عن المقهورين الذين هم مقتنعون بأنهم لا يريدون الانتماء إلى هذا المجتمع الذي نحاول أن ننحت كيانه مجدداً من كلمات وقيم لا وجود لها في الحياة الفعلية ؟ " ) (
إن " ابن عريش " شخصية رافضة ، متمردة ، يائسة. فـــ" لا صوت يعلو على صوت الحاكمين المتصرفين في البلاد وخيراتها ، كأنها ضيعة مستباحة " ) ( . و"الأوضاع مستعصية على الإصلاح " ) (
إن الأوضاع التي يشير إليها الراوي ـ المؤلف من خلال شخصية " ابن عريش" هي التي ستفرز شخصيات لها دلالتها الرمزية ، وإن لم تكن لها أية مشاركة في العالم الروائي ، وهي : السي 17 مليار درهم ، والسي 30 مليار درهم ، والسي 50 مليار درهم. ولا يخفى أن الراوي ـ المؤلف يشير إلى بروز طبقة من الأغنياء هي المستفيدة الحقيقية من الاستقلال ، مؤكداً التناقض الصارخ ، والتفاوت الرهيب بين فئات المجتمع المغربي راهناً.
القضايا التي تعالجها الرواية :
يعالج الكاتب في روايته مجموعة من القضايا كالنزوع إلى الحرية ، والاغتراب داخل الوطن ، وتلاشي الأحلام بعالم أفضل ، وانهيار القيم والمباديء ، واستفحال بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة : الجريمة ـ اتساع رقعة البناء العشوائي ومدن القصدير في الحواضر ـ تجارة المخدرات... إلا أن ثمة قضيتين حظيتا بالاهتمام أكثر من غيرها في الرواية هما :
ـ نقد الحزب :
يوجه الراوي ـ المؤلف نقداً لاذعاً إلى الحزب الذي كان ينتمي إليه ، والذي ناضل داخله سنوات طويلة ، ويعبر عن حزنه العميق على ما آلت إليه الأوضاع في صفوف هذا الحزب الوطني خاصة في السنوات التي تحمل فيها المسؤولية في إطار ما يسمى بحكومة التناوب.
و يبدوأن المثقف في تناقض أبدي مع السلطة السياسية الحاكمة ، فهو حامل القيم ، المنافح عنها ، المتطلع إلى ما هو باق وخالد. وهوعند محمد برادة " معارض. إنه يوجد في قصصه حاملا لوعيه مصباح ديوجين يبحث باستمرار عن مجال حقيقي لإفراغ وعيه بالظواهر إما من خلال نقدها أو رصدها سلبياً أو المطالبة بتغييرها أو التحريض السياسي ضدها .. " ) ( . أما السلطة السياسية ففضلاً عن عملها على تهميشه وإقصائه من حلبتها غالباً ، فهي تقف على النقيض من مواقفه ، إذ تجنح إلى ما هو آني وزائل ، وغالباً ما يحكمها منطق المصلحة والانتهازية . يقول الراوي ـ المؤلف : " ما جدوى إذن ، أن أصارع الشر من داخل أجهزة ستفرز بدورها ، الإقصاء والتهميش والحلقية " ) ( .
ومع ذلك نراها في بعض المناسبات تدعو بأعلى صوتها إلى تخليق الحياة السياسية . يقول ابن عريش :" والآن تدعون إلى الأخلاق والتخليق لمواجهة عواقب العنف التي بدأت تفوق تلك التي خلفها العنف السياسي . ألستم تبيعون القرد وتضحكون على من اشتراه ! " ) ( . ويعلق الراوي ـ المؤلف حينما كان يحضر أحد الاجتماعات الحزبية في العهد الجديد بقوله : " عندما كانت كلمة تخليق تستعمل من أحد المتحدثين في الرواق ، سرعان ما كانت الحناجر تردد شعاراً يثير الاستغراب وأحيانا الضحك لأن صيغته لا تخلو من تلفيق :
التخليق تخليق تخليقْ بلا تأخير ولا تعليقْ " ) (
ـ تيمة الموت :
يبدأ الفصل الأول من الرواية بالموت : موت " يوحنا " في أوبرا" سالومي " لأوسكاروايلد . قتلته حبيبته " سالومي " لإنه رفض الانصياع لإغرآتها. ) ( وتنتهي بموت ف. ب. وبحديث مرير عن الوحدة والموت وخاصة في آخر الفصل الرابع والفصلين الخامس والأخير منها. ) ( كما أن النصوص التي تتصدر الفصول: الأول والثالث والرابع والخامس يحمل بعضها دلالة الموت والنهاية والرحيل : نقرأ الألفاظ " والعبارات الآتية : " الأفول " )فصل1( ؛ " احتضار الحياة " )ف.3( ؛ " هل العشق موت ؟ هل الموت عشق إذن ؟ " ) ف. 4 (؛ " هل ترحلين ؟ أراحلة أنت ؟ " ) ف.5 (.
وهكذا يتبدى لنا أن الموت تيمة أساسية في الرواية التي تتجسد في موت شخصيات مشاركة في العمل الروائي مثل ف. ب والضاوية ، كما تتجسد في شخصيات بعض الأعمال الأدبية اتي يورد المؤلف ملخصاً لها مثل " يوحنا " في أوبرا " سالومي " ، كما تتمثل أيضا في بعض الأقوال التي يصدر بها أغلب الفصول ، وهي إما للكاتب نفسه أو لمبدعين غربيين أو عرب ) أ . أرطو( ) ـ فرانسوا باسيلي ـ محمد عفيفي مطر (.
يبقى أن نقول في الختام : إن المؤلف يؤكد أن وجوده مرتبط بالكتابة والإبداع. ورغم أن الموت هم يؤرقه إلا أن نداء الحياة بكل مسراتها ومباهجها وذكرياتها يدعوه إلى الاستمرار في الجري وراء الكلمات المضيئة المتعلقة بأهداب الخلود ، لا الكلمات الجوفاء ، والشعارات الحزبية الزائفة ، وإلى الانغمار في لعبة المزج بين الواقع والخيال ، الحقيقة والحلم خالقاً من كل ذلك عوالم ذات أسوار صلدة تقاوم الموت والنسيان.)
بقلم : د. عبدالجبار العلمي من المغرب
* الهـــوامــــــش :
ـ الملاحظ مثلا أن المنظور السردي في الروايات الأربع يهيمن عليه الراوي ـ المؤلف المشارك في الحدث، وأن بعض الشخصيات يتكرر وجودها أو ذكرها مثل : ف.ب والسي الطيب والهادي في روايتي : " لعبة النسيان " وامرأة النسيان "، وكذلك بعض الفضاءات كفاس والرباط وباريس والقاهرة والدار البيضاء.
ـ ثلاثيته السينمائية المعروفة : " إسكندرية ليه " ـ "حدوتة مصرية " ـ " إسكندرية كمان وكمان"
ـ مجلة فصول ، العدد : 59 ، ربيع 2002 ، ص : 204 .
ـ Oscar Wilde ) 1854 ـ 1900 ( : أديب انجليزي . كان شغوفا في مسرحه بموضوعة
الموت .
ـ خصص الكاتب لها فصلا من هذه الرواية من ص : 95 ـ 106 ، طبعة دار الأمان ، الرباط .
ـ الرواية ، ص : 31 .
7 ـ الرواية ، ص : 23 .
ـ الرواية ، ص : 55 .
ـ الرواية ، ص : 57 .
ـ الرواية ، ص : 58 .
ـ الرواية ، ص : 82 .
ـ الرواية ، ص : 95 .
ـ الرواية ، ص : 96 .
ـ الرواية ، ص : 101 .
ـ الرواية ، ص : 103 .
ـ الرواية ، ص : 118 .
ـ الرواية ، ص : 108 .
ـ الرواية ، ص : 109 .
ـ الرواية ، ص : 115 .
ـ الرواية ، ص : 123 .
ـ Français Rablais ( 1494 ـ 1553 ) ، من مفكري عصر النهضة.
ـ Molier ( 1622 ـ1673 ) مسرحي .يمثل ما يسمى بالكوميديا الكلاسيكية .من أشهر أعماله المسرحية : "مدرسة النساء " Ecole des femmes ' L ، " دون جوان" ، Don Juan ، " البخيل " Avare 'L ، "النساء العالمات" Les Femmes savantes ، Le Tartuffe
ـ Honoré de Balzac ( 1799 ـ 1850 ) ، من أهم أعماله الروائية : " الكوميديا الإنسانية" La comédie humaine
Vctor Hugo ـ ( 1802 ـ 1885 ) ، من أشهر أعماله " البؤساء " Les mesirables
ـDanton Georges Jacques ( 1759 ـ1794 )
ـ ( ( 1778 - 1712 ) Rousseau ( Jean Jacques ، من أهم أعماله : "الاعترافات" Les confessions ، education'Emile ou l في جزأين ، "العقد الاجتماعي" Du contrat social
ـ الرواية ، ص : 124 .
ـ انظر: السرد الخاص بالضاوية ، ص : 56 وما بعدها ؛ والسرد المتعلق بابن عريش ، ص : 73 .
ـ الرواية ، ص : 126.
ـ الرواية ، ص : 126.
ـ الرواية ، ص : 126.
ـ انظر: زمن الرواية ، مكتبة الأسرة ، مهرجان القراءة للجميع ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999 ، 231 .
ـ أحمد اليبوري ، دينامية النص الروائي ، ط.1 منشورات اتحاد كتاب المغرب ، الرباط ، 1993 ، ص : 56
ـ نفسه ، ص : 60.
ـ انظر: الرواية ، ص : 68.
ـ الرواية ، ص : 71 .
ـ زمن الرواية ، م. س . ذ ، ص : 209.
ـ صنعة الرواية ، ترجمة عبد الستار جواد ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام ، الجمهورية العراقية ) الكتب المترجمة ـ رقم : 101 ( ، 1981 ص : 20.
ـ Stendhal ( 1783 ـ 1842 ) كاتب فرنسي ، من أشهر أعماله " الأحمر والأسود " Le rouge et le noir ".
ـ Gustave Flaubert ( 1821 ـ 1880 ) ، كاتب فرنسي . من أهم أعماله رواية " مدام بوفاري " Madame Bovary 1857.
ـ Dostoievski ( 1821 ـ 1881 ) ، من أعماله الكبرى : رواياته :" الجريمة والعقاب " chatiment Crime et ( 1866 ) ؛ " الأبله " Idiot'l ( 1868 ) ؛ " الإخوة كرامازوف " Fréres Karamazov
( 1880 ).
ـ Natalie Sarute (1900 ـ ؟ ) كاتبة فرنسية من أصل روسي .ولدت سنة 1900 في روسيا.تنتمي إلى موجة الرواية الجديدة ( Nouveau Roman ) . من أعمالها : " or’d Les Fruits " الحائز على الجائزة الدولية للأدب سنة :1964 .
ـ Georges Bataille ( 1897 ـ 1962 ) ، كاتب فرنسي اهتم في كتابته بموضوعة الموت.
ـ Arthur Miller (1915 ـ ) دراماتورجي . تأثر بإبسن. عالج في مسرحياته بعض التيمات الكبرى مثل : العلاقة بين الأب والابن ، والصراع بين الفرد وقيم المجتمع الذي يفضي إلى مصير حتمي لا يمكن الفرار منه هو الانتحار ، وقد عبر عن ذلك في مسرحيته المذكورة في المتن " بعد السقوط ". ألفها بعد انتحار الممثلة الشهيرة ) Marlyn Monroe ) التي كان متزوجا منها سنوات قبل ذلك.
ـ Ettore scola ( 1931 ـ ) ، اهتم في أفلامه بالنقد الاجتماعي . من أعماله السينمائية rame de la jalousie (1970)؛ Passion d amour ( 1981 ) ؛ la Famille ( 1987 )
ـ Angelopoulos ( Theodhoros)( 1936 ـ ) . مخرج يوناني . يعتبر رائد السينما اليونانية المعاصرة .من أفلامه : le Voyage des comèdiens ( 1975 ) ؛ Alexandre le Grand ( 1980 ) ؛ le Regard d Ulysse ( 1995 ).
ـ Pouchkine ( Alexandre ) ( 1799 ـ 1837 ) شاعر وناثر روسي. مؤسس الأدب الروسي المعاصر .مات منتحراً.
ـ Maiakovski Vladimir Vladimirovitch (1893 ـ 1930 ) ، أحد كبار شعراء روسيا المعاصرين مات منتحراً.
ـ Essenine ( Serguei Aleksandrovitch ) ( 1895 ـ 1925 ) ، شاعر روسي سافر إلى أوروبا وأمريكا قبل أن يضع حداً لحياته.
ـ تشايكوفسكي Tchaikovski Piotr Llitch( 1840 ـ 1893 ) ، من أبرز أعماله : " بحيرة البجع ". يمثل ما يسمى بــ" الرمانسية الموسيقية " ( انظر : Musique disque classique ، Michel Ayroles ، collection Marabout service ، editions Marabout ، 1980 ، 233 ( . p
ـ Serge Rachmaninov ( 1873 ـ 1943 ) ، تأثر بتشايكوفسكي.غادر روسيا بعد ثورة 17 أكتوبر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ( انظر ترجمته في المرجع السابق الذكر ، ص : 358 )
ـ الرواية ، ص : 61.
ـ الرواية ، ص : 25 .
ـ الرواية ، ص : 31 .
ـ الرواية ، ص : 47 .
ـ الرواية ، ص : 67 .
ـ الرواية ، ص : 67 .
ـ أحمد اليابوري ، دنامية النص الروائي ، م .س . ذ ، ص : 55 .
ـ مدائن الوهم ، شعر الحداثة والشتات ، دراسة نقدية ، ط. 1 ، رياض الريس للكتاب والنشر، لبنان ، نيسان ـ أبريل 2002 ، ص : 14 .
ـ الرواية ، ص : 67 .
ـ رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ، سيرة غير ذاتية ، غير موضوعية ، ط. 1 ، مطبوعات الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، اقاهرة ، 2001 ، ص : 172.
ـ انظر : الرواية ، ص : 30 .
ـ الرواية ، ص : 37 .
ـ الرواية ، ص : 75 .
ـ الرواية ، ص : 75 .
ـ الرواية ، ص : 71 .
ـ الرواية ، ص : 76.
ـ عبد القادر الشاوي ، النص العضوي " سلخ الجلد " نموذج دراسي ، دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ، 1982 ، ص : 3.
ـ الرواية ، ص : 92 .
ـ الرواية ، ص : 73 و 74.
ـ الرواية ، ص : 95.
ـ الرواية ، ص : 5.
ـ الرواية ، ص : 102 و 134 .
ـ Antonin Artaud ( 1896 ـ 1948 ) ، مؤلف ومخرج مسرحي. عرض أفكاره الدرامية في مجموعة من المقالات جمعت في كتاب تحت عنوان : " Le théatre et son double " ، وقد ترجمته إلى العربية الدكتورة سامية أحمد بعنوان " المسرح وقرينه " ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1973 .
ـ انظر: الرواية ، ص : 134 .
د. عبدالجبار العلمي
يبدو أن محمداً برادة في مسيرته الإبداعية الروائية، ابتداءً من " لعبة النسيان" إلى " امرأة النسيان " ، مروراً بــ" الضوء الهارب " ومثل صيف لن يتكرر " ، يؤسس لمشروع سيرة روائية خيالية طويلة ، تواكب من جهة مراحل مختلفة من حياة الذات الكاتبة ، وتواكب من جهة أخرى التطورات والتحولات التي عرفها الواقع الموضوعي سواء على الصعيد الوطني أو القومي أوالعالمي.
إن هذه الأعمال الروائية الأربعة تشكل في مجملها رباعية روائية تربط بينها عدة وشائج سواء على مستوى وجهة النظر السردية ، أو على مستوى بعض الشخصيات أوعلى مستوى بعض الفضاءات ، أو غيرها من نقاط الاتصال والاشتراك التي تجعل الجسور تمتد رابطة بين هذه الروايات.
ولا يتسع المجال هنالإيراد الشواهد والأمثلة الدالة على ذلك. ومن يقرأ الروايات الأربع ، لن يجد أي عناء في وضع اليد على كثير من هذه الشواهد والأمثلة. ) )
ومثل صنيع الأستاذ برادة في تأسيس مشروع سيرة ذاتية من خلال مجموعة من الأعمال الإبداعية نجده لدى بعض المبدعين المتميزين ، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : الروائي إدوار الخراط ، والسينمائي يوسف شاهين ( ) . يقول الأستاذ محمد الكردي : " تشكل كتابات الخراط كلها تقريبا سيرة ذاتية خيالية . لذلك تتكرر فيها الصور والتيمات والموضوعات في هيئة ذكريات وإشارات وتلميحات تذكرنا بأسلوب وتقنية تيار الوعي أو الاجترار الذاتي" .) (
هيكل الرواية ومتنها الحكائي :
تتألف الرواية من خمسة فصول رقمت من : )1 ـ 5( ، وهي كلها مصدرة بأقوال ونصوص موازية متنوعة .
ـ الفصل الأول : من ص : 4 ـ 21 ، ويشتمل على : 18 صفحة .
ـ الفصل الثاني : من ص : 24 ـ 47 ، ويشتمل على : 24 صفحة .
ـ الفصل الثالث : من ص : 50 ـ 83 ، ويشتمل على : 33 صفحة .
ـ الفصل الرابع : من ص : 86 ـ 104 ، ويشتمل على : 19 صفحة .
ـ الفصل الخامس : من ص : 106 ـ 135 ، ويشتمل على : 30 صفحة .
في الفصل الأول ، نجد الراوي المؤلف يعيش حياة رتيبة . يحدثنا عن صباح يوم من أيام شهر أكتوبر مضى منذ خمس سنوات . المكان : الرباط ، والزمان : الخريف . الأخبار لا تأتي بأي جديد ، ولكنه مع ذلك يظل طول النهار يتلقى ما يتوارد عليه منها عن طريق الصحف. ولا يخرجه من عالمه الروتيني إلا تذكره مشهدا مأساويا كان قرأه بالأمس في أوبرا " سالومي" لأوسكار وايلد) ( . يتوصل بمكالمة هاتفية من صديقة ل ف . ب إحدى شخصيات رواية " لعبة النسيان " ) ( ، تخبره فيها برغبة هذه الأخيرة في أن يقوم بزيارتها قصد مناقشته في أمور أوردها على لسانها في روايته . يحاول الراوي ـ المؤلف إقناع محدثته أن: ف. ب ما هي إلا شخصية خيالية ، بيد أنها تؤكد له أن لها وجودا واقعيا . وهي الآن تقطن في شقة بعمارة يملكها والدها بحي فردان بالدار البيضاء. تعاني من الوحدة والعزلة. يلتقي الراوي ـ المؤلف بـ ف . ب في مسكنها لينصت بإمعان إلى أحداث قصتها وخاصة تلك التي لم يذكرها الهادي أحد أبطال رواية" لعبة النسيان" ، والكاتب غفل عن تدوينها .
في الفصل الثاني من الرواية ، يلتقي الراوي ـ المؤلف ب " سي مصلح " رفيقه في الطفولة والنضال الحزبي في سنوات الستين والسبعين ، فيحدثنا عن نشاطه في الحزب ، وتفانيه في خدمة رفاقه ومساعدتهم في الشدائد والملمات دون أن يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق أي مكسب أو مصلحة. كان شخصاً يتسم بالمرح وروح التفاؤل .يعيش في الغالب خارج الوطن . له اطلاع على الأوضاع الراهنة في البلاد ، وعلى ما يجري من فساد واستهتار في أوساط من بيدهم أزمة الأمور . وقد كان له الفضل في إزاحة الغشاوة السميكة التي كانت تحجب الرؤية الواضحة عن عيني الراوي ـ المؤلف ، فيسرب له ما يحصل من تغير في العلاقات بين المناضلين ، وما ينبيء عن وقوع الحزب في أزمة خانقة . وكان لهذا التحول الخطير في صفوف حزبه أثر عميق على نفسية " سي مصلح " ، فلم يعد ذلك الإنسان المرح ، كثير الضحك .. وسيزداد الأمر وضوحا بالنسبة للراوي ـ المؤلف ، حينما سيقنعه هذا الصديق بحضور حفلة عشاء ساهرة يحضرها أعضاء من الحزب قصد مناقشة وتحليل تجربة التناوب . وفي فيلا الأخ الحلايبي المناضل الانتهازي ، ستزداد معرفة الراوي ـ المؤلف بما آلت إليه الأوضاع في حزبه من تحول ، وسيستمع إلى التبريرات التي يبرر بها الحزب دخوله إلى ما يسمى بحكومة التناوب ، وهي التبريرات نفسها التي كان يقرأها على صفحات الجريدة الناطقة باسمه :" هناك إجراءات وقرارات هامة سيظهر مفعولها بعد سنوات . الإرث ثقيل ، وأعداء التغيير يناورون ويتربصون . لا بد من دراسة الملفات ، وتعلم تدبير شؤون الدولة . مسؤوليتنا هي قبل كل شيء إنقاذ البلاد من التردي الذي يتهددها .. " . ) ( ينتاب الراوي ـ المؤلف شعور بانقطاع الصلة بينه وبين إخوانه في اللجنة المركزية ، ويتذكر الاجتماعات التي كانت تتم في هذا الإطار والتي أصبحت تبدو له الآن مجرد اجتماعات من أجل التباري في إلقاء الخطب الجوفاء .) ( لقد جعلت هذه الحفلة الساهرة الراوي ـ المؤلف يقف على مدى التحول الذي عرفه أعضاء حزبه بين الأمس واليوم .
في الفصل الثالث ، يحكي الراوي ـ المؤلف عن زيارته الثانية ل : ف .ب ، فتخبره بأنها في انتظار قدوم خادمتها السابقة " الضاوية " ، ويعرف منها أن لها قصة طريفة تصلح مادة قصصية . في هذا الفصل ، يتناوب الراوي ـ المؤلف وف . ب على عملية السرد ، فتحكي ف. ب عن حياتها في باريس ، وزواجها من الدكتور جليل ، ثم طلاقها منه بعد مدة قصيرة ، وعن علاقتها ب " الضاوية" ، وعن صديقتها حليمة، فيمتد سردها خلال صفحات قد تكثر ، فتصل إلى خمس صفحات تقريباً من )ص : 51 ـ 55 ( أو تقل ، فلا تتجاوز الصفحتين : من )ص: 57 ـ 58 (
بينما لا يتعدى دور الراوي ـ المؤلف بعض التعليقات الموجزة التي يمهد بها لعملية سرد أخرى من لدن الشخصية ـ الراوية ف . ب : ـ " بعد فترة صمت قصيرة ، سمعت نقرات على الباب . أشارت ف . ب إلى أن " الضاوية " قد وصلت . كانت فعلا جميلة ومثيرة للشهوة … " ) ( ـ " بعد مقطع الصمت المعتاد ، استعاد وجه ف ب سمت الرزانة والوقار " ) ( ـ " بعد صمت قصير استأنفت ". ) ( ولكن الراوي ـ المؤلف يتولى مهمة السرد في الجزء الثاني من الفصل الثالث ، حيث يحكي عن قصة "ابن عريش" بطل أحداث المغارة المثيرة في مدينة تازة ، ولقائه في السجن ، كما يحكي كذلك عن ذكرياته الغرامية في باريس مع "جوزيت" الطالبة السويسرية ، و"صوفيا" الإيطالية ، ومارتين الشقراء. وذلك ابتداءً من ( ص : 69 إلى نهاية الفصل ) ، ولا يتخلل هذا السرد إلا حوارات قصيرة بين ف.ب والراوي ـ المؤلف كما هو الحال في الصفحتين ) 78 و79 ) ، أو ذلك التعليق الختامي المفعم بالحكمة واتخاذ العبرة . قالت ف. ب في هدوء: " نحن مولعون بالحديث عن التجارب التي نعتقد أنها أصبحت في عداد الماضي ، فهي التي تجتذبنا فنعود إلى تحليلها وتشريحها...". ) )
في الفصل الرابع ، يحكي الراوي المؤلف عن حلم رآه فيما يرى النائم ، وهو مستلق على لحاف مقابل للسماء في بيته وقت الظهيرة بينما تنبعث موسيقى كونسيرتو "كولن". ومفاد هذا الحلم أن الراوي ـ المؤلف وجد نفسه في أحد التجمعات الحزبية المليئة بالحماس والشعارات والخطب ، وهي تذكره بذلك التجمع التاريخي الذي أقيم سنة 1962 كما همست له بذلك ف.ب التي كانت حاضرة في هذا التجمع الحلمي. يتردد على منبر الخطابة أشخاص يستغرب الراوي ـ المؤلف وجودهم في مراكز هامة بالحزب أمثال : " تخموت " و" قربال " و" عيطاط " ، كما يلاحظ الممارسات اللاديمقراطية خلال هذا التجمع ، ويستمع إلى التبريرات التي يتعلل بها الحزب للمشاركة في الحكم ، وإلى شعار التسامح والتصالح مع الماضي الذي مؤداه " أننا أبناء اليوم "، ) ) ولذلك : " لننس الماضي ، ولنبدأ صفحة جديدة بيضاء ، وشعارنا دائماً إغناء الفقير دون إفقار الغني".( ) وفي هذا الإطار يدخل حفل التكريم الذي أقامه رئيس الحكومة لفائدة وزير الداخلية السابق كما أُخْبِرَ بذلك عن طريق صديق من الثقاة. وفي هذا التجمع الذي رآه في المنام ، يلتقي بالمعتصم الحزبي الانتهازي الذي يتميز بمنطقه التبريري ، وبالأستاذ السندوسي الجامعي المجتهد الذي يحلل الوضع السياسي ، مركزاً على طبيعة السلطة في البلاد. وحينما يلتقي للمرة الثانية بـ: ف. ب ، تطلعه على إحساسها باقتراب نهايتها. تقول : " أنا أحس أن أشياء تنتهي ، وأننا ننتهي معها". ( ) وتقول أيضا ً: أنا سأرحل عن هذه الحياة قريباً وأنت ستستمر بعدي ". ( )
وهكذا ينتهي هذا الفصل بخواطر وأفكار حزينة حول سير الكائنات والأشياء نحو النهاية ، وذلك من خلال الحوار بين الراوي ـ المؤلف وف. ب داخل الحلم.
في الفصل الخامس والأخير من الرواية ، يحكي الراوي ـ المؤلف عن سفره إلى الدار البيضاء لزيارة ف .ب ، فيفاجأ بموتها، كما يفاجأ كذلك بالخبر الذي قرأه في إحدى الصحف عن موت " الضاوية " مقتولة في أحد فنادق عين الذئاب أثناء مداهمة الشرطة له قصد إلقاء القبض على مهرب مخدرات خطير، ( ) فأصابت الرصاصة الضاوية وأخطأت المهرب.
في هذه المدينة الشاسعة المليئة بالحركة والحياة ، يتوقف الراوي ـ المؤلف ليتذكر ذكريات خلت ، يتصل بعضها بزيارته إياها في طفولته " وعمري لم يتجاوز التاسعة " .) ( بصحبة خالته كنزة ، ويرتبط بعضها بفترة الشباب إذ كان يزورها للاتصال برفاق له من الكتاب والشعراء في حي المعاريف الذي كان يتميز بطابع إسباني ، فيقضي في رفقتهم أوقاتاً سعيدة ، مليئة بالمرح والأنس والمتعة ، بهدف محاولة نسيان واقع الاستبداد الذي يجثم على الصدور.) ( كما يتصل بعضها الآخر بذكرياته في مدينة موسكو التي زارها إبان عهدها السوفياتي حيث تبين له بالملموس أن ثمة فرقاً كبيراً بين النظرية والتطبيق . جاء على لسان الراوي ـ المؤلف في حوار له مع مترجمه " ميشا " " إن الفروق بين النظرية والتطبيق معضلة إنسانية لم يعثرلها على علاج ".) (
وبعد أن يعرف أن ف . ب . ماتت من طرف خادمتها الجديدة ، تنثال عليه ذكريات حياته في باريس ، ويستعيد مناظر شوارع باريس وحديقة اللكسومبرغ ، ووجوه التماثيل المنتشرة فيها للمشاهير من رجالات فرنسا الحضارة والثقافة، ( ) أمثال : رابليه ( ) وموليير( ) وبلزاك ( ) وهيجو( ) ودانتون ( ) وروسو ( ). وبعد ذلك، يعود الراوي ـ المؤلف إلى الرباط ، ولكن دون أن يزايله طيف ف . ب . وينغمر في التفكير في الموت وذكريات وفاة زوجة خاله سيد الطيب ، وهو في الرابعة من عمره . ) ( ويجد نفسه يعيش فراغاً كبيراً بعد وفاة ف . ب . النجية التي تجيد الاستماع . ولذلك يحاول استحضارها في خياله للاستئناس بها ، والتخفيف من معاناته من الوحدة والغربة والإحباط والإحساس باقتراب شبح الموت . هل هذه إشارة إلى أن الإبداع وسيلة لقهر الموت والفناء ولعبة لنسيان هواجس الوحدة والغربة والخيبة وغيرها من المشاعر التي تؤرق المبدع المرهف الإحساس ؟
وفي ختام الفصل ، يحكي الراوي ـ المؤلف عن صديقه الأعز عبد الموجود الذي زاره قبل أسبوع في بيته ليفضي إليه بمكابدته بسبب إصابة زوجته بالاكتئاب العصابي مما يجعل حياته جحيماً . ويبلغه بمدى اليأس والإحباط الذي انتهى إليهما سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي ، حيث تبخر حماسه ، وفتر نشاطه بعد أن اكتشف أن الكل لا يعمل إلا من أجل تحقيق مصالحه الشخصية .
وينتهي هذا الفصل الأخير بحوار شجي حول الإبداع والموت .
رواة امرأة النسيان :
يتناوب على عملية السرد في الرواية راويان أساسيان هما : الراوي ـ المؤلف والراوية ـ الشخصية ف . ب النازحة من رواية " لعبة النسيان " ، ويشترك معهما في هاته العملية بعض الشخصيات الروائية أهمها : " الضاوية " وابن " عريش"، ) ( غيرأن هذين الأخيرين لا يقدمان إلا بعض المقاطع السردية القصيرة ، بينما يهيمن الساردان الأولان على سرد كل أحداث الرواية .
إن الرواية تقدم أحداثاً تتعلق بهاتين الشخصيتين المحوريتين ، بيد أن هذه الأحداث التي تمثل جزءاً هاما من حياتهما ، تتقاطع في محطات عديدة يمكن أن نحددها فيما يلي :
ـ متابعة الدراسات العليا في باريس .
ـ الطموح إلى تحقيق أقصى درجات الحرية الفردية .
ـ الإيمان بالحركات التحررية والتقدمية التي كانت سائدة زمن الستينيات ، سواء في فرنسا أو المغرب .
ـ النضال من أجل تغيير الواقع المتخلف .
ـ النهل من ينابيع الثقافة الغربية .
ـ التنقل بين المغرب وفرنسا للدراسة والبحث عن فضاء أكثر حرية .
ـ حب الحياة إلى درجة الانغمار في أقصى ما تسمح به من متع للجسد والروح .
ـ الإحساس بالغربة داخل الوطن وعدم القدرة على الانسجام التام مع المجتمع.
ـ الشعور بالإحباط وانهيار الأحلام بمجتمع أفضل ، ووطن متقدم .
ـ الإحساس المؤرق بالسير نحو النهاية .
وبعد كل هذا ، يمكن القول : إن شخصية ف . ب . ما هي إلا جزء مكمل لشخصية الراوي ـ المؤلف ، وأن حياتها جزء لا يتجزء من حياته ، وأنها حينما تسرد قصتها إنما تقدم ملامح بارزة من سيرته . لقد جرد المؤلف من روايته : " لعبة النسيان " شخصية ف . ب . ليختفي وراءها سارداً كثيراً من تفاصيل حياته الخاصة . جاء في حوار الراوي ـ المؤلف مع طيف ف. ب :
ـ " أنتِ تنسين أننا ظلان لكيان واحد : منك أستمد اللغة ، وكتابتي تمنحكِ الوجود . " ) (
ـ " ظلان ؟ قرينان ؟ ليس تماماً . أنا غير أنت . أنا أمثل في نظرك حالة قصوى عجزت عن بلوغها ، لذلك لم تكف عن ملاحقتي لسبر أغواري والنفاذ إلى ما تظنه سراً كامنا في رحلتي غير المعتادة بالنسبة للأخريات اللائي عرفتهن ." ) (
ـ " لكنني أتطلع إلى التمازج بك رغم الفروق القائمة بيننا في الظاهر " ) ( يتبدى هذا التقارب الواضح بين الشخصيتين في كثير من الملامح والصفات والمواقف كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه ، بيد أن الصنعة الروائية أرادت أن تكون إحدى الشخصيات من طينة ، وثانيتهما من طينة أخرى مختلفة. فالشخصية الأولى هو المؤلف نفسه بلحمه ودمه ، وتؤكد ذلك شواهد عديدة من الرواية أكثرها جلاءً أنه هو مؤلف رواية " لعبة النسيان " . أما الشخصية الثانية ، فهي شخصية خيالية خرجت من بين صفحات تلك الرواية ، وأصبح لها وجود في عالم روائي آخر ، تستدعي المؤلف لزيارتها في شقتها بالدار البيضاء ، وتروي له أحداثاً أغفلها في ثناياها .
وهكذا يمتزج الواقعي بالخيالي في " امرأة النسيان " ، وهذا ما يجعلها تتمرد على الانحصار في خانة السيرة الذاتية لتتموقع في إطار مايسمى برواية السيرة الذاتية ) ( ، أو الرواية التي تتخذ نقطة " انطلاقها من التجربة الشخصية ، ومن موقع الذات للإطلال على الواقع بعوالمه ، وشخوصه ، لتبني فضاءها الروائي الخاص " ( ) ، كما يرى الأستاذ أحمد اليابوري . فالمؤلف يغدو شخصية روائية حين يدخل في حوار مع الراوية ـ الشخصية ف. ب أو " ابن عريش " مثلا. وفي رواية ( لعبة النسيان ) " نجد المؤلف نفسه يدخل في حوار مع السارد الرئيسي فيتحول ، نتيجة لذلك ، إلى شخصية روائية إلى صوت سردي بين باقي الأصوات ". ( ) إن الأمر هنا يتعلق بلعبة الفن ، فالمرء لا يستطيع أن يفكك الخيوط المتشابكة بين ما هو واقعي وما هو خيالي في الرواية ، ما هو متصل بالمؤلف باعتباره شخصية حقيقية تعيش بيننا ، وما هو متصل بـ ف. ب. باعتبارها شخصية من نسج الخيال ، تنتقل من كون خيالي إلى آخر) (فالراوي ـ المؤلف نفسه يصرح في أحد المقاطع السردية بأنه أثناء كتابته عن " ابن عريش " في روايته الجديدة ، لم يكتف بما قرأه في الصحف عن أخباره والوقائع الحقيقية التي مرت بتلك المغارة الغرائبية في مدينة تازة ، بل إنه سعى إلى اللقاء به شخصيا في السجن ، وذلك لكي يجمع بين الحقيقة والخيال. ) (
ويرى د. جابرعصفور أن الكتاب يلجأون إلى " استغلال مراوغات القص التخييلية في رواية السيرة الذاتية للتغطية على العلاقة المباشرة من أحداث الرواية ، وأحداث حياتهم مراعين سلطة المجتمع التقليدي الذي يتجنبون قمعها بواسطة الرمز والمجاز والأقنعة التي تتباعد أوجهها المستعارة عن الإشارة إلى موضوعها الأصلي أو أوجهها الحقيقية ". ) ( لقد كانت مسألة التمويه على المتلقي ، وخلق جو من الالتباس بين الواقعي والخيالي إحدى أهم الطرائق الفنية التي تم توظيفها في الرواية بقدر كبير من الدقة والإحكام ، مما أكسبها قدرة لا يستهان بها على الإمتاع الفني الذي لا نجده إلا في الأعمال الأدبية التي كتبت بغير قليل من المهارة والحرفية . فنحن ـ كما يقول برسي لوبوك: " نبحث في الرواية عن الشكل ، الحبكة الروائية كما هو الحال في أي عمل فني ، فالرواية هي خير ما يحتوي هذه الأشياء . يجب أن تحصل على ذلك إذا كانت الرواية عملا فنياً خالصاً يجب أن تكون كذلك طالما كان من الواضح أن النقل الحرفي للحياة أمر مستحيل ." ) (
الشخصيات :
يمكن أن نصنف شخصيات " امرأة النسيان " كما يلي :
أ ـ شخصيات مثقفة : ويمثلها : الراوي ـ المؤلف ؛ ف . ب ؛ حليمة صديقة ف . ب . وتتميز هاته الشخصيات بالنزوع إلى الحداثة والثقافة الغربية . فنجد في كثير من صفحات الرواية ، وفي صدر كل فصل من فصولها الخمسة نصوصاً أو إشارات تتصل ببعض الأعمال الفنية الغربية من رواية ومسرحية ونحت وموسيقى ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : أوبرا " سالومي " لأوسكار وايلد ، ص : 5 ؛ روايات ستاندال ( ) وفلوبير( ) ودوستويفسكي ( ) ، ص : 39 ؛ مسرحية نتالي ساروت ( ) " من أجل نعم ، من أجل لا " ص : 58 ؛ " زرقة السماء " Le : bleu du ciel لجورج باتاي ( ) ، ) ص : 77( ؛ " بعد السقــوط" لآرثـر ميللـر( ) ( ص : 98 ( ، فيلم: " السطح " للمخرج الإيطالي " إيتور سكولا " ( ) ) ص: 38( ؛ فيلم " الأبدية ويوم " للمخرج اليوناني تيو أنجيلوبولوس " ( )) ص : 113( ؛ قصائد بوشكين ( ) ومايكوفسكي ( ) وإسنين ( ) ، وسيمفونيات تشايكوفسكي ( ) ورحمانينوف ( ) ، ) ص : 118( ، كما أن هذه الشخصيات تابعت دراستها العليا بباريس ، وتشبعت بالأفكار التحررية واليسارية : ) ثورة الطلبة 1968 ـ الاشتراكية باعتبارها نظاما يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بين الناس بالعدل (، وغيرذلك من المباديء التي كانت مطمح الشباب في مجتمعات العالم الثالث في سنوات الستين والسبعين .
إن هذه الشخصيات الثلاث تعاني جميعها من الإحباط والإحساس بالاغتراب وعدم القدرة على الانسجام مع مجتمعها . فشخصية ف . ب حاولت أن تندمج في المجتمع عن طريق زواجها بالدكتور جليل والحياة معه بين أفراد عائلته الكبيرة في مدينة الراشيدية ، تقول : " إنني في حاجة إلى اختبار قدرتي على العيش وسط مجتمعي " ) ( ، لكنها فشلت في هذه التجربة ، فطلبت من زوجها الطلاق ، وعادت إلى الحياة في باريس ، ثم انتهى بها المطاف إلى الحياة في عزلة عن المجتمع في معزبتها في عمارة العائلة بالدار البيضاء.
ويحاول الراوي ـ المؤلف إيهام النفس بأنه يتغلب على الشعور بالغربة واللانسجام مع واقع مجتمعه، ولكن دون جدوى. يقول : " لم أعد أشعر بالغربة في أي مكان حللت به. هنا أو خارج الوطن سيان" ) ( ، ولكنه في واقع الأمر ، يواجه الغربة داخل الوطن وفي حضور خلانه وزملائه في الحزب العتيد الذي ينتمي إليه : " أنا منهم رغم ما قد أشعر به من تباعد ، وتذكرت أنني هذا الصباح ، أحسني قادراً على تكسير الغربة وعلى نسج التآلف بين كل المختلفات ". ) (
إنه يفشل أيضاً في مقاومة شعور الغربة وعدم القدرة على الاندماج في هذا الواقع المتغير . يقول : " أما أنا فقد خيل ألي أن هواجس الغربة والوحدة بدأت تلفني من جديد ". ) ( أما حليمة صديقة ف . ب ، فقد عاشت عدة سنوات في باريس ، حيث تقاسمتا حياة المغامرات والنضال والجسد والمعرفة. ) ( شخصية رافضة لكل المواضعات، مؤمنة بالحرية الفردية حتى النخاع . وهي الأخرى ، لم تتمكن من الانسجام مع ما حولها سواء على مستوى الأسرة أو مع الزملاء في الكلية التي تعمل بها ، لذلك هي تعيش حالات حادة من الاكتئاب. وهي وإن كانت لم تنسحب من الحياة ، ) ( كما هو الحال بالنسبة لـف. ب ، فإنها مع ذلك تجد صعوبة في التواصل مع الناس سواء تعلق الأمر بأفراد أسرتها أو أصدقائها وصديقاتها. وهذه الشخصيلت الثلاث تشترك مع شخصيات أخرى في رواية " الغربة " لعبدالله العروي هي مارية ولارة ومريم في كونها " تنتمي لمجتمع ، وتعيش خارجه ، تبذل جهداً للانخراط في المؤسسة السياسية ـ الاجتماعية ، ولكنها تفشل في تحقيق ذلك الانخراط، إلى حد يصبح معه تهميش الذات نوعاً من " الفداء " من أجل الحفاظ على حالة ( البراءة ) وتحقيق (الخلاص ) ، في عالم يسير نحو الانهيار ". ( )
ولا شك أن من أقسى مشاعر الغربة هي التي يحسها الإنسان وهو في وطنه. يقول الدكتور عبدالواحد لؤلؤة : إن الاغتراب لأسباب معاشية صعب ، لكن الاغتراب لأسباب أهمها تجنب مخاطر السياسة وطلب الأمان الشخصي يفوق في صعوبته وإيلامه كل شيء عداه. وقد لا يقترب من هذا الإيلام إلا شعور الإنسان بالغربة في وطنه ، وهي ظاهرة عجيبة برزت في آخر عقدين أو ثلاثة عقود في بعض الأقطار العربية ". ) (
إن هذه الشخصيات تعيش تمزقاً بين الذات والآخر ، بين الارتباط بمجتمعها على علاته ، والارتماء في أحضان الغرب غير الدافئة ، بين الاحتماء بروح المجتمع وهويته وتقاليده وتراثه، وبين الانغمار في حداثة مادية لم تحقق لها أي استقرار أو طمأنينة. لذلك وجدت هذه الشخصيات نفسها كما وصفتها ف . ب حين تحدثت عن عدم تآلفها هي وصديقتها مع مجتمعها: " داخل عنق الزجاجة أمام واقع يرفضنا مثلما أننا نكابر في قبوله ". ) ( ويبدو لي أن أزمة الأبطال الثلاثة ناجمة عن التهافت على الحداثة الغربية ثقافة وسلوكاً ونمط حياة ، متخلين عن الجذور التي تربطهم بتربتهم وهويتهم الحضارية والروحية ، لذلك فهم يعيشون أزمة روحية ، فكل ما تشبثوا به من أفكار ومباديء وآمال وأحلام آلت كلها إلى السقوط والزوال.
إن الحداثة الجديدة التي من شأنها أن تحقق التوازن بين قيم الذات وقيم الآخر هي التي يدعو إليها الدكتور عبدالوهاب المسيري " حداثة تتبنى قيم العلم والتكنولوجيا ، ولا تضرب بالقيم أو بالغائية الإنسانية عرض الحائط ، حداثة تحيي العقل ، ولا تميت القلب ، تنمي وجودنا المادي ولا تنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث ". ) (
ب ـ شخصيات حزبية: وتنقسم إلى قسمين :
شخصيات لها أسماء دالة :
وأهم هذه الشخصيات : " سي مصلح " و " الحلايبي " ، ويقفان على طرفي نقيض : فالأول مناضل حزبي مخلص ، يحدثنا الراوي ـ المؤلف عن نشاطه الحزبي الدؤوب ، وتفانيه في خدمة رفاقه ومساعدتهم في الشدائد ، ولا غاية له إلا العمل من أجل التغيير والإصلاح . أما " الحلايبي " ، فهو يجسد نمط الانتهازي الذي ينخرط في صفوف الحزب من أجل تحقيق أغراضه ومصالحه الذاتية . وقد أصبح رجل أعمال ، واستفاد من مواقعه في الحزب. ) (
والحقيقة أن برادة إذا كان يوجه إلى حزب الاتحاد الاشتراكي نقداً لاذعا بسبب مشاركته في حكومة التناوب ، وتقديمه كثيراً من التنازلات عن المباديء التي قام عليها ودعا إليها من موقع المعارضة ، إلا أنه مع ذلك يقف موقفا موضوعياً من بعض مناضلي حزبه ، ويكن لهم الود والتقدير والاحترام مثل " سي مصلح " ، ولعل الراوي ـ المؤلف هنا يتخذ هذه الشخصية رمزاً لكثير من مناضلي الحزب الذين منهم من قضى ، ومنهم من لازال على العهد .
ـ شخصيات يرمز إليها الكاتب بحرف من حروف المعجم :
1 ـ شخصية )ص ( : برز في الميدان النضالي عندما كان طالباً ، ولجأ إلى الخارج هارباً من السلطة ، وهناك ارتقى في سلم الرتب القيادية بسرعة قياسية . تم العفو عنه ، وعاد إلى البلاد والعمل الحزبي ، بيد أنه سرعان ما فقد مكانته بسبب تلاعبه في الانتخابات ، وقد أبعد عن الحكومة ، ولكنه ـ كما يتنبأ الراوي ـ المؤلف ـ يسعى للدخول إلى السلطة من بابها الواسع .
2ـ شخصية )ح( : تكنولوجي ، يكتب في جريدة الحزب عن التكنولوجيا . فوجىء بإبعاده عن منصب في حكومة التناوب ، وذهب إلى أحد أصدقائه الذين استوزروا ، طالباً منه التنازل له عن المنصب لأسباب واهية وسخيفة .
3ـ شخصية )ك( : مناضل قديم في الحزب . رأيه أن المناضلين لم يخلقوا ليموتوا في المعارضة . لذلك ربط علاقات حميمة ببعض رجالات السلطة ، وقد استفاد من هذه العلاقات في تطوير مشاريعه) تربية الأبقار وغيرها( . ومما عرف به هذا " المناضل " عمله على التوفيق بين المخزن والاشتراكية ، كما عرف عنه أيضاً تملقه المبالغ فيه أحد الوزراء القدماء )مولاي أحمد( الذي أقعده المرض بعد ثلاثين سنة من العمل في حكومات متعددة .
4 ـ شخصية " عوالا " : كان طالبا نابها . درس بباريس وأصبح وزيراً وهو في ريعان شبابه . رئي وهو يبكي ، ويضرب الجدار بقبضته لأنه أبعد من لائحة الترشيحات للبرلمان رغم قيمته المعروفة في نظره .
5 ـ شخصية ) ن ( : مناضلة عرفها الراوي ـ المؤلف من عشرين سنة في بداية خوضها غمار العمل الحزبي . أعجب بشخصيتها النازعة إلى التحرر من التقاليد والمواضعات . بيد أنه فوجيء منذ عشر سنوات بزواجها من محام ينتمي إلى نفس الحزب بشمال البلاد ، معروف بشخصيته المتسلطة .
6 ـ شخصية )ج( : مناضل له خبرة واسعة في تعبئة الجماهير، مستواه العلمي بسيط . له علاقات مع مناضلي الحزب من مختلف المستويات والأمزجة. علاقته بالحزب تطبعها الانتهازية والمنفعة الشخصية .
إن الخيط الرابط بين كل هذه الشخصيات هو روح الانتهازية ، والطموح إلى تحقيق أهداف شخصية من خلال الارتباط بهيئة سياسية لها وزنها في الحقل السياسي المغربي .
ثمة شخصيات حزبية أخرى حضرت حفل العشاء لا يرمز إليها الراوي ـ المؤلف ـ بأي رمز ، وبكتفي بالإشارة إلى أنهم مناضلون من الوزن الثقيل لأنهم دخلوا السجن أو حوكموا بالإعدام ، غير أنه يقسمهم إلى قسمين :
أ ـ مناضلين آثروا موقف التريث والاحتراز إزاء مسلسل التغيير .
ب ـ مناضلين يدافعون عن المشاركة في هذا المسلسل . والموقف الثاني يذكر الراوي ـ المؤلف بالقولة المأثورة : " الراس اللي ما يدور كدية ". ) (
ج ـ شخصيات مهمشة :
وأهمها : الضاوية وابن عريش :
1 ـ الضاوية : وهي تمثل نموذج الفتاة المغربية النازحة من البادية إلى المدينة بحثاً عن الرزق ، فتقع بين أنياب الذئاب التي لا ترحم ، فتبيع جسدها لتسد جوعها. فهي ضحية من ضحايا مجتمع لا تتحقق فيه كرامة الإنسان ، وإنما تداس وتمتهن. وقد اختار لها الكاتب اسمين : " الضاوية " و" أضواء ". ولهذين الاسمين دلالتهما في سياق الرواية : فقد كانت الضاوية نوراً يضيء عتمة حياة ف. ب . في عزلتها القاسية. وعندما صار اسمها " أضواء" ، أضحت تغمر الناس بضياء جمالها . إنها تذكرنا بشخصية " نور" في رواية" اللص والكلاب" لنجيب محفوظ ، لقد كانت نقطة النور الوحيدة التي تشع في حياة البطل" سعيد مهران" المغمورة بظلام الخيانة والحقد والزيف ، رغم أنها في نظر المجتمع امرأة ساقطة.
2 ـ ابن عريش :
شاب مغربي أقفلت في وجهه أبواب الرزق والأمل ، واجه عنف الواقع بالرفض والتمرد وممارسة الجريمة. إن العنف يولد العنف. ولنقرأ هذا المقطع المفعم بروح الرفض والتمرد والمرارة على لسان ابن عريش : " نعرف أن أبواب الأمل والرزق موصدة في وجوهنا ، ومحكوم علينا أن نعيش وسط غابات تزين مداخلها القوانين والتعاليم السماوية وشعارات التوافق والوئام ، إلا أن طقوسها تتستر على من يفترسون ويمتصون العظام قبل أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ". ) (
إن هاتين الشخصيتين أفرزهما واقع القهر والحرمان والتهميش في زمن تطلع فيه الناس إلى تغيير الأوضاع إلى الأحسن. وإذا كان الكاتب يؤمن بأن الكتابة لا يمكن أن تكون إلا بجانب المقهورين ، فإن الواقع المرير يثبت عدم جدوى ذلك. يقول الراوي ـ المؤلف : " ما جدوى الكتابة عن المقهورين الذين هم مقتنعون بأنهم لا يريدون الانتماء إلى هذا المجتمع الذي نحاول أن ننحت كيانه مجدداً من كلمات وقيم لا وجود لها في الحياة الفعلية ؟ " ) (
إن " ابن عريش " شخصية رافضة ، متمردة ، يائسة. فـــ" لا صوت يعلو على صوت الحاكمين المتصرفين في البلاد وخيراتها ، كأنها ضيعة مستباحة " ) ( . و"الأوضاع مستعصية على الإصلاح " ) (
إن الأوضاع التي يشير إليها الراوي ـ المؤلف من خلال شخصية " ابن عريش" هي التي ستفرز شخصيات لها دلالتها الرمزية ، وإن لم تكن لها أية مشاركة في العالم الروائي ، وهي : السي 17 مليار درهم ، والسي 30 مليار درهم ، والسي 50 مليار درهم. ولا يخفى أن الراوي ـ المؤلف يشير إلى بروز طبقة من الأغنياء هي المستفيدة الحقيقية من الاستقلال ، مؤكداً التناقض الصارخ ، والتفاوت الرهيب بين فئات المجتمع المغربي راهناً.
القضايا التي تعالجها الرواية :
يعالج الكاتب في روايته مجموعة من القضايا كالنزوع إلى الحرية ، والاغتراب داخل الوطن ، وتلاشي الأحلام بعالم أفضل ، وانهيار القيم والمباديء ، واستفحال بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة : الجريمة ـ اتساع رقعة البناء العشوائي ومدن القصدير في الحواضر ـ تجارة المخدرات... إلا أن ثمة قضيتين حظيتا بالاهتمام أكثر من غيرها في الرواية هما :
ـ نقد الحزب :
يوجه الراوي ـ المؤلف نقداً لاذعاً إلى الحزب الذي كان ينتمي إليه ، والذي ناضل داخله سنوات طويلة ، ويعبر عن حزنه العميق على ما آلت إليه الأوضاع في صفوف هذا الحزب الوطني خاصة في السنوات التي تحمل فيها المسؤولية في إطار ما يسمى بحكومة التناوب.
و يبدوأن المثقف في تناقض أبدي مع السلطة السياسية الحاكمة ، فهو حامل القيم ، المنافح عنها ، المتطلع إلى ما هو باق وخالد. وهوعند محمد برادة " معارض. إنه يوجد في قصصه حاملا لوعيه مصباح ديوجين يبحث باستمرار عن مجال حقيقي لإفراغ وعيه بالظواهر إما من خلال نقدها أو رصدها سلبياً أو المطالبة بتغييرها أو التحريض السياسي ضدها .. " ) ( . أما السلطة السياسية ففضلاً عن عملها على تهميشه وإقصائه من حلبتها غالباً ، فهي تقف على النقيض من مواقفه ، إذ تجنح إلى ما هو آني وزائل ، وغالباً ما يحكمها منطق المصلحة والانتهازية . يقول الراوي ـ المؤلف : " ما جدوى إذن ، أن أصارع الشر من داخل أجهزة ستفرز بدورها ، الإقصاء والتهميش والحلقية " ) ( .
ومع ذلك نراها في بعض المناسبات تدعو بأعلى صوتها إلى تخليق الحياة السياسية . يقول ابن عريش :" والآن تدعون إلى الأخلاق والتخليق لمواجهة عواقب العنف التي بدأت تفوق تلك التي خلفها العنف السياسي . ألستم تبيعون القرد وتضحكون على من اشتراه ! " ) ( . ويعلق الراوي ـ المؤلف حينما كان يحضر أحد الاجتماعات الحزبية في العهد الجديد بقوله : " عندما كانت كلمة تخليق تستعمل من أحد المتحدثين في الرواق ، سرعان ما كانت الحناجر تردد شعاراً يثير الاستغراب وأحيانا الضحك لأن صيغته لا تخلو من تلفيق :
التخليق تخليق تخليقْ بلا تأخير ولا تعليقْ " ) (
ـ تيمة الموت :
يبدأ الفصل الأول من الرواية بالموت : موت " يوحنا " في أوبرا" سالومي " لأوسكاروايلد . قتلته حبيبته " سالومي " لإنه رفض الانصياع لإغرآتها. ) ( وتنتهي بموت ف. ب. وبحديث مرير عن الوحدة والموت وخاصة في آخر الفصل الرابع والفصلين الخامس والأخير منها. ) ( كما أن النصوص التي تتصدر الفصول: الأول والثالث والرابع والخامس يحمل بعضها دلالة الموت والنهاية والرحيل : نقرأ الألفاظ " والعبارات الآتية : " الأفول " )فصل1( ؛ " احتضار الحياة " )ف.3( ؛ " هل العشق موت ؟ هل الموت عشق إذن ؟ " ) ف. 4 (؛ " هل ترحلين ؟ أراحلة أنت ؟ " ) ف.5 (.
وهكذا يتبدى لنا أن الموت تيمة أساسية في الرواية التي تتجسد في موت شخصيات مشاركة في العمل الروائي مثل ف. ب والضاوية ، كما تتجسد في شخصيات بعض الأعمال الأدبية اتي يورد المؤلف ملخصاً لها مثل " يوحنا " في أوبرا " سالومي " ، كما تتمثل أيضا في بعض الأقوال التي يصدر بها أغلب الفصول ، وهي إما للكاتب نفسه أو لمبدعين غربيين أو عرب ) أ . أرطو( ) ـ فرانسوا باسيلي ـ محمد عفيفي مطر (.
يبقى أن نقول في الختام : إن المؤلف يؤكد أن وجوده مرتبط بالكتابة والإبداع. ورغم أن الموت هم يؤرقه إلا أن نداء الحياة بكل مسراتها ومباهجها وذكرياتها يدعوه إلى الاستمرار في الجري وراء الكلمات المضيئة المتعلقة بأهداب الخلود ، لا الكلمات الجوفاء ، والشعارات الحزبية الزائفة ، وإلى الانغمار في لعبة المزج بين الواقع والخيال ، الحقيقة والحلم خالقاً من كل ذلك عوالم ذات أسوار صلدة تقاوم الموت والنسيان.)
بقلم : د. عبدالجبار العلمي من المغرب
* الهـــوامــــــش :
ـ الملاحظ مثلا أن المنظور السردي في الروايات الأربع يهيمن عليه الراوي ـ المؤلف المشارك في الحدث، وأن بعض الشخصيات يتكرر وجودها أو ذكرها مثل : ف.ب والسي الطيب والهادي في روايتي : " لعبة النسيان " وامرأة النسيان "، وكذلك بعض الفضاءات كفاس والرباط وباريس والقاهرة والدار البيضاء.
ـ ثلاثيته السينمائية المعروفة : " إسكندرية ليه " ـ "حدوتة مصرية " ـ " إسكندرية كمان وكمان"
ـ مجلة فصول ، العدد : 59 ، ربيع 2002 ، ص : 204 .
ـ Oscar Wilde ) 1854 ـ 1900 ( : أديب انجليزي . كان شغوفا في مسرحه بموضوعة
الموت .
ـ خصص الكاتب لها فصلا من هذه الرواية من ص : 95 ـ 106 ، طبعة دار الأمان ، الرباط .
ـ الرواية ، ص : 31 .
7 ـ الرواية ، ص : 23 .
ـ الرواية ، ص : 55 .
ـ الرواية ، ص : 57 .
ـ الرواية ، ص : 58 .
ـ الرواية ، ص : 82 .
ـ الرواية ، ص : 95 .
ـ الرواية ، ص : 96 .
ـ الرواية ، ص : 101 .
ـ الرواية ، ص : 103 .
ـ الرواية ، ص : 118 .
ـ الرواية ، ص : 108 .
ـ الرواية ، ص : 109 .
ـ الرواية ، ص : 115 .
ـ الرواية ، ص : 123 .
ـ Français Rablais ( 1494 ـ 1553 ) ، من مفكري عصر النهضة.
ـ Molier ( 1622 ـ1673 ) مسرحي .يمثل ما يسمى بالكوميديا الكلاسيكية .من أشهر أعماله المسرحية : "مدرسة النساء " Ecole des femmes ' L ، " دون جوان" ، Don Juan ، " البخيل " Avare 'L ، "النساء العالمات" Les Femmes savantes ، Le Tartuffe
ـ Honoré de Balzac ( 1799 ـ 1850 ) ، من أهم أعماله الروائية : " الكوميديا الإنسانية" La comédie humaine
Vctor Hugo ـ ( 1802 ـ 1885 ) ، من أشهر أعماله " البؤساء " Les mesirables
ـDanton Georges Jacques ( 1759 ـ1794 )
ـ ( ( 1778 - 1712 ) Rousseau ( Jean Jacques ، من أهم أعماله : "الاعترافات" Les confessions ، education'Emile ou l في جزأين ، "العقد الاجتماعي" Du contrat social
ـ الرواية ، ص : 124 .
ـ انظر: السرد الخاص بالضاوية ، ص : 56 وما بعدها ؛ والسرد المتعلق بابن عريش ، ص : 73 .
ـ الرواية ، ص : 126.
ـ الرواية ، ص : 126.
ـ الرواية ، ص : 126.
ـ انظر: زمن الرواية ، مكتبة الأسرة ، مهرجان القراءة للجميع ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999 ، 231 .
ـ أحمد اليبوري ، دينامية النص الروائي ، ط.1 منشورات اتحاد كتاب المغرب ، الرباط ، 1993 ، ص : 56
ـ نفسه ، ص : 60.
ـ انظر: الرواية ، ص : 68.
ـ الرواية ، ص : 71 .
ـ زمن الرواية ، م. س . ذ ، ص : 209.
ـ صنعة الرواية ، ترجمة عبد الستار جواد ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام ، الجمهورية العراقية ) الكتب المترجمة ـ رقم : 101 ( ، 1981 ص : 20.
ـ Stendhal ( 1783 ـ 1842 ) كاتب فرنسي ، من أشهر أعماله " الأحمر والأسود " Le rouge et le noir ".
ـ Gustave Flaubert ( 1821 ـ 1880 ) ، كاتب فرنسي . من أهم أعماله رواية " مدام بوفاري " Madame Bovary 1857.
ـ Dostoievski ( 1821 ـ 1881 ) ، من أعماله الكبرى : رواياته :" الجريمة والعقاب " chatiment Crime et ( 1866 ) ؛ " الأبله " Idiot'l ( 1868 ) ؛ " الإخوة كرامازوف " Fréres Karamazov
( 1880 ).
ـ Natalie Sarute (1900 ـ ؟ ) كاتبة فرنسية من أصل روسي .ولدت سنة 1900 في روسيا.تنتمي إلى موجة الرواية الجديدة ( Nouveau Roman ) . من أعمالها : " or’d Les Fruits " الحائز على الجائزة الدولية للأدب سنة :1964 .
ـ Georges Bataille ( 1897 ـ 1962 ) ، كاتب فرنسي اهتم في كتابته بموضوعة الموت.
ـ Arthur Miller (1915 ـ ) دراماتورجي . تأثر بإبسن. عالج في مسرحياته بعض التيمات الكبرى مثل : العلاقة بين الأب والابن ، والصراع بين الفرد وقيم المجتمع الذي يفضي إلى مصير حتمي لا يمكن الفرار منه هو الانتحار ، وقد عبر عن ذلك في مسرحيته المذكورة في المتن " بعد السقوط ". ألفها بعد انتحار الممثلة الشهيرة ) Marlyn Monroe ) التي كان متزوجا منها سنوات قبل ذلك.
ـ Ettore scola ( 1931 ـ ) ، اهتم في أفلامه بالنقد الاجتماعي . من أعماله السينمائية rame de la jalousie (1970)؛ Passion d amour ( 1981 ) ؛ la Famille ( 1987 )
ـ Angelopoulos ( Theodhoros)( 1936 ـ ) . مخرج يوناني . يعتبر رائد السينما اليونانية المعاصرة .من أفلامه : le Voyage des comèdiens ( 1975 ) ؛ Alexandre le Grand ( 1980 ) ؛ le Regard d Ulysse ( 1995 ).
ـ Pouchkine ( Alexandre ) ( 1799 ـ 1837 ) شاعر وناثر روسي. مؤسس الأدب الروسي المعاصر .مات منتحراً.
ـ Maiakovski Vladimir Vladimirovitch (1893 ـ 1930 ) ، أحد كبار شعراء روسيا المعاصرين مات منتحراً.
ـ Essenine ( Serguei Aleksandrovitch ) ( 1895 ـ 1925 ) ، شاعر روسي سافر إلى أوروبا وأمريكا قبل أن يضع حداً لحياته.
ـ تشايكوفسكي Tchaikovski Piotr Llitch( 1840 ـ 1893 ) ، من أبرز أعماله : " بحيرة البجع ". يمثل ما يسمى بــ" الرمانسية الموسيقية " ( انظر : Musique disque classique ، Michel Ayroles ، collection Marabout service ، editions Marabout ، 1980 ، 233 ( . p
ـ Serge Rachmaninov ( 1873 ـ 1943 ) ، تأثر بتشايكوفسكي.غادر روسيا بعد ثورة 17 أكتوبر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ( انظر ترجمته في المرجع السابق الذكر ، ص : 358 )
ـ الرواية ، ص : 61.
ـ الرواية ، ص : 25 .
ـ الرواية ، ص : 31 .
ـ الرواية ، ص : 47 .
ـ الرواية ، ص : 67 .
ـ الرواية ، ص : 67 .
ـ أحمد اليابوري ، دنامية النص الروائي ، م .س . ذ ، ص : 55 .
ـ مدائن الوهم ، شعر الحداثة والشتات ، دراسة نقدية ، ط. 1 ، رياض الريس للكتاب والنشر، لبنان ، نيسان ـ أبريل 2002 ، ص : 14 .
ـ الرواية ، ص : 67 .
ـ رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ، سيرة غير ذاتية ، غير موضوعية ، ط. 1 ، مطبوعات الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، اقاهرة ، 2001 ، ص : 172.
ـ انظر : الرواية ، ص : 30 .
ـ الرواية ، ص : 37 .
ـ الرواية ، ص : 75 .
ـ الرواية ، ص : 75 .
ـ الرواية ، ص : 71 .
ـ الرواية ، ص : 76.
ـ عبد القادر الشاوي ، النص العضوي " سلخ الجلد " نموذج دراسي ، دار النشر المغربية ، الدار البيضاء ، 1982 ، ص : 3.
ـ الرواية ، ص : 92 .
ـ الرواية ، ص : 73 و 74.
ـ الرواية ، ص : 95.
ـ الرواية ، ص : 5.
ـ الرواية ، ص : 102 و 134 .
ـ Antonin Artaud ( 1896 ـ 1948 ) ، مؤلف ومخرج مسرحي. عرض أفكاره الدرامية في مجموعة من المقالات جمعت في كتاب تحت عنوان : " Le théatre et son double " ، وقد ترجمته إلى العربية الدكتورة سامية أحمد بعنوان " المسرح وقرينه " ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1973 .
ـ انظر: الرواية ، ص : 134 .
د. عبدالجبار العلمي