عندما كنّا صغارا ، كنّا نتحلَّق حول والدي ومذياعه الذي كان يلتقط الاذاعات الخارجية الواقعة خارج حدود الوطن المُحاصر وبعيدا عن مخالب حكّامه ، فقد كانت الاذاعات المحلّية مليئة بالتفاهات والكذب عن انتصاراتٍ وهمية وقرقعة شعارات جوفاء ، فكان مذياع والدي يحدّثنا عن احزاننا ومظلوميتنا حريصين على ان يكون صوت المذياع منخفضاً كي لا يصل مسامع رجال الأمن ، لكن الأمور تغيّرت واختفت البنادق وكلاب البوليس السرّي وعمَّ الفرح الجميع بما فيهم والدي الذي آمن بنظام ديمقراطي جديد وانتخاباتٍ أوصلت رجالاٍ جُدد الى سُدّة الحكم ينثرون الأمل على رؤوس المواطنين التُعساء لتنتهي معاناتهم ، مرَّت السنوات ومات والدي حزيناً وخيّم الظلام على سماء الوطن من جديد ، وبعد ان اشتعل رأسي بالمشيب أخرجت مذياع والدي ونَفضتُ عنه الغبار لأستمع انا واولادي الى الاذاعات الخارجية بصوت منخفض ... بعيدا عن رجال الامن والبنادق وكلاب البوليس السرّي.
عمار حميد مهدي - العراق
عمار حميد مهدي - العراق