صحَ صاحِبي وقد إنْتَابَتْهُ حالَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَة:
يالها مِنْ شمس رائعة ! ..إنَّها مَزْهُوَّةٌ بإلْتِماعَها الذي لا تَقْوَى العيونُ على التَّحْدِيقِ فيه . أَلَسْتَ معي؟!.
وسكتَ لحظة ثم أضاف:
كان القدماءُ على حقٍ عندما عَبَدُوها.
فقلتُ حانقاً :
الإعجابُ لا ينقلُ المَرْءَ إلى الكُفْر.
قال صاحِبي وقد إستعاد صَوابَه:
لستُ كافِراً ..وفي النهاية هو مَحْضُ تعبير.
قلتُ:
دَعْنَا مِنْ ذلكَ كُلِّه! لقد جِئتَ بناءً على دعوتي في الوقتِ الذي رَجَوْتُكَ أنْ تأتي فيه . وأشكُرُكَ لأنَّكَ أَتَيْتَ في الفترةِ التي إقْتَرَحْتُها عليكَ في هذا المساء الجميل بِطَقْسِهِ المُعْتَدِلِ حَيْثُ لا غَيْمَ طبعاً، والأروع مِنْ ذلك، حَيْثُ لا سَحابَ على الإطلاق..
فَقَاطَعَنِي قائلاً:
إنِّي أَكْرَهُ السَّحابَ أَيّاً كان نَوْعُه، حتى السَّحاب الأبيض الخالي بطبيعةِ الحال مِنَ المَطَرِ والبَرْق.
ولهذا فقد أَثَارَ جَوُّ اليَوْمِ في نَفْسِي بَهْجَةً عارمةً وأنا أَرَى الشَّمسَ تَنْزَلِقُ نحو الغَربِ قَبْلَ إحْمِرَارِها وليس حولها أيّ نُتَفٍ مِنَ السَّحابِ الأبيض.
فقلتُ:
نعم إنَّه جَوٌّ صَافٍ!
ثم تَغَيَّرَ صوتي وأنا أُواصِلُ كلامي لصاحبي :
هذا اللقاءُ هو الثالث مُنْذُ حديثي عن سُوْمِر.ولا بُدَّ أنَّك لم تَنْسَ أنَّ دَعْوَتِي لَكَ للحضور في المساء كانت بسبب أنَّ حديثي سيكون قصيراً.
قال صاحِبي وهو يَهْرُشُ رَأْسَه:
لكنَّك يا أستاذ أثَرْتَ الإحتفاظ بموضوع الحديث نَفْسِه في طَيِّ الكِتْمان.
فقلتُ له :
لا .. ليس بغرضِ الكِتْمانِ والإخفاءِ والتشويقِ، بل هو نِسْيان فقط. وأُعْذُرْنِي لأَنِّي سَهَوْتُ عن إخْبارِكَ بموضوع الحديثِ القصيرِ وهو عن مُدَوَّناتِ ما قَبْلَ التَّارِيخ.
قال صاحِبي:
قَبْلَ هبوطِ الليل يُسْتَحْسَن أنْ نَبْدَأَ الحديث عَنْ ذلك.
قلتُ :
أَيّ شَرابٍ تَرْغَب؟
فقال :
المُهِم أنْ يَكُونَ مُثَلَّجاً ..أمّا نوع الشَّراب فإخْتَرْهُ.
وبعد قليلٍ كانت أكوابُ عَصِيرِ الخُّوخ المُثَلَّجَةِ أمامنا .. والشَّمْسُ عَبْرَ النافذة لا تزال ساطعة . وشرعت أقول :
عَرَفَ الإنسان الكُتُبَ في زمانٍ بعيد.
