ولد سعد مكاوي حسن في 6 أغسطس سنة 1916 في قرية الدلاتون ، مركز شبين الكوم التابع لمحافظة المنوفية ، تلقى تعليمه في مدرسة التوفيقية الابتدائية ومدرسة شبرا وفؤاد الأول الثانوية . سافر إلى باريس عام 1936 لدراسة الطب بيد أنه " يفشل ويحول دراسته إلى الآداب بالسربون"(1) ليعود في عام 1940 دون أن يحصل على الليسانس في الآداب بسبب الحرب ، وربما لأسباب أخرى ، المهم أن المدة التي قضاها كاتبنا في باريس سواء في كلية الطب أو في كلية الآداب – ساعدته على دراسة بعض العلوم ذات الصلة الوثيقة بالأدب ، مثل : علم الجمال وعلم النفس وسيكولوجية الجنس والتعرف على أصول القصة والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي ، هذا إلى جانب تعرفه على بعض قضايا العلم الحديثة ، وقد أشار في أحد أحاديثه الصحفية إلى حبه لقراءة الكتب العلمية (2)، على أية حال سيبدو أثر كل هذا واضحاً فيما يؤلف ويترجم ، كما سنرى في عرض قائمة إنتاجه الأدبي .
عاد سعد مكاوي إذن من باريس دون أن يحصل على شهادة جامعية مثله في ذلك مثل أستاذه توفيق الحكيم ، ومن ثم لم يكن أمامه سوى العمل في الصحافة وكتابة القصة القصيرة ، إذ تولى الإشراف على صفحة الأدب في جريدة المصري عام 1947(3) وكانت من أوسع الجرائد المصرية انتشارا ً في عالم الصحافة والأدب آنذاك ، وقد مكنه هذا العمل من نشر أهم قصصه ذات الصبغة الواقعية ، أو (الواقعية الانحيازية) على حد قول الدكتور سيد حامد النساج، وهى القصص التي ضمنها مجموعتي " الماء العكر " ، " والزمن الوغد " ، وفى الوقت نفسه فتح باب النشر أمام كثير من نقاد اليسار وأدبائه أمثال : محمد مندور – عبد الرحمن الشرقاوى *، يوسف إدريس – سعد الدين وهبه – نعمان عاشور وغيرهم (4)، لكن من أسف ، أغلقت جريدة المصري مع إلغاء الأحزاب عام 1954م، ويمر عامان لينتقل بعدها للإشراف على الصفحة الأدبية في جريدة الشعب عام 1956م ليظل بها حتى عام 1959م ومن جريدة الشعب ينتقل للعمل كاتباً بجريدة الجمهورية لسان حال الثورة آنذاك، وهناك يتبارى نتاجه الأدبي مع نتاج يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوى ، إذ ينشر على صفحاتها ابتداء من يناير 1963م رائعته في الرواية التاريخية ، والتي ستظل علامة في تاريخ الرواية العربية ، " السائرون نياما " مبلورا فيها بتقنية فنية عالية رؤيته الواقعية والتاريخية للمجتمع المصري في ذلك الحين من خلال فترة تاريخية من العصر المملوكي .
ينتقل الكاتب بعد ذلك للعمل في وزارة الثقافة حتى إحالته إلى المعاش ، فيعمل مشرفا على لجنة النصوص السينمائية ، لينتقل بعدها – وفى عامه الأخير قبل سن المعاش – رئيساً لهيئة المسرح حتى 16 أغسطس 1976 وهو تاريخ بلوغه سن الستين ، أما آخر أعماله الوظيفية فكان مقرراً للجنة القصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ، وقد لازمه هذا العمل حتى وفاته في 11 أكتوبر 1985م **.
وواضح من خلال هذه المرحلة الخصبة من العمل في الصحافة و وزارة الثقافة ، أن الكاتب كانت لديه الفرص المتاحة للوصول إلى عالم الشهرة ، وفرض الذات ، بيد أن الكاتب كان عازفاً عن كل هذا ، ولعل هذا راجع إلى حساسيته المفرطة وميله إلى العزلة والابتعاد عن " الشللية " والمجتمعات والأندية الأدبية " منذ الصبا الأول والميل إلى التأمل طبيعة أصيلة في تكويني .. لذلك تجد في بعض نماذجي القصصية سخرية رفيقة من الذين لا هم لهم إلا أن يكونوا واسطة العقد ، أو زهرة المجلس .. حتى متعي في الطفولة والصبا كانت من النوع الذي ينأى عن الضجيج والزحام ، ويجنح إلى فرص التأمل" (6)ويقودنا هذا إلى الحديث عن نشأة الكاتب وتكوينه الاجتماعي والثقافي .
ينتمي سعد مكاوي إلى الريف المصري الفقير " الذي يسوده عبق التصوف" لذلك تكثر في أعماله أسماء وشخصيات ريفية ، بل أن أدبه قائم على ثنائية الريف والمدينة إذ يعدان المكانين الأساسيين في بناء أي عمل فنى له ، نرى ذلك في أعماله الأولى والأخيرة على حد سواء ، و لنترك الكاتب يتحدث عن نشأته في ظل القرية والجو الصوفي وتأثير ذلك على رؤيته للحياة والفن ،إذ يقول :" كان أبى من طبقة المتصوفة ، التى أخذت روح التصوف الحقيقي في معناه الكلى ليس التصوف الذي يفر من الواقع في صورته الشائعة ، بل الذي ينظر إلى الواقع من خلال رؤية كلية تنفذ إلى الماوراء لدرجة أنها قد تربط المعنى الإنساني الكلى وحقائق الوجود الأصلية بالمصير الإنساني ، مما يهب النفس قدراً من الثقافة , والتصرف بهذا المعنى يعطى الإنسان قدرة على أن يستشف كل حقائق الوجود والحياة ، بحيث تكون النظرة الجوانية للإنسان هي القوة السائدة .
من خلال هذا الطراز النادر للفلاح المصري البسيط المتصوف بدأت ونمت نظرتي إلى الواقع , ففي هذا الوسط الفقير الكادح أمكن أن أتعرف في وقت مبكر نوعاً ما إلى الكثير من أوليات الوضع الطبقي العام لأبناء وطني ، وللعلاقات الاجتماعية(7) .
على أن هذه النشأة الفقيرة وسط عالم التصوف التأملى لا تعنى ابتعاد الكاتب عن مصادر الثقافة النظرية ، بل والعملية حيث كان أبوه من خريجي دار العلوم ، ويعمل مدرساً للغة العربية في القاهرة ،" لكن حقيقته الكبرى كانت في سعة اطلاعه ورحابة فكره في إطار من تصوف حسن الذوق ، كانت له جاذبية على نفسى المتفتحة للمعرفة"(8) ، مما مكنه من الإطلاع على مكتبة ضخمة تحتوى على أمهات الكتب في " التراث والتاريخ والأدب , فضلاً على مجلدات من أمهات المجلات الشهرية مثل المقتطف والهلال(9) ولعل هذا يفسر لنا اتجاه سعد مكاوي بعد ذلك إلى استلهام التصوف والتاريخ وتوظيفهما في إنتاجه الروائي .
وبانتقال الكاتب إلى القاهرة والتعرف على أحيائها وظروفها السياسية والاجتماعية ، يبدأ اهتمام الكاتب السياسي" بدأت اشترك في صف الحزب الجماهيري الذي يمثل الشعب ضد سلطة الأقليات المتعاونة مع القصر"(10) ، وفى نفس الوقت بدأ اهتمامه بالقصة القصيرة . على أن النقلة الثقافية الكبرى للكاتب ستكون مع رحيله إلى باريس ومكوثه هناك أربع سنوات كاملة ، وكان قد تعرف أثناء وجوده في القاهرة على محمود تيمور والمازني ومحمود طاهر لاشين وغيرهم من كتاب المدرسة الحديثة وسيكون من المفيد أن نترك الكاتب يتحدث عن هذه الفترة من حياته ، حيث تم تكوينه الثقافي ، هذا التكوين الذي سيلون أدبه وكتاباته فيما بعد بلون خاص فريد ومتميز عن أبناء جيله ، يقول عن هذه الفترة التي قضاها في فرنسا : "انفتح أمامي عالم جى دى موبسان أستاذ القصة القصيرة الأول الذي أكملت تعريفي إليه في لغته الأصلية … بل أنه هو الذي قادني إلى بلزاك وزولا و بروست وغيرهم . وكانت فترة الدراسة في فرنسا قد بدأت بصدمة نافعة ، نتيجة للفارق الهائل بين النظرة إلى المرأة في بيتي في مصر ، وبين وضعها في البيئة التي انتقلت إليها ، وهو أمر كان له أثره العميق بعد ذلك في نفسي وفى أفكاري . كما كانت فترة التفتح على الحياة في باريس هي الفائدة الكبرى التي فتحت لي الأبواب المسحورة لعوالم الفكر والأدب والفن القديم والحديث ، بما في ذلك الفنون التشكيلية … وقبل كل ذلك عالم الموسيقى الرفيعة "(11).
والواقع أن هذه الفترة الباريسية تركت أثرها السلبي والإيجابي معا على أدب سعد مكاوي ، إذ جعلته يقف في ثقافته الفرنسية عند حدود الأربعينيات من هذا القرن رغم ما تميزت به هذه الفترة من ثراء وعمق ثقافيين ، وبخاصة أفكار جان بول ساتر في الالتزام إلا أنه لم يستفد منها بالقدر الكافي في تطور فنه الروائي كما سيتضح لنا فيما بعد ، وبوقوفه عند هذه الفترة لم يلتفت إلى المدرسة الجديدة في الرواية التي ظهرت بعد ذلك في فرنسا . ونعود إلى أثر هذه الفترة في فنه ، فنجده يحتفي بكتاب من القرن التاسع عشر في فرنسا وبخاصة : جوستاف فلوبير ، وأميل زولا ، ونراه يحلل رواية الأول ، مدام بوفارى ، ويجعل من شخصية ، إيما بوفارى أحد موضوعات كتابه " رجل من طين " وفى مقال آخر يتحدث عن الشخصيات المعاونة في الرواية نفسها – مما يشي بنظرة نقدية للقصة – متخذاً من " هومه " في القصة نموذجاً ,أما تأثير " زولا " فيبدوا واضحاً بشكل لافت للنظر في رائعته " السائرون نياما " وقد ترجم له رواية " جرمينال " والواقع أنها ليست ترجمه بل تلخيصاً وقد كان سعد مكاوي أميناً مع نفسه عندما كتب على صفحة العنوان ترجمة وتلخيص ويمكن عمل مقارنة بين هذا العمل و " بين السائرون نياما " بيد أن هذا بحث تعوزنا وسائله الآن ، لكن يكفى أن نشير إلى فكرة البطولة الجماعية هم السمة المشتركة في العملين ، وكان سعد مكاوي قد أعجب بـ " جرمينال" من هذه الناحية يقول في تقديمه لها : " لأول مرة في تاريخ الأدب ، ومن تصوير كاتب جمهوري واشتراكي ، لم يكن البطل في رواية فردا أو أفرادا ، بل كان بطلاً جماعياً هو جمهور عمال المنجم ، ولأول مرة ينهض كاتب ليسم بالحديد المحمى مجتمعه الذي يسمح بمثل هذا الظلم ، مما يجعل " جرمينال " التي صور فيها إضراب عمال المناجم في أحد أقاليم فرنسا احتجاجاً على مظالم الشركة المستغلة عملا فريداً في الأدب الفرنسي ، كما أنه فريد في إنتاج زولا نفسه"(12) . وهو ما حاول أن يطبقه سعد مكاوي بنفسه في رواية " السائرون نياما " على أن سعد مكاوي لم يقف في قراءاته وترجماته عند فلويير و زولا فحسب ؛ إذ ترجم المئات من القصص الفرنسية على صفحات جريدة المصري ، يقول عنه الدكتور فائق الجوهري في تقديمه لمجموعة راهبة الزمالك ، أنه – يقصد سعد مكاوى "… لخص أكثر من مائتي كتاب "(13) وإن كان لم يظهر من هذه الترجمات والتلخيصات إلا أقل القليل .
