يأتي وليد سيف في سيرته على هزيمة حزيران ١٩٦٧ و انعكاسها عليه وعلى أبناء جيله ، فقد دفعته إلى الالتحاق بحركة فتح، حيث تسلل إلى دمشق ليتدرب في معسكراتها هناك.و إذا كان هو اختار الفعل ردا على الهزيمة ، من أجل تجاوزها ، فهناك من أصيب بالجنون.
كان أحد زملاء الكاتب يدرس معه، ولما وقعت الحرب وخسرها العرب ، أخذ يكرر :" القمر سقط في البير ، ونسوان الحي ينشلنه" و يعقب سيف على العبارة و تأثيرها عليه : " استوقفتني العبارة ، و وجدت فيها صورة شعرية فذة ، لولا أن سياق الحال و المقال الذي صدرت فيه كان سياق التخليط العقلي " و يضيف :" وأعترف الآن أنني سرقت الصورة من صاحبها إذ جعلتها بعد ذلك في إحدى قصائد مجموعتي الشعرية الأولى التي صدرت عن دار الطليعة عام١٩٦٩ بعنوان " قصائد في زمن الفتح"،أما القصيدة فهي بعنوان " عن الحب والحزن والأطفال".(٢١٨).
ويفبد الشاعر من دراسته اللغوية و يأتي على ظاهرة الانزياح في اللغة الشعرية ليشرح لامعقولية الصورة و لينهي كلامه بعبارة " وعلى أي حال فقد قيل " الفنون جنون"(٢١٩).
وبالعودة إلى القصيدة المذكورة نقرأ المقطع التالي:
"القمر الأبيض يسقط في قاع البئر
ينمو مزرعة للأطفال
ينشل منه رجال القرية وعد الموسم
ونساء القرية حلم
وأنا امشي بين الأشجار"(قصائد في زمن الفتح ، ص٢٠).
وقاريء أشعار محمود درويش و نثره لا يتعثر في البحث عن توظيفه دال القمر منذ فترة مبكرة جدا. ولكن الطريف أنه في كتابه النثري " يوميات الحزن العادي"(١٩٧٣) يكتب مقالة عنوانها " القمر لم يسقط في البئر" ، وفيها يأتي على طفولته وما ألم بنساء القرية في أثناء غيابه عنها.
كان درويش في الخامسة من عمره حين ذهبت امه ، من البروة، إلى عكا، دون أن تأخذه معها، فما كان منه إلا أن لحق بها، وهو لا يعرف الاتجاه ، و وصل عكا ولم يعثر على أمه ، وعاد إلى قريته في ساعات المساء ، وفي هذه الأثناء أخذت النسوة يبحثن عنه .هل سقط في البئر ؟يكتب درويش:
" كانت امي في البيت.وكان أهل البيت والجيران يبحثون عني في كل آبار القرية.حين يضيع الطفل فلا بد أن يكون قد سقط في البئر."(ص٣١،طبعة دار العودة الخامسة في ١٩٨٨/١٠/١٥)
إن تشبيه الطفل بالقمر ليس بمستغرب ، فالطفل جميل ، وكل طفل في أعين أهله قمر، و كم شبه الشعراء العرب محبوباتهم بالقمر "أمانا أيها القمر المطل
فمن جفنيك اسياف تسل"
وربما وجب هنا العودة إلى الأمثال الشعبية وقصة المثل.
في أشعار محمود درويش المبكرة ، منذ " أوراق الزيتون" ، بدأ دال القمر يظهر في في قصائده ، بمعناه القاموسي وبمعناه المجازي أيضا.ففي " أوراق الزيتون" (١٩٦٤) في قصيدة " ثلاث صور" يبدو القمر باردا وحزينا شاردا، وفي قصيدة " عن الشعر " يعاتب الشاعر الدوالي ، والقمر والليالي والقدر ، وفي " أجمل حب" يقول : " حبيبان نحن إلى أن ينام القمر" ، وفي قصيدة (لوركا) يكون القمر للشاعر عشا إن جلس ، وتكتسي بالدم بسمات القمر. وفي " عاشق من فلسطين"(١٩٦٦) يخاطب درويش ، في قصيدته " قمر الشتاء" :
يا شعراء أمتنا المجيدة
أنا قاتل القمر الذي
كنتم عبيده"
ويكون قلبه على قمر تحجر في مكان.وللشاعر قصيدة عنوانها " خائف من القمر" ، واما أبوه فقد غض طرفا عن القمر وانحنى يحفر التراب.
هل كان درويش متأثرا بالشعر العربي القديم " يا شعراء أمتنا المجيدة/ أنا قاتل القمر الذي/ كنتم عبيده"؟ أم كان متأثرا بالشعر العالمي وتحديدا بشعر ( لوركا):" وله الأقمار عش إن جلس"؟.
لم أقرأ ( لوركا) بالإسبانية ، وما لدي من شعره ديوان عنوانه " شاعر في نيويورك" ترجمه حسين عبد الزهرة مجيد وصدر عن دار أزمنة في العام ١٩٩٤، وفيه يتكرر دال القمر تكرارا لافتا ، ولو أخذنا قصيدة " المقبرة اليهودية"(١٠٣) ل قرأنا عن " الإشراقة الرهيبة للقمر" و" القمر نقش على مرمرته اسماء عتيقة وأشرطة بالية " ، وهناك قصيدة عنوانها " قمر وبانوراما الحشرات" و ...و..
وسيكون القمر في ديوان وليد سيف " وشم على ذراع خضرة" (١٩٧١) ذا حضور. ففي قصيدة " اعراس" التي أشار إلى تأثره فيها ب(لوركا) كان القمر غجريا و داعرا و وحشيا و غادرا.فهل كان دال القمر في أشعار درويش بارزا لبروزه في شعر ( لوركا)؟
إذا طالع المرء (موتيف)ات (موتيفات) الأدب العالمي فإنه سيلحظ بروز هذا الدال منذ عهود سابقة، في الشعر وفي النثر، بل وفي الكتب المقدسة ، فقد ورد بمعان مختلفة وكان مقدسا، بل رآه ابراهيم ، لوهلة، ربه.
أحب الناس القمر و خافوا منه ، وكانوا عبدوه أصلا ، وما على القاريء إن أراد أن يقرأ عن القمر في القرآن أو في الشعر العربي ؛ قديمه وحديثه ، أو في علم النفس سوى أن يكتب عبارة في محرك البحث ( غوغل) ليرى. وما يهمني هنا هو تأثر وليد سيف بمحمود درويش أو تأثيره فيه وتأثر كليهما بالشاعر الإسباني ( غارسيا لوركا).
عام مبارك
كان أحد زملاء الكاتب يدرس معه، ولما وقعت الحرب وخسرها العرب ، أخذ يكرر :" القمر سقط في البير ، ونسوان الحي ينشلنه" و يعقب سيف على العبارة و تأثيرها عليه : " استوقفتني العبارة ، و وجدت فيها صورة شعرية فذة ، لولا أن سياق الحال و المقال الذي صدرت فيه كان سياق التخليط العقلي " و يضيف :" وأعترف الآن أنني سرقت الصورة من صاحبها إذ جعلتها بعد ذلك في إحدى قصائد مجموعتي الشعرية الأولى التي صدرت عن دار الطليعة عام١٩٦٩ بعنوان " قصائد في زمن الفتح"،أما القصيدة فهي بعنوان " عن الحب والحزن والأطفال".(٢١٨).
ويفبد الشاعر من دراسته اللغوية و يأتي على ظاهرة الانزياح في اللغة الشعرية ليشرح لامعقولية الصورة و لينهي كلامه بعبارة " وعلى أي حال فقد قيل " الفنون جنون"(٢١٩).
وبالعودة إلى القصيدة المذكورة نقرأ المقطع التالي:
"القمر الأبيض يسقط في قاع البئر
ينمو مزرعة للأطفال
ينشل منه رجال القرية وعد الموسم
ونساء القرية حلم
وأنا امشي بين الأشجار"(قصائد في زمن الفتح ، ص٢٠).
وقاريء أشعار محمود درويش و نثره لا يتعثر في البحث عن توظيفه دال القمر منذ فترة مبكرة جدا. ولكن الطريف أنه في كتابه النثري " يوميات الحزن العادي"(١٩٧٣) يكتب مقالة عنوانها " القمر لم يسقط في البئر" ، وفيها يأتي على طفولته وما ألم بنساء القرية في أثناء غيابه عنها.
كان درويش في الخامسة من عمره حين ذهبت امه ، من البروة، إلى عكا، دون أن تأخذه معها، فما كان منه إلا أن لحق بها، وهو لا يعرف الاتجاه ، و وصل عكا ولم يعثر على أمه ، وعاد إلى قريته في ساعات المساء ، وفي هذه الأثناء أخذت النسوة يبحثن عنه .هل سقط في البئر ؟يكتب درويش:
" كانت امي في البيت.وكان أهل البيت والجيران يبحثون عني في كل آبار القرية.حين يضيع الطفل فلا بد أن يكون قد سقط في البئر."(ص٣١،طبعة دار العودة الخامسة في ١٩٨٨/١٠/١٥)
إن تشبيه الطفل بالقمر ليس بمستغرب ، فالطفل جميل ، وكل طفل في أعين أهله قمر، و كم شبه الشعراء العرب محبوباتهم بالقمر "أمانا أيها القمر المطل
فمن جفنيك اسياف تسل"
وربما وجب هنا العودة إلى الأمثال الشعبية وقصة المثل.
في أشعار محمود درويش المبكرة ، منذ " أوراق الزيتون" ، بدأ دال القمر يظهر في في قصائده ، بمعناه القاموسي وبمعناه المجازي أيضا.ففي " أوراق الزيتون" (١٩٦٤) في قصيدة " ثلاث صور" يبدو القمر باردا وحزينا شاردا، وفي قصيدة " عن الشعر " يعاتب الشاعر الدوالي ، والقمر والليالي والقدر ، وفي " أجمل حب" يقول : " حبيبان نحن إلى أن ينام القمر" ، وفي قصيدة (لوركا) يكون القمر للشاعر عشا إن جلس ، وتكتسي بالدم بسمات القمر. وفي " عاشق من فلسطين"(١٩٦٦) يخاطب درويش ، في قصيدته " قمر الشتاء" :
يا شعراء أمتنا المجيدة
أنا قاتل القمر الذي
كنتم عبيده"
ويكون قلبه على قمر تحجر في مكان.وللشاعر قصيدة عنوانها " خائف من القمر" ، واما أبوه فقد غض طرفا عن القمر وانحنى يحفر التراب.
هل كان درويش متأثرا بالشعر العربي القديم " يا شعراء أمتنا المجيدة/ أنا قاتل القمر الذي/ كنتم عبيده"؟ أم كان متأثرا بالشعر العالمي وتحديدا بشعر ( لوركا):" وله الأقمار عش إن جلس"؟.
لم أقرأ ( لوركا) بالإسبانية ، وما لدي من شعره ديوان عنوانه " شاعر في نيويورك" ترجمه حسين عبد الزهرة مجيد وصدر عن دار أزمنة في العام ١٩٩٤، وفيه يتكرر دال القمر تكرارا لافتا ، ولو أخذنا قصيدة " المقبرة اليهودية"(١٠٣) ل قرأنا عن " الإشراقة الرهيبة للقمر" و" القمر نقش على مرمرته اسماء عتيقة وأشرطة بالية " ، وهناك قصيدة عنوانها " قمر وبانوراما الحشرات" و ...و..
وسيكون القمر في ديوان وليد سيف " وشم على ذراع خضرة" (١٩٧١) ذا حضور. ففي قصيدة " اعراس" التي أشار إلى تأثره فيها ب(لوركا) كان القمر غجريا و داعرا و وحشيا و غادرا.فهل كان دال القمر في أشعار درويش بارزا لبروزه في شعر ( لوركا)؟
إذا طالع المرء (موتيف)ات (موتيفات) الأدب العالمي فإنه سيلحظ بروز هذا الدال منذ عهود سابقة، في الشعر وفي النثر، بل وفي الكتب المقدسة ، فقد ورد بمعان مختلفة وكان مقدسا، بل رآه ابراهيم ، لوهلة، ربه.
أحب الناس القمر و خافوا منه ، وكانوا عبدوه أصلا ، وما على القاريء إن أراد أن يقرأ عن القمر في القرآن أو في الشعر العربي ؛ قديمه وحديثه ، أو في علم النفس سوى أن يكتب عبارة في محرك البحث ( غوغل) ليرى. وما يهمني هنا هو تأثر وليد سيف بمحمود درويش أو تأثيره فيه وتأثر كليهما بالشاعر الإسباني ( غارسيا لوركا).
عام مبارك