أقام أبو العلاء المعري في بيته لا يفارقه، مدة تسع وأربعين سنة!
نعم، نصف قرن من الزمان، قضاه شيخ المعرة الضرير حبيسَ بيته، بمعرة النعمان، بمحض إرادته، فلم يخرج منه سوى مرة واحدة، لسبب طارئ. إذ وقعت (أحداثُ شغب) بالمعرة ، بعد أن جاءت امرأة إلى المسجد وهي تصرخ وتستغيث، زاعمة أن صاحب الماخور قد اغتصبها، فخرج الناسُ من المسجد وذهبوا إلى الماخور وهدموه ونهبوا ما فيه، وسمعَ أسدُ الدولة -صالح بن مرداس- بذلك، فجاء من صيدا وحاصرَ معرة النعمان ورماها بالمنجنيق، واعتقل من أعيانها سبعين رجلا، فلما رأى أهل المعرة هولَ ما حدث، وأدركوا هولَ ما سيحدث، سعوا إلى أبي العلاء، المعتكف في بيته، وسألوه أن يَخرج اإلى أسد الدولة وأن يشفع لهم عنده!
ولم يتردد الشيخ الضرير في الخروج إلى أسد الدولة، لعله بذلك يدفع البلاء عن معرة النعمان. وكان ذلك الطاغية يعرف جيدا قدر أبي العلاء، فلما سمعَ من بعض جنده أن باب المعرة قد فُتح، وأنه قد خَرج منه رجل يُقاد كأنه أعمى، عَرفَ من فوره أنه أبو العلاء، فأمرَ باستقباله، وقبلَ شفاعتَه ورحل فورا عن المعرة، وعاد أبو العلاء إلى سجنه الاختياري!
وقد خلد شاعرنا الفيلسوف هذا الحدث بقصيدة دالية جميلة، يقول فيها:
تَغَيَّبْتُ في منزلي بُرْهَةً ۞ سَتِيرَ العيوب فقيدَ الحسدْ
فلمّا مضى العمْرُ إلا الأقَلّ ۞ وحُمَّ لروحي فراقُ الجسدْ
بُعثْتُ شفيعاً إلى صالح ۞ وذاك منَ القوم رأيٌ فَسَدْ
فيَسْمع منّيَ سَجْعَ الحَمام ۞ وأسمعُ منه زئيرَ الأسَدْ
وما أعجبه من لقاء بين شاعر مسالم، يتحدث بصوت رقيق، كأنه سجع الحمام، وطاغية دموي يزأر كأنه أسد!
وقد أشار المعري في قصيدته هذه إلى إحساسه بدنو أجله (وحُمَّ لروحي فراقُ الجسد) لكنه عاش عشرين سنة أخرى بعد ذلك التاريخ، قضاها كلها في بيته لايغادره، إلى أن أدركته الوفاة وهو في الثالثة والثمانين من العمر!
نعم، نصف قرن من الزمان، قضاه شيخ المعرة الضرير حبيسَ بيته، بمعرة النعمان، بمحض إرادته، فلم يخرج منه سوى مرة واحدة، لسبب طارئ. إذ وقعت (أحداثُ شغب) بالمعرة ، بعد أن جاءت امرأة إلى المسجد وهي تصرخ وتستغيث، زاعمة أن صاحب الماخور قد اغتصبها، فخرج الناسُ من المسجد وذهبوا إلى الماخور وهدموه ونهبوا ما فيه، وسمعَ أسدُ الدولة -صالح بن مرداس- بذلك، فجاء من صيدا وحاصرَ معرة النعمان ورماها بالمنجنيق، واعتقل من أعيانها سبعين رجلا، فلما رأى أهل المعرة هولَ ما حدث، وأدركوا هولَ ما سيحدث، سعوا إلى أبي العلاء، المعتكف في بيته، وسألوه أن يَخرج اإلى أسد الدولة وأن يشفع لهم عنده!
ولم يتردد الشيخ الضرير في الخروج إلى أسد الدولة، لعله بذلك يدفع البلاء عن معرة النعمان. وكان ذلك الطاغية يعرف جيدا قدر أبي العلاء، فلما سمعَ من بعض جنده أن باب المعرة قد فُتح، وأنه قد خَرج منه رجل يُقاد كأنه أعمى، عَرفَ من فوره أنه أبو العلاء، فأمرَ باستقباله، وقبلَ شفاعتَه ورحل فورا عن المعرة، وعاد أبو العلاء إلى سجنه الاختياري!
وقد خلد شاعرنا الفيلسوف هذا الحدث بقصيدة دالية جميلة، يقول فيها:
تَغَيَّبْتُ في منزلي بُرْهَةً ۞ سَتِيرَ العيوب فقيدَ الحسدْ
فلمّا مضى العمْرُ إلا الأقَلّ ۞ وحُمَّ لروحي فراقُ الجسدْ
بُعثْتُ شفيعاً إلى صالح ۞ وذاك منَ القوم رأيٌ فَسَدْ
فيَسْمع منّيَ سَجْعَ الحَمام ۞ وأسمعُ منه زئيرَ الأسَدْ
وما أعجبه من لقاء بين شاعر مسالم، يتحدث بصوت رقيق، كأنه سجع الحمام، وطاغية دموي يزأر كأنه أسد!
وقد أشار المعري في قصيدته هذه إلى إحساسه بدنو أجله (وحُمَّ لروحي فراقُ الجسد) لكنه عاش عشرين سنة أخرى بعد ذلك التاريخ، قضاها كلها في بيته لايغادره، إلى أن أدركته الوفاة وهو في الثالثة والثمانين من العمر!