في الشتاء عندما يستشعر الإنسانُ الدفَء يخلد للراحة فالهجوع، وما إن يشعر بلطيف الجو وترطيب البدن صيفًا، إلا وقد نزع إلى الاسترواح فالاستخلاد إلى النوم؛ ففي الحالين يفقد البشر هناءة العيش مع شدة البرودة وقسوة الحرارة؛ فالطبيعة البيولوجية التى جبلنا عليها ذات منزع أوسط؛ حتى كان الإسراف في أي شيء- سلبا أو إيجابا- مصدر ألم ومدعاة للشقاء؛ فإذا كانت الطبيعة فينا تنشد الفطرة، ونستدبرها نحن؛ فهذا يعني أن حياتنا كلها تباين هذه الفطرة وتتمرد عليها، وفي استدبارها مدعاة لجلب أمراض النفس وعلل الجسم؛ فهذا الذي يشغله حال الناس، يتولد في قلبه حقد وكره أينما يمضي، فتراه منغص العيش، يحيا في نكد وكدر وهم لنجاح غيره، فيصاب بكثير من العلل النفسية والاجتماعية، تورث عللا بدنية، ولا تقصر عليه بل تتعدى نارها إلى إحراق المجتمع؛ فالوعاء يصاب برجس ما يحويه. وما كان له من هناءة العيش إلا بمقدار صفاء النفس، ألا يدري أن هناك منطقة وسطى يربع فيها العاقل بنفسه تعرف "بالغبطة".
ويقابله هذا الذي لا يعنيه أمر؛ فيحيا حياة السائمة، لا تشغله منافسة شريفة أو هدي يقتدي به، أونهج يختطه لنفسه، أو نفع يقدمه لغيره: أفرادا ومجتمعات، فهو بليد النفس سقيم الوجدان، وكلها علل نفسية يتولد عنها أدواء جسمية، فتراه يشعر بالدونية والصغار، ولا يعنيه من هو ولا من أنت، والحياة وعدمها سواء؛ فتأخذ منه الدنيا أكثر مما أعطت؛ ليكون الإخفاق وفقدان الثقة، والعته النفسي، وانسحابه من مسرح الحياة، فلا يصيب منها دور "الكومبارس" ويحيا ثم يموت وليس له من أثر ينال به مكرمة من أهل الدنيا، ثم إن عليه وزر ما مُنِحَ فجحد؛ ولذلك كان:خير الناس أنفعهم للناس، والجزاء الأعظم لرجل يمشي في حاجة الناس .
ولا يخفى ما يتولد من علل الجسم، بكثرة ما ينال الإنسان من مشتهى ويقدم عليه من إسراف؛ فكثرة الطعوم تصيب بالبطنة، وأدواؤها معلومة مشهورة؛ فيلجأ مثلهم إلى أطباء الحمية، وأدوية التنحيف وخسارة الوزن، وإرغام النفس على ممارسة رهق الرياضة، وكثرة المُبَضاعَةِ تجلب الخرف وهزال الجسم، والنزعة إلى الثرثرة مسقطة للهيبة، ومنقضة للسيادة؛ والتبذير والإسراف يورثان الفقر، ولو كان في محلة الجود والكرم.
ولا يخفى أن قلةَ الطعام، تضرب الجسمَ في مقتل؛ فترديه سهامها عليلا، وتجتمع عليه الأدواء اجتماع الضباع على الجيف، وعدم الكلام مورث للبكم، وقلة الحركة تؤسس لتيبس العضلات وجميع أعضاء الجسم!
أما الصفاتُ الخَلْقِيَّةُ والتي طبعنا الله عليها، ولا قدرة لنا على استبدالها أو تغييرها، كالطول والقصر، واللون، فالتوسط عليها ممدوح، ومما جاء فيه وصف أنس بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان رَبْعَةً من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم.
- أمهق : شديد البياض، بل يضرب بياضه- صلى الله عليه وسلم- إلى الحُمرة.
- آدم: أسود.
والعوام يصفون صاحب الطول بالنزق؛ فيقولون: (طويل وهايف، طويل وأهبل، ويلحقون المكر والخداع بالقصير! فيقولون : ( كل قصير مكير) وتبقى منطقة التوسط والاعتدال، موضع رضاهم، وتمني التلبس بها!
فكم تشقى النفس باسراف البدن، وكم اعتل البدنُ بِتَطَرُّفِ النفس؟! وكم كان التوسط والاعتدال ممدحة، وما على جانبيه- من إفراط أوتفريط- مذمة !
فقليل يغني خير من كثير يلهي.
" وكذلك جعلناكم أمة وسطا".
ويقابله هذا الذي لا يعنيه أمر؛ فيحيا حياة السائمة، لا تشغله منافسة شريفة أو هدي يقتدي به، أونهج يختطه لنفسه، أو نفع يقدمه لغيره: أفرادا ومجتمعات، فهو بليد النفس سقيم الوجدان، وكلها علل نفسية يتولد عنها أدواء جسمية، فتراه يشعر بالدونية والصغار، ولا يعنيه من هو ولا من أنت، والحياة وعدمها سواء؛ فتأخذ منه الدنيا أكثر مما أعطت؛ ليكون الإخفاق وفقدان الثقة، والعته النفسي، وانسحابه من مسرح الحياة، فلا يصيب منها دور "الكومبارس" ويحيا ثم يموت وليس له من أثر ينال به مكرمة من أهل الدنيا، ثم إن عليه وزر ما مُنِحَ فجحد؛ ولذلك كان:خير الناس أنفعهم للناس، والجزاء الأعظم لرجل يمشي في حاجة الناس .
ولا يخفى ما يتولد من علل الجسم، بكثرة ما ينال الإنسان من مشتهى ويقدم عليه من إسراف؛ فكثرة الطعوم تصيب بالبطنة، وأدواؤها معلومة مشهورة؛ فيلجأ مثلهم إلى أطباء الحمية، وأدوية التنحيف وخسارة الوزن، وإرغام النفس على ممارسة رهق الرياضة، وكثرة المُبَضاعَةِ تجلب الخرف وهزال الجسم، والنزعة إلى الثرثرة مسقطة للهيبة، ومنقضة للسيادة؛ والتبذير والإسراف يورثان الفقر، ولو كان في محلة الجود والكرم.
ولا يخفى أن قلةَ الطعام، تضرب الجسمَ في مقتل؛ فترديه سهامها عليلا، وتجتمع عليه الأدواء اجتماع الضباع على الجيف، وعدم الكلام مورث للبكم، وقلة الحركة تؤسس لتيبس العضلات وجميع أعضاء الجسم!
أما الصفاتُ الخَلْقِيَّةُ والتي طبعنا الله عليها، ولا قدرة لنا على استبدالها أو تغييرها، كالطول والقصر، واللون، فالتوسط عليها ممدوح، ومما جاء فيه وصف أنس بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان رَبْعَةً من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم.
- أمهق : شديد البياض، بل يضرب بياضه- صلى الله عليه وسلم- إلى الحُمرة.
- آدم: أسود.
والعوام يصفون صاحب الطول بالنزق؛ فيقولون: (طويل وهايف، طويل وأهبل، ويلحقون المكر والخداع بالقصير! فيقولون : ( كل قصير مكير) وتبقى منطقة التوسط والاعتدال، موضع رضاهم، وتمني التلبس بها!
فكم تشقى النفس باسراف البدن، وكم اعتل البدنُ بِتَطَرُّفِ النفس؟! وكم كان التوسط والاعتدال ممدحة، وما على جانبيه- من إفراط أوتفريط- مذمة !
فقليل يغني خير من كثير يلهي.
" وكذلك جعلناكم أمة وسطا".