سامى يوسف غبريال - البحث عن زوربا..

ملايين الأشياء تتكون عند الخاطر ثم تثب قافزة وأنا في المنعطف التاسع بعد المائة مصاب بزكام حاد يقف ككابح بيني وبين إنتعاش الذاكرة ، خرجت من غرفة العمليات بطاردني شبح أبي صرخاته المتألمة ـ خيوط الدم واللفافات والأشرطة البيضاء ، القطن المغمس في اللون الأحمر ، عملية إخراج بياض من العين وأبي يصرخ ويدفعني صراخه المتزق للخروج وأنا في المنعطف الثامن بعد المائة أبحث عن زوربا .. أبحث عن رقصة علي قبر أبي . أريد أنتزاع الصديد المثخن ألما من داخلي .. أريد أن أبتسم في وجه المأساة .
للحظة يثب هاجس ملحاح يرغمني علي الإنحناء أمام بريق العهد التالف . علي جذع شجرة قديمة أتكيء وينبعث من صدري ثغاء مهمل .. محاولة للغناء والهاجس يطفر كالنجوي .. قلبت مساء أمس الصحف القديمة ، كل ما يتلكأ علي أطراف الغبار والشعيرات الدقيقة وعلي ضوءأشعة بنفسجية خالصة الصفاء .. عثرت علي الخبر التالي ( إكتشف مخبرنا أن زينب عطا قد وجدت متلبسة بالخيانة الزوجية في .. ) والآن وأنا أعيد النظر في الكلمات المنتحرة علي ضفاف اللعنة .. أعرف جيدا أن زينب عطا هي أمي .. أعرف جيدا أن الخبر أصبح مؤكدا ، فكلمات الجيران تتسلل إلي طبلة أذني ـ والشك يضرسني ويجعلني قطاعات وشرائح من اللظي المتجمد ، أنا إبن من .؟ لابد أن أمي ذهبت مع رجل آخر .. إبنها إذا من نسل رجل آخر .
أبي ليس أبي .. وأنا لست أنا .. في المنعطف السابع بعد المائة أنفذ إلي كنيسة مهجورة لكن زوربا لن يكون داخلها ، أصغي إلي تراتيل حزينة وألحان شجية ترغمني علي أن أبلل الدمعات بطرف منديلي الأخضر اللون .. أنا في حاجة اليك يا زوربا .. في حاجة إلي سناتورك الميلودي الرنين .. في حاجة إلي صحوك وإنفجارك بالضحك .. ليتني أملك صبرك وصمودك أمام الأشياء من لي بك ؟ أين أعثر عليك ؟ ملايين الأشياء تتكون عند الخاطر تمسخ عجلة التكوين ، تزيدها رتابة .. تجعلني أبحث عن ذاتي الهاربة في ظلال المجهول ، نعم سكرت ذات ليلة مع رجل يدعي (.. ) لعب الوسكي برأسي في صبيحة اليوم التالي قلت له بعد أن طلب مني الذهاب هل تظنني أريد إغتصاب زوجتك ؟ نعم سكرت مع رجل تركني علي قارعة الطريق وهرب لعربته الكاديلاك . عبثا يبحث عني هذا الرجل فإسمي ليس موجودا بدليل التلفونات ولا في دفاتر البوليس وعبثا أحاول العثور عليك يا زوربا .. وسط تجمعات البشر قرب قبة الشيخ حمد النيل .. كانت ضربات الذكر والدوران المجنون وسط الساحة .. زرت الضريح فتمني لي حارس الضريح أن أجد بنت الحلال .
وأنا بالفعل وجدتها حبيبتي ، أعمل هذه الأيام جاهدا علي أن أدرك أدق تفاصيل حياتها الشخصية ، أريد أن تكون صديقتي أخبرها بأن الإشتهاء وارد في محيطاتي وتخبرني بأنها تشتهيني ، هل ترينني أوسم بنظارة أم بدون نظارة ؟ فقالت بدون نظارة .. كان ردي أنا أظن نفسي وسيما بنظارة لأنني لا أستطيع ساعتها رؤيتك جيدا ، وأنا في المنعطف السادس بعد المائة كنت أغني :
عينا حبيبتي زهرتا غردينيا وفراولة .. وكنت أقول أن الجنس عندي ليس راقصة ستربيتيز تتعري أمام رواد ظلمة مقهي ما في حواري سوهو .. الجنس عندي يعادل نفح الحياء وكنت أسأل نفسي لماذا لا تعرض في بلادي أفلام كإنفجار روما فلليني وآخر رقصة تانجو في باريس؟ وأنا في المنعطف الخامس بعد المائة كنت أعبر العشش ثم القماير ثم الكرتون ثم زقلونا .. كنت أنقب عن زوربا ملجأي ومنفاي مهدي ولحدي ـ وانا في المنعطف الرابع بعد المائة كنت ألهث .. نافورات من العرق تفصد وجهي وأود أن أرحل عند المنعطف الثالث بعد المائة إلي أثينا إلي جبال ( الأناضول ) إلي إسبانيا إلي جبال البلغان أن أنتشر في كل المساحات . في كل القباب والمآذن والواح الصلب وشلالات الغضب .. في المادة التي لا تفني وفي الفناء الذي لا يستحدث . وعند المنعطف الثاني بعد المائة تحاصرني كلمات العسس الليلي رجال الدرك المتجهمي الوجوه ، إنهم يضربوني بقسوة لأنني إخترقت إستيديو التلفاز حيث الصورة المرئية وأنا أدخن سيجارة .. لكماتهم تزيد ألم الشك والحريق المتلبد كالسحي الراحلة .. عند المنعطف الأول بعد المائة كنت أبحث عنه في كل الزوايا والمنحنيات عند الصفر .. سأبحث عنك يا زوربا هذه المرة داخل نفسي
أعلى