إلى الصديق المبدع أنيس الرافعي..
مثل كلّ نساء القبيلة لم أتعلم قيادة المراكب، مثلهنّ لزمتُ مقعدي بهدوء، وسلّمتُ القيادة للربّان واثقةً بقدرته على مواجهة الريح والعتمة ومصارعة الموجات الهائجة.
مثل كلّ نساء القبيلة استسلمت لليقين بمهارة ربّاني، ومثل بعض الحالمات منهنّ صادقت القمر. كنت كلما هزتني الريح ألوذ بهالته الملهمة، أغني له القصائد وأهدهده بالحكايات الغريبة عن امرأةٍ عشقت الحياة وتشبّثت بالظلال، واعتنقت نغمات الكمان والبيانو سبيلا للأحلام. وصدّقت أنّ القمر لا يخون نوره، وأنّ الريح مهما راوغتنا لن تهزم ربّان يقيني. لكني وجدت مركبي تنجرف نحو الدوامات كلّ مرة، تعارك الموج والعواصف وخيانة التيار.
ومثل كل النساء الحالمات غيّبتُ نفسي عن المواجهة كثيرًا، وعانقتُ الأحلام وأبحتُ لياليّ لنسج القصائد وغزل الأغاني، فباغتتني الدوامات فاجعة.
صرخت واستعنت بالذين أحبّهم ممن يجيدون القيادة، وعدتُ إلى مقعدي واستكانتي أملًا بقدرتهم على إنقاذي، فوجدت نفسي كلّ مرة من جديد على قيد الغرق.
مرةً، وإذ اقتربت الدوامات من افتراسي قفزتُ إلى المقوَد بروحٍ تتوثّب للبقاء، وأقسمت عليهم جميعًا ان أسوق وحدي سفينتي. فلعنوني ونعتوني بالمتمردة!
لم أجبهم. تابعت مواجهة الريح وانشغلت بالأمواج. صارت الأغاني تخونني. ولم يعد القمر يغريني بحياكة الكلمات والأناشيد ومدّ اجنحةٍ للقصائد المحلّقة. اقسمت هذي المرة ألا أشيح نفسي عن الحقيقة حتى أنتصر على الموج العنيد، وانتصرت. وبلغت الشاطئ وأرسيت سفينتي وارتميت عند أطرافها منهكة. كانت آثار المعارك قد بدّلت ملامحي، ونفشت شعري، وجعّدت مني القلب واللسان، فنظرت إلى القمر بحثًا عن روحي الحالمة. بدا مثل برتقالة ناضجة تفيض شهدًا مرة ومثل عروس مختالة بمكياجها مرات. بيد أني كلما راودتني مغازلته غمرتني موجةٌ جديدةٌ سرقَت صنّارتي قبل أن أتمّ حياكة القصيدة.
مثل كلّ البالغات شاطئهنّ قررت أن أمضي في البرّ نحو الغابات، وحدي بلا حرس ولا أعوان.
ألف مرةٍ تربّصتني الوحوش وانشغلتُ بصدّها عني. ألف مرةٍ لاح لي القمر منيرًا دون أن أجد الفرصة لأوشوش له. بُحّت أغانيّ وغابت مني موسيقى الكلمات، لكني تعلمت قاموسًا جديدًا: لغة الهائجات في وجوه الوحوش منعًا للنهش او الالتهام. وكنت أربّت على كتفيّ كلما حان ليلٌ لا أجد فيه روحي مضرّجةً بالعضّات. وعبرت الغابات الكثيفة المتشابكة، حتى بلغت سهولًا خضراء رأيتها يانعة. وكنت قد نسيت الأغاني يا صديقي. خذلتُ القصائد والأحلام، وانتصرت في لغة الغابات وحدها.
ثم اخترت لي ركنًا هادئًا في مرج تفوح أزهاره بالألوان. واعتنقت لذّة الانتشاء من سقاية الورود وإطعام العصافير وقطف الثمار الشهية الطازجة. ومثل كل المنتصرات بلغة الغابات وجدتني انسى القمر وملامحه. لم يعد يطلّ إليّ في مرج لا يغيب منه النور ساطعًا. ولم يعد معنى لليل في أرضٍ شمسها حاضرة، لكنها شمسٌ بلا أغانٍ او قصائد ولا غزل ولا أحلام. شمسٌ تحتفي بسقسقة العصافير وحفيف الشجرات وهفّة جناح الفراشة وأزيز النحلة الثائرة، بيد أنها دون أن تدري، تاهت غريبةً عن كلّ موسيقى سواها.
ومثل كلّ التائهات عن حلمهنّ، عرف السأم طريقه إليّ، وسكنني الحنين إلى البعيد، ومللتُ ما حسبته انتصارًا، فعدتُ أشتهي رحلات انهزامي وطنًا للأغنيات.
مثل كلّ نساء القبيلة لم أتعلم قيادة المراكب، مثلهنّ لزمتُ مقعدي بهدوء، وسلّمتُ القيادة للربّان واثقةً بقدرته على مواجهة الريح والعتمة ومصارعة الموجات الهائجة.
مثل كلّ نساء القبيلة استسلمت لليقين بمهارة ربّاني، ومثل بعض الحالمات منهنّ صادقت القمر. كنت كلما هزتني الريح ألوذ بهالته الملهمة، أغني له القصائد وأهدهده بالحكايات الغريبة عن امرأةٍ عشقت الحياة وتشبّثت بالظلال، واعتنقت نغمات الكمان والبيانو سبيلا للأحلام. وصدّقت أنّ القمر لا يخون نوره، وأنّ الريح مهما راوغتنا لن تهزم ربّان يقيني. لكني وجدت مركبي تنجرف نحو الدوامات كلّ مرة، تعارك الموج والعواصف وخيانة التيار.
ومثل كل النساء الحالمات غيّبتُ نفسي عن المواجهة كثيرًا، وعانقتُ الأحلام وأبحتُ لياليّ لنسج القصائد وغزل الأغاني، فباغتتني الدوامات فاجعة.
صرخت واستعنت بالذين أحبّهم ممن يجيدون القيادة، وعدتُ إلى مقعدي واستكانتي أملًا بقدرتهم على إنقاذي، فوجدت نفسي كلّ مرة من جديد على قيد الغرق.
مرةً، وإذ اقتربت الدوامات من افتراسي قفزتُ إلى المقوَد بروحٍ تتوثّب للبقاء، وأقسمت عليهم جميعًا ان أسوق وحدي سفينتي. فلعنوني ونعتوني بالمتمردة!
لم أجبهم. تابعت مواجهة الريح وانشغلت بالأمواج. صارت الأغاني تخونني. ولم يعد القمر يغريني بحياكة الكلمات والأناشيد ومدّ اجنحةٍ للقصائد المحلّقة. اقسمت هذي المرة ألا أشيح نفسي عن الحقيقة حتى أنتصر على الموج العنيد، وانتصرت. وبلغت الشاطئ وأرسيت سفينتي وارتميت عند أطرافها منهكة. كانت آثار المعارك قد بدّلت ملامحي، ونفشت شعري، وجعّدت مني القلب واللسان، فنظرت إلى القمر بحثًا عن روحي الحالمة. بدا مثل برتقالة ناضجة تفيض شهدًا مرة ومثل عروس مختالة بمكياجها مرات. بيد أني كلما راودتني مغازلته غمرتني موجةٌ جديدةٌ سرقَت صنّارتي قبل أن أتمّ حياكة القصيدة.
مثل كلّ البالغات شاطئهنّ قررت أن أمضي في البرّ نحو الغابات، وحدي بلا حرس ولا أعوان.
ألف مرةٍ تربّصتني الوحوش وانشغلتُ بصدّها عني. ألف مرةٍ لاح لي القمر منيرًا دون أن أجد الفرصة لأوشوش له. بُحّت أغانيّ وغابت مني موسيقى الكلمات، لكني تعلمت قاموسًا جديدًا: لغة الهائجات في وجوه الوحوش منعًا للنهش او الالتهام. وكنت أربّت على كتفيّ كلما حان ليلٌ لا أجد فيه روحي مضرّجةً بالعضّات. وعبرت الغابات الكثيفة المتشابكة، حتى بلغت سهولًا خضراء رأيتها يانعة. وكنت قد نسيت الأغاني يا صديقي. خذلتُ القصائد والأحلام، وانتصرت في لغة الغابات وحدها.
ثم اخترت لي ركنًا هادئًا في مرج تفوح أزهاره بالألوان. واعتنقت لذّة الانتشاء من سقاية الورود وإطعام العصافير وقطف الثمار الشهية الطازجة. ومثل كل المنتصرات بلغة الغابات وجدتني انسى القمر وملامحه. لم يعد يطلّ إليّ في مرج لا يغيب منه النور ساطعًا. ولم يعد معنى لليل في أرضٍ شمسها حاضرة، لكنها شمسٌ بلا أغانٍ او قصائد ولا غزل ولا أحلام. شمسٌ تحتفي بسقسقة العصافير وحفيف الشجرات وهفّة جناح الفراشة وأزيز النحلة الثائرة، بيد أنها دون أن تدري، تاهت غريبةً عن كلّ موسيقى سواها.
ومثل كلّ التائهات عن حلمهنّ، عرف السأم طريقه إليّ، وسكنني الحنين إلى البعيد، ومللتُ ما حسبته انتصارًا، فعدتُ أشتهي رحلات انهزامي وطنًا للأغنيات.
أنوار الأنوار
أنوار الأنوار ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit أنوار الأنوار und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die...
www.facebook.com