د. وائل احمد خليل الكردي - ديار هاديس

هل (كورونا) وباء طبيعي؟ .. لماذا كان الاهتمام الشائع لدى وسائط اﻷخبار أكثر الشيء عن نسبة انتشار هذا الوباء وكيفية الوقاية منه وتدابير الاحاطة به والتعامل مع المصابين، وضربوا صفحاً عن مصادر المرض نفسه إلا بأسباب ضيقة ومباشرة مثل التغذي على بعض الحيوانات التي لا يجب أن تغذي عليها الانسان؟ ولكن هذا لم يرد على السؤال، فالصينيون يأكلون هذه اﻷطعمة الغريبة وغيرها منذ أزمان بعيدة ولم تضرب فيهم اﻷوبئة مثلما ضربتهم (كورونا) في عامنا هذا ٢٠٢٠م ..
لقد ألف (آرثر لفجوي) كتاباً أسماه (سلسلة الوجود الكبرى) روج فيه لفكرة تزامن العوالم لدى بعض فلاسفة عصر النهضة في أوروبا حيث قالوا بأن العالم اﻷخروي (اﻵخرة) موجودة في نفس مكان وزمان هذا الكون الذي نعيش فيه حياتنا الدنيوية، وليس أن اﻵخرة تبدأ بعد أن تنتهي الدنيا بيوم القيامة، وأن الانتقال من الدنيا إلى اﻵخرة هو انتقال مرتبة وليس انتقال مكان وزمان، وأن ليس في اﻹمكان خلق كون جديد ابدع مما كان .. ومن هنا تبدأ الحكاية اﻷليمة.
لو رجعنا إلى الوراء لبضعة أعوام، وبالتحديد عند صدور رواية (الجحيم) لمؤلفها (دان براون) إذ لربما وجدنا فيها بعض مفاتيح السر .. تتحدث (الجحيم) عن فكرة أساسية هي محاولة إيجاد حل لمشكلة الانفجار السكاني العالمي بالتخلي عن ثلث سكان العالم الحاليين في سبيل الحفاظ على الجنس البشري من الانقراض بواسطة فيروس معدل جينياً. ومفتاح فهم المعتقد وراء استخدام هذا الفيروس المعدل يكمن في (الكوميديا اﻷلهية) اسطورة (دانتي اليجيري) التي تعد من أبرز اﻵثار الانسانية الخالدة في اﻷدآب العالمية، حيث أن عالم الجحيم اﻷخروي بكل طبقاته حاضر معنا فهو قطعة من اﻷرض نفسها، وعلينا أن نمر به حتى نعبر إلى الفردوس .. وقد اتفقت آثار النثر اﻹنساني التي تناولت اﻵخرة على أن الجحيم معبر ضروري لبلوغ الجنة، فإن لم يتخذ الانسان تدابير العبور السليم سقط في الجحيم وبقي فيه ..
نحن نؤمن بأن أحوال اﻵخرة تحدث عقب القيامة (وإن منكم إلا واردها) ولكن إيمان هؤلاء هو ما أتى بها إلى الدنيا، فلقد رسمت (أوديسا هوميروس) طريق (أوديسيوس) في رحلة عودته إلى وطنه ليمر حتماً بمملكة الموتى (هاديس) حيث لن يعرف وجهته إلا من العراف الميت هناك عندما يشرب من الدماء السوداء لكي يعود إلى حالة الوعي ثم يرشد (أوديسيوس) إلى مبتغاه، وفي الطريق تعترضه صعوبات وعوائق الجحيم .. وكوميديا (ارسطوفانيس) المسماة (الضفادع) أيضاً تحكي شيئاً بنحو ذلك الجحيم اﻷخروي الذي خاضه بطله (ديونيزيوس) في رحلة دنيوية .. وعلى الجانب الشرقي تتمثل فكرة الجحيم اﻷخروي الذي على اﻷرض في (جلجامش) الملحمة البابلية المشهورة، ثم في (رسالة الغفران) لمؤلفه العربي (المعري).. وهكذا نشأت فكرة (التطهير) في نقل حالة الجحيم اﻷخروي إلى العالم بوحي أساسي من هذه السرديات والملاحم بأن المرور بالجحيم أمر حتمي للوصول إلى الجنة، سواء في الآخرة أو على هذه اﻷرض التي نعيش عليها حياتنا الدنيا.. وأياً كانت نسبة الحقيقة إلى الخيال في هذه اﻷساطير إلا أنها ألهمت العديد من الحركات الداعية إلى (الخلاص) اﻹنساني بخروج الشرور عن العالم حتى ولو كان هذا الخروج بموت البشر أنفسهم .. إن فكرة (الخلاص) تمثل الهدف السامي لهذه اﻵداب وأن هذا الخلاص لن يكون إلا باجتياز معبر الجحيم واسقاط قسماً من البشر في الهلاك ليستمر القسم اﻵخر في الحياة وتجديد الدماء البشرية وتجديد المجتمعات، ولقد اختلفت الشعارات واﻷساليب في ذلك ولكن ظل الهدف للخلاص واحداً، لذلك ظهرت منظمات وكيانات دعت لقيادة الناس نحو الخير بتحقيق نوع من اﻹبادة الجماعية لفئات من الناس يقدمون كضحايا لهذا الخلاص ومن أجل سعادة الجنس البشري والحفاظ على استمرار الحياة ومن أجل أن يفسح أهل الجحيم السبيل لمن سيخلدون في الجنة .. ولم يتوقف اﻷمر عند حد السرديات الروائية لمبدعين فرادى بل امتد ليصبح مادة غنية في صناعة السينما لعبت فيه السياسة دوراً خفياً على أوتار التطرف الديني والعصبية العرقية وما نحو ذلك، فظهرت سلسلة أفلام أنصاف الموتى الذين يمثلون عالم الجحيم على اﻷرض يخرجون من المقابر ليلاً فحسب من أجل أن ينالوا من اﻷحياء ويرسلون منهم إلى الجحيم كل من لم يجعله سوء حظه أن يدرك طلوع النهار .. وأكثر من ذلك، سلسلة الأفلام الامريكية (ليلة التطهير) فعملية التطهير التي تدعو اليها هذه الأفلام شبيهة بعملية التطهير التي كانت تقام كل خريف فى سبارطة القديمة، وهى أيضا صورة محددة الوقت من عمليات التطهير العرقي لمجازر ارتكبت ضد الأقلية المستهدفة مثل تلك التي تمت في البوسنة والهرسك ومذابح رواندا وغيرها، ولكن هذه المرة تكون عملية التطهير تحت شعار (خلق امريكا جديدة) من خلال تنفيذ سيناريوهات الفوضى الناتجة عن غياب الدولة ومؤسساتها القادرة على بسط نفوذ القانون بل وتشجيع حكومة السيناتورات للعنف والاقتتال الداخلي بين الناس وفساد الجماعات المسلحة بحجة تنفيس الشعب المسالم في أصله عن مشاعر الشر السلبية الكامنة فيه فيتسبب ذلك أخيرا في قيام نظام جديد والتطهر من الماضي، وبرغم أن الحكومة في هذه الأفلام تسمح بالقتل غير المبرر والرعب وكل أشكال العنف والاعتداء يقوم بها حتى اشد الناس تدينا وداخل دور العبادة في 12 ساعة من منتصف الليل هي وقت التطهير من أجل ان تصبح الولايات المتحدة كما يقول الفيلم (أمة تولد من جديد) إلا أن الحقيقة في الواقع أن هذا الوقت ممتد حتى تحقق أمريكا مآربها المنشودة، لذلك فإن سلسلة أفلام التطهير (PURGE) تصور واقع ما فعله في العالم من فوضى المحافظون الجدد أو (الآباء الجدد) كما يطلق عليهم في هذه الأفلام، فليلة التطهير اذن هي ليلة الجحيم ..
والان، والأرض تضج وتختنق بكثافة الساكنين عليها من البشر يهلكون الموارد واسباب البقاء في الحياة وتزيد معدلات الفقر والبؤس في أكثر المجتمعات ويصبح الانسان عبء على الطبيعة، هنا تنشأ الحروب التقنية باسم المصالح الاقتصادية وتزدهر منظمات صناعة الإبادة وتروج تجارة الهلاك حتى تخلو الأرض للأقوياء من غير انتخاب طبيعي كالذي قال به (داروين) .. وبعد كل هذا، لم لا يكون فيروس (كورونا) نتاج سياسي لإلهام النثر الأدبي الأخروي وافلام التطهير بنحو أو بآخر .. لم لا يكون (كورونا) صناعة من أرادوا تقليل الكثافة الزائدة عن الحد لنوع من البشر حتى تعود الموازنة بين جميع الأجناس على الأرض إلى معدلها الطبيعي .. (كورونا) هو جحيم (هاديس) ديار الموتى الذي بعبوره تكون الجنة على الناحية الأخرى لمن كان لهم حظ العبور .. ليست المشكلة في وباء (كورونا) أو أي وباء آخر، ولكن المشكلة في الاستغلال السياسي لتلك التنظيمات والجمعيات الإنسانية التي تنهض في كل مرة من جديد بدعاوى إبادة جماعية ربما ورائها إيمان ديني شديد ولكنه إيمان متعصب ومنحرف، فليس دائما ما يبدو إنسانياً في ظاهره يكون في مصلحة الجنس البشري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى