في إطار الرؤية الستراتيجية لبناء الدول والمجتمعات الحديثة ، وخاصة ً تلك التي ما زالتْ في طور التشكّل والتفكير والتخطيط ، أو التي تعيش المرحلة الانتقالية الحرجة بمصاعبها وإشكالاتها وإفرازاتها المتعددة والعراق واحد من تلك الدول ... في إطار هذه الرؤية ينبثقُ سؤالُ الحداثة بمأزقِهِ الحضاري الصعب :
- مَنْ يبني الدولة ... ومَنْ يبني المُجتمع ؟
هل يبنيهما -الدولة والمجتمع معاً - موظفو الدولة التقليديون بدوامهم الروتيني اليومي ؟ أَمْ يبنيهما القادة التأريخيون للشعوب ، والثوِّار، والأبطال الوطنيون بخصائصهم وهويتهم التأريخية بلحظة الزمن المُكَثَّفة؟
وفي حدود الشق الأول من السؤال تأتي الإجابة واضحةً في التجربة العراقية الراهنة بأنَّ لدينا في الرئاسآت الثلاث (الجمهورية والنواب ومجلس الوزراء) بكافة أعضاء مجلس النواب والوزراء والوزارات والأعضاء ، وكذلك في مجالس المحافظات والحكومات المحلية، موظفون يُعَدون بالآلآف المؤلفة، لكنهم يبقون مجرد موظفين حكوميين عاديين يعيشون في دوائر ومؤسسات وشركات تحوم حولها شبهات الفساد الذي تزدادُ نسبتُهُ داخل المنظومة الحكومية الرسمية بإدلة وإحصائيات وجداول تصدرها هيئات النزاهة والرقابة المالية واللجان الحكومية والبرلمانية ، إضافةً إلى مؤشرات وبيانات صادرة من منظمات ومؤسسات دولية ، وقد أصبحتْ هذه المعلومات معروفة ومتداولة وتتناقلها وسائل الإعلام و(الميديا) الاجتماعية واسعة الانتشار والتداول.
فإولئك يبقون موظفين يَعدُّون الأيام ليستلموا الرواتب والمخصَّصات المالية ولديهم الامتيازات المُمَيَّزة، لكنهم غير معنيين بمشروع بناء الدولة والمجتمع وبناء المدن الحضارية العصرية التي ينبغي لها مغادرة محطة التغني بالماضي المتهرئ القديم لتبدأ رحلتها صوب المستقبل.
إذن مَنْ يبني الدولة والمجتمع معاً ؟
هل تبنيها صورة الحداثة الغائبة عن العقل السياسي بأزماتِهِ المستنسخة لدينا، أَمْ تبنيها إنجازات العلم المُعطَّلة؟ أمْ تبنيها الأفكار المُعلَّقة بالغيبيات الميتافيزيقية ،والتعلّق بحبال الماضي ،والتشبُّث بالقشور وترك فاكهة العمل والإنجاز والتأسيس تجفُّ في أشجار الانتظار حتى تتيبس وتعبث بها رياح الزمن ؟
هل تبنيها المؤسسات الحكومية التي تعاني في بعض مفاصلها من الوهن والضعف والتي سرعان ما تصطدم بسلاح العشائر المُدَجَّن اجتماعياً بكافة مظاهرِهِ ومخاطرِهِ وسلبياتِهِ والتي غالباً ما تنتهي بعملية إشهار السلاح الشخصي ضدَّ سلاح الدولة الرسمي ؟ أَمْ تبنيها المؤسسات الحكومية وهي تصارع السلاح المنفلت للجماعات المُسلَّحة ، وقد أصبح الحديث عن هذه الظاهرة الأخيرة يدور جهاراً نهاراً وبشكل رسمي من خلال المؤتمرات الصحفية والكلمات المتلفزة التي تتناقلها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد أعلن السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رسمياً وبشكل صريح عن وجود مافيات وعصابات وجهات متنفذة خارجة عن القانون تعبث بثروات ومُقدّرات هذا البلد الغني وبما يَحرمُ المجتمع من التمتع بخيراته ، وكشفتْ الحملة الوطنية التي قادها (الكاظمي) بالسيطرة العسكرية الرسمية على المنافذ الحدودية في محافظات الوسط والجنوب عن حقيقة هذه الظاهرة وتجذرها السرطاني خارج هيكل الدولة الرسمية، ومدى ما تلحقُهُ مِن ضرر وتدمير في البنى الاقتصادية للدولة ، وما تشيعُهُ ، في بعض جوانبها،من خراب وتراكم في أرصدة المال السياسي الفاسد.
تُرى في أيِّ عقل تشكَّلتْ، أو ينبغي لَها أنْ تتشكَّل، صورة الدولة المستقبلية والمجتمع الذي يحكمُهُ ذلك العقل ويقودُهُ ،وقد سَبَقَ لهذا المجتمع أن أنجبَ تلك العقول المركزية الحاكمة واختارها لكي تقودَهُ ؟
هل يتسِّعُ العقل الديني وخطابهُ التقليدي، وسيادة العُرف والمنطق العشائري ، ونظام المحاصصة السياسي ، ولغة المغانم والمصالح المُتبادَلة لتثبيت الرؤى والتصوِّرات والأفكار عن دولة ومجتمع ومدن المستقبل ؟
وقبل هذا وذاك هل لدينا أيِّ تصوِّر أو مشروع ستراتيجي لدولة المستقبل الغائبة عن عقول موظفي الدولة، وغائبة كذلك عن رؤية وتصوِّر وأفكار العقل السياسي الذي يتوجّبُ عليه الإمساك بدفة سؤال الحداثة وسؤال المعنى والجدوى؟
ولا بُدَّ لي من التذكير ،هنا، أنني أتحدثُ عن الفلسفة ..فلسفة بناء الدولة والمجتمع معاً بمرتكزاتها الرئيسة ومجالاتها الحيوية المُهِمِّة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ،وليس الفلسفة بمعناها التجريدي والانشغال بصياغة المُثُل والمصطلحات والمفاهيم ، وأنما إنطلاقاً من كون الفلسفة منظومة أفكار متكاملة والتي في ضوء معطياتها الفكرية والعلمية يتمُّ بناء الدول والمجتمعات الحضارية المعاصرة والمُدن المستقبلية .
تداخل الألوان الثلاثة؟
*****
وفي ظلِّ ظاهرة تعدد حالات وصور العجز والشلل والاضطراب التي تعِّمُ حياتنا السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ،مع سيادة الخلل والقصور والتجاهل الحضاري الشامل نتيجة ً سوء الخدمات أو انعدامها مع ارتفاع نسبة الملايين العاطلين عن العمل، وازدياد نسبة الفقر بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية منذ عام عام 2015، في ظل هذه الظاهرة وصورها المتكاثرة تداخلتْ الألوان في إشارات المرور(الترفك لايت) داخل منظومة الحياة العامة مع بعضها البعض ،وما عاد الجميع قادراً على التمييز بينها ، ومع ازدياد الخطوط الحمراء التي يتبجَّحُ الكثير بإعلإنها بين الحين والآخر في هذا الجانب أو ذاك من تلك الحياة الشاحبة، اختفتْ المناطق الخضراء التي كان من الممكن العمل داخلها والتباهي بنسبة الإنجاز فيها،ولذا فقد أُغلقتْ بعض الشوارع والطرق وخطوط المرور السريع، ونزل المشاة والسابلة الى البعض الاخر من تلك الشوارع، في حين إحتلَّ الباعة المتجولون المتبقي من تلك الشوارع ، واختفتْ الأرصفة والممرَّات،وانتشرتْ مَكبَّات القُمامة في الساحات والأماكن المفتوحة .
أمّا التجمُّعات السكانية العشوائية أو ما يُطلق عليها شعبياً ب( الحواسم ) وسكّانها من الفقراء والمُعدمين فقد شوَّهتْ هذه التجمعات الإنسانية ملامح وصور المدن العراقية دون أنْ يلوحَ في الأفق حَلٌّ لهذه المُعضلة المجتمعية.
وإزاء كُلّ ما نعيشهُ من اضطراب وترقّب وتوتر نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة بالتزامن مع الأزمة الصحية الناتجة عن تفشي وباء( كورونا) تزامناً مع بدء العد التنازلي للانتخابات المبكرة في 6/ حزيران/ 2021 ...
هل بإمكاننا طرح مشروع صناعة سؤال الحداثة وسؤال المعنى وسؤال الجدوى؟
- مَنْ يبني الدولة ... ومَنْ يبني المُجتمع ؟
هل يبنيهما -الدولة والمجتمع معاً - موظفو الدولة التقليديون بدوامهم الروتيني اليومي ؟ أَمْ يبنيهما القادة التأريخيون للشعوب ، والثوِّار، والأبطال الوطنيون بخصائصهم وهويتهم التأريخية بلحظة الزمن المُكَثَّفة؟
وفي حدود الشق الأول من السؤال تأتي الإجابة واضحةً في التجربة العراقية الراهنة بأنَّ لدينا في الرئاسآت الثلاث (الجمهورية والنواب ومجلس الوزراء) بكافة أعضاء مجلس النواب والوزراء والوزارات والأعضاء ، وكذلك في مجالس المحافظات والحكومات المحلية، موظفون يُعَدون بالآلآف المؤلفة، لكنهم يبقون مجرد موظفين حكوميين عاديين يعيشون في دوائر ومؤسسات وشركات تحوم حولها شبهات الفساد الذي تزدادُ نسبتُهُ داخل المنظومة الحكومية الرسمية بإدلة وإحصائيات وجداول تصدرها هيئات النزاهة والرقابة المالية واللجان الحكومية والبرلمانية ، إضافةً إلى مؤشرات وبيانات صادرة من منظمات ومؤسسات دولية ، وقد أصبحتْ هذه المعلومات معروفة ومتداولة وتتناقلها وسائل الإعلام و(الميديا) الاجتماعية واسعة الانتشار والتداول.
فإولئك يبقون موظفين يَعدُّون الأيام ليستلموا الرواتب والمخصَّصات المالية ولديهم الامتيازات المُمَيَّزة، لكنهم غير معنيين بمشروع بناء الدولة والمجتمع وبناء المدن الحضارية العصرية التي ينبغي لها مغادرة محطة التغني بالماضي المتهرئ القديم لتبدأ رحلتها صوب المستقبل.
إذن مَنْ يبني الدولة والمجتمع معاً ؟
هل تبنيها صورة الحداثة الغائبة عن العقل السياسي بأزماتِهِ المستنسخة لدينا، أَمْ تبنيها إنجازات العلم المُعطَّلة؟ أمْ تبنيها الأفكار المُعلَّقة بالغيبيات الميتافيزيقية ،والتعلّق بحبال الماضي ،والتشبُّث بالقشور وترك فاكهة العمل والإنجاز والتأسيس تجفُّ في أشجار الانتظار حتى تتيبس وتعبث بها رياح الزمن ؟
هل تبنيها المؤسسات الحكومية التي تعاني في بعض مفاصلها من الوهن والضعف والتي سرعان ما تصطدم بسلاح العشائر المُدَجَّن اجتماعياً بكافة مظاهرِهِ ومخاطرِهِ وسلبياتِهِ والتي غالباً ما تنتهي بعملية إشهار السلاح الشخصي ضدَّ سلاح الدولة الرسمي ؟ أَمْ تبنيها المؤسسات الحكومية وهي تصارع السلاح المنفلت للجماعات المُسلَّحة ، وقد أصبح الحديث عن هذه الظاهرة الأخيرة يدور جهاراً نهاراً وبشكل رسمي من خلال المؤتمرات الصحفية والكلمات المتلفزة التي تتناقلها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد أعلن السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي رسمياً وبشكل صريح عن وجود مافيات وعصابات وجهات متنفذة خارجة عن القانون تعبث بثروات ومُقدّرات هذا البلد الغني وبما يَحرمُ المجتمع من التمتع بخيراته ، وكشفتْ الحملة الوطنية التي قادها (الكاظمي) بالسيطرة العسكرية الرسمية على المنافذ الحدودية في محافظات الوسط والجنوب عن حقيقة هذه الظاهرة وتجذرها السرطاني خارج هيكل الدولة الرسمية، ومدى ما تلحقُهُ مِن ضرر وتدمير في البنى الاقتصادية للدولة ، وما تشيعُهُ ، في بعض جوانبها،من خراب وتراكم في أرصدة المال السياسي الفاسد.
