أيمن دراوشة - قراءة نقدية فنية اجتماعية في قصيدة الشاعر أنوار أومليلي "هيفاء" شجن رومنسي متعدد الوجوه

قراءة نقدية فنية اجتماعية في قصيدة الشاعر أنوار أومليلي " هيفاء " شجن رومنسي متعدد الوجوه، وتجسيم طرائق مختلفة كتضخيم المعاناة العاطفية واستعذاب الألم. بقلم / أيمن دراوشة.


من بداية القصيدة الملحمة حتى آخرها تتبادل المواقع الدلالية وقرارات الإيقاع لتلك الموجات اللغوية التي تقاربت وتباعدت وتشابكت وتفارقت ، فكان التناسخ دلالات أخرى تتوالد واحدة تلو الأخرى ..
يا مَنْ بِعَيْنَيْهَا أَسِيـــحُ وَأَرْغَبُ
وَلِحُسْنِهَـــــا وَدَلَالِهَــــا أَتَعَجَّبُ
كُلُّ النِّسَـاءِ خَرَائِــــــطٌ وَقَبَائِلٌ
إِلَّاكِ يَا هَيْفَاءُ وَحْـــــدَكِ كَوْكَبُ
لا أستطيع القبض على كل شيء فيضيع كل شيء ، الصورة وحدها تكفي فهي تعتمد على تكثيف يستقطر في بيت واحد ما تقوم به تفضيلات كثيرة ... كما في البيتين:
أَسْقَيْتنِي خَمْــــرَ الْغَـرَامِ مُعَتَّقًا
فَثَمِلْتُ سُكْرًا أَيْـنَ مِنْهُ الْمَهْرَبُ
يَا حُبُّ عَذَّبْـــــتَ الْفُؤَادَ صَبَابَةً
قُلْ لِـي لِمَاذَا أَنْـــــتَ لَا تَتَعَذَّبُ
كما أن للصورة عند شاعرنا تعبير عما لا يمكن للكلمات التعبير عنه فهو جوهر القصيدة وعماده بعبورها برزخ التفارق وعبورها من منطق إلى منطق ، فيتوحد الغائب بالحاضر والحلم بالواقع ...
رِفْقًا عَلَى قَلْبِــــي فَصَبْرُهُ نَافِدٌ
وَالصَّبْرُ يَا هَيْفَاءُ دَرْبُــهُ غَيْهَبُ
هَلْ تَعْلَمِيـــنَ بِأَنَّنِـــــي مُتَوَرِّطٌ
بِهَوَاكِ حَتَّى ذُقْـــتُ مَا أَتَجَنَّبُ
مَاذَا فَعَلْـتِ بِفَلْذَتِـــــي فَأَنَا هُنَا
وَسْطَ الظَّلَامِ بِلَا صَوَابٍ أَكْتُبُ
وواضح تلك الجسارة التصويرية التي يستحيل القبض على تخومها الممتدة أو خيوطها المتداغمة فلذات متداخلة في أدائها التصويري وهي تفترس بجبروت ذهني الساحة اللغوية للأداء كله ...
وتلك الأنساق التشكيلية تتجاوز في كبرياء النمطيات المعروفة وتتعدى باقتدار أي أداء بياني متوارث ... صياغة عبقرية وتناسق تصويري يتوالى ويتنامى ويتوافق ويترافق ويتواءم ويتناغم وفيما بعد ذلك كله تتقطر عبقرية الأداء لتسكب في قطرها المتصل تقابلات وترادفات متناغمة... إن البيتين الأول وهو الدخول المعجز والبيت الثاني يتدفقان في مراوحة تنفث مؤتلفات تتفرد لتتجمع وينزفان مختلفان تتباعد لتتوحد... وتتشكل أنسوجات تتناسق في طرزها اللغوية جديلة ذات بهاء وجمال وجلال
وتنفرد المحبوبة لتكون الرمز والمعادل الموضوعي للعالم والمثال ، وتتحول إلى تجسيد حيوي لحياة تخلو من درن الحياة ، ووجود يصفو من كدر الوجود.
رِفْقًا عَلَى قَلْبِــــي فَصَبْرُهُ نَافِدٌ
وَالصَّبْرُ يَا هَيْفَاءُ دَرْبُــهُ غَيْهَبُ
هَلْ تَعْلَمِيـــنَ بِأَنَّنِـــــي مُتَوَرِّطٌ
بِهَوَاكِ حَتَّى ذُقْـــتُ مَا أَتَجَنَّبُ
مَاذَا فَعَلْـتِ بِفَلْذَتِـــــي فَأَنَا هُنَا
وَسْطَ الظَّلَامِ بِلَا صَوَابٍ أَكْتُبُ
بِاللهِ لَا تَتَجَاهِلِـي صَوْتَ الْهَوَى
إِنَّ الْفُؤَادَ لَـــــهُ لِسَـــــانٌ طَيِّبُ
ومن خلال الرجاء والطلب بجمالهما وجلالهما ، ومن خلال الوجود بصفائه ونقائه يدنو الشاعر من النجاة من وجود مستلب وقلب محطم ، والأمان من حياة مضطربة ، فبقبس الشاعر من نور ظلام المحبوبة ما يضيء ظلام هذا الكون.
حديث الشاعر هو حديث وجود مفارق للوجود بل هو الحديث عن شجن أعظم ، وحزن أعمق ، وضيق ضائق بكل شيء.

القصيدة:

هيفاء
شعر – أنوار أومليلي

يَا مَنْ بِعَيْنَيْهَا أَسِيـــحُ وَأَرْغَبُ
وَلِحُسْنِهَـــــا وَدَلَالِهَــــا أَتَعَجَّبُ
كُلُّ النِّسَـاءِ خَرَائِــــــطٌ وَقَبَائِلٌ
إِلَّاكِ يَا هَيْفَاءُ وَحْـــــدَكِ كَوْكَبُ
الْبَدْرُ يَغْرُبُ مَا تَأَلَّقَ فِـي السَّمَا
لَكِنَّ طَيْفَــــكِ ثَابِـــتٌ لَا يَغْرُبُ
وَالْقَلْبُ ذَا غِمْدٌ وَحُبُّـــكِ سَيْفُهُ
يَا سَيْفُ لُطْفًا إِنَّ غِمْدَكَ مُتْعَبُ
يَا مَنْ لَهَا قَــــــدٌّ كَقَــــــدِّ غَزَالَةٍ
وَلَهَــــا رِدَاءٌ بِالْجُمَـــــانِ مُرَتَّبُ
أَسْقَيْتنِي خَمْــــرَ الْغَـرَامِ مُعَتَّقًا
فَثَمِلْتُ سُكْرًا أَيْـنَ مِنْهُ الْمَهْرَبُ
يَا حُبُّ عَذَّبْـــــتَ الْفُؤَادَ صَبَابَةً
قُلْ لِـي لِمَاذَا أَنْـــــتَ لَا تَتَعَذَّبُ
أُنْظُرْ إِلَى جِسْمِــــي تَفَتَّتَ كُلَّمَا
أَضْنَيْتَـــــهُ دَاءً كَأَنَّـــــكَ عَقْرَبُ
ضَيَّعْتَنِــــي وَأَنَا صَغِيـــــرٌ يَافِعٌ
وَأَنَا حَسِبْتُـكَ يَوْمَهَـــــا تَتَعَتَّبُ
حَتَّامَ يَحْمِلُنِــــي الْحَنِيـنُ بِكَفِّهِ
غَصْبًا إِلَــى عَهْــــدٍ بِــــهِ أَتَلَهَّبُ
هَيْفَاءُ حُبُّـــــكِ قَاتِـــلٌ مُتَسَلِّطٌ
يُفْنِي وَلَا يُفْنَى يَغُـــــرُّ وَيَذْهَبُ
رِفْقًا عَلَى قَلْبِــــي فَصَبْرُهُ نَافِدٌ
وَالصَّبْرُ يَا هَيْفَاءُ دَرْبُــهُ غَيْهَبُ
هَلْ تَعْلَمِيـــنَ بِأَنَّنِـــــي مُتَوَرِّطٌ
بِهَوَاكِ حَتَّى ذُقْـــتُ مَا أَتَجَنَّبُ
مَاذَا فَعَلْـتِ بِفَلْذَتِـــــي فَأَنَا هُنَا
وَسْطَ الظَّلَامِ بِلَا صَوَابٍ أَكْتُبُ
بِاللهِ لَا تَتَجَاهِلِـي صَوْتَ الْهَوَى
إِنَّ الْفُؤَادَ لَـــــهُ لِسَـــــانٌ طَيِّبُ
مَاذَا عَلَيْــــكِ إِذَا أَتَيْـــتِ لِمَــرَّةٍ
كَغَمَامَــــــةٍ مِهْطَالَــــــــةٍ تَتَقَرَّبُ
وَخَمَـــدْتِ نَارًا حَرُّهَــا مُتَشَبِّثٌ
بَيْنَ الْحَيَازِمِ وَالْمَدَامِـــعُ تُسْكَبُ
مَاذَا إِذَا أَشْرَقْــتِ وَجْهًـا شَاحِبًا
إِنَّ الْهَمَاهِـــــمَ ضِيقُهَـــا يَتَغَلَّبُ
إِنِّي أَرَى الْأَشْجَــــارَ تُورِقُ كُلَّهَا
فَمَتَى سَيُورِقُ حُلْمُنَا الْمُتَشَعِّبُ
يَا عَنْدَلِيبَ الْحُـبِّ جِئْتُكَ مُتْعَبًا
وَلَقَدْ قَصَدْتُّكَ هَلْ تُطِيعُ وَأَطْلُبُ
لِي فِي(الْحُسَيْمَةِ) غَادَةٌ بَلِّغْ لَهَا
فِي السِّرِ حُبِّـــي عَلَّهَا لَا تَغْضَبُ
تُدْعَى بِهَيْفَــاءٍ وَمَشْغُــــوفٌ بِهَا
حُبِّــــي لَهَا مُتَدَفِّــــقٌ لَا يَنْضُبُ
فُسْتَانُهَا مِــنْ سُنْــــدُسٍ وَزُمُرُّدٍ
وَجَمَالُهَا هَـــذْبٌ لَذِيـــــذٌ أَعْذَبُ
يَامَا عَشِقْنَــــا وَانْتَشَيْنَــــا قُبْلَةً
يَامَا سَهِرْنَا اللَّيْلَ نَضْحَكُ نَلْعَبُ
يَا مَا بَكَيْنَــا وَالْحَيَــــاةُ كَئِيبَةٌ
وَكَذَلِــــكَ الْأَيَّـــــــامُ إِذْ تَتَقَلَّبُ
إِنَّ السَّعَادَةَ لَا يَــــــدُومُ دَوَامُهَا
فَبِإِذْنِ مَوْلَاهَا تَجِيـــئُ وَتَذْهَبُ
هَيْفــــاءُ إِنَّ الْبُعْــــدَ آهٍ حَنْظَــلٌ
حَتَّامَ مِنْهُ الْقَلْــبُ كُرْهًا يَشْرُبُ
الصَّدْرُ يَا هَيْفَاءُ شُبَّــاكُ الْأَسَى
وَالْقَلْبُ بَحْرٌ وَالصَّبَابَـةُ مَرْكَبُ
يَا لَيْتَ قَلْبَكِ بِالْمَوَاجِـــعِ عَالِمٌ
أَوْ لَيْتَ قَلْبَكِ يُبْتَلَــى وَيُجَرِّبُ
اللهُ يَعْلَمُ كَــــــمْ أُحِبُّــكِ نَشْوَةً
وَاللهُ يَعْلَـــمُ أَنَّنِــــــي لَا أَكْذِبُ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى