كأنّي بكلمة (طقس وطقوس) المصطلح الذي يطلق عادة على أشياء وأفعال عديدة، طقوس العبادة، الكتابة، الطعام، أصبوحات الأيّام وأمسياتها، التدخين، شرب القهوة والشاي، الأفراح والأحزان، وإلى ما هنالك من دوائر حياتيّة من الممكن إطلاق المصطلح عليها.
وبتتبّع أصل كلمة طقس: فهي النظام والترتيب. والطّقْسُ: حَالَةُ الْجَوِّ مِنْ بَرْدٍ وَحَرَارَةٍ وَاعْتِدَالٍ فِي مَكَانٍ وَزَمَانٍ مُعَيَّنَيْنِ، والطَّقْسُ عِنْدَ الْمَسِيحِيِّينَ: نِظَامُ العِبَادَاتِ الدِّينِيَّةِ وَأَشْكالِها، شَعاَئِرُهَا وَاحْتِفَالاَتُهَا.
من هنا ننطلق لهذه القضيّة المتلازمة مع كثير من الحالات ومنها الكتابة والكاتب. باعتقادي أن الكتابة لا تتأتّى ضمن طقس اعتياديّ يوميّ. مثلًا في زمن مُعيّن متى ما أراد الكاتب أو الأديب.
إنّما ميلاد الكتابة يكون بعد مخاض عسير من تفاغلات هائجة مائجة في صدر الكاتب، جرّاء فكرة استوظنت عقله؛ فاستحوذت على جُلّ تفكيره؛ تؤرّقه.. تُخرّقه، ولذلك فالكتابة نتيحة للاحتراق الدّاخليّ؛ عندما تنضجُ استواءً بعد أن أخذت مداياتها بلا رأفة بحال الكاتب.
لحظة الولادة كما هو معلوم، وقتها محتوم لزوم التنفيذ لحظيًّا، بلا انتظار لطقوس مُعتادة، ورغبة في تناول القلم والورقة، وبحضور فنجان القهوة، وانطلاق الموسيقى، على وقع دخان سيجارة الكاتب.
لحظة الكتابة غير مُرتبطة بكلّ هذه الأشياء، بينما تصعق كالبرق غير آبهة بكلّ الترتيبات هذه، وكما قيل لكلّ قاعدة شوْاذ، هناك بعض الكُتّاب من يُحيط نفسه بهالة قُدسيّة، وإعطاء الموضوع بُعدًا طُقوسيًا؛ كأنّه عبادة راتبة يستدعيها مجيء وقتها. وبهذا المفهوم تتنافى فكرة الإبداع مع الرّتابة الرّوتينيّة. كما حين تصبح العبادة عند البعض عادة، لا تنعكس بآثارها إيجابًا على صاحبها، مما يُشكّل مُفارقة مُتباعدة بين الفعل والعمل.
اعتياد الأشياء يذهب بألقها، والألفة تذهب بالكلفة، وهذا الأمر ينسحب على الكتابة كفعل إنسانيّ بحاجة لصفاء الذهن أولًا، مع لزوم إيجاد الأدوات للتنفيذ في أيّ وقت كان، ربّما على قارعة الطريق، أو في الباص، أو أثناء الطعام، أو تأريق الكاتب ومنعه من النوم في مواعيده المعتادة.
والإبداع مرتبط بقدرات الشّخص الذهنيّة، وحالته النفسيّة من الارتياح بقابليّات الفرح والسرور أو الأحزان والاكتئباب واليأس والقنوط. هذه الأحوال من المؤثرات تصبغ الكتابة بألوانها.
كون الكتابة كائن متأثّر بالظروف المحيطة بالكاتب من حروب وأزمات فقر وبطالة، خاصّة في شرقنا العربيّ على خلاف الكاتب الغربيّ، مع توفّر الإمكانات والظروف المواتية لتفرّغه التامّ للتفكير، مع وجود فريق عمل مُتكامل يُساعده من خلال مكتبه، وما يجنيه من عائدات ربحيّة لنتاجاته الفكريّة. كلّ هذه المُحفّزات تجعل الكتابة المُجدولة ضمن مساق زمنيّ مُحدّد أو مفتوح أمرًا سهل التنفيذ، مع الاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع بكامل طاقته ولياقته.
وتبقى لحظة الكتابة رغبة وإلحاح داخلي بعد بزوغ ميلاد الفكرة، هنا تُفرد مساحة الوقت والزمان للتقييد، ومثل الكلمات والأفكار كالطيور تتفلّت تطايرًا. وتقييدها كتابتها لتُحفَظ مخافة النسيان.
عمّان - الأردنّ
4/11/2020
وبتتبّع أصل كلمة طقس: فهي النظام والترتيب. والطّقْسُ: حَالَةُ الْجَوِّ مِنْ بَرْدٍ وَحَرَارَةٍ وَاعْتِدَالٍ فِي مَكَانٍ وَزَمَانٍ مُعَيَّنَيْنِ، والطَّقْسُ عِنْدَ الْمَسِيحِيِّينَ: نِظَامُ العِبَادَاتِ الدِّينِيَّةِ وَأَشْكالِها، شَعاَئِرُهَا وَاحْتِفَالاَتُهَا.
من هنا ننطلق لهذه القضيّة المتلازمة مع كثير من الحالات ومنها الكتابة والكاتب. باعتقادي أن الكتابة لا تتأتّى ضمن طقس اعتياديّ يوميّ. مثلًا في زمن مُعيّن متى ما أراد الكاتب أو الأديب.
إنّما ميلاد الكتابة يكون بعد مخاض عسير من تفاغلات هائجة مائجة في صدر الكاتب، جرّاء فكرة استوظنت عقله؛ فاستحوذت على جُلّ تفكيره؛ تؤرّقه.. تُخرّقه، ولذلك فالكتابة نتيحة للاحتراق الدّاخليّ؛ عندما تنضجُ استواءً بعد أن أخذت مداياتها بلا رأفة بحال الكاتب.
لحظة الولادة كما هو معلوم، وقتها محتوم لزوم التنفيذ لحظيًّا، بلا انتظار لطقوس مُعتادة، ورغبة في تناول القلم والورقة، وبحضور فنجان القهوة، وانطلاق الموسيقى، على وقع دخان سيجارة الكاتب.
لحظة الكتابة غير مُرتبطة بكلّ هذه الأشياء، بينما تصعق كالبرق غير آبهة بكلّ الترتيبات هذه، وكما قيل لكلّ قاعدة شوْاذ، هناك بعض الكُتّاب من يُحيط نفسه بهالة قُدسيّة، وإعطاء الموضوع بُعدًا طُقوسيًا؛ كأنّه عبادة راتبة يستدعيها مجيء وقتها. وبهذا المفهوم تتنافى فكرة الإبداع مع الرّتابة الرّوتينيّة. كما حين تصبح العبادة عند البعض عادة، لا تنعكس بآثارها إيجابًا على صاحبها، مما يُشكّل مُفارقة مُتباعدة بين الفعل والعمل.
اعتياد الأشياء يذهب بألقها، والألفة تذهب بالكلفة، وهذا الأمر ينسحب على الكتابة كفعل إنسانيّ بحاجة لصفاء الذهن أولًا، مع لزوم إيجاد الأدوات للتنفيذ في أيّ وقت كان، ربّما على قارعة الطريق، أو في الباص، أو أثناء الطعام، أو تأريق الكاتب ومنعه من النوم في مواعيده المعتادة.
والإبداع مرتبط بقدرات الشّخص الذهنيّة، وحالته النفسيّة من الارتياح بقابليّات الفرح والسرور أو الأحزان والاكتئباب واليأس والقنوط. هذه الأحوال من المؤثرات تصبغ الكتابة بألوانها.
كون الكتابة كائن متأثّر بالظروف المحيطة بالكاتب من حروب وأزمات فقر وبطالة، خاصّة في شرقنا العربيّ على خلاف الكاتب الغربيّ، مع توفّر الإمكانات والظروف المواتية لتفرّغه التامّ للتفكير، مع وجود فريق عمل مُتكامل يُساعده من خلال مكتبه، وما يجنيه من عائدات ربحيّة لنتاجاته الفكريّة. كلّ هذه المُحفّزات تجعل الكتابة المُجدولة ضمن مساق زمنيّ مُحدّد أو مفتوح أمرًا سهل التنفيذ، مع الاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع بكامل طاقته ولياقته.
وتبقى لحظة الكتابة رغبة وإلحاح داخلي بعد بزوغ ميلاد الفكرة، هنا تُفرد مساحة الوقت والزمان للتقييد، ومثل الكلمات والأفكار كالطيور تتفلّت تطايرًا. وتقييدها كتابتها لتُحفَظ مخافة النسيان.
عمّان - الأردنّ
4/11/2020