من أمتع كتب الأديب العصامي عباس محمود العقاد، يذكرنا بكتب الجاحظ وابن المقفع والتوحيدي، تظهر فيه عبقريته القرائية والإدراكية وكل ما يلفت انتباهه من محيطه الطبيعي والغرائبي، إذ يستحضر في كل ورقة يدونها فكرة أعجبته أو حكمة بحاجة إلى تفعيل أو شخصية مثيرة من عالمه أو من ماضيه. يكتب في هذه الورقة كلّ ما يفتح لديه شهية التأويل أو ما يعتبره مستفزا يستحق الوقوف، تأييدا أو معارضة، يتناوله بموضوعية الكاتب النبه والباحث الذي ينقب عن الحقيقة في تفاصيل الحياة وما تخلفه من آثار في الواقع وفي النفوس. يترصد الحقيقة من كلّ الوجوه ويقف عندها ساعات بشغف ولا يمل في سبيل الوصول إلى هذه الحقيقة أو تلك. يقف عند الكتب، يفكك محتوياتها بنهم كبير ولا يغادرها إلا بعد ان يشبع فضوله منها ويعطيها حقّها من القراءة والتحليل والتمحيص ويدرك انه لم يقصّر في أجزاء ما يقرأ محاولا إفشاء كلّ أسراره للقارئ الذي يعتقد انه ينتظر منه ما يقرأ أو يفهم، ثم ينتقل إلى كتاب آخر مختلف أو إلى تمثال شاهده أو صورة لفتت انتباهه في معرض أو مجلة أو في أيّ مكان يحتاج إلى فضول. يقف عندها بتمعّن ويعطيها حقّها من المشاهدة ما يجعله يطيل الحديث عنها حدّ الفلسفة، يقلّب جوانبها ويحلل ألوانها ويقرّب شخوصها بمهارة الرّسام المحترف، يكتب أحيانا قصة مطولة عنها وكانه يكشف حقائق تحتاج الإظهار للقارئ بلغة راقية متانقة لا يفهمها كل القراء، حينما يحدثنا عن اللوحة يجعلنا نشاهد ونقرأ في وقت واحد ولكن ونحن مزودون بمفاتيح القراءة الأدبية الواسعة المتفتحة على عوالم الفن واللغة والفكر، لذا يحق له ان يشترط قراءه .