في منتصف الثمانينيات دعيت لحضور مؤتمر أدبي عقد في جامعة إيسكس Essex البريطانية. كان إدوارد سعيد - كما هو متوقع - نجم المؤتمر بلا منازع؛ فكتابه (الاستشراق) الصادر في طبعته الأولى عام 1978 يمثل مركز الثقل في عملية نزع مستمرة للهالة التي تتوج مناهج الاستشراق وتهيمن على العرب المعاصرين. وقد جابه إدوارد سعيد ناقديه بعناد وعنفوان لا مثيل لهما. صحيح أن باحثين عرباً من أصحاب النفوذ في الأوساط الأكاديمية والأوروبية والأمريكية من أمثال السوري - الفلسطيني عبداللطيف الطيباوي، والمغربي عبدالله العروي، والمصري أنور عبدالملك سبق أن طرحوا معظم الأفكار التي أوردها في (الاستشراق) على حد تعبير بعض المستشرقين الذين حاججوا من مواقع فكرية مناهضة للموقع الذي يمثله، إلا أن كتابه هو الذي أثار الزلزال المعرفي الذي تبلور على أثره ما دعاه ب(نقد ما بعد الاستعمار).
ولعل من المفارقة القول إن إدوارد سعيد الذي يعتبر أحد مؤسسي هذا الضرب من النقد الذي تأخر الاعتراف به كمنهج مؤثر في البحث حتى التسعينيات، لم يتطرق إلى مصطلح نقد ما بعد الاستعمار بالذكر في أي من كتابيه: (الاستشراق) و(الثقافة والإمبريالية). ولكن من المحقق أن (الاستشراق) هو في المآل الأخير العمل الذي دشن هذا النوع من النقد التعددي المنزع interdisciplinary بمقارباته التي تمتحُ من معين أنظمة معرفية تسعى إلى سبرِ ونقض النزعة المركزية الأوروبية، وإماطة اللثام عن دورها في صناعة الآخر، أو قل (الشرق) الذي اخترعته أوروبا وروجت له؛ فأصبح ماثلاً على المستوى الأنطولوجي باعتباره خطاب كينونة جوهرانياً يكرس أسطورة الطبائع الثابتة. وهكذا يصبح (الشرق شرقاً والغرب غرباً، ولن يلتقيا) على حد تعبير (كبلنغ)، وصدام الحضارات حقيقة ثابتة لا سبيل لإنكارها أو الالتفاف عليها. غير أن من الضروري التعقيب على هذه المحاجة بالقول إن إدوارد سعيد حاول في أطروحته الكشف عن الطبيعة الأيديولوجية لهذا الصدام ولم يتطرق تحديداً إلى إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب في إطارها الأدبي؛ فالشرق والغرب التقيا ويلتقيان ضمن ذلك الإطار، وهما مستمران في تفعيل هذا اللقاء وفق شروط تفرضها علاقات القوة غير المتكافئة بين الطرفين؛ ولهذا ينبغي لدى استعراض هذه الأنابيش، أو قل الإضاءات التي تكشف ملامح من الاستشراق الأدبي التذكير برأي إدوارد سعيد في هذه العلاقات. يقول سعيد: (المستشرق يستطيع أن يقلد الغرب، ولكن العكس ليس صحيحاً). وبعبارة أخرى فإن المستشرق قادر (بسبب علاقات القوة غير المتكافئة) على الأخذ عن الآداب والثقافات الشرقية دون أن يصبح مقلداً لأصل شرقي. أما الشرقي فإن تقليده للغرب أو أخذه عنه يجعله مقلداً حسب خطاب الأصالة الذي ينطبق عليه وحده.
***
خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت صورة الشرق في الآداب الغربية تعكس ملامح مستمدة من الشرق الأدنى. وقد صار هذا الشرق العربي الإسلامي المرآة الرمزية التي يرى الغرب نفسه بها. وبعبارة أخرى فإن الاستشراق الأدبي صنع تلك المرآة الرمزية التي تعكس شرقاً خاصاً بالغرب يستجيب لحاجاته. فعندما ترجم ريتشارد بيرتون (ألف ليلة وليلة) إلى الإنجليزية (لم تكن الترجمة الأولى) زودها بهوامش جنسية فاضحة حاول فيها إشباع نزواته المقموعة التي لم يكن باستطاعته التعبير عنها في مجتمع فيكتوري متشدد أخلاقياً، فأحال ملاحظاته الشهوية إلى شخصيات (ألف ليلة وليلة) وألصقها بهذه الشخصيات في عملية تدخل مكشوفة ومقحمة على النص. والحال أن (ألف ليلة وليلة) أو (الليالي العربية) صارت متاحة لقراء الإنجليزية في عام 1704م. وقد أعقبتها على الفور عشرات الأعمال الشعرية والقصصية التي نسجت على منوالها.
ولعل ما كتبه الشاعر كولردج حول هذا الكتاب يقدم صورة عن الطريقة التي استقبل بها (الليالي العربية) الوسط الأدبي في إنجلترا. يقول كولردج: (لما كنت قد قرأت جزءاً من هذه الحكايات مرة بعد أخرى، حتى قبل أن أبلغ الخامسة، يمكن التكهن بالتصورات والمشاعر التي سيطرت عليَّ آنذاك. لقد كانت الحكايات - أذكر ذلك جيداً - ملقاة في زاوية من زوايا بيت جدي. وإن أنسَ لا أنسى ذلك المزيج من الرغبة الحادة والرهبة الغامضة، الذي كان يسري في أوصالي كلما حدقت بذلك الكتاب؛ فما أن تسطع شمس الصباح عليه وتكشفه حتى أجدني متشبثاً بهذا الكنز الثمين أحتضنه وأحمله إلى زاوية مشمسة أخرى في ساحة المنزل).
ليس من المبالغة القول إن (ألف ليلة وليلة) وكتباً عربية وشرقية أخرى، هي التي بلورت جنساً أدبياً مميزاً إبان ظهور وازدهار الحركة الرومانسية في الأدب الإنجليزي. هذا الجنس الأدبي أصبح يعرف باسم الرواية (أو الحكاية) الشرقية. وهو يقدم للقارئ سرداً قصصياً تجري أحداثه في الشرقين الأوسط والأقصى، وذلك وفق عمليات تقليد أو استلهام للآداب الشرقية تختلف شدتها وطبيعتها بين حكاية أو رواية أو سردَّية ملحمية وأخرى. ومن هذه الأعمال - على سبيل تعداد القلة لا الحصر - رواية فلسفية للدكتور جونسون عنوانها: (تاريخ راسيلاس أمير الحبشة)، تجري أحداثها بين السويس والقاهرة. ونذكر منها أيضاً قصيدتين ملحميتين للشاعر بايرون هما: (القرصان) وGiaour الأولى تروي قصة كونراد القرصان الشجاع الذي يتصدى لباشا تركي يحاول احتلال الجزيرة التي يتخذها قاعدة له. وعندما يلتقي الطرفان يوهم القرصان خصمه بأنه درويش مسكين فار من القراصنة، ولكن حيلته لا تنطلي على الباشا إذ يصاب بجرح بليغ ويقع في الأسر، ولكن ليس قبل أن ينقذ جلَّنار إحدى محظيات الباشا التي كانت سجينة في جناح للحريم. تحاول المحظية التي أولعت بالقرصان أن تقدم له خنجراً يذبح به الباشا خلال نومه. وعندما يشعر القرصان بالنفور إزاء هذه الفكرة ويعجز عن تنفيذها تسارع جلنار إلى قتله بنفسها ويفر الاثنان إلى الجزيرة التي كان يتخذها قاعدة له فيجد أن حبيبته التي سبق أن هجرها لدى شروعه في مغامرته قد ماتت حزناً عليه.
وأما القصيدة الملحمية Giaour وهي كلمة يقول الشاعر كولردج إنه يمكن إرجاعها إلى أصلها العربي (جور) فهي تروي قصة أمة تدعى ليلى. تعشق الأَمَةُ (جور) الشخصية البايرونية التي جعلها الشاعر بطلاً لملحمته فيعاقبها سيدها (حَسَن) بأن يضعها في كيس يغلقه ثم يرميه في البحر. ولكن (جور) سرعان ما يقتله انتقاماً منه ل(ليلى). بعد أيام يشعر بطل الملحمة بالندم فيعتزل الحياة ويصبح ناسكاً في أحد الأديرة. وفي ملحمة أخرى عنوانها (لالا روخ) يروي توماس مور قصة يسرد أحداثها بمزيج من الشعر والنثر. واللافت أن (لالا روخ) هي ابنة امبراطور الجزيرة العربية. كما أن أحد أبطالها فارس يدعى نبي خراسان المقنع. ويبدو أن توماس مور استوحى هذه الشخصية من قصة (المقنَّع الكِندي) في التاريخ العربي. ومن القصائد الملحمية التي تصنف في عداد الحكايات الشرقية، قصيدة عنوانها (ثَعْلَبَة: المُدَمِّر).. للشاعر ساوثي. اسم (ثعلبة) هذا تحريف لكلمة (ثعلب). وهي قصيدة ملحمية تعتمد في بنائها على إحدى حكايات ألف ليلة وليلة. يقول ساوثي: (من يقرأ الحكايات العربية لا بد أن يجد أنه قد استوعب المعرفة الضرورية لفهم مقاصد هذه القصيدة.. واستكناه روحها). وتدور فكرة هذا العمل حول ساحر يدعى (مغربي) سبق أن أسس في تونس مدرسة خاصة بتعليم السحر. وكما يستعين (فاوست) بالشيطان لقاء بيع روحه له حسب القصة الشهيرة التي اعتمدت إطاراً معروفاً في الآداب الغربية، فإن هذا الساحر يلجأ إلى (إبليس) الذي يتردد باسمه العربي في الملحمة، فينذر نفسه لمهمة التعاون معه من أجل تعليم السحر لأبناء الحكام. ولكن الذين تتلمذوا عليه من هؤلاء يفشلون في تعلم فنون السحر وإتقانها فيلقي بهم في كهوف مخصصة لعمليات التعذيب. وهنا يتدخل أمير سوري يدعى عبدالرحمن، أتقن فنون السحر على نحو تفوق فيه على (مغربي)، فيتغلب عليه ثم يطلق سراح السجناء. ومن المعروف أن السحر هو فن استدعاء القوى فوق الطبيعية بغرض الإيحاء بالسيطرة على القوى الطبيعية؛ ولهذا فهو يستخدم في الملحمة كحيلة تقنية تهدف إلى التأثير في أحداثها وجعل شخصياتها مؤثرة.
ولعل من المفارقة القول إن إدوارد سعيد الذي يعتبر أحد مؤسسي هذا الضرب من النقد الذي تأخر الاعتراف به كمنهج مؤثر في البحث حتى التسعينيات، لم يتطرق إلى مصطلح نقد ما بعد الاستعمار بالذكر في أي من كتابيه: (الاستشراق) و(الثقافة والإمبريالية). ولكن من المحقق أن (الاستشراق) هو في المآل الأخير العمل الذي دشن هذا النوع من النقد التعددي المنزع interdisciplinary بمقارباته التي تمتحُ من معين أنظمة معرفية تسعى إلى سبرِ ونقض النزعة المركزية الأوروبية، وإماطة اللثام عن دورها في صناعة الآخر، أو قل (الشرق) الذي اخترعته أوروبا وروجت له؛ فأصبح ماثلاً على المستوى الأنطولوجي باعتباره خطاب كينونة جوهرانياً يكرس أسطورة الطبائع الثابتة. وهكذا يصبح (الشرق شرقاً والغرب غرباً، ولن يلتقيا) على حد تعبير (كبلنغ)، وصدام الحضارات حقيقة ثابتة لا سبيل لإنكارها أو الالتفاف عليها. غير أن من الضروري التعقيب على هذه المحاجة بالقول إن إدوارد سعيد حاول في أطروحته الكشف عن الطبيعة الأيديولوجية لهذا الصدام ولم يتطرق تحديداً إلى إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب في إطارها الأدبي؛ فالشرق والغرب التقيا ويلتقيان ضمن ذلك الإطار، وهما مستمران في تفعيل هذا اللقاء وفق شروط تفرضها علاقات القوة غير المتكافئة بين الطرفين؛ ولهذا ينبغي لدى استعراض هذه الأنابيش، أو قل الإضاءات التي تكشف ملامح من الاستشراق الأدبي التذكير برأي إدوارد سعيد في هذه العلاقات. يقول سعيد: (المستشرق يستطيع أن يقلد الغرب، ولكن العكس ليس صحيحاً). وبعبارة أخرى فإن المستشرق قادر (بسبب علاقات القوة غير المتكافئة) على الأخذ عن الآداب والثقافات الشرقية دون أن يصبح مقلداً لأصل شرقي. أما الشرقي فإن تقليده للغرب أو أخذه عنه يجعله مقلداً حسب خطاب الأصالة الذي ينطبق عليه وحده.
***
خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت صورة الشرق في الآداب الغربية تعكس ملامح مستمدة من الشرق الأدنى. وقد صار هذا الشرق العربي الإسلامي المرآة الرمزية التي يرى الغرب نفسه بها. وبعبارة أخرى فإن الاستشراق الأدبي صنع تلك المرآة الرمزية التي تعكس شرقاً خاصاً بالغرب يستجيب لحاجاته. فعندما ترجم ريتشارد بيرتون (ألف ليلة وليلة) إلى الإنجليزية (لم تكن الترجمة الأولى) زودها بهوامش جنسية فاضحة حاول فيها إشباع نزواته المقموعة التي لم يكن باستطاعته التعبير عنها في مجتمع فيكتوري متشدد أخلاقياً، فأحال ملاحظاته الشهوية إلى شخصيات (ألف ليلة وليلة) وألصقها بهذه الشخصيات في عملية تدخل مكشوفة ومقحمة على النص. والحال أن (ألف ليلة وليلة) أو (الليالي العربية) صارت متاحة لقراء الإنجليزية في عام 1704م. وقد أعقبتها على الفور عشرات الأعمال الشعرية والقصصية التي نسجت على منوالها.
ولعل ما كتبه الشاعر كولردج حول هذا الكتاب يقدم صورة عن الطريقة التي استقبل بها (الليالي العربية) الوسط الأدبي في إنجلترا. يقول كولردج: (لما كنت قد قرأت جزءاً من هذه الحكايات مرة بعد أخرى، حتى قبل أن أبلغ الخامسة، يمكن التكهن بالتصورات والمشاعر التي سيطرت عليَّ آنذاك. لقد كانت الحكايات - أذكر ذلك جيداً - ملقاة في زاوية من زوايا بيت جدي. وإن أنسَ لا أنسى ذلك المزيج من الرغبة الحادة والرهبة الغامضة، الذي كان يسري في أوصالي كلما حدقت بذلك الكتاب؛ فما أن تسطع شمس الصباح عليه وتكشفه حتى أجدني متشبثاً بهذا الكنز الثمين أحتضنه وأحمله إلى زاوية مشمسة أخرى في ساحة المنزل).
ليس من المبالغة القول إن (ألف ليلة وليلة) وكتباً عربية وشرقية أخرى، هي التي بلورت جنساً أدبياً مميزاً إبان ظهور وازدهار الحركة الرومانسية في الأدب الإنجليزي. هذا الجنس الأدبي أصبح يعرف باسم الرواية (أو الحكاية) الشرقية. وهو يقدم للقارئ سرداً قصصياً تجري أحداثه في الشرقين الأوسط والأقصى، وذلك وفق عمليات تقليد أو استلهام للآداب الشرقية تختلف شدتها وطبيعتها بين حكاية أو رواية أو سردَّية ملحمية وأخرى. ومن هذه الأعمال - على سبيل تعداد القلة لا الحصر - رواية فلسفية للدكتور جونسون عنوانها: (تاريخ راسيلاس أمير الحبشة)، تجري أحداثها بين السويس والقاهرة. ونذكر منها أيضاً قصيدتين ملحميتين للشاعر بايرون هما: (القرصان) وGiaour الأولى تروي قصة كونراد القرصان الشجاع الذي يتصدى لباشا تركي يحاول احتلال الجزيرة التي يتخذها قاعدة له. وعندما يلتقي الطرفان يوهم القرصان خصمه بأنه درويش مسكين فار من القراصنة، ولكن حيلته لا تنطلي على الباشا إذ يصاب بجرح بليغ ويقع في الأسر، ولكن ليس قبل أن ينقذ جلَّنار إحدى محظيات الباشا التي كانت سجينة في جناح للحريم. تحاول المحظية التي أولعت بالقرصان أن تقدم له خنجراً يذبح به الباشا خلال نومه. وعندما يشعر القرصان بالنفور إزاء هذه الفكرة ويعجز عن تنفيذها تسارع جلنار إلى قتله بنفسها ويفر الاثنان إلى الجزيرة التي كان يتخذها قاعدة له فيجد أن حبيبته التي سبق أن هجرها لدى شروعه في مغامرته قد ماتت حزناً عليه.
وأما القصيدة الملحمية Giaour وهي كلمة يقول الشاعر كولردج إنه يمكن إرجاعها إلى أصلها العربي (جور) فهي تروي قصة أمة تدعى ليلى. تعشق الأَمَةُ (جور) الشخصية البايرونية التي جعلها الشاعر بطلاً لملحمته فيعاقبها سيدها (حَسَن) بأن يضعها في كيس يغلقه ثم يرميه في البحر. ولكن (جور) سرعان ما يقتله انتقاماً منه ل(ليلى). بعد أيام يشعر بطل الملحمة بالندم فيعتزل الحياة ويصبح ناسكاً في أحد الأديرة. وفي ملحمة أخرى عنوانها (لالا روخ) يروي توماس مور قصة يسرد أحداثها بمزيج من الشعر والنثر. واللافت أن (لالا روخ) هي ابنة امبراطور الجزيرة العربية. كما أن أحد أبطالها فارس يدعى نبي خراسان المقنع. ويبدو أن توماس مور استوحى هذه الشخصية من قصة (المقنَّع الكِندي) في التاريخ العربي. ومن القصائد الملحمية التي تصنف في عداد الحكايات الشرقية، قصيدة عنوانها (ثَعْلَبَة: المُدَمِّر).. للشاعر ساوثي. اسم (ثعلبة) هذا تحريف لكلمة (ثعلب). وهي قصيدة ملحمية تعتمد في بنائها على إحدى حكايات ألف ليلة وليلة. يقول ساوثي: (من يقرأ الحكايات العربية لا بد أن يجد أنه قد استوعب المعرفة الضرورية لفهم مقاصد هذه القصيدة.. واستكناه روحها). وتدور فكرة هذا العمل حول ساحر يدعى (مغربي) سبق أن أسس في تونس مدرسة خاصة بتعليم السحر. وكما يستعين (فاوست) بالشيطان لقاء بيع روحه له حسب القصة الشهيرة التي اعتمدت إطاراً معروفاً في الآداب الغربية، فإن هذا الساحر يلجأ إلى (إبليس) الذي يتردد باسمه العربي في الملحمة، فينذر نفسه لمهمة التعاون معه من أجل تعليم السحر لأبناء الحكام. ولكن الذين تتلمذوا عليه من هؤلاء يفشلون في تعلم فنون السحر وإتقانها فيلقي بهم في كهوف مخصصة لعمليات التعذيب. وهنا يتدخل أمير سوري يدعى عبدالرحمن، أتقن فنون السحر على نحو تفوق فيه على (مغربي)، فيتغلب عليه ثم يطلق سراح السجناء. ومن المعروف أن السحر هو فن استدعاء القوى فوق الطبيعية بغرض الإيحاء بالسيطرة على القوى الطبيعية؛ ولهذا فهو يستخدم في الملحمة كحيلة تقنية تهدف إلى التأثير في أحداثها وجعل شخصياتها مؤثرة.