ليس الكُتُبُ الحَجَرِيَّةِ فقط، إنَّما عَرِفَ أيضاً الكُتُبَ بالمعنى الدقيقِ لهذه الكلمةِ .وكان ذلك في دُهُورِ الفراعنةِ الطويلة حَيْثُ ظَهَرَتْ الكُتُبُ على ورقِ البَرْدِى دون أنْ تكونَ مَطْوِيَّةً إسطوانياً كالأَبْطَة بل في شكلِ كُتُبٍ تُضارِعُ ما نَعْرِفه في عَصْرِنا الحديث .وبالطبع لم تكنْ المطبعةُ قد ظَهرت أو إخْتُرِعَت لَكِنَّ تلك الكتب القديمة في عصور الفراعنةِ كانت مَنْسُوخَة يَدَوِيّاً وذات أَغْلِفَة وبعضُها مُجَلَّد تَجْلِيدَاً فاخِرَاً تُباعُ وتُشْتَرَى في أسواقٍ مُحَدَّدَة، وهي أنواع يُمْكِنُ تَقْسِيمَها إلى نوعين أَسَاسِيَّين هما المُقَدَس وغَيْرِ المُقَدَس مِثْل ” كتاب المَوْتَى” المُقَدَّس ونَظِيرُه “نُصوص الأهرام” في شكلِ مختاراتٍ مَنْسُوْخَة للقراء في الأسواق العامة المحددة، ثم غير المقدس وهي كتب لمفكرين وأُدباء وعُلماء وكَهَنَة ومهندسين مِنْ الذين دَوَّنوا جُهُودَهُم الأدبيَّة والفكريَّة أمثال “بَتّاح حُوْتِيبْ ” وغَيْرِه . وبوسعي القول إنَّ الحضارةَ السائدةَ في مصر في ذلك الحين هي حضارة جنائزية إنْ صَحَّ التعبير.
فقال صاحِبي وَرَنَّةُ إسْتَنْكارٍ تَشُوبُ صَوْتَه:
ما هذا التشاؤم ..وكيف تكونُ تلك الحضارة النائية لقدماءِ المصريين حضارةً جنائزيَّة؟!
فقلتُ :
لم أَقُلْ ذلك بالضَّبْطِ حَيْثُ كنتُ مُحْتاطاً فأَلْحَقْتُ بعبارتي الشَّكَ في صِحَّتِها تارِيْخيّاً، ولم آتِ بصيغ نهائية قاطعة . لَكِنْ بقية تصنيفاتي للأنواع المُدَوَّنَةِ لا يُخالِطَهُ الخطأ بحكم أَسَانِيْدِه .
قال صاحِبي :
إنَّنا الآنَ على وفاقً تَامّ!
فإستطردتُ حديثي وأنا أَطْرُدُ نَحْلَةَ عَسَلٍ وافِدَةٍ مِنَ النافذةِ المَفْتُوحَة:
في الأَسَاطِيرِ ..
فعاجَلَنِي بِمُلاحَظَتِهِ قائلاً :
لماذا تَبْقَى النافذة هكذا دون دِرْع؟! وبمستطاعِكُمْ تَحْصِيْنَها كَيْ لا تُضَايِقَكُمْ الحَشَراتُ الطَّائرَة .إنَّ أسعارَ النَّسِيجِ الوَاقِي زَهِيدَة.
وإسْتَأْنَفْتُ حَدِيثي قائلاً:
في الأَسْاطِيرِ الهِنْدِيَّةِ المُدَوَّنَةِ في كِتَاب ” المَهَابَهارَاتَا” وفي أسْفَارِ ” البُوْرَانَا ” أيضاً أنَّ الإله “فشْنُوْ Vishnu ” .
ومَعْنَاهُ باللُّغَةِ السَنْسِكْرِيْتِيَّة ” الإلَه الحافِظ ” – إتفقَ مع “مَانُوْ” – وهو الإسم الهندي لآدَم – أَنْ يتعاونا.
