1 - موقف الحضرة والجذبة
أوقفني على سكة الحضرة، وقال يظل الإنسان في حيرة من أمر حقيقة وجوده، وحينما يدرك نصف حقيقته أو بعضها يفنى، ولا تستساغ الحياة إلا ببطلان أسبابها، والشقي من تمادى وأضاع وقته في معرفة كنهها، ففي أعقابها تشقى النفوس، ومن دونها تستريح..
وقال: اهرب من الحياة ولا تهرب إليها، فإنها تصون من لا يصونها، وتتمسح في من يعرض عنها، والقبر غايتها ومستقر ناسوتها، والعمر محدود، والرزق مضمون، والاحتراس واجب مما لا ينال، ولا يطال، ولا ينقال..
ثم قال: لا تفوض أمرك لكيمياء الصدفة، فما في الجب إلا الماء، وما في الجبّة إلا الهواء، وما في الجيب إلا الهباء، وما في الجراب إلا الخواء. ولكل داء دواء..
وقال: شد أمرك على درب الحق إلى ساعة بلوغ الحقيقة، وكشف الحجاب عن الحساب، وليكن كلامك مسلحا بالمعاني على مقدار التأويل ومنتهى الغايات، وتحقيق الاستحقاق، وليكن عزمك نبراس عزيمتك، يرفعك إلى سدة القبول والاصطفاء، ويسمو بك إلى مدارك الصفاء..
وقال: سر مستترا بستائر الإسرار، مستورا بسرابيل الستر، فالإسراء بدون سير لا سر له، والسريرة بدون سر لا سيرة لها، والسائر بدون استتار لا سير له، والمسير بدون سمير لا مسرّة له.
2 - موقف الوجد والحال
أوقفني على باب المواجيد، وقال: هذا مقام الوجد، وبلاغة البلاغة بلوغ المكان والزمان وأنت محمول على صهوة التجريد، والوجد مفرد لا يحتمل الجمع، وجمع لا مفرد له، وإجماع لا شريك له في باحة المعاني والكلام، ومبتغاه ملامسة الغاية، وأصله غرائز الغواية، والعيون وسائطه التي تغني عن الإيضاح بالإفصاح، فأستهد بوميض عرفانه الوهاج، واستلذ بلذاذات الانكشاف، واستدل بهاتف الوجدان، واستتر بفيء جود دوح البسط، واستظل بفيض مزنه ما استطعت، ولا تبيتن إلا وأنت في حل من كل إضمار واشتهاء ولو في المنام.
3- موقف التسوّق
أوقفني ترجمان الأسواق على بعد من رفوف السوبرماركت، وأنا بدون متاع، وقال أنت وما تشتهي، والكائن بقدر ما يملك، فكانت البضائع تتمطى وتناوشني وتناديني وتغمز لي بكيمياء البصيرة، وأرنو إليها بيقين التصبر، وأنال منها بطول التبصر ما يسد سغب حرماني، وما يكفيني مؤونة الافتتان بالبصر.
4- موقف الوادي والماء
أوقفني على دلتا الوادي، وقال لي: يوجد في الواد ما يوجد في الوادي، ثم قال عم نهرك، واكتم سرك، وامسح الماء بالماء، وإياك والبلل، واخش من الأنهار الهادئ، ولا تعبأ بالهادر، فإن من عاقته الكياسة والحنكة وقصر الذراع، استعاض عنها باللغو والقيل وطول اللسان.
ثم أوقفني على بسيط الماء، وقال: هذا موقف أفتيناه بإفتاء مليح، وأفضاله ليست تحد، ومنه وبه وفيه وله وعنه وعليه ما لا يعد ولا يحصى.
والماء مياه، ماء الوجه، وماء الحياة، وماء الصلب والغدد، وماء العيون.
فماء الوجه يكسب المهابة.
وماء الحياة يجلب الكآبة.
وماء الصلب والترائب يحدث الجنابة.
وماء العين يوقظ الصبابة.
5- موقف النطق والصمت
أوقفني في دوامة السديم، وقال لي: النطق والصمت ضفتان، كالصوت والصدى، والكلمة والمعنى، والضوء والعتمة، والقوس والرمح، والنهر والطمي، والشيء والظل، والليل والنهار، والإشراق والإظلام، فاحتم بدياميس النهارات، وتجل بانقشاع الحنادس.
وقال: الحياة كوائن أزلية، والفيوضات أحراجها، والحادثات فرسانها، والموسيقا لازوردها الأبدي.
فاكفر بكل نعمة متبوعة بلغط.
ولا تخن ذاكرة مجبولة من صلصالك.
ولا تخذل روحك بسراب خلب.
ولا تغير أحلامك بمجد غير جدير بوجودك.
6- موقف القلم و" الكيبورد "
أوقفني في رحبة الأقلام، وقال لي: القلم وشيعة العبارات، ونول العرفان، ومنسج الأفكار، وزوادة المعرفة، وزاد العارف، ومن بات ومعدته فارغة واستيقظ وهو شبعان مؤتدم بسر ولائم أسراره فتلك كفاية الكفاية.
وقال: أصل القلم الجنة، وصلبه رحيق اليقين، وحبره ريح رياحينها، وهو أسبق للوجود، وسره ثاو في حرف مكنون، ومن منتهى نقطته يكون طواف الكون كله، وبه خط الخالق الكون وشرع أبوابه ورسم تفاصيله، ثم كانت الهيولى وكان الماء وكان العرش وكان ما كان.
ثم قال: وهو زاد الأفكار، ولسانك اللاينطق، والمؤتمن على سور المعارف، وحافظ سيرة أهل الاعتراف من آفة العدم، وأمانات المجالس من الإفشاء، وسره مكتوم على سن لسانه في اللوح المحفوظ، والاحتماء بوارف ظلاله يحمي من وحشة العمه، فاجعله حاجب إرادتك، وترجمان جنانك، ونبع إلهامك، وضامن منطقك، ومغنيك عن نطقك واحتياجك، حيثما ضاق أفق العبارة، واللبيب اللبيب من صانه وسار في أثره على هدي سطور تخط، وأقلام تقط، وتجليات علوم تلتقط، وصحائف تبسط.
7- موقف الأبجدية
أوقفني من دوحة البيان تحت ظل ظليل، وقال: الحروف شجرة الوجود، والكلمات سمت التواجد، وهي ترابها، والمعاني سر الموجودات، وهي فسيلتها، والعبارات مشكاة الإنوجاد، وهي فروعها، والكشوفات براهين الجود وهي ثمارها.
وقال: قسم الحرف سره بين الكلمات، فالشجرة معلمة، وثمارها علوم معلومة بحسب عناصر الوجود وعدد المنازل، تنجلي لذوي العرفان، وتنطوي على نبراس النور، وتنجي من عماء العدم، وتبرئ النفس من شقاوة الضلال.
ثم أوقفني على إشارة الألف، وقال: الألف ألق الأبجدية، وأرخبيل الأنس، وأصل الأمشاج
وأوقفني على باب الباء، وقال: هنا بدر البداعة، وبوصلة البشرى، وبوتقة البشارة.
وأوقفني على تلة التاء، وقال بتمامها يكون تمام التواشيح، وتيجان التيه.
وأوقفني على مثلث الثاء وقال: بثالوثها يثنى الثناء ، وتثبت الثمالة
وأوقفني تحت دوحة الدال، وقال: الدال درع الدواجي، وديباج الدلالة، ودفق الدلال.
وأوقفني على ذروة الذال، وقال هنا ذهاب الذهول، وذود الذمام.
وأوقفني على جرم الجيم، وقال: في الجيم جزء الجواب، وجمر الجوى، وجزالة التجريد، وجرأة الجهر.
وأوقفني على حافة الحاء، وقال: احتم بحرز الحياء يحفظك من حيرة الحدوس.
وأوقفني على خد الخاء، وقال هو خمر الخلود، وخمار الخواطر.
وأوقفني على ربوة الراء، وقال بروائها روعة الرشاقة، ورغبة الرغاب.
وأوقفني على حرف الزاي، وقال: هو زمردة الزهد، وزينة الزهو، وزاد الزمان، وزيق الزنار.
وأوقفني على سن السين، وقال بسناء سلافته تستكين السجايا، وتسترخي السرائر، وتستدفئ السلالات.
وأوقفني على شفا الشين، وقال هو شفاء الشدائد، وشدو الشطحات، وشهقة الشهوة
وأوقفني على صرح الصاد وقال هو صهوة الصفاء، وصهد الإصطلام، وصهيل الصبوات.
على طين الطاء، وقال: الطاء طاسين الطمأنينة، وطيلسان الطهارة، وطهر الطوية.
وأوقفني على ضوء الضاد، وقال هو ضياء الضراعة، وضمان الضرع، وضوع الضمائر.
وأوقفني في ظل الظاء، وقال هو ظلام الظهور، وظمأ الظفر، وظل الظهيرة.
وأوقفني على فص الفاء، وقال هو فيض الفيوضات، وفيضان الفضيلة، وفخر الفطنة.
وأوقفني على قوس القاف وقال هو نقس القرطاس، وقرار القناعة، وقناع القهر.
وأوقفني على كفل الكاف، وقال فيه اكتمال الكمال، وكبرياء الكمنجات، وكناية الكينونة.
وأوقفني على لواء اللام، وقال هو لجين اللفظ، ولباقة الليونة، ولهيب اللوعة.
وأوقفني على مقام الميم، وقال هي ماعون المحو، ومربد البهجة، ومنتهى الملاحة.
وأوقفني على نول النون، وقال هو نبراس النفوس، ونشوة النهاية، ونقاء النوايا.
وأوقفني على هالة الهاء، وقال: الهاء هبة الهناء، وهدوء الهموم، وهلال الهداية.
وأوقفني على وتر الواو، وقال: هو الواو، وفاض الوقاية، ووميض الوفاء، ووكر الوداعة، ووحم الولادة.
وأوقفني على يم الياء، وقال هي ينبوع اليواقيت، ويناعة الياسمين، ويم اليقين
8- موقف الرؤيا
يا أيها النفري
بالأمس حلمت بك
قد تكون أنت
وقد يكون ظلك
وربما بعض من طيفك
لم أتبين ملامحك
وحصيلتك من سفر " النطق والصمت "
ولا رؤية ما في جبتك من أحلام مؤجلة
كنت تقعي لترتوي على ريق القناعة ماء
وتهب مسرعا كالملتاع نحو عراء العراء
جناحاك الريح
مراياك سراب المفازات
خمرتك سلافة المشائين
وزادك حميا اليقين
وعلى منكبيك العاريين عبء العزلات
أنت المجبول من أمشاج المنافي
الآتي على صهوة الغيم
لتنتبذ مكانا قصيا في الفيافي
ترمم شروخ الذات
تداري أوجاعك بأوهام القطيعة
وتصغي لكركرة العتمات
وهمس القبرات للطبيعة
وتهلوس بكلام مبين
عن هواجس طاعنة في الضيم
وصداقات ممعنة في الخديعة
9- موقف الشيخ محمد ابن عبد الجبار
أوقفته في موقف المواقف، وقلت له: ارجع يا أيها النفري يا محمد يا ابن عبد الجبار، وصن سيرتك الأولى، واحفظ وصاياك.
بيني وبينك علم إذا ناله جاهل تكبر، وإذا ناله عالم تجبر، وصحائف لا تتسع لمخاطباتك، وركح لا يسع شطحك، وصنوج كاتمة للصوت، ومطهرات غير قادرة على تنظيف خرقتك، وهواء محشو بنكهة الزرنيخ والأورانيوم المخصب، والديناميت والنفطلين.
عد يا أيها النفري، فقد غاضت بحور الفراهيدي، وغادر الشعراء، وغاب الشرفاء، وقتل الأنبياء، ومات الكبرياء، وهلك المؤرخون، وانعدم الضمير، وبهدلتنا الفواجع، وأضحى المدى مشاعا لغبار المدائح والوشاية، وتلصص المرتزقة والمخبرين..
عد يا أيها النفري، حتى نعتق العامرية من غدر العلوج بآيات بينات من الشعر الرجيم، ونطهر بغداد من هدير الاباتشي، ورجس الشياطين وبلاغة الخطباء المخصيين.
10- موقف الحيرة
فأوقفني في الحيرة وقال:
ودين الرب لم أجد أي جواب.
ماذا فعلنا كي نستأهل هذا العذاب.
أمن الأحياء حقا نحن أم من الميتين.
ماذا اقترفنا كي نشرق بغصة غربتين.
ما ذنبنا يا ألله كي نعذب في حياتنا مرتين.
نقوس المهدي
- من المجموعة القصصة ( ...إلخ ) مطبعة سفي غراف 2015
أوقفني على سكة الحضرة، وقال يظل الإنسان في حيرة من أمر حقيقة وجوده، وحينما يدرك نصف حقيقته أو بعضها يفنى، ولا تستساغ الحياة إلا ببطلان أسبابها، والشقي من تمادى وأضاع وقته في معرفة كنهها، ففي أعقابها تشقى النفوس، ومن دونها تستريح..
وقال: اهرب من الحياة ولا تهرب إليها، فإنها تصون من لا يصونها، وتتمسح في من يعرض عنها، والقبر غايتها ومستقر ناسوتها، والعمر محدود، والرزق مضمون، والاحتراس واجب مما لا ينال، ولا يطال، ولا ينقال..
ثم قال: لا تفوض أمرك لكيمياء الصدفة، فما في الجب إلا الماء، وما في الجبّة إلا الهواء، وما في الجيب إلا الهباء، وما في الجراب إلا الخواء. ولكل داء دواء..
وقال: شد أمرك على درب الحق إلى ساعة بلوغ الحقيقة، وكشف الحجاب عن الحساب، وليكن كلامك مسلحا بالمعاني على مقدار التأويل ومنتهى الغايات، وتحقيق الاستحقاق، وليكن عزمك نبراس عزيمتك، يرفعك إلى سدة القبول والاصطفاء، ويسمو بك إلى مدارك الصفاء..
وقال: سر مستترا بستائر الإسرار، مستورا بسرابيل الستر، فالإسراء بدون سير لا سر له، والسريرة بدون سر لا سيرة لها، والسائر بدون استتار لا سير له، والمسير بدون سمير لا مسرّة له.
2 - موقف الوجد والحال
أوقفني على باب المواجيد، وقال: هذا مقام الوجد، وبلاغة البلاغة بلوغ المكان والزمان وأنت محمول على صهوة التجريد، والوجد مفرد لا يحتمل الجمع، وجمع لا مفرد له، وإجماع لا شريك له في باحة المعاني والكلام، ومبتغاه ملامسة الغاية، وأصله غرائز الغواية، والعيون وسائطه التي تغني عن الإيضاح بالإفصاح، فأستهد بوميض عرفانه الوهاج، واستلذ بلذاذات الانكشاف، واستدل بهاتف الوجدان، واستتر بفيء جود دوح البسط، واستظل بفيض مزنه ما استطعت، ولا تبيتن إلا وأنت في حل من كل إضمار واشتهاء ولو في المنام.
3- موقف التسوّق
أوقفني ترجمان الأسواق على بعد من رفوف السوبرماركت، وأنا بدون متاع، وقال أنت وما تشتهي، والكائن بقدر ما يملك، فكانت البضائع تتمطى وتناوشني وتناديني وتغمز لي بكيمياء البصيرة، وأرنو إليها بيقين التصبر، وأنال منها بطول التبصر ما يسد سغب حرماني، وما يكفيني مؤونة الافتتان بالبصر.
4- موقف الوادي والماء
أوقفني على دلتا الوادي، وقال لي: يوجد في الواد ما يوجد في الوادي، ثم قال عم نهرك، واكتم سرك، وامسح الماء بالماء، وإياك والبلل، واخش من الأنهار الهادئ، ولا تعبأ بالهادر، فإن من عاقته الكياسة والحنكة وقصر الذراع، استعاض عنها باللغو والقيل وطول اللسان.
ثم أوقفني على بسيط الماء، وقال: هذا موقف أفتيناه بإفتاء مليح، وأفضاله ليست تحد، ومنه وبه وفيه وله وعنه وعليه ما لا يعد ولا يحصى.
والماء مياه، ماء الوجه، وماء الحياة، وماء الصلب والغدد، وماء العيون.
فماء الوجه يكسب المهابة.
وماء الحياة يجلب الكآبة.
وماء الصلب والترائب يحدث الجنابة.
وماء العين يوقظ الصبابة.
5- موقف النطق والصمت
أوقفني في دوامة السديم، وقال لي: النطق والصمت ضفتان، كالصوت والصدى، والكلمة والمعنى، والضوء والعتمة، والقوس والرمح، والنهر والطمي، والشيء والظل، والليل والنهار، والإشراق والإظلام، فاحتم بدياميس النهارات، وتجل بانقشاع الحنادس.
وقال: الحياة كوائن أزلية، والفيوضات أحراجها، والحادثات فرسانها، والموسيقا لازوردها الأبدي.
فاكفر بكل نعمة متبوعة بلغط.
ولا تخن ذاكرة مجبولة من صلصالك.
ولا تخذل روحك بسراب خلب.
ولا تغير أحلامك بمجد غير جدير بوجودك.
6- موقف القلم و" الكيبورد "
أوقفني في رحبة الأقلام، وقال لي: القلم وشيعة العبارات، ونول العرفان، ومنسج الأفكار، وزوادة المعرفة، وزاد العارف، ومن بات ومعدته فارغة واستيقظ وهو شبعان مؤتدم بسر ولائم أسراره فتلك كفاية الكفاية.
وقال: أصل القلم الجنة، وصلبه رحيق اليقين، وحبره ريح رياحينها، وهو أسبق للوجود، وسره ثاو في حرف مكنون، ومن منتهى نقطته يكون طواف الكون كله، وبه خط الخالق الكون وشرع أبوابه ورسم تفاصيله، ثم كانت الهيولى وكان الماء وكان العرش وكان ما كان.
ثم قال: وهو زاد الأفكار، ولسانك اللاينطق، والمؤتمن على سور المعارف، وحافظ سيرة أهل الاعتراف من آفة العدم، وأمانات المجالس من الإفشاء، وسره مكتوم على سن لسانه في اللوح المحفوظ، والاحتماء بوارف ظلاله يحمي من وحشة العمه، فاجعله حاجب إرادتك، وترجمان جنانك، ونبع إلهامك، وضامن منطقك، ومغنيك عن نطقك واحتياجك، حيثما ضاق أفق العبارة، واللبيب اللبيب من صانه وسار في أثره على هدي سطور تخط، وأقلام تقط، وتجليات علوم تلتقط، وصحائف تبسط.
7- موقف الأبجدية
أوقفني من دوحة البيان تحت ظل ظليل، وقال: الحروف شجرة الوجود، والكلمات سمت التواجد، وهي ترابها، والمعاني سر الموجودات، وهي فسيلتها، والعبارات مشكاة الإنوجاد، وهي فروعها، والكشوفات براهين الجود وهي ثمارها.
وقال: قسم الحرف سره بين الكلمات، فالشجرة معلمة، وثمارها علوم معلومة بحسب عناصر الوجود وعدد المنازل، تنجلي لذوي العرفان، وتنطوي على نبراس النور، وتنجي من عماء العدم، وتبرئ النفس من شقاوة الضلال.
ثم أوقفني على إشارة الألف، وقال: الألف ألق الأبجدية، وأرخبيل الأنس، وأصل الأمشاج
وأوقفني على باب الباء، وقال: هنا بدر البداعة، وبوصلة البشرى، وبوتقة البشارة.
وأوقفني على تلة التاء، وقال بتمامها يكون تمام التواشيح، وتيجان التيه.
وأوقفني على مثلث الثاء وقال: بثالوثها يثنى الثناء ، وتثبت الثمالة
وأوقفني تحت دوحة الدال، وقال: الدال درع الدواجي، وديباج الدلالة، ودفق الدلال.
وأوقفني على ذروة الذال، وقال هنا ذهاب الذهول، وذود الذمام.
وأوقفني على جرم الجيم، وقال: في الجيم جزء الجواب، وجمر الجوى، وجزالة التجريد، وجرأة الجهر.
وأوقفني على حافة الحاء، وقال: احتم بحرز الحياء يحفظك من حيرة الحدوس.
وأوقفني على خد الخاء، وقال هو خمر الخلود، وخمار الخواطر.
وأوقفني على ربوة الراء، وقال بروائها روعة الرشاقة، ورغبة الرغاب.
وأوقفني على حرف الزاي، وقال: هو زمردة الزهد، وزينة الزهو، وزاد الزمان، وزيق الزنار.
وأوقفني على سن السين، وقال بسناء سلافته تستكين السجايا، وتسترخي السرائر، وتستدفئ السلالات.
وأوقفني على شفا الشين، وقال هو شفاء الشدائد، وشدو الشطحات، وشهقة الشهوة
وأوقفني على صرح الصاد وقال هو صهوة الصفاء، وصهد الإصطلام، وصهيل الصبوات.
على طين الطاء، وقال: الطاء طاسين الطمأنينة، وطيلسان الطهارة، وطهر الطوية.
وأوقفني على ضوء الضاد، وقال هو ضياء الضراعة، وضمان الضرع، وضوع الضمائر.
وأوقفني في ظل الظاء، وقال هو ظلام الظهور، وظمأ الظفر، وظل الظهيرة.
وأوقفني على فص الفاء، وقال هو فيض الفيوضات، وفيضان الفضيلة، وفخر الفطنة.
وأوقفني على قوس القاف وقال هو نقس القرطاس، وقرار القناعة، وقناع القهر.
وأوقفني على كفل الكاف، وقال فيه اكتمال الكمال، وكبرياء الكمنجات، وكناية الكينونة.
وأوقفني على لواء اللام، وقال هو لجين اللفظ، ولباقة الليونة، ولهيب اللوعة.
وأوقفني على مقام الميم، وقال هي ماعون المحو، ومربد البهجة، ومنتهى الملاحة.
وأوقفني على نول النون، وقال هو نبراس النفوس، ونشوة النهاية، ونقاء النوايا.
وأوقفني على هالة الهاء، وقال: الهاء هبة الهناء، وهدوء الهموم، وهلال الهداية.
وأوقفني على وتر الواو، وقال: هو الواو، وفاض الوقاية، ووميض الوفاء، ووكر الوداعة، ووحم الولادة.
وأوقفني على يم الياء، وقال هي ينبوع اليواقيت، ويناعة الياسمين، ويم اليقين
8- موقف الرؤيا
يا أيها النفري
بالأمس حلمت بك
قد تكون أنت
وقد يكون ظلك
وربما بعض من طيفك
لم أتبين ملامحك
وحصيلتك من سفر " النطق والصمت "
ولا رؤية ما في جبتك من أحلام مؤجلة
كنت تقعي لترتوي على ريق القناعة ماء
وتهب مسرعا كالملتاع نحو عراء العراء
جناحاك الريح
مراياك سراب المفازات
خمرتك سلافة المشائين
وزادك حميا اليقين
وعلى منكبيك العاريين عبء العزلات
أنت المجبول من أمشاج المنافي
الآتي على صهوة الغيم
لتنتبذ مكانا قصيا في الفيافي
ترمم شروخ الذات
تداري أوجاعك بأوهام القطيعة
وتصغي لكركرة العتمات
وهمس القبرات للطبيعة
وتهلوس بكلام مبين
عن هواجس طاعنة في الضيم
وصداقات ممعنة في الخديعة
9- موقف الشيخ محمد ابن عبد الجبار
أوقفته في موقف المواقف، وقلت له: ارجع يا أيها النفري يا محمد يا ابن عبد الجبار، وصن سيرتك الأولى، واحفظ وصاياك.
بيني وبينك علم إذا ناله جاهل تكبر، وإذا ناله عالم تجبر، وصحائف لا تتسع لمخاطباتك، وركح لا يسع شطحك، وصنوج كاتمة للصوت، ومطهرات غير قادرة على تنظيف خرقتك، وهواء محشو بنكهة الزرنيخ والأورانيوم المخصب، والديناميت والنفطلين.
عد يا أيها النفري، فقد غاضت بحور الفراهيدي، وغادر الشعراء، وغاب الشرفاء، وقتل الأنبياء، ومات الكبرياء، وهلك المؤرخون، وانعدم الضمير، وبهدلتنا الفواجع، وأضحى المدى مشاعا لغبار المدائح والوشاية، وتلصص المرتزقة والمخبرين..
عد يا أيها النفري، حتى نعتق العامرية من غدر العلوج بآيات بينات من الشعر الرجيم، ونطهر بغداد من هدير الاباتشي، ورجس الشياطين وبلاغة الخطباء المخصيين.
10- موقف الحيرة
فأوقفني في الحيرة وقال:
ودين الرب لم أجد أي جواب.
ماذا فعلنا كي نستأهل هذا العذاب.
أمن الأحياء حقا نحن أم من الميتين.
ماذا اقترفنا كي نشرق بغصة غربتين.
ما ذنبنا يا ألله كي نعذب في حياتنا مرتين.
نقوس المهدي
- من المجموعة القصصة ( ...إلخ ) مطبعة سفي غراف 2015