عيدروس الدياني، القادم من عمق تراب شبوة وطينتها الخصبة الواعدة بالعطاء، واحد من شباب كتاب الجيل الإبداعي الذي ولد في محنة الحرب وعذاباتها، ويشق طريقه بقوة وثبات على الرغم من الصعوبات والإحباطات في ظل الأجواء غير الطبيعية التي أفرزتها الحرب، والتي لم تتح للكتابات الجديدة أن تأخذ مكانها الطبيعي في الانتشار، وفي خارطة المشهد القصصي المحلي، لأن الجميع إمّا في حالة ذهول أو ترقب، وإمّا في انشغال بأصوات الحرب وفجائعيتها. هو من جيل يعاني من فائض في مقدار الحساسية، والاتصال مكرهاً بألم الواقع السيزيفي الذي يعيد الكتابة القصصية إلى مربع الاهتمام بالقضايا الكبرى، بقوانينها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولكنه في الوقت نفسه يعيد بناء تشظيات المشهد سردياً، ولا تنقصه الجرأة في التناول والتعبير عن مختلف زوايا ألم الحاضر، وإعادة تسريد تفاصيله بوعي تام بوظيفة القص واشتراطاته وتقنياته.
إحدى عشرة قصة قصيرة تشكل مجموعته الأولى التي بين يدي مخطوطها، وتحمل عنوان «انتقام صغير»، في انتظار أن تفلت من قبضة الحصار وتعبر بسلام إلى القارئ، تحلم أن تجد طريقها إلى النشر مجتمعة، بعدما نُشرت في بعض الصحف والمجلات زرافات ووحدانا، ولفتت الأنظار إلى عيدروس بوصفه كاتباً يحاول التفرد والتمرد في الكتابة القصصية أسوة بمحاولات جيله المتمردة، لكن تمرد عيدروس القاص كان من دون الإخلال بقوانين الكتابة وعناصر الفن القصصي، وقد حصد بعض الجوائز المحلية والعربية في بعض المسابقات الخاصة بكتابات الشباب.
في مجموعته هذه شخصيات من شباب وأطفال وكهول يمثلون أصواتا سردية متعددة، أبطال رواة ومرويين، في موضوعات تدور حول محنة الموت والحرب والإرهاب، تنتظم حكايا هذه المجموعة في إنتاج رؤية مأساوية للعالم، وهل يمكن أن تكون قاصاً حالماً في وسط هذا العالم المجنون، الذي انخرط فيه الجميع في صور متعددة من ممارسة لعبة الموت وتدمير الحياة؟
تستهل المجموعة بقصة «عقل متسخ»، التي تجري في أجواء غرائبية ومشاهد سوريالية، يحكي فيها شاب صغير يعاني من اضطراب وهلوسات ذهنية، فيظن أنه بحاجة للبحث عمّا يعيد إليه نقاوة عقله وتوازنه، وفي أثناء هذا البحث يقع ضحية استقطاب مجموعة إرهابية دينية تحاول تجنيده لتنفيذ عملية إرهابية، لكن المفارقة أن رحلته في وسط هذه الجماعة تسفر عن تطور وعيه بالأشياء من حوله، ويستعيد وعيه بالعودة إلى حبيبته التي هجرها، فينجو بالحب الذي يستعيده إلى حياته الطبيعية الأولى، وهي قصة حافلة بالترميز. وفي قصة «آخر مظاهر الدولة» التي تأتي في ذيل المجموعة، يعيد تناول موضوع الإرهاب الذي أنتجته أوضاع الحرب، ولكن من زاوية أخرى، حين تقدم مجموعة إرهابية مليشاوية على تدمير مركز شرطة مهجور يقع في قرية نائية، ليس فيه غير حارسه الكهل «مساعد» الذي يعيش في ذكريات الحنين إلى ماضي قوة الدولة، التي تحولت إلى مجرد رمز في مبنى متهالك وعلم فوق سارية، تحولت إلى حالة من الهشاشة: «دولة ضعيفة ضاعت في ليلية مقمرة»، وحين يخوض «مساعد» بطولة فردية في قتال الإرهابيين، يجد نفسه في الصباح يستمع إلى بيانات قادة زائفين يسرقون منه انتصاره، وهنا تصبح القرية معادلاً لأوضاع اليمن التي اجتاحتها الجماعة «الحوثية». وتبلغ لعبة التشفير التي انتهجها عيدروس الدياني مداها في قصة «حصاد الأرواح» حيث القرية مستسلمة لفكرة الموت عند بلوغ جميع سكانها سن الأربعين، يأتي الكاهن الذي يتحكم بأرواحهم وعقولهم، وينجح في إقناعهم أن عمر الإنسان لا يزيد عن أربعين سنة فقط، وإذا زاد فإنه إنما يسرق من أعمار الآخرين، وتكون مهمة هذا الكاهن أن ينصب مشنقته على جذع شجرة متى ما بلغ أحدهم سن الموت، يصبح الموت قدراً حتمياً لا ينجو منه أحد مهما حاول الهرب.
الحرب ومشاهد الموت تحضران في قصتين: «حلم العودة» التي تتحدث عن الشباب اليائس ممن يذهبون إلى الحرب تدفعهم أوضاعهم المعيشية وفقرهم، لكنهم يكتشفون أنها أشد بشاعة من يأسهم وإحباطاتهم السابقة، ويحلمون بالعودة إلى السلام؛ أما «دموع رجل» فهي تصف أثر الحرب على أهالي المقاتلين، مشاهد الجنائز التي لا تكف عن الوصول إلى القرية، وحالات اليتم والفقر التي يعيشها أولاد المقاتلين، ودموع الرجال هي الدموع التي لا يستطيع الأطفال أن يحبسوها على جنائز آبائهم، تصف هذه القصة العمق المأساوي للحرب التي تنتهك عالم الكبار والأطفال معاً.
وما يميز قصص عيدروس الدياني، أنه يطلُّ على عالمه المشحون بالعنف والغرابة والألم من خلال أعين شباب صغار أو أطفال، في لحظة اكتشافهم للحياة خارج عالم الطفولة؛ في قصة «الوشم»، يهدد الموت الأبرياء بسبب عادة الثأر، يتعرض شاب صغير لطلقات في بطنه بسبب الاشتباه، ولم ينقذه من استمرار تسديد الطلقات غير الوشم المرسوم على خده، والذي كان يثير انزعاجه، فكان سبباً في نجاته من القتل. وفي قصة «انتقام صغير» التي تحمل المجموعة اسمها، يتحول الطفل نفسه إلى منتقم، يستمتع بقتل دجاجات الجيران انتقاماً لكلبه الذي قتله الجيران لأنه كان يلتهم دجاجاتهم، وعلى الرغم من البعد الإنساني العاطفي في العلاقة بالحيوان، فالمفارقة تكمن بين شفقة الطفل على كلبه المفترس، واستمتاعه بقتل حيوانات أخرى مسالمة، تصبح أحداث القصة كاشفة عن فكرة التحول من عالم الطفولة البريئة إلى الانخراط في عالم الكبار وقوانينهم غير البريئة. الطفل في قصة «قات» يصل إلى لحظة مكاشفة في مواجهة أبيه الغارق في إدمان تعاطي القات، ويغدو الطفل الصغير منقذاً للأب من دائرة العنف، تفرض على الطفل متطلبات الحياة الاجتماعية نضجاً مفارقاً ينتزعه من عالم الصغار إلى عالم الكبار ومشكلاتهم الاجتماعية. أما بقية قصص المجموعة «الروح الصامتة» و«في حضرة الموت» و«انكسار» و«انتظار» فتشكل تنويعاً سردياً في تفاصيل المشاهد الاجتماعية التي يسودها العنف والخداع والنفاق، وقد ظل عالم القرية الحافل بالأجواء والتيمات الخاصة حاضر بقوة في قصص المجموعة.
يستخدم عيدروس الدياني العديد من التقنيات والتنويعات على مستوى الشخصيات، وضمائر السرد الثلاثة، المتكلم، والغائب، والمخاطب، في لغة سردية تعمد إلى التشويق، وصناعة المفارقات؛ المفارقة اللفظية التي تمارس السخرية والاحتجاج، والمفارقة الدرامية التي تكرس التناقض والصراع، بالإضافة إلى عناية الخاصة بالنهايات القصصية ذات الجمل المشحونة بالدلالة والتكثيف والإدهاش التي تشبه نهايات القصص القصيرة جداً.
إحدى عشرة قصة قصيرة تشكل مجموعته الأولى التي بين يدي مخطوطها، وتحمل عنوان «انتقام صغير»، في انتظار أن تفلت من قبضة الحصار وتعبر بسلام إلى القارئ، تحلم أن تجد طريقها إلى النشر مجتمعة، بعدما نُشرت في بعض الصحف والمجلات زرافات ووحدانا، ولفتت الأنظار إلى عيدروس بوصفه كاتباً يحاول التفرد والتمرد في الكتابة القصصية أسوة بمحاولات جيله المتمردة، لكن تمرد عيدروس القاص كان من دون الإخلال بقوانين الكتابة وعناصر الفن القصصي، وقد حصد بعض الجوائز المحلية والعربية في بعض المسابقات الخاصة بكتابات الشباب.
في مجموعته هذه شخصيات من شباب وأطفال وكهول يمثلون أصواتا سردية متعددة، أبطال رواة ومرويين، في موضوعات تدور حول محنة الموت والحرب والإرهاب، تنتظم حكايا هذه المجموعة في إنتاج رؤية مأساوية للعالم، وهل يمكن أن تكون قاصاً حالماً في وسط هذا العالم المجنون، الذي انخرط فيه الجميع في صور متعددة من ممارسة لعبة الموت وتدمير الحياة؟
تستهل المجموعة بقصة «عقل متسخ»، التي تجري في أجواء غرائبية ومشاهد سوريالية، يحكي فيها شاب صغير يعاني من اضطراب وهلوسات ذهنية، فيظن أنه بحاجة للبحث عمّا يعيد إليه نقاوة عقله وتوازنه، وفي أثناء هذا البحث يقع ضحية استقطاب مجموعة إرهابية دينية تحاول تجنيده لتنفيذ عملية إرهابية، لكن المفارقة أن رحلته في وسط هذه الجماعة تسفر عن تطور وعيه بالأشياء من حوله، ويستعيد وعيه بالعودة إلى حبيبته التي هجرها، فينجو بالحب الذي يستعيده إلى حياته الطبيعية الأولى، وهي قصة حافلة بالترميز. وفي قصة «آخر مظاهر الدولة» التي تأتي في ذيل المجموعة، يعيد تناول موضوع الإرهاب الذي أنتجته أوضاع الحرب، ولكن من زاوية أخرى، حين تقدم مجموعة إرهابية مليشاوية على تدمير مركز شرطة مهجور يقع في قرية نائية، ليس فيه غير حارسه الكهل «مساعد» الذي يعيش في ذكريات الحنين إلى ماضي قوة الدولة، التي تحولت إلى مجرد رمز في مبنى متهالك وعلم فوق سارية، تحولت إلى حالة من الهشاشة: «دولة ضعيفة ضاعت في ليلية مقمرة»، وحين يخوض «مساعد» بطولة فردية في قتال الإرهابيين، يجد نفسه في الصباح يستمع إلى بيانات قادة زائفين يسرقون منه انتصاره، وهنا تصبح القرية معادلاً لأوضاع اليمن التي اجتاحتها الجماعة «الحوثية». وتبلغ لعبة التشفير التي انتهجها عيدروس الدياني مداها في قصة «حصاد الأرواح» حيث القرية مستسلمة لفكرة الموت عند بلوغ جميع سكانها سن الأربعين، يأتي الكاهن الذي يتحكم بأرواحهم وعقولهم، وينجح في إقناعهم أن عمر الإنسان لا يزيد عن أربعين سنة فقط، وإذا زاد فإنه إنما يسرق من أعمار الآخرين، وتكون مهمة هذا الكاهن أن ينصب مشنقته على جذع شجرة متى ما بلغ أحدهم سن الموت، يصبح الموت قدراً حتمياً لا ينجو منه أحد مهما حاول الهرب.
الحرب ومشاهد الموت تحضران في قصتين: «حلم العودة» التي تتحدث عن الشباب اليائس ممن يذهبون إلى الحرب تدفعهم أوضاعهم المعيشية وفقرهم، لكنهم يكتشفون أنها أشد بشاعة من يأسهم وإحباطاتهم السابقة، ويحلمون بالعودة إلى السلام؛ أما «دموع رجل» فهي تصف أثر الحرب على أهالي المقاتلين، مشاهد الجنائز التي لا تكف عن الوصول إلى القرية، وحالات اليتم والفقر التي يعيشها أولاد المقاتلين، ودموع الرجال هي الدموع التي لا يستطيع الأطفال أن يحبسوها على جنائز آبائهم، تصف هذه القصة العمق المأساوي للحرب التي تنتهك عالم الكبار والأطفال معاً.
وما يميز قصص عيدروس الدياني، أنه يطلُّ على عالمه المشحون بالعنف والغرابة والألم من خلال أعين شباب صغار أو أطفال، في لحظة اكتشافهم للحياة خارج عالم الطفولة؛ في قصة «الوشم»، يهدد الموت الأبرياء بسبب عادة الثأر، يتعرض شاب صغير لطلقات في بطنه بسبب الاشتباه، ولم ينقذه من استمرار تسديد الطلقات غير الوشم المرسوم على خده، والذي كان يثير انزعاجه، فكان سبباً في نجاته من القتل. وفي قصة «انتقام صغير» التي تحمل المجموعة اسمها، يتحول الطفل نفسه إلى منتقم، يستمتع بقتل دجاجات الجيران انتقاماً لكلبه الذي قتله الجيران لأنه كان يلتهم دجاجاتهم، وعلى الرغم من البعد الإنساني العاطفي في العلاقة بالحيوان، فالمفارقة تكمن بين شفقة الطفل على كلبه المفترس، واستمتاعه بقتل حيوانات أخرى مسالمة، تصبح أحداث القصة كاشفة عن فكرة التحول من عالم الطفولة البريئة إلى الانخراط في عالم الكبار وقوانينهم غير البريئة. الطفل في قصة «قات» يصل إلى لحظة مكاشفة في مواجهة أبيه الغارق في إدمان تعاطي القات، ويغدو الطفل الصغير منقذاً للأب من دائرة العنف، تفرض على الطفل متطلبات الحياة الاجتماعية نضجاً مفارقاً ينتزعه من عالم الصغار إلى عالم الكبار ومشكلاتهم الاجتماعية. أما بقية قصص المجموعة «الروح الصامتة» و«في حضرة الموت» و«انكسار» و«انتظار» فتشكل تنويعاً سردياً في تفاصيل المشاهد الاجتماعية التي يسودها العنف والخداع والنفاق، وقد ظل عالم القرية الحافل بالأجواء والتيمات الخاصة حاضر بقوة في قصص المجموعة.
يستخدم عيدروس الدياني العديد من التقنيات والتنويعات على مستوى الشخصيات، وضمائر السرد الثلاثة، المتكلم، والغائب، والمخاطب، في لغة سردية تعمد إلى التشويق، وصناعة المفارقات؛ المفارقة اللفظية التي تمارس السخرية والاحتجاج، والمفارقة الدرامية التي تكرس التناقض والصراع، بالإضافة إلى عناية الخاصة بالنهايات القصصية ذات الجمل المشحونة بالدلالة والتكثيف والإدهاش التي تشبه نهايات القصص القصيرة جداً.