وإتَّخَذَ الإلَهُ الحافِظ شكلَ سَمَكَة وقال لآدم : ” أنا سَمَكَةٌ صَغِيَرَةٌ لم أَكْبَرْ بَعْد وأخافُ أنْ تَأْكُلَنِي الأسْماكُ الكبيرة إنْ بَقَيْتَ في البحر، فَخُذْنِي وتَعَهَّدَنِي بالرَّعاية إلى أنْ أَصِيْرَ كبيرة فَتَرْمِيْني في المُحِيْطِ !” . ثم وَاصَلَتْ السَّمَكَةُ الصَّغِيْرَةُ كَلامَها لآدم قائلة :” ومقابلُ ذلك الصَّنِيع سَأُنْقِذُكَ مِنَ طُوْفانٍ قَرِيْبٍ سَوفَ يَغْمُرُ الأرضَ ويُغْرِقُ كُلَّ كائنٍ حَيّ.” .فَلَمّا إسْتَجابَ آدَمُ لِطَلَبِها نَصَحَتْهُ بأنْ يَبْنِي سَفِينَةً قَبْلَ الطُّوْفانِ وقالت : ” إنِّي أَلْتزم برعايةِ السَّفِيْنَةِ إلى أنْ يَنْتَهِي الطُّوْفان فأسْحَبُ السَّفِيْنَةَ وأُوْصِلُهَا إلى بَرِ الأمَان.”.
وأَخْبَرَتْهُ السَّمَكَةُ بأنَّ إسْمَها ” مَالِشْيَا” .وهكذا أَنْقَذَ الإلَهُ الحافِظُ Vishnu آدمَ وذَرِّيَتَهُ وَحَماهُمْ مِنَ الإنْدِثَار. وَوَاضِحٌ هنا التَّأثِيْرُ القَوِيّ لملحمةِ ” كَلكَامِشْ” وبالذات ألواح رواية الطُّوفان – وهي حَقِيْقِيَّة وإنْ كانت غَيْرُ شَامِلَة لِيَابِسَةِ الدُّنْيا جميعاً – في الأساطير الهندية التي ذَكَرْتُها .
فقال صاحبي :
إنَّها أساطيرٌ هِنْدِيَّة بديعة ..
ثم أردفَ مُسْرِعاً :
غابَ عَنْ بَالِي أنْ أُخْبِرَكَ في سِياقِ إعجابِي بِشَمْسِ اليوم الذي أثارَ غَضَبَكَ قليلاً أنِّي قرأتُ أنَّ إسْمَ الإلَه الشَّمْسِي في الهنديَّة القديمة هو ” سُوْرِيّا” ولا تزالُ تلك التَّسْمِيَة في عصرنا الجارِي مُتَعَلِّقَة ببلَدٍ مُعاصِرٍ لا علاقةَ لَهُ بالأسَاطِيرِ والأَوْثَان.
فقلتُ :
هذا صَحِيح تماماً .وحِينَ نَأتِي إلى كِتَاب ” أفِسْتَا” – ويَنْبَغِي لِسَلامَةِ النُّطْقِ وضْعُ ثَلاتِ نِقاطٍ فوق حرفِ “الفاء” لأنّهُ لا يُوْجَدُ في أَبْجَدِيَةِ اللُّغَةِ العربيَّة صوتٌ يُعَادِلُ حَرْفَ “V ” الشائع في لغاتٍ أُخْرَى كثيرة – وتُؤكِّدُ أَحْدَث الأبحاث الأكاديميَّة بأنَّ “زِرادِشتْ” ليس إيرانياً ولم يَنْتَحِلْ النُّبُوَة – مِثْلُما يُرَوِّجَ الكهنةُ وبُسَطاءُ الناسِ المعاصرين – وأنَّ المترجمين الفُرْس تركوا تَدْوِيْنات تؤكِّد بأنَّهم لم يترجموا ” زِرادِشتْ” مِنَ اللُّغة الأَصْلِيَّةِ لهذا الفيسوف الذي لم يَسْعَ لبناءٍ دِيانَةٍ وَضْعِيَّة.
يالها مِنْ شمس رائعة ! ..إنَّها مَزْهُوَّةٌ بإلْتِماعَها الذي لا تَقْوَى العيونُ على التَّحْدِيقِ فيه . أَلَسْتَ معي؟!.
وسكتَ لحظة ثم أضاف:
كان القدماءُ على حقٍ عندما عَبَدُوها.
فقلتُ حانقاً :
الإعجابُ لا ينقلُ المَرْءَ إلى الكُفْر.
قال صاحِبي وقد إستعاد صَوابَه:
لستُ كافِراً ..وفي النهاية هو مَحْضُ تعبير.
قلتُ:
دَعْنَا مِنْ ذلكَ كُلِّه! لقد جِئتَ بناءً على دعوتي في الوقتِ الذي رَجَوْتُكَ أنْ تأتي فيه . وأشكُرُكَ لأنَّكَ أَتَيْتَ في الفترةِ التي إقْتَرَحْتُها عليكَ في هذا المساء الجميل بِطَقْسِهِ المُعْتَدِلِ حَيْثُ لا غَيْمَ طبعاً، والأروع مِنْ ذلك، حَيْثُ لا سَحابَ على الإطلاق..
فَقَاطَعَنِي قائلاً:
إنِّي أَكْرَهُ السَّحابَ أَيّاً كان نَوْعُه، حتى السَّحاب الأبيض الخالي بطبيعةِ الحال مِنَ المَطَرِ والبَرْق.
ولهذا فقد أَثَارَ جَوُّ اليَوْمِ في نَفْسِي بَهْجَةً عارمةً وأنا أَرَى الشَّمسَ تَنْزَلِقُ نحو الغَربِ قَبْلَ إحْمِرَارِها وليس حولها أيّ نُتَفٍ مِنَ السَّحابِ الأبيض.
فقلتُ:
نعم إنَّه جَوٌّ صَافٍ!
ثم تَغَيَّرَ صوتي وأنا أُواصِلُ كلامي لصاحبي :
هذا اللقاءُ هو الثالث مُنْذُ حديثي عن سُوْمِر.ولا بُدَّ أنَّك لم تَنْسَ أنَّ دَعْوَتِي لَكَ للحضور في المساء كانت بسبب أنَّ حديثي سيكون قصيراً.
قال صاحِبي وهو يَهْرُشُ رَأْسَه:
لكنَّك يا أستاذ أثَرْتَ الإحتفاظ بموضوع الحديث نَفْسِه في طَيِّ الكِتْمان.
فقلتُ له :
لا .. ليس بغرضِ الكِتْمانِ والإخفاءِ والتشويقِ، بل هو نِسْيان فقط. وأُعْذُرْنِي لأَنِّي سَهَوْتُ عن إخْبارِكَ بموضوع الحديثِ القصيرِ وهو عن مُدَوَّناتِ ما قَبْلَ التَّارِيخ.
قال صاحِبي:
قَبْلَ هبوطِ الليل يُسْتَحْسَن أنْ نَبْدَأَ الحديث عَنْ ذلك.
قلتُ :
أَيّ شَرابٍ تَرْغَب؟
فقال :
المُهِم أنْ يَكُونَ مُثَلَّجاً ..أمّا نوع الشَّراب فإخْتَرْهُ.
وبعد قليلٍ كانت أكوابُ عَصِيرِ الخُّوخ المُثَلَّجَةِ أمامنا .. والشَّمْسُ عَبْرَ النافذة لا تزال ساطعة . وشرعت أقول :
عَرَفَ الإنسان الكُتُبَ في زمانٍ بعيد.
ليس الكُتُبُ الحَجَرِيَّةِ فقط، إنَّما عَرِفَ أيضاً الكُتُبَ بالمعنى الدقيقِ لهذه الكلمةِ .وكان ذلك في دُهُورِ الفراعنةِ الطويلة حَيْثُ ظَهَرَتْ الكُتُبُ على ورقِ البَرْدِى دون أنْ تكونَ مَطْوِيَّةً إسطوانياً كالأَبْطَة بل في شكلِ كُتُبٍ تُضارِعُ ما نَعْرِفه في عَصْرِنا الحديث .وبالطبع لم تكنْ المطبعةُ قد ظَهرت أو إخْتُرِعَت لَكِنَّ تلك الكتب القديمة في عصور الفراعنةِ كانت مَنْسُوخَة يَدَوِيّاً وذات أَغْلِفَة وبعضُها مُجَلَّد تَجْلِيدَاً فاخِرَاً تُباعُ وتُشْتَرَى في أسواقٍ مُحَدَّدَة، وهي أنواع يُمْكِنُ تَقْسِيمَها إلى نوعين أَسَاسِيَّين هما المُقَدَس وغَيْرِ المُقَدَس مِثْل ” كتاب المَوْتَى” المُقَدَّس ونَظِيرُه “نُصوص الأهرام” في شكلِ مختاراتٍ مَنْسُوْخَة للقراء في الأسواق العامة المحددة، ثم غير المقدس وهي كتب لمفكرين وأُدباء وعُلماء وكَهَنَة ومهندسين مِنْ الذين دَوَّنوا جُهُودَهُم الأدبيَّة والفكريَّة أمثال “بَتّاح حُوْتِيبْ ” وغَيْرِه . وبوسعي القول إنَّ الحضارةَ السائدةَ في مصر في ذلك الحين هي حضارة جنائزية إنْ صَحَّ التعبير.
فقال صاحِبي وَرَنَّةُ إسْتَنْكارٍ تَشُوبُ صَوْتَه:
ما هذا التشاؤم ..وكيف تكونُ تلك الحضارة النائية لقدماءِ المصريين حضارةً جنائزيَّة؟!
فقلتُ :
لم أَقُلْ ذلك بالضَّبْطِ حَيْثُ كنتُ مُحْتاطاً فأَلْحَقْتُ بعبارتي الشَّكَ في صِحَّتِها تارِيْخيّاً، ولم آتِ بصيغ نهائية قاطعة . لَكِنْ بقية تصنيفاتي للأنواع المُدَوَّنَةِ لا يُخالِطَهُ الخطأ بحكم أَسَانِيْدِه .
قال صاحِبي :
إنَّنا الآنَ على وفاقً تَامّ!
فإستطردتُ حديثي وأنا أَطْرُدُ نَحْلَةَ عَسَلٍ وافِدَةٍ مِنَ النافذةِ المَفْتُوحَة:
في الأَسَاطِيرِ ..
فعاجَلَنِي بِمُلاحَظَتِهِ قائلاً :
لماذا تَبْقَى النافذة هكذا دون دِرْع؟! وبمستطاعِكُمْ تَحْصِيْنَها كَيْ لا تُضَايِقَكُمْ الحَشَراتُ الطَّائرَة .إنَّ أسعارَ النَّسِيجِ الوَاقِي زَهِيدَة.
وإسْتَأْنَفْتُ حَدِيثي قائلاً:
في الأَسْاطِيرِ الهِنْدِيَّةِ المُدَوَّنَةِ في كِتَاب ” المَهَابَهارَاتَا” وفي أسْفَارِ ” البُوْرَانَا ” أيضاً أنَّ الإله “فشْنُوْ Vishnu ” .
ومَعْنَاهُ باللُّغَةِ السَنْسِكْرِيْتِيَّة ” الإلَه الحافِظ ” – إتفقَ مع “مَانُوْ” – وهو الإسم الهندي لآدَم – أَنْ يتعاونا.
وإتَّخَذَ الإلَهُ الحافِظ شكلَ سَمَكَة وقال لآدم : ” أنا سَمَكَةٌ صَغِيَرَةٌ لم أَكْبَرْ بَعْد وأخافُ أنْ تَأْكُلَنِي الأسْماكُ الكبيرة إنْ بَقَيْتَ في البحر، فَخُذْنِي وتَعَهَّدَنِي بالرَّعاية إلى أنْ أَصِيْرَ كبيرة فَتَرْمِيْني في المُحِيْطِ !” . ثم وَاصَلَتْ السَّمَكَةُ الصَّغِيْرَةُ كَلامَها لآدم قائلة :” ومقابلُ ذلك الصَّنِيع سَأُنْقِذُكَ مِنَ طُوْفانٍ قَرِيْبٍ سَوفَ يَغْمُرُ الأرضَ ويُغْرِقُ كُلَّ كائنٍ حَيّ.” .فَلَمّا إسْتَجابَ آدَمُ لِطَلَبِها نَصَحَتْهُ بأنْ يَبْنِي سَفِينَةً قَبْلَ الطُّوْفانِ وقالت : ” إنِّي أَلْتزم برعايةِ السَّفِيْنَةِ إلى أنْ يَنْتَهِي الطُّوْفان فأسْحَبُ السَّفِيْنَةَ وأُوْصِلُهَا إلى بَرِ الأمَان.”.
وأَخْبَرَتْهُ السَّمَكَةُ بأنَّ إسْمَها ” مَالِشْيَا” .وهكذا أَنْقَذَ الإلَهُ الحافِظُ Vishnu آدمَ وذَرِّيَتَهُ وَحَماهُمْ مِنَ الإنْدِثَار. وَوَاضِحٌ هنا التَّأثِيْرُ القَوِيّ لملحمةِ ” كَلكَامِشْ” وبالذات ألواح رواية الطُّوفان – وهي حَقِيْقِيَّة وإنْ كانت غَيْرُ شَامِلَة لِيَابِسَةِ الدُّنْيا جميعاً – في الأساطير الهندية التي ذَكَرْتُها .
فقال صاحبي :
إنَّها أساطيرٌ هِنْدِيَّة بديعة ..
ثم أردفَ مُسْرِعاً :
غابَ عَنْ بَالِي أنْ أُخْبِرَكَ في سِياقِ إعجابِي بِشَمْسِ اليوم الذي أثارَ غَضَبَكَ قليلاً أنِّي قرأتُ أنَّ إسْمَ الإلَه الشَّمْسِي في الهنديَّة القديمة هو ” سُوْرِيّا” ولا تزالُ تلك التَّسْمِيَة في عصرنا الجارِي مُتَعَلِّقَة ببلَدٍ مُعاصِرٍ لا علاقةَ لَهُ بالأسَاطِيرِ والأَوْثَان.
فقلتُ :
هذا صَحِيح تماماً .وحِينَ نَأتِي إلى كِتَاب ” أفِسْتَا” – ويَنْبَغِي لِسَلامَةِ النُّطْقِ وضْعُ ثَلاتِ نِقاطٍ فوق حرفِ “الفاء” لأنّهُ لا يُوْجَدُ في أَبْجَدِيَةِ اللُّغَةِ العربيَّة صوتٌ يُعَادِلُ حَرْفَ “V ” الشائع في لغاتٍ أُخْرَى كثيرة – وتُؤكِّدُ أَحْدَث الأبحاث الأكاديميَّة بأنَّ “زِرادِشتْ” ليس إيرانياً ولم يَنْتَحِلْ النُّبُوَة – مِثْلُما يُرَوِّجَ الكهنةُ وبُسَطاءُ الناسِ المعاصرين – وأنَّ المترجمين الفُرْس تركوا تَدْوِيْنات تؤكِّد بأنَّهم لم يترجموا ” زِرادِشتْ” مِنَ اللُّغة الأَصْلِيَّةِ لهذا الفيسوف الذي لم يَسْعَ لبناءٍ دِيانَةٍ وَضْعِيَّة.