وهكذا يتفاعل رافدان أساسيان في ثقافة الكاتب ، أولهما تراثي يتمثل في التاريخ والتصوف ، والثاني غربي يتمثل في الثقافة الغربية الحديثة من نتاج أدبي ، وقراءات مختلفة في الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية ، وهذا بالطبع إلى جانب تجربة الكاتب الحياتية وقراءاته الأساسية في الأدب العربي الحديث كل هذا يفضي في التحليل الأخير إلى أننا أمام كاتب ، متنوع الثقافة على وعى بحركة التاريخ الأدبي الحديث . معاصر له ، ومشارك فيه ، قرأ تراثه العربي وتشبع به فامتلك ناصية الأسلوب اللغوي السليم ، وقرأ التراث الغربي في لغته الأصلية فأضاف تجربة جديدة إلى تجاربه الأساسية ، على أنه لم يبخل علينا فألف وترجم لنا عبر إبداعه المتنوع في القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقال ليقف علامة بارزة في إنتاجنا الأدبي خلال هذا القرن ، وفيما يلي قائمة بإنتاجه المنشور في كتب :
أولاً : في القصة القصيرة :-
1- نساء من خزف 1948
2- في قهوة المجاذيب 1952
3- مخالب وأنياب 1953
4- الزمن الوغد 1954
5- راهبة من الزمالك 1955
6-أبواب الليل 1956
7-الماء العكر 1956
8-شهيرة وقصص أخرى 1957
9-مجمع الشياطين 1959
10-الرقص على العشب الأخضر 1962
11-القمر المشوي 1968
12-الفجر يزور الحديقة 1975
13-كلمات في المدن النائمة 1989
ثانياً : في الرواية :-
1-الرجل والطريق 1964
2-السائرون نياما 1965
3-الكرباج 1984
4-لا تسقني وحدي 1985
ثالثاً : المسرح :-
1-الميت والحي 1973
2-الأيام الصعبة 1978
3-الحلم يدخل القرية 1981
4-الهدية 1989
رابعاً : دراسات حول شخصيات :-
1-رجل من طين .
2-لو كان العالم ملكا لنا.
خامساً :مترجمات :
1-فتاة من الأقاليم . البرتو مورافيا ، بدون تاريخ(14) .
2-بيكت أو شرف الله جان أنوى 1964
3-اللغة السينمائية مارسيل مارتان 1965
4-جرمينال أميل زولا 1965
وبعد كم أديبا من الأدباء الجدد ولا أقول قارئا يعرف سعد مكاوى؟؟
----------------
الهوامش :
1- طه وادي ، دراسات في نقد الرواية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1989 ، ص57 .
2- عبد العال الحمامصى ، أحاديث حول الأدب والفن والثقافة ، دار المعارف 1978 ، ص118 ، 119 .
3- محمد صبري السيد ، أرشيف القصة – سعد مكاوي ، مجلة القصة ، العدد 46 – أكتوبر 1985 م ، ص121 .
* - جدير بالذكر أنه نشر عام 1953 للشرقاوى رواية "الأرض" مسلسلة على صفحات المصري .
4- طه وادي ، مرجع سابق، ص58 .
** -فيما يتعلق بتواريخ عمله الوظيفي اعتمدت على الأستاذة " أنسية أبو النصر" زميلة سعد مكاوي في لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة ، وكان ذلك في 19 أكتوبر سنة 1988 من خلال مقابلة شخصية معها .
5- هكذا في الأصل .
6- نبيل فرج ، سعد مكاوي ، يتحدث عن تجربته القصصية ، مجلة الثقافة ، العدد العاشر يوليو 1974 ، ص53 .
7- المصدر نفسه , ص50 .
8- المصدر نفسه , ص51 .
9- المصدر نفسه ، ص51
10- المصدر نفسه ، ص53 .
11- المصدر نفسه ، ص53 .
12- أميل زولا ، جرمينال ، ترجمة وتلخيص ، سعد مكاوي ، دار الهلال ، 1965 ، ص5.
13- سعد مكاوى , راهبة من الزمالك ,دار التحرير للطبع والنشر ,العدد 189 أبريل 1955 , ص 6 .