تُرى في أيِّ عقل تشكَّلتْ، أو ينبغي لَها أنْ تتشكَّل، صورة الدولة المستقبلية والمجتمع الذي يحكمُهُ ذلك العقل ويقودُهُ ،وقد سَبَقَ لهذا المجتمع أن أنجبَ تلك العقول المركزية الحاكمة واختارها لكي تقودَهُ ؟
هل يتسِّعُ العقل الديني وخطابهُ التقليدي، وسيادة العُرف والمنطق العشائري ، ونظام المحاصصة السياسي ، ولغة المغانم والمصالح المُتبادَلة لتثبيت الرؤى والتصوِّرات والأفكار عن دولة ومجتمع ومدن المستقبل ؟
وقبل هذا وذاك هل لدينا أيِّ تصوِّر أو مشروع ستراتيجي لدولة المستقبل الغائبة عن عقول موظفي الدولة، وغائبة كذلك عن رؤية وتصوِّر وأفكار العقل السياسي الذي يتوجّبُ عليه الإمساك بدفة سؤال الحداثة وسؤال المعنى والجدوى؟
ولا بُدَّ لي من التذكير ،هنا، أنني أتحدثُ عن الفلسفة ..فلسفة بناء الدولة والمجتمع معاً بمرتكزاتها الرئيسة ومجالاتها الحيوية المُهِمِّة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ،وليس الفلسفة بمعناها التجريدي والانشغال بصياغة المُثُل والمصطلحات والمفاهيم ، وأنما إنطلاقاً من كون الفلسفة منظومة أفكار متكاملة والتي في ضوء معطياتها الفكرية والعلمية يتمُّ بناء الدول والمجتمعات الحضارية المعاصرة والمُدن المستقبلية .
تداخل الألوان الثلاثة؟
*****
وفي ظلِّ ظاهرة تعدد حالات وصور العجز والشلل والاضطراب التي تعِّمُ حياتنا السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ،مع سيادة الخلل والقصور والتجاهل الحضاري الشامل نتيجة ً سوء الخدمات أو انعدامها مع ارتفاع نسبة الملايين العاطلين عن العمل، وازدياد نسبة الفقر بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية منذ عام عام 2015، في ظل هذه الظاهرة وصورها المتكاثرة تداخلتْ الألوان في إشارات المرور(الترفك لايت) داخل منظومة الحياة العامة مع بعضها البعض ،وما عاد الجميع قادراً على التمييز بينها ، ومع ازدياد الخطوط الحمراء التي يتبجَّحُ الكثير بإعلإنها بين الحين والآخر في هذا الجانب أو ذاك من تلك الحياة الشاحبة، اختفتْ المناطق الخضراء التي كان من الممكن العمل داخلها والتباهي بنسبة الإنجاز فيها،ولذا فقد أُغلقتْ بعض الشوارع والطرق وخطوط المرور السريع، ونزل المشاة والسابلة الى البعض الاخر من تلك الشوارع، في حين إحتلَّ الباعة المتجولون المتبقي من تلك الشوارع ، واختفتْ الأرصفة والممرَّات،وانتشرتْ مَكبَّات القُمامة في الساحات والأماكن المفتوحة .
أمّا التجمُّعات السكانية العشوائية أو ما يُطلق عليها شعبياً ب( الحواسم ) وسكّانها من الفقراء والمُعدمين فقد شوَّهتْ هذه التجمعات الإنسانية ملامح وصور المدن العراقية دون أنْ يلوحَ في الأفق حَلٌّ لهذه المُعضلة المجتمعية.
وإزاء كُلّ ما نعيشهُ من اضطراب وترقّب وتوتر نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة بالتزامن مع الأزمة الصحية الناتجة عن تفشي وباء( كورونا) تزامناً مع بدء العد التنازلي للانتخابات المبكرة في 6/ حزيران/ 2021 ...
هل بإمكاننا طرح مشروع صناعة سؤال الحداثة وسؤال المعنى وسؤال الجدوى؟