أ. د. عادل الأسطة - بمناسبة صدور الأعمال القصصية.. حنا إبراهيم: صورة اليهودي في أدبه

أصدر حنا إبراهيم، احد أبرز أدباء الأرض المحتلة عام 1948 مؤخرا، أعماله القصصية في طبعة جديدة تحت عنوان بارز،بحرف كبير، هو "أزهار برية" تقع تحته العناوين: ريحة الوطن، الغربة في الوطن، هواجس يومية، وكانت هذه المجموعات القصصية قد صدرت في الأعوام (1972) (1979) (1981) (1989).

ولم تقتصر كتابة حنا إبراهيم على جنس أدبي بعينه هو القصة القصيرة، وإن كان عرف من خلال هذا الجنس، فقد أصدر مجموعتين شعريتين هما "صوت من الشاغور" (1981) و "نشيد للناس" (1992)، كما كتب سيرته الذاتية "شجرة المعرفة" و"ذكريات شاب لم يتغرب" وصدرتا معا، في طبعة غير الطبعة الأولى، عام 1996، وأخذ منذ نهاية التسعينات يكتب الرواية، وصدرت له حتى الآن، روايتا "أوجاع البلاد المقدسة" (1997) و"موسى الفلسطيني" (1998).

ولا تخلو مختارات القصة القصيرة الفلسطينية من بعض قصصه وإن ظلم مرتين، كما سآتي بعد قليل، لقد اختار له الدكتور حبيب بولص في كتابه "القصة العربية الفلسطينية المحلية القصيرة: "أنطولوجيا" (1987) ثلاث قصص قصيرة هي "متسللون" و"زيارة صيفية" و"الأرملة" واختار له إبراهيم خليل في "أنطولوجيا القصة القصيرة الفلسطينية" (1990) قصة واحدة عنوانها "جمع الشمل" ولم يرد ذكر اسمه في المختارات التي أصدرتها منشورات نادي القصة في تونس، في عام 1977، فيم ورد اسمه في المختارات التي حملت عنوان "هكذا فعل أجدادنا وقصص أخرى" وقد صدرت هذه في بيروت" في عام 1978، عن الإعلام المركزي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

وأما أنه ظلم مرتين، فمرة يوم لم تدرج له أية من قصصه في تلك المختارات التي نقلت، في عام 1983، إلى الألمانية، ومرة يوم خلا كتاب د. سلمى الخضراء الجيوسي "موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر" (1991 بالإنجليزية، 1997 بالعربية) من إدراج أي نص قصصي من قصصه، علما بأنه، كما ذكرت، من أبرز كتاب القصة القصيرة في فلسطين المحتلة عام 1948)، بل أنه واحد من روادها الأولين بعد العام المذكور.

وإذا ما ألقى المرء نظرة على الدراسات التي تناولت فن القصة الفلسطينية القصيرة، لاحظ أن أعماله حظيت بالالتفات إليها، تارة بإيجاز وطورا بإطناب، ولم يغفل أي دارس تناول صورة اليهودي في الأدب الفلسطيني قصته المعروفة "متسللون" ومع أنني لا أزعم أنني أطلعت على كل ما كتب عن القصة الفلسطينية القصيرة، إلا أنني لاحظت أن بعض مجموعاته وبعض قصصه حظيت بالتناول والمعالجة والدرس، وإذا ما غضضت النظر عن كتاب الناقد نبيه القاسم "دراسات في القصة المحلية"، لأنني لا أملك منه الآن، نسخة فإنني أشير إلى الدراسات التالية، على سبيل المثال، لا الحصر، التي أتى مؤلفوها فيها على أدب حنا إبراهيم.

1. د. محمود عباسي، تطور الرواية والقصة القصيرة في الأدب العربي في إسرائيل بين 1948 و1976، (الطبعة العربية 1998).

2. فخري صالح، القصة الفلسطينية القصيرة في الأرض المحتلة، 1982.

3. شمعون بلاص، الأدب العربي في ظل الحرب بين 1948 و1973. (الطبعة العربية 1984).

4. عادل الأسطة، اليهود في الأدب الفلسطيني بين 1913 و1987. (الطبعة العربية 1992).

5. محمود غنايم، المدار الصعب: رحلة القصة الفلسطينية في إسرائيل.

6. أنطوان شلحت، على فوهة البركان: متابعات نقدية عن الأدب الفلسطيني.

7. حسين محمود حمزة، صور المرايا: دراسات في الذاكرة الأدبية.

وقد أنجزت رسالة ماجستير عن فن القصة لديه، وهناك رسالة أخرى عن أدبه، بشكل عام، وقد توقف دارسون كثر، كما ذكرت آنفا، أمام قصته "متسللون" التي ستكون هنا، موضع الدراسة.

الدارسون وقصة "متسللون":

عرض الدارس الإسرائيلي "شمعون بلاص للقصة في الفصل الثالث من القسم الأول تحت عنوان "الأدب الفلسطيني بعد 1948: صورة شعب ممزق ومشتت، وخلص بعد أن لخص القصة، إلى أن الكاتب حنا إبراهيم نجح باستخدامه شخصية إسرائيلية كبطلة لقصته، ورأى ان القصة هي "أول عمل أدبي فلسطيني تتعرض لموضوع التسلل والعلاقات اليهودية العربية من وجهة نظر إنسانية وتشكل سبقا في القصة الفلسطينية والعربية عامة" (ص29).
وعالجها الدارس محمود عباسي وهو يدرس موضوع الحكم العسكري في القصة الفلسطينية، وقدم ملخصا لها، لا يتجاوز الأسطر الثمانية، أشار فيه إلى مصير الأسرة الفلسطينية الأشد قساوة ووحشية، حيث كان الموت برصاص جنود جيش الدفاع. (ص144).

أما أنطون شلحت الذي كتب عن "شخصية الإسرائيلي في القصة المحلية: دراسات في قصص مجلة "الجديد" على مدار ثلاثين عاما: 1951-1981" فقد رأى ان حنا إبراهيم قدم نموذجا واقعيا لامرأة إسرائيلية، فسارت تمثل الإنسان العادي من الجماهير الإسرائيلية الذي صورت له الدعاية الصهيونية العربي وحشا يريد افتراسه، فلما اطلع على الحقيقة اخذ يشك ويعيد التفكير في كل هذه الأوهام التي خلفتها الصهيونية في رأسه" (ص24).
وقد ذكرها الدارس محمود غنايم في الفصل الخامس من كتابه، تحت العنوان "التعامل مع الشخصيات اليهودية، رأى غنايم أن اليهودي صور كسلطة وصور سيداً، وصور مسيسا.

وأشار إلى حضور شخصيات لا مبالية وأخرى باهتة، وأتى هنا على ذكر قصة حنا إبراهيم "جمع الشمل" وهي قصة تنتمي إلى مرحلة الثمانينات، وأشار في الهامش إلى أن قصة "متسللون" من أكثر قصصه شهرة، وهي تعرض الشخصيات اليهودية التي ساعدت المتسللين العرب من منطلق إنساني بمنظار إيجابي. (ص324).
الموقع والموقف:

قبل تناول صورة اليهودي في "متسللون" وقد أتيت شخصيا على هذه القصة في كتابي المذكور (ص75 وص76)، تجدر الإشارة إلى المقولة الماركسية المهمة: مقولة الموقع والموقف. يرى الماركسيون أن هناك علاقة وطيدة جدا بين موقع المرء وموقفه، إذ يؤثر الموقع على الموقف تأثيرا بينا. وحنا إبراهيم، كما نعرف، واحد من الأقلية العربية التي تمسكت بأرضها بعد عام 1948، وفضلت العيش تحت الحكم العسكري بأرضها، بعد عام 1948، وفضلت العيش تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، على قسوته، على الرحيل والمغادرة. وكان عليه، بناء على ذلك، أن يخضع للقوانين العسكرية الإسرائيلية، وإن رفضها داخليا، وأن لا يتعدى المسموح به خوفا من الترحيل. وعلينا، انطلاقا من هذا، الا نتوقع منه ان يكتب عن الإسرائيليين واليهود كما يكتب أديب عربي يقيم في العالم العربي، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فقد كان حنا إبراهيم ينتمي إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، وقد فرض عليه انتماؤه هذا أن ينظر إلى الآخر، أيا كان، من منظار أممي، وليس غريبا أن نجده، في قصصه التي كتبها تحت سطوة الانتماء، يمجد الشيوعيين أيا كانوا، عربا وروسا ويهودا، وأن نجده أيضا يهاجم من يختلف معه فكرا ونظرة إلى الآخرين من منظور آخر، وإذا كنت هنا سأقف أمام قصة "متسللون" فلا بأس "ابتداءً من الإشارة إلى قصص أخرى من مجموعته الأولى "أزهار برية" يأتي فيها على تصوير عرب وروس.

في قصة "لقاء غريب" نجد أنفسنا أمام شيوعي يدين بولائه لحزبه أولا، لا لقوميته، ولذلك نجده ينفر من العربي القادم من قطر عربي، لأن هذا لا يستسيغ أن يحاور عربيا من فلسطين يحمل الجنسية الإسرائيلية. كان حنا إبراهيم، هنا، وهذا ما تقوله روح القصة، يرى أن الولاء للحزب لا للقومية، فاليهودي الشيوعي ساعد متسللا عربيا. يرد في القصة على لسان العربي القادم إلى موسكو من إسرائيل "ولكننا في الواقع مدينون بأكثر من ذلك للشيوعيين اليهود و العرب، وهذا الشيء الذي لا يريد أن يفهمه أخونا المحترم. وأشار إلى رفيقه، ولو كان الوحيد لهان الأمر. ويبدو لي أننا سنخوض نضالا فكريا عنيفا، ليس فقط ضد الاستعمار، وإنما ضد هؤلاء الأنبياء الكذبة والمؤمنين بهم.. هيا لنشرب نخب عيد أكتوبر العظيم..".
تمجيد أكتوبر وثورته يبرز أيضا في قصة (نتاشا) الفتاة الروسية، إننا هنا أمام سارد منحاز متعاطف مع الاتحاد السوفيتي، وأمام شخصية، هي إبراهيم، تمجد الإنسان الروسي، وتمجد موسكو تمجيدا واضحا، ثورة أكتوبر هي أعظم ثورة وجيش الاتحاد السوفيتي أعظم جيش وإنسان هذه الثورة أعظم إنسان.
وأدب حنا إبراهيم، يوم كان حزبيا، كان مسخرا لخدمة أفكار الحزب، وليس هذا بمستغرب ما دام الأديب نفسه حزبيا.
اليهود في سيرة حنا إبراهيم:

لربما يجدر أيضا، قبل تناول القصة أن نلقي نظرة على ذكريات شاب لم يتغرب، وتبيان ما ورد فيها من كتابة عن اليهود، ففيها لا يكتب حنا إبراهيم عن تصور شخوص يعرفهم لليهود، وإنما يكتب عن تصوره الخاص الذي اكتسبه من خلال تجربته، ونحن، هنا، قادرون على معرفة تصور مثقف، وإن عمل حجارا، لليهود، والمثقف هو مثقف يساري آمن بالماركسية وانضوى تحت لواء حزب يتخذ منها فلسفة له، وقد عاش هذا المثقف في ظروف صعبة مرت بها الأقلية القومية التي كان ينتمي إليها، لأنها كانت تحكم من دولة ناشئة لم تكن أحزابها الرئيسة أحزابا تتحلل من القومية، لقد أراد الإسرائيليون بعد عام 1948، التخلص من العرب ما أمكن، ولهذا ضيقوا عليهم وأجبروهم على الهجرة والرحيل، ولكن هذا لا يعني وجود يهود، وإن كانوا قلة، قالوا بإمكانية التعايش وحزنوا، وهذا أقل الإيمان، لطرد العرب من مدنهم وقراهم.
علينا، ابتداءً، ألا ننسى أن قصة "متسللون" كتبت عام 1954، وعليه فعلينا أن نقرأ ما كتبه القاص، في ذكرياته، عن تجربته مع يهود حتى ذلك العام، فقد تكون رؤيته تغيرت وتطورت، وإن كان مجمل نتاجه، فيما يخص هذا الجانب، يقول لنا إنه ثبت على رأيه، إذ لم يتحول تحولا جذريا يجعل منه متعصبا تعصبا أعمى أو متسامحا تسامحا لا حدود له
تبرز "ذكريات شاب لم يتغرب" صورة اليهود القساة الذين رحّلوا العرب وصادروا أراضيهم وضيقوا على من تبقى منهم وأعادوا الذين عادوا إلى قراهم، بعد أن غادروها، إلى العالم العربي، ومن لم ينج قتل. في (ص60) مثلا (ط1996) إشارة إلى يهودي يؤذي حنا إبراهيم، وفي المقابل هناك إشارة ثانية إلى تعاطف يهود معه، تتكرر الإشارة إلى اليهودي الإيجابي في (ص111) وفي صفحات أخرى، ففي هذه يذكره بالاسم (دايفيد غراد) "وبدا أن الموظف، واسمه دايفيد غراد، كان على معرفة بالسيد شكري الخازن الذي نجا مثلنا من الاعتقال، وشعرنا أنه بسبب هذه المعرفة، يعاملنا بشكل إنساني، في وقت لم نكن قد لمسنا بعد إلا المواقف العدائية من ممثلي السلطة، وكانوا في الغالب من العسكر.... " (ص111).

تصور حنا إبراهيم الشخصي لليهود يعتمد أساساً على تجربته الخاصة، وعلى كونه عربيا انتمى إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي ضم في صفوفه عربا ويهودا، وهو بذلك من الأدباء الذين تكررت هذه الصورة لليهود في نصوصهم، الصورة التي برزت فيما بعد، في كتابات محمود درويش وأميل حبيبي وسميح القاسم وآخرين كثر.
ويعود الكاتب في سيرته ليكتب عن تلك الأيام التي كتب فيها قصة "متسللون"، ويأتي مرارا على موضوع، التسلل، ويمكن الإشارة إلى الصفحات 113، 116، 128، 129، 133.

قصة "متســللون"

هل ما ورد في ص 116 من "شجرة المعرفة: ذكريات شاب لم يتغرب" (1996) هو مصدر هذه القصة؟ علما بأن ما ورد في هذه الصفحة يختلف في النتيجة عما ورد في القصة، حيث لا تموت المرأة وأولادها! أم أن حنا إبراهيم جمع بين أكثر من حادثة وصاغ قصته؟ كأن يكون جمع بين ما ورد في ص116، وما ورد في ص113 مثلا، تبقى المرأة على قيد الحياة ويغض آمر القوة العسكرية النظر عن وجودها على الرغم من اكتشافه أنها متسللة، فيما يبعد الولدان أمام نظر والديهما، ويقتلان حين يجتازان منطقة كانت مزروعة بالألغام التي خلفها الجيش البريطاني.

صورة اليهود في "متسللون"

من الذي يـــروي؟
نحن، هنا، في القصة، أمام سارد يعرف أكثر من شخوصه، سارد يبدو كلي المعرفة، سنرى أن هذا السارد يبرز أيضا في قصة سميح القاسم الطويلة "الصورة الأخيرة في الألبوم ( وحول ذلك أنظر مقالتي في كنعان، حزيران 1995..) وهذا السارد غير محدود الملامح، فلا اسم له ولا خصائص وصفات خاصة تجعلنا نتساءل إن كان غير الكاتب، ومن هنا يبدو التوحيد بينه وبين الكاتب آمرا واردا، لولا أنه يكون حاضرا في مكان حدوث الحادثة، وهذا ما لم يتيسر، في ظني لحنا إبراهيم نفسه، تماما كما أنه يحضر في غرفة سارة، وهذا ما لم يتيسر أيضا للكاتب.

