فوزية ضيف الله - جنة واحدة لا تكفي

إن الأصدقاء الأوفياء نادرون جدا. منذ زمن كان الليل صديقه الاول والأكثر وفاء بعد القلم و الكتب. ينتظره الليل اذا نام او لم ينم. يستر الليل حماقات النهار ويفضح جمال النفس في اعماقه كشمس الحقيقة .. يشتعل الجمر ويتوهج في ليله الدامس.
ينسكب الحبر من قلمه كالنهر الحارق. حروفه تتواعد وتلتقي في تناغم منساب.
لا شيء يجدر أن يقال. تتولد مع حرفك، تصطكّ اسنانك كبرد الصقيع، تنام لساعات، وتنهض منزعجا من صوت السيارات. تتثاقل، ثم تسكب على نفسك كما هائلا من اللوم الحار. تنسى أنك كنت حزينا منذ سنين، منذ أن تركت صبابتك ترحل في شبه لعبة بائسة. كنت تروي لها أنك الأقدر على المغادرة، فغادرت أنت وهي لم تغادرك. كنت تقسم لها أنك رميت آخر أنفاسها في مستودع الخرق البالية وأنك تجردت من غضبها ومن أوراقها ومن أصواتها. ولكن الصخر يجثم على أنفاسك، جلاميد الذكرى تنقض على مضجعك، لقد نجحت في جعل انفاسك تخترق فضاءها في غيابك، وجسدك يحتل فضاءات المدينة التي تحكمها، كم تنقلت من هضبة إلى أخرى، كنت ترعى قصة هاربة منك، كنت تكتب لنفسك قدرا آخر ولكنك كنت تخطئ في كل مرة. انقلبت دواة الحبر، انسكبت ،ملأتها مرات ولكن قدرك هو الذي خطّته أقلامك التي كانت معها. إن قدرك كان يكتب في غيابك لكنّه كان يكتب بأنفاسك. كانت الحكاية تركب عُباب البحر، ثم تترجل. ارتدت فساتينها وتزينت، في عرض البحر كانت تقود سفينة العمر. أما انت فكنت تحلم ان تكون ربانا على سفينة نفسك. ألهاك الغرور والأمل عن الابحار في سفينة قدت من دمار أنثى، كنت تبحث عن ذكورية عرض البحر الغاضب. ولكنها رحلت و أرست سفينتها في أحضان ذئب جائع. ربما سوف تروّضه، ولكنّه مات منذ اليوم الأول. سكبت عليه نار الانتظار البارد. ونام للأبد يحلم بجنة أخرى.
أما أنت فلازالت ترتل حرفك غناء بلا مواويل، تتدعّي الفرح وتحتمي بالصمت كلما داهمك طيف الغائب. هي لم تعد تراك، ولن تعود، رحلتها انهكتك، رحلتها كانت على يديك. فاضرب بيديك على سطح احلامك العنيد. ستثور، وتدور ولكن، الصداقات الثمينة نبيعها جهلا وغباء بأبخس الأثمان..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى