- من المعهود أن الميتافيزيقا "مابعد الطبيعة" هي مجموعة المؤلفات الأرسطية التي تلت كتب "الطبيعة". فكلمة ميتافيزيقا لا تحمل أية إشارة إلى مضمون هذه البحوث ، بل هي مابعد طبيعة أرسطو فحسب. لكنها مع تطور المصطلح أصبحت تعني العلم الذي يدرس موضوعات تجاوز الظواهر المحسوسة ، فهو يعنى بدراسة الوجود وملحقاته ، أي المقولات التي تعبر عن خصائص أساسية لهذا الوجود ، كالجوهر والعَرض ، و التغير ، والزمان والمكان ، والعلاقات. بالإضافة إلى الوجود الإلهي ، والنفس ، والروح ، الخ.
وكان أرسطو يطلق على مجموعة البحوث الميتافيزيقية
اسم "الفلسفة الأولى" ، ويرى أنها علم المبادئ الأولى والعلل البعيدة التي تشمل جميع المبادئ الأخرى ، فهي أشمل العلوم وأكثرها تجريداً ، وهي أشرف العلوم لأن موضوعها النهائي هو العلة الأولى أو المبدأ الأول.
والواقع أن كل إنسان يفكِّر لابد أن يجد نفسه في قلب الميتافيزيقا عندما يسأل نفسه : من أنا ؟ ولماذا أنا هنا ؟ وكيف جئت إلى هذا الوجود ؟ ، الخ. إذ لابد لهذه الأسئلة من أن تطرح مزيداً من التساؤلات حول طبيعة الوجود و سماته ، وعن وجود الذات والعالم معاً.
- أما التقسيم التقليدي للميتافيزيقا فهو على الشكل التالي :
أولاً : الأنطولوجيا أو نظرية الوجود :
كانت الميتافيزيقا عند أرسطو دراسةً للوجود بما هو موجود ، وقد ظلت الأنطولوجي قسماً رئيسياً من أقسام الميتافيزيقا ، لاسيما طوال العصور الوسطى ، ثم تحولت في العصور الحديثة إلى دراسة الابستمولوجيا أو نظرية المعرفة ، كما رأينا عند ديكارت وكانط وغيرهما. والحق أن ثمة ارتباطاً ضرورياً بين الأنطولوجيا والابستمولوجيا ذلك لأن دراسة الخصائص العامة للوجود تعني أيضاً معرفتنا بهذه الخصائص. ولاشك أن الفلسفة الوجودية المعاصرة أضافت الكثير من المعاني الجديدة عن كلمة "الوجود". فهايدغر مثلاً يستخدم مصطلح "الوجود المتعيّن" "دازاين" ليشير به إلى ذلك اللون من الوجود الذي يتمثَّل في الإنسان ، فهو عنده مصطلح أنطولوجي يشير إلى الإنسان من زاوية وجوده.
ثانياً : السيكولوجيا العقلية : وهو قسم يهتم بدراسة النفس البشرية ، هل هي بسيطة أم مركبة ؟ وهل هي نفس واحدة أم هناك أنفس متعددة ؟ ومالفرق بين النفس والروح ؟ وماهي علاقة النفس بالجسد ؟ هل تفنى النفس بفناء البدن ؟ وإذا كانت النفس خالدة فما هي أدلة خلودها ؟
وضمن هذا الإطار هناك موضوع آخر هو "حرية الإرادة" حيث كان في صورته الأولية مشكلة لاهوتية هي : كيف نوفِّق بين وجود إله قادر على كل شيء وبين حرية الإنسان المسؤول أخلاقياً ؟ وتلك هي مشكلة الجبر والاختيار التي ظهرت في جميع الفلسفات الدينية. ثم تحولت المشكلة إلى مشكلة ميتافيزيقة وهي : كيف نوفِّق بين الحرية الأخلاقية وبين فكرة السببية وعمومية القانون ؟ وأصبحت في العصور الحديثة مشكلة الحياة نفسها : هل الحياة حصيلة لعدة عوامل من الممكن حسابها رياضياً والتنبؤ بها بدقة أم أنها حدث جديد في مجرى التطور ؟.
ثالثاً : الكسمولوجيا أو الكونيات : وتشمل موضوعات العالم وظهور الكون والبنية التي يتألف منها ، ثم ماهي طبيعة المكان ؟ وماطبيعة الزمان ؟ ماهي الحياة ؟ و نا أصلها ؟ هل هي تلقائية أم أنها انتقلت إلينا من كوكب آخر ، ثم ما المقصود بالخلق العام والخلق الخاص ؟. كما تعنى الكسمولوجيا بدراسة مشكلة الغائية ، هل هناك هدف في الكون وفي كل ظاهرة من ظواهره ؟ أم أن الكون بما فيه من ظواهر يسير بلا هدف أو غاية ؟.
رابعاً : اللاهوت العقلي أو الطبيعي : يناقش موضوع الألوهية والأدلة على وجود الله ، وطبيعته وصفاته. وتنقسم المذاهب اللاهوتية الميتافيزيقية إلى ثلاثة أقسام :
- مذهب التألية : وهو مذهب الذين يؤمنون بوجود إله ، فإن قالوا بوجود إله واحد كانوا من أتباع مذهب التوحيد. وإن قالوا بوجود أكثر من إله كانوا من أصحاب الشرك ، حتى لو كانوا من أصحاب مذهب الثنائية التي تقول بوجود إلهين "النور - الظلمة" كما هي الحال في الزرادشتية. وإن قالوا إن الله والعالم حقيقة واحدة كانوا من أتباع مذهب "وحدة الوجود".
- مذهب الطبيعيين الإلهيين : وهم الذين يؤمنون بوجود
إله ، لكنهم ينكرون الوحي والرسل والكتب المقدسة على أساس أن العقل وحده بنوره الطبيعي قادر على معرفة الله.
- مذهب الإلحاد : وأصحابه ينكرون الألوهية في كل صورها. أما الامتناع عن الحكم ، أي تعليق الرأي إيجاباً أو سلباً ، فهؤلاء هم أصحاب مذهب "اللاأدرية".
يعالج هذا القسم أيضاً صفات الله التي تنقسم إلى طائفتين : الأولى صفات الذات ، الثانية صفات الفعل. الأولى تشمل صفات مثل البساطة المطلقة ، واللاتناهي ، والثبات ، والوحدانية والأزلية والأبدية. وصفات الموجود الكامل ، أي أنه الحق بالذات و الخير بالذات والجمال بالذات. أما الثانية فتشمل صفات خاصة بتدبير العالم والعناية بالإنسان مثل العلم ، الإرادة ، المحبة ، القدرة ، الحرية ، الخ.
• ذلك هو مايسمى التقسيم التقليدي للميتافيزيقا ، وهو تقسيم هاجمه كانط في كتابه "نقد العقل الخالص" و وصفه بأنه تقسيم يعبر عن ميتافيزيقا دجماطيقية تسلِّم بموضوعاتها قبل أن تسأل نفسها إذا ما كان باستطاعتها أن تدرسها أم لا ؟ ثم جاء هيجل ليُبارِك النقد الكانطي ، وأسس لميتافيزيقا جديدة تضم مقولات المنطق و الطبيعة والروح ، والحق أن هيجل قد عرض لجميع تصورات الميتافيزيقا القديمة لكن بطريقته الجدلية الخاصة.
__________________
مدخل إلى الميتافيزيقا ، إمام عبد الفتاح إمام ، منشورات نهضة مصر ، القاهرة ، 2005.
وكان أرسطو يطلق على مجموعة البحوث الميتافيزيقية
اسم "الفلسفة الأولى" ، ويرى أنها علم المبادئ الأولى والعلل البعيدة التي تشمل جميع المبادئ الأخرى ، فهي أشمل العلوم وأكثرها تجريداً ، وهي أشرف العلوم لأن موضوعها النهائي هو العلة الأولى أو المبدأ الأول.
والواقع أن كل إنسان يفكِّر لابد أن يجد نفسه في قلب الميتافيزيقا عندما يسأل نفسه : من أنا ؟ ولماذا أنا هنا ؟ وكيف جئت إلى هذا الوجود ؟ ، الخ. إذ لابد لهذه الأسئلة من أن تطرح مزيداً من التساؤلات حول طبيعة الوجود و سماته ، وعن وجود الذات والعالم معاً.
- أما التقسيم التقليدي للميتافيزيقا فهو على الشكل التالي :
أولاً : الأنطولوجيا أو نظرية الوجود :
كانت الميتافيزيقا عند أرسطو دراسةً للوجود بما هو موجود ، وقد ظلت الأنطولوجي قسماً رئيسياً من أقسام الميتافيزيقا ، لاسيما طوال العصور الوسطى ، ثم تحولت في العصور الحديثة إلى دراسة الابستمولوجيا أو نظرية المعرفة ، كما رأينا عند ديكارت وكانط وغيرهما. والحق أن ثمة ارتباطاً ضرورياً بين الأنطولوجيا والابستمولوجيا ذلك لأن دراسة الخصائص العامة للوجود تعني أيضاً معرفتنا بهذه الخصائص. ولاشك أن الفلسفة الوجودية المعاصرة أضافت الكثير من المعاني الجديدة عن كلمة "الوجود". فهايدغر مثلاً يستخدم مصطلح "الوجود المتعيّن" "دازاين" ليشير به إلى ذلك اللون من الوجود الذي يتمثَّل في الإنسان ، فهو عنده مصطلح أنطولوجي يشير إلى الإنسان من زاوية وجوده.
ثانياً : السيكولوجيا العقلية : وهو قسم يهتم بدراسة النفس البشرية ، هل هي بسيطة أم مركبة ؟ وهل هي نفس واحدة أم هناك أنفس متعددة ؟ ومالفرق بين النفس والروح ؟ وماهي علاقة النفس بالجسد ؟ هل تفنى النفس بفناء البدن ؟ وإذا كانت النفس خالدة فما هي أدلة خلودها ؟
وضمن هذا الإطار هناك موضوع آخر هو "حرية الإرادة" حيث كان في صورته الأولية مشكلة لاهوتية هي : كيف نوفِّق بين وجود إله قادر على كل شيء وبين حرية الإنسان المسؤول أخلاقياً ؟ وتلك هي مشكلة الجبر والاختيار التي ظهرت في جميع الفلسفات الدينية. ثم تحولت المشكلة إلى مشكلة ميتافيزيقة وهي : كيف نوفِّق بين الحرية الأخلاقية وبين فكرة السببية وعمومية القانون ؟ وأصبحت في العصور الحديثة مشكلة الحياة نفسها : هل الحياة حصيلة لعدة عوامل من الممكن حسابها رياضياً والتنبؤ بها بدقة أم أنها حدث جديد في مجرى التطور ؟.
ثالثاً : الكسمولوجيا أو الكونيات : وتشمل موضوعات العالم وظهور الكون والبنية التي يتألف منها ، ثم ماهي طبيعة المكان ؟ وماطبيعة الزمان ؟ ماهي الحياة ؟ و نا أصلها ؟ هل هي تلقائية أم أنها انتقلت إلينا من كوكب آخر ، ثم ما المقصود بالخلق العام والخلق الخاص ؟. كما تعنى الكسمولوجيا بدراسة مشكلة الغائية ، هل هناك هدف في الكون وفي كل ظاهرة من ظواهره ؟ أم أن الكون بما فيه من ظواهر يسير بلا هدف أو غاية ؟.
رابعاً : اللاهوت العقلي أو الطبيعي : يناقش موضوع الألوهية والأدلة على وجود الله ، وطبيعته وصفاته. وتنقسم المذاهب اللاهوتية الميتافيزيقية إلى ثلاثة أقسام :
- مذهب التألية : وهو مذهب الذين يؤمنون بوجود إله ، فإن قالوا بوجود إله واحد كانوا من أتباع مذهب التوحيد. وإن قالوا بوجود أكثر من إله كانوا من أصحاب الشرك ، حتى لو كانوا من أصحاب مذهب الثنائية التي تقول بوجود إلهين "النور - الظلمة" كما هي الحال في الزرادشتية. وإن قالوا إن الله والعالم حقيقة واحدة كانوا من أتباع مذهب "وحدة الوجود".
- مذهب الطبيعيين الإلهيين : وهم الذين يؤمنون بوجود
إله ، لكنهم ينكرون الوحي والرسل والكتب المقدسة على أساس أن العقل وحده بنوره الطبيعي قادر على معرفة الله.
- مذهب الإلحاد : وأصحابه ينكرون الألوهية في كل صورها. أما الامتناع عن الحكم ، أي تعليق الرأي إيجاباً أو سلباً ، فهؤلاء هم أصحاب مذهب "اللاأدرية".
يعالج هذا القسم أيضاً صفات الله التي تنقسم إلى طائفتين : الأولى صفات الذات ، الثانية صفات الفعل. الأولى تشمل صفات مثل البساطة المطلقة ، واللاتناهي ، والثبات ، والوحدانية والأزلية والأبدية. وصفات الموجود الكامل ، أي أنه الحق بالذات و الخير بالذات والجمال بالذات. أما الثانية فتشمل صفات خاصة بتدبير العالم والعناية بالإنسان مثل العلم ، الإرادة ، المحبة ، القدرة ، الحرية ، الخ.
• ذلك هو مايسمى التقسيم التقليدي للميتافيزيقا ، وهو تقسيم هاجمه كانط في كتابه "نقد العقل الخالص" و وصفه بأنه تقسيم يعبر عن ميتافيزيقا دجماطيقية تسلِّم بموضوعاتها قبل أن تسأل نفسها إذا ما كان باستطاعتها أن تدرسها أم لا ؟ ثم جاء هيجل ليُبارِك النقد الكانطي ، وأسس لميتافيزيقا جديدة تضم مقولات المنطق و الطبيعة والروح ، والحق أن هيجل قد عرض لجميع تصورات الميتافيزيقا القديمة لكن بطريقته الجدلية الخاصة.
__________________
مدخل إلى الميتافيزيقا ، إمام عبد الفتاح إمام ، منشورات نهضة مصر ، القاهرة ، 2005.