[SIZE=22px]قبيل ثورة يناير بعام او اثنين كان في القاهرة صديق عراقي اسمه ماجد موجد.. التقي بالراحل رفعت سلام وصارا صديقين .. حتى انه كتب عنه بورتريه في إحدى الجرائد العراقية، حكي عن السهرة التي قضاها معه برفقة بعض الاصدقاء في مقهى الحرية... وكيف كان يجلس صامتا طيلة الوقت .. وكان احد القمه سندوتشا فيفمه، واذا تكلم فانه يقول كلمة او اثنتين ثم يعود الى وضع السندوتش.. واذا تحدث يقول كلمات قليلة ويضع من جديد السندوتش.[/SIZE]
حين قرات المقال تصورت أن رفعت سوف يلقم ماجد ضربتين او ثلاث على فمه، او انه سوف يقطع علاقته به، لكنني وجدت يضحك متفهما النكتة التي في مقال، ومتقبلا شكل البورتريه الذي رسمه له صديقنا العراقي.
هذا الموقف جعلني انتبه الى جانب مهم في شخصية رفعت سلام، وهو انه متسامح وقادر على قبول الاخرين برؤاهم المختلفة معه وعنه، وأنه محب للكتابة الجيدة، والحقيقة أيضا انه محب للبشر الى ابعد مدى، وعلى غير ما يوحي به شكله الجاد المتحفظ قليل الكلام، وإن تكلم فإن ذلك يكون بتحفظ شديد وكلمة او اثنتين لا معقب لهما، وهو ما يوحي بمدى الحذر من الاخرين وصعوبة الوقوع في الخطا، والحقيقة أنه كان أبسط من ذلك، كثيرا ما خدع من قبل آخرين، وكثيرا ما فتح يديه لصداقة أناس يتحفظ الكثيرون من التعامل معهم، ربما لانه محب للبشر، ويثق في الجميع، وربما لانه كان يمنح وقته كله للعمل تلو العمل.
اعرف رفعت سلام منذ النصف الاول من التسعينات، كنا وقتها في الجامعة في شبين الكوم، حين تمت دعوته لمؤتمر اقامته كلية الاداب، رأيته برفقة الراحل حلمي سالم وطيب الذكر أحمد عبد المعطي حجازي، لكن معرفتي به لم تتوثق الا في نهاية التسعينات حين عملت صحفيا بجريدة القبس، وكان على ان اذهب لوكالة أنباء الشرق الاوسط كي التقي به وأجري معه حوارا، يومها تعرفت من خلاله على الروائية والمترجمة الراحلة نجوى شعبان، ثم صرنا نلتقي به حينما كان ينهي عمله بالوكالة ليأتي فيجلس مع الراحل الكبير محمد عفيفي مكر، وكان كما رسمه ماجد .. لا يتحدث..وان تحدث قال كلمات تعد على الاصابع... دائم التدخين وحمل كتب كثيرة تحت ابطه، بعدها سافر الى الجزائر نحو خمس سنوات ثم عاد ليستقر في مصر من جديد.
بعد الثورة حدث ان صرت مديرا للنشر في قصور الثقافة في وقت كان المد الاخواني يتزايد ويتصاعد في البلاد، كان رئيس المباشر هو الشاعر الراحل محمد أبو المجد، وجدته يتصل بي ويسألني عن رأيي في كفافيس، ثم سألني عن رأي في نشر أعماله الكاملة، قلت يا ريت بس ازاي، فأخبرني ان رفعت سلام لديه ومعه سي دي عليه ترجمته الكاملة للاعمال، طبعا سعدنا بالامر، وصمم الفنان أحمد اللباد غلافا رائعا وأصدرنا الكتاب في اسرع وقت ممكن، بالشراكة مع السفارة اليونانية، وكان الامر سينتهي باحتفال على هيئة حفل شاي في اتيليه القاهرة او اي مكان، لكنني طلبت ان يكون في النادي اليوناني، وسريعا جهزنا مجموعة بنارات، واتفقنا سريعا مع عدد من الشعراء والنقاد المصريين للمشاركة في الحفل، ودعونا كل من نعرف للحضور، حتى ان مسئولي النادي اليوناني كانوا في البدء مندهشين، ثم اقرب للعصبية، فقد تمت سرقة دفة الحفل من ايديهم، وصاروا ضيوفا بين المصريين، وتحول الحفل الى واحد من اكبر الليالي اليونانية المصرية المهمة، حتى أن الصحافة اليونانية كتبت عنه باهتمام كبير، وكان رفعت سلام نجم النجوم الذي احتفى به وبكفافي الجميع.
بعدها قررنا تغيير هيئات التحرير تماشيا مع فكرة الثورة، وكان طبيعيا ان يكون رفعت سلام اول اسم مرشح لسلسلة الترجمة، يومها اتى وابدى رغبته في عمل سلسلة المائة كتاب، حيث يوكل ترجمة اهم مائة عمل روائي الى مترجم جديد، ويقوم بنشرها في السلسلة تحت لوجو خاص بها، تحمسنا للامر معه، ورفعنا مكافآت الترجمة بما يتناسب مع تشجيع المترجمين على العمل، وكان محمد أبو المجد وراء الكثير من هذا الجهد.
بعد ان تركت النشر علمت ان السلسلة أخذت تعاني من بعض البيروقراطية، وفي النهاية استقال رفعت اعتراضا على بعض الامور، من بينها التاخير في الصدور.
رفعت ليس مجرد شاعر معبأ بالعالم كله، حتى أننا نشعر معه كأنه ينفجر في قصيدته بشر وكائنات وعوالم وتفاصيل، وتكاد تشعر بالزحام في النص من كثرة رغبته في الاