جان دايه - أمين نخله والمفكرة المدينية

هل كتب أمين نخله (الحداد) مفكرة مدينية سياسية اجتماعية قومية، كما كتب "المفكرة الريفية" التي تتمحور على الحياة القروية بخرنوبها وثعلبها وعصفورها ووردها ورمّانها وتوتها وسمّاقها وتنّورها؟ إذا عدنا الى لائحة الكتب التي أصدرها، يأتي الجواب أن الأمين لم يكتب إلا مفكرة واحدة هي الريفية طبعاً. ولكن، إذا اعتمدنا الصحف مرجعاً، وتحديدا صحيفة "الشعب" التي أسّسها رشيد نخلة في العام 1912، وواصل ابنه أمين اصدارها في 8 أيار 1922، يكون الجواب أنه كتب مفكرتين، إحداهما ريفية والثانية مدينية، مع فارق أنه أعاد نشر الريفية منهما في كتاب مستقل بعدما نشر حلقاتها في الصحف، في حين اكتفى بنشر المدينية في جريدته "الشعب"، وتحديدا في حيّز الافتتاحية. وكما تغزّل في المفكرة الباروكية الشوفية بالأزهار والثمار والعصافير والحيوانات بلغة أدبية جميلة متميزة، فإن مفكرته البيروتية تغزلت باللغة العربية وحرية الصحافة والاستقلال والعلمانية والوطنية، وبالطبع لم تكن لغته في افتتاحياته السياسية أقلّ جمالاً عن لغة حلقات "المفكرة الريفية"، أو أقل تميزاً عن لغة افتتاحيات زملائه الأدباء، كالأخطل الصغير في جريدته "البرق"، لجهة الكلمة الأدبية.

بدأ أمين نخلة حياته السياسية – الصحافية في بداية الانتداب الفرنسي، وهو في الثامنة عشرة حسب "المنجد"، أو في الحادية والعشرين كما تخبر العصفورة. فهل اتبع، كتابة ومواقف، نهج معظم زملائه الصحافيين السياسيين في التطبيل والتزمير للأم الحنون وممثليها في المفوضية الفرنسية العليا؟ أم انه كان زميلاً لميشال زكور وجبران تويني والشيخ يوسف الخازن، الذين أتقنوا لغة لامرتين وعارضوا أبناءه وأحفاده الذين احتلوا لبنان وبعض بلاد الشام بحجة تعليمه مبادئ الحرية والاخاء والمساواة؟
ولما كان الجواب الدقيق يكمن في افتتاحيات جريدة "الشعب" السياسية – الأدبية، فلا بأس من عرض بعض ما كتبه منها صاحب الجريدة ورئيس تحريرها.
لنقرأ اولا افتتاحية العدد الاول من "الشعب" الصادر في 8 ايار 1922. كتب امين نخلة في مستهل الافتتاحية: "اخرجت هذه الصحيفة الى الناس بالامس، والاقلام تدلف على الصحائف خيفة المستبدين، والحرية ترسف في قيدين من سياسة ومن دين. تلك يصلتها انصار الحق واباة الاسترقاق، فتغمدها المراقبة... وهذه بمنزلة بين أسر الفكر وعقال البراع، هيهات يصدع قيدها او يطلق سراحها"، "ولولا الذي هز بالامس منشئ "الشعب" الى نصرته وهاجه الى خدمته – وهو الوطن – لما كان لي و"الشعب" شأن وأنا في عنفوان "شبابي".
الوطن، اذاً، هو الحافز، وهو الهدف، فكيف دافع أمين نخله عنه؟ وكيف كان وطن أمين نخله الذي عقد من اجله افتتاحيات "الشعب" ذات الشكل الادبي والمضمون الاصلاحي والوطني؟
تحت عنوان "الامة والتقليد" كتب الامين في عدد 25 حزيران 1922: "انه لعزيز علينا ان نرى الامة آخذة بأسباب التقليد لكل ما يعرض لها من صنوف المدنية الغربية غير فارقة بين الحسنة منها والسيئة".
وأضاف: "عزيز علينا أن نراها تستطرف مساوئ تلك المدنية الغربية، وتعرض عن محاسن مدنيتها الشرقية، ولا توفق بين المدنيتين، فتغنم حسنات الاثنتين، وتأمن شر العاقبة". وكتب ايضاً: "عزيز علينا أن نرى في وجوه التمدين البادية ما تحسبه غرض الاجتماع المروم من الرقي والعمران، فتنصرف عن الحقائق الخافية الى تلك البهارج البادية من مثل الخلاعة في الازياء، والتهتك في المراقص، الى غير ذلك من آفات مدنية الغرب". توقف الكاتب أمام اللغة العربية، التي ما إن نجت من "قطوع" التتريك، حتى دهمها خطر الفرنسة خصوصاً في لبنان.
كتب نخلة دفاعاً عن العربية: "عزيز علينا أن تعرض عن لغتها، واللغة من الشعوب كالأرواح من الاجسام، فإذا ماتت لغة شعب مات شعوره، وإذا مات الشعور في شعب، فقد مات فيه كل شيء". وأضاف عن اللغة: "ما نظرنا الى معاهد اللغة وهي خالية الحجرات، خاوية الجوانب، الاّ بكينا عز أمة، دفين بين الصحائف والسطور". الى أن ختم افتتاحيته بهذا الدعاء: "رب، وليت علينا، وصدعت من شملنا، وغضضت من شأننا، ألا رحمة، من عندك ببقية باقية من عزّ ذاهب، ومجد سليب".
لمناسبة العام الجديد، 1923، خاطبه أمين نخلة عبر افتتاحية العدد الصادر في 31 كانون الأول 1922، فقال: "أيها العام الجديد: رمانا أخوك، في لبنان، برميتين، وخلفنا في لوعتين. فلا نعلم هل ترمي بنا رميته وتضرم فينا لوعته، أم تطلع على دار النيابة حراً، وتغدو على رؤوس الأقلام طليقاً، وتجمع ما بين الحريتين". وأضاف: "ان في الأرز أيها العام الجديد، لمارونية نافرة، ودرزية ناقمة، وأرثوذكسية واجدة، واسلامية غضبى، فاطلع على الامة مزيلاً ممن حقدها ونفرتها، مبدلاً من غضبها ونقمتها، واجعل بها وطناً للقوم لا وطنين". وختم مخاطبته للعام الجديد بقوله: "سلام عليك سنة الله في العالمين. وسلام عليك رقي الدهر في العشرين، وسلام عليك رسول الحرية الى اللبنانيين".
من البديهي أن تقابل الوطنية والعلمانية برفض السلطة المنتدبة التي كانت جادة في ترسيخ الطائفية والتبعية في نفوس اللبنانيين، فيما هي ترفع بيرق الوطنية الفرنسية وتكرر فعل إيمانها بفصل الدين عن الدولة، في عاصمة الحرية والإخاء والمساواة. لذلك كان نصيب "الشعب" التعطيل. فهل تراجع أمين نخلة أمام هجمة الحاكم على الحرية والاحرار؟
جواباً عن السؤال، لنقرأ ما كتبه الأمين في عدد 15 شباط 1925. قال رئيس تحرير "الشعب": "رفعنا الصوت عالياً بالامس في قضيتك فكان التعطيل جواباً. ثم حاججنا بها القوم ما حاججنا، فكان التعطيل جواباً. ثم خاطبناهم بما خاطبنا... فكان الجواب الجواب... فأمسكنا بالشعب عن الظهور". وأضاف: "أما اليوم، فكما يهبط المقاتل الهيجاء لا يعلم كيف يدور له فلك النصر ويعقد اللواء غداة الوقيعة، ولكنه يدور في جنبات الميدان كما تشاء مهرات المواطن وخفقات اللواء... كذلك تهبط غمرات السياسة نعقد عجاجها وندير رحاها كما يشاء لواءك وعلياءك ما تشاء". وختم، ودائماً بلغة أدبية جميلة: "ففي سبيلك هذه الصحيفة وسبيل حاضرك وآتيك، كما كانت لماضيك، وأنها لصنوك بين الاسى والمنى. يا وطن... لقد عدنا".
دارت رحى معركة صحافية بين الماسونية واليسوعية في بيروت. فلقم أمين نخلة مدفعية قلمه في اتجاه الفريقين معاً، وأطلق عليهما وابلاً من نيران افتتاحيته التي نشرها في عدد أول آذار 1925. استهل الافتتاحية بالقول: "لسنا في هذه الجريدة للماسونية، ولسنا للإكليريكية. وانما نحن لهذه الأمة. إنا إذن للوطنية". وتابع: "لسنا اذا جاء ساراي نرى الانتداب خيراً، وإذا ذهب فيغان نرى الانتداب شراً. وانما نحن في الحالين نرى الخير خيراً والشر شراً، فلا يستطيع ساراي أن يأخذ من عقيدتنا مثقال ذرة، وما استطاع فيغان". وأكد نخلة "ان عميد الانتداب الجديد انما يعمل لأمته وبلاده وانتدابهما كما عمل العميد القديم. هذا رأى سبيلاً لتلك الغاية المرومة فسلكها، وذلك رأى لها سبيلاً أخرى فجرى فيها. فإذا تبدلت الوجوه علينا فما تبدلت السياسة، وهذه دار الانتداب لا تبرح تلك الدار – وذلك صك انتدابها لا يزال ذلك الصك". وقال الصحافي الأديب: "أما والله ليكونن ساراي للانتداب كما كان فيغان له، وكما كان غورو وبيكو. وهل ساراي غير افرنسي، وغير سياسي، وغير جندي يهرق دمه على السيوف في سبيل افرنسيته؟". وتطلع الى وطنه وبني قومه قائلاً: "الا فلنكن لبلادنا كما هو لبلاده، وانه – ولا قسم – ليرضى عن ذلك كل الرضى ونحن الكافلون". وختم: "ليت لنا من يقول لجريدة "الاكسيون فرانسيز" اليك عنا. ثم قال لـ"الاوريان" و"الاحرار" الينا الينا. فقد الهتكما عنا كثيراً".
على ذكر المفوض السامي الفرنسي ساراي، كتب أمين نخله افتتاحية العدد الصادر في 8 آذار 1925 بعنوان "من الشعب الى ساراي". استهل الكاتب العروبي اللبناني خطابه لساراي بقوله: "هذا البلد، يا عميد الانتداب، شرقي شكور يعرف الفضل، وعربي أنوف يأنف الضيم". وقال: "ليتهم يجرأون من حولك فيقولون لك ان هذه الأمة اصبحت ترى "الانتداب" وعوداً وأعياداً وأوراقاً، لا يحفظ من كرامتها شيئاً، ولا يدفع من أزمتها شيئاً، ولا يصنع لها شيئاً، اللهم الا ما بعث من دفائن آمالها يوم بعث بك الينا". واضاف: "يا عميد الانتداب: ان الامة لفي صبر. فاطلع الانتداب على دار نوابها حراً في الغد، واطلعه اليوم امناً في الازمة، وعوناً لا أمراً في الجندية، واستشارة لا سيادة في غرف المستشارين. والا قالت الامة ان حزب شمالكم لكحزب يمينهم، وان اليوم لكالامس، وللحر كالعبد، والطليق كالأسير الراسف في الاغلال. والعياذ بالله من قطع الرجاء، واشتداد الشقاء، والعياذ بالله".
في هذا الوقت، قام اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا، بخطوة وقحة ثانية اثر خطوته الاولى التي وعد عبرها يهود العالم بفلسطين وطناً قومياً لهم. كانت الخطوة الثانية زيارته لفلسطين نفسها. رداً على هذه الخطوة الانكليزية المتصهينة، كان رد أمين نخلة "الفلسطيني" قوياً ورائعاً. فقد أوقف اصدار جريدته يوم الزيارة، احتجاجاً، واكتفى ببيان حمل عنوان "احدى ضحايا القوة". قال الامين في بيانه الذي نشره في الصفحة الاولى من "الشعب" الصادر: في 20 نيسان 1925: "فلسطين، جنة (الاردن) المطهر: قدس اقداس الشرق، بلد الصليب وثرى صاحبه، ومهبط انجيله، ومهداه ومراحه من المهد الى اللحد. بنت ام المدائن. ذات المغار والحرم. واثر النبوة في الجلمود. الارض الممزوجة الاديم بدماء الشهداء المختلطة النسيم بأنفاسهم. تلك هي الضحية السمحة اليوم تحت يد بلفور المخضبة". وأضاف والقلب يقطر أسى: "ما بالك برجل كبلفور يقتل بكلمة واحدة أمة بأسرها. ولا يقوم في طول الغرب وعرضه من يمسك بلسان بلفور عن ذلك التصريح"؟ وبعدما سجل يأسه من الغرب نظر الى العرب بعين الامل وقال: "أما فلسطين الحزينة الباسرة المتلفعة اليوم بجلبابها الاسود، فلها من العروبة ميثاق في العنق وفي الذمة. أفأقل من ان نبكي معها في يومها العصيب".
وختم بمنهج اختلطت فيه وطنيته بمسيحيته: "لي أخ طريد بين تلك الاغوار والانجاد من وطن اليهود الجديد. احتملته عاصفة الجاسوسية ورمت به هنالك غريب الاهل والدار. فليته يوم تبلغ اليه هذه السطور، يقبّل عني ثرى فلسطين، ولا يمسح شفتيه. فقد يكون في ذلك التراب قطرة من دم صاحب الانجيل".
ونشر الامين في 10 ايار 1925 "رسالة الى كيلا"، المفوض السامي، كي "يترجمها المترجمون". قال للحاكم الفرنسي الذي تتمتع دوريات وطنه بالحرية، عن قانون المطبوعات الجديد في الرسالة المفتوحة: "ان الجرائد الطليعية نوافذ واسعة يدخل منها صوت الامة على الحكام في قصورهم. وأنت تأبى ان لا تسمع صوت امة أنت حاكمها". الى ان صاح بملء فيه: "ايه موسيو كيلا. ألغه ألغه. ان غرفتك في حاجة الى تغيير هواء التحبيذ والتقريظ. افتح نوافذ الامة تدخل عليك النفثات من حقول الجرائد نقية طيبة لا غش فيها. وأنا أسمح لنفسي مرة اخرى، ان اقول بلسانك انت انك، في حاجة الى تجديد هذا الهواء".
ومن فلسطين الى الشام التي درس المحاماة في جامعتها. وتحت عنوان "الذين في الشام" قال الامين في 31 ايار 1925: "كتب اليَّ احد انصار الحرية في الشام معاتباً. لبيكم اخواني. ما سكت، ولكن ألسنة الخطوب تتكلم. وأين لصوتي الضعيف أن يعلو أصوات الشدائد المتجاوبة، ويرن في أرجاء الوطن. لبيكم. هذه صيحاتي ملء الزمن من أجل الحق. فقولوا لاعدائه، ان لا يغرهم شيء". وقال رداً على احد منتقديه: "يا ضحك الثكالى من ذلك الكاتب. وأشباه ذلك الكاتب يعيرني في حب الدمشقيين. أخواني، ابناء عمومتي، العرب، الاشاوس، المغاوير، أولي الطراز الاول في هذا الشرق". وخاطب ابناء لبنان بقوله: "اسمعوا ايها اللبنانيون. كيف يريد أعوان النقمة ان يقطعوا أوصال انسابنا بعد ان أتلفت الحادثات كل شيء ما بين ايدينا". وقال فتى الباروك الذي تغطّي قمته أشجار الأرز وبكمية تفوق أرز جبران، لأنصار "الخطوب": "أردتم بذلك شراً كبيراً. اننا لا ندعوكم تنزعون الامة عن جسم هذا الشرق، ثم ترمونها بين مخالب السياسة. اما والله ليس من الخيانة في شيء، ان يحب ابن سفحتي الارز من هذا الوطن، غوطتي بردى من وطن اخوانه وجيرانه. بل من الظلامة في الجوار والقربى ان يحب هذا ويمقت ذاك". الى ان قال في الختام: "لبنان بلدي في ثراه ابوتي. وتحت سمائه دار ميلادي. والشرق ابو لبنان. نعم الابوة من مطلع التاريخ ومبزغ الاحساب. فكل بلد في الشرق بلدي. أنا راض بذلك عن نفسي. لا رضي ذلك الكاتب عنها".
"يوم الأحد 12 تموز 1925" هو عنوان الافتتاحية التي كتبها أمين نخله في "الشعب" الصادرة في التاريخ نفسه. قال الكاتب: "الانتداب وصاية. والوصاية قيد في عنق القاصر، ومقادة القاصر في يد الوصي. فلا اعلم كيف يكون الانتداب في مكان يكون فيه الاستقلال، اللهم الا اذا كانت النار في موضع الماء، والشفاء في موضع الداء".
وقال ايضا بصراحته المعهودة ولغته المصقولة، المزعجتين للفرنسي، الذي يتصرف وكأن الانتداب احتلال، ولـ"الوطني" الذي يبرر الاحتلال بلغة مصقولة ايضا: "الا قل للأمة ان الحكومة قد تدخلت في الانتخاب تدخلها في كل شأن من شؤون الأمة، وان من حقها ان تتدخل، بل انها هي التي ترفع اليوم بيدها الثلاثين نائبا الى مقاعد المجلس". وردا على التدخل ومبرريه من "الواقعيين" قال الامين: "اما جماعة الخياليين المطالبين بأذيال الغمام، ورؤوس النجوم، وكاتب هذه السطور من طائفتهم، بل من رأس رأسها، فقل لهم ان يتجرعوا فوز النواب اليوم، غصة بعد غصة، حتى تبلغ الغصص الثلاثين".
وكتب الأمين عن الجواسيس افتتاحية عنوانها "سوء تفاهم" نشرها في 13 آب 1925. استهلها بقوله: "ايسمح لنا قلم الجواسيس، ان نقول للسلطة كلمة حق؟ سنقولها ولو أبى". وتناول في الافتتاحية موضوع القتال الدائر آنذاك بين الثوار الدروز وعساكر الفرنسيين، حيث حمّل جواسيس الانتداب المسؤولية الكبرى لاندلاع الثورة. وقال: إننا من المعتقدين ان سوء التفاهم هو الذي أحرج الدروز في الجبل وأخرجهم، وان الجواسيس هم الذين جعلوا قبة الثورة من حبة كاربيه". وأضاف: "هذه امثولة قاسية ولكنها واقعة. وكم لها بالامس من أخوات وأخوات، فعسى أن تأخذ السلطة عبرة منها فتتقي الله فينا وتتقيه فيها، وما العبرة الا ان يغلق ذلك الباب الواسع، باب قلم الجواسيس. ومن لك بغير ذلك القلم يجرأ على القول بالأمس عن تظاهرة زغرتا انها اكليريكية، وعن تظاهرة بيروت في 20 تموز انها شيوعية، وعن حركة جبل الدروز انها انكليزية. ثم من يضمن ذلك القلم ان لا يقول غدا بأن روح هذه المقالة المانية"؟
وتناول الطائفية "الموقتة" في لبنان مجدداً عبر "رؤوس أقلام" العدد الصادر في 11 تشرين الثاني 1925، فقال تحت عنوان "الضغائن بين الطوائف": "يسوءنا ويسوء كل عاقل حكيم ان يكون هناك في بيروت عاصمة لبنان الكبير بل نقطة دائرة الحركة الفكرية في البلاد السورية في بدء عصر النور والحرية، عصر التمدن والرقي، عصر التساهل والتحابب والتكاتف، نعم يسوءنا ان يظهر طلائع الضغائن القديمة والرجوع الى الوراء بدلا من التقدم والارتقاء... لا نزال في بدء نهضتنا الحديثة ننتظر، لكل امر من الأمور من وجهتنا الدينية، او بالحري لا يزال مقياس كل عمل من اعمالنا واحوالنا عاطفة دينية، لا نزال نعيد لعهدنا السابق عهد التحزبات ذكراه المؤلمة المحزنة التي تثير في الصدور الضغائن وتنزع الالفة من الصدور". وختم بالتمني والدعاء والرجاء: "حبذا اليوم الذي تنقشع فيه من سماء الوطن هذه الغيوم المتلبدة اسوة بالأمم الراقية".
وعاد امين نخله الى دمشق لمناسبة قصفها بالمدافع الفرنسية خلال الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش: "ألا من لعين تنظر الى دمشق في معالمها الهاوية، وجوانبها المتهدمة، ومجالسها المعطلة، وشوارعها الحافلة بالأشلاء والدماء، ولا يفيض ماؤها. ليس لعين لم يغض ماؤها عذر". ثم التفت الى اللبنانيين في ختام مقالته الطويلة المنشورة في 15 تشرين الثاني 1925: "ايها اللبنانيون. انهم ابناء عمومتكم وانسال عروبتكم. وجيرانكم. وحسب النخوة الأرزية بعض هذا".
من دمشق انتقل أمين نخله الى راشيا حيث حصلت بعض الحوادث الطائفية، فكتب في 27 كانون الاول 1925: "بكيت راشيا ما شاءت الرحمة. اما أبكي عليها لأنني انساني. ولو كانت ضحاياها درزية لما نقص من هذا الدمع قطرة". اضاف، وهو المسيحي اللبناني المشرقي: "بالامس ومدافع الفرنسيين تتساقط على العاصمة الشامية اجريت بهذا اليراع المسيحي على دمشق دمع العذراء في خدرها. وهززت فؤاد الناسك في صومعته. وحركت الضمائر. واثرت النخوات. وما دمشق مسيحية، ولا انا مسلم. ولكن دمشق شرقية. وراشيا شرقية. وانا شرقي مسيحي". وتدارك قائلا: "ثم ما لي وللمسيحية والشرق. وان كان لصاحب الصليب ابوتي، ولمطلع الشمس ميلادي، كل مظلوم على وجه هذه الكرة اخي. فللصوت الأرن يتعالى من تهائم اليمن يبعث شجوني. وللشكاية الحرى تتردد في مجاهل سيبيريا تنفذ الى فؤادي.
اذا كان اصلي من تراب فكلها
بلادي وكل العالمين اقاربي
ولنختم عن المفكرتين اللتين افتتحنا بهما هذه العجالة بهذين السطرين: في حين يتعادل الشكل الأدبي والمضمون العلمي في المفكرة المدينية، فإن كفة اللغة الأدبية الآسرة، في "المفكرة الريفية" رجحت على كفة ما يريد الأمين تصويره وتحقيقه في ميزانه الأدبي.



أعلى