يسرد هذا السارد الذي يبدو كلي المعرفة أحيانا، لأنه في مواطن معينة يبدو غير كلي المعرفة، قصة سارة المرأة اليهودية المتزوجة من شموئيل، وهذا جندي في جيش إسرائيل يضطر ذات ليلة إلى المبيت خارج المنزل. في هذه الليلة يقرع باب بيت سارة رجل عجوز وابنته وابنها. وكان هؤلاء قد أبعدوا عن قريتهم التي عادوا إليها تسللا، بحجة أنهم متسللون إلى دولة إسرائيل. أما زوج هند فقد أودع السجن بتهمة إيوائه زوجته وأباها لأنهما لم يملكا وثيقة تسجيل. تساعد سارة هؤلاء العرب قدر استطاعتها، فتؤمن لهم الطعام وبعض الدفء ثم تشيعهم، لتسمع في الصباح أنهم قتلوا، ولتقرأ في صحيفتها المسائية أن الجنود الإسرائيليين قتلوا مخربين، وحين تشاهد جثتي العجوز والمرأة، تدرك أنهما ليسا كما نعتا في الصحيفة، وتكف منذ تلك اللحظة عن قراءة صحيفتها المسائية.

تثار هنا، من المؤكد، إشكالية السارد الذي يبدو كلي المعرفة، فهذا، على الرغم من عدم تحديد ملامحه، يعرف أشياء أكثر مما يفترض أن يعرفه، ولو افترضنا أنه عربي، وهذا ما ينبغي ان يفترض لأن القصة سردت بالعربية، فإننا نتساءل: كيف عرف كل ما عرف؟ كيف دخل إلى غرفة سارة وإلى أدق مشاعرها، وهو الإنسان العربي غير المرغوب فيه؟
وأيا كان الأمر، فإننا هنا نتساءل عن التصورات العديدة التي تبرزها القصة، تصور السارد لسارة. تصور العربي للمرأة اليهودية التي تجيد العربية ( وهكذا نفترض أنها يهودية عربية، خلافا لزوجها الذي يتعلم العربية منها) وتصور سارة لذاتها، وتصوره للعرب، وأخيرا تصور الشخصيات العربية لذاتها.

أما فيما يتعلق بتصور السارد لسارة، فقد أتيت على أكثره ابتداءً: سارة امرأة يهودية تتصور العرب وحوشا وتتصور اليهود أكفاء مبدعين، ولكنها تكشف مع الأيام، بحكم التجربة غير هذا، وهي تشكل حالة استثنائية، فإذا كانت اكتشفت الحقيقة وعادت إلى صوابها، فإن الآخرين يستمرون فيما ربوا عليه وما أرادوا أن يصدقوه حتى لو كان خطأ.
وأما تصور سارة لذاتها وتصورها للعرب فهو التصور الذي يبرزه القاص لها: إعجاب بالشعب اليهودي واحتقار للعرب المتسللين، ولكن هذا سرعان ما يتغير، وأرى أن تصور سارة لزوج هند، في نهاية القصة، ليس سوى تصور حنا إبراهيم نفسه:

"تصورت شابا عربيا يقبع في أحد سجون إسرائيل.. ربما كان الآن يتناول طعام العشاء، غير الشهي، وربما كان الآن يحلم بيوم يرى فيه زوجته ووالده خارج السجن، وهو لا يدري أنه لن يرى إلى الأبد ولده ولا زوجته.
الخلاصة:

ونحن نقرأ حنا إبراهيم، في أكثر ما كتبه من قصص وشعر حتى تاريخ تركه الحزب الشيوعي الإسرائيلي، علينا ألا ننسى أننا أمام أديب كان ملتزما بالفكر الماركسي وبحزب يصدر عن هذا الفكر، وبالتالي فإن تصوره لذاته ولآخره كان يصدر عن هذا الفكر، كان يصدر عن هذا، تماما كما أن كتابته كانت ذات نزعة دعائية تتخذ من الأدب وسيلة لها، وأنها أي كتابته، تركز على الموضوع، وهذا شان أصحاب المنهج الاجتماعي، أكثر من تركيزها على الشكل، وربما لهذا نجد الكاتب لا يحفل كثيرا بآرائه الجمالية، لأن الأهم من هذا هو توصيل فكره إلى الآخرين علّه يترك أثرا عليهم ليغيروا من أفكارهم وليعتنقوا ما يعتقده الصحيح، وختاما فإننا حين نبحث عن صورة الآخر في أدب هذا الكاتب علينا ألا نغفل توجهه الفكري.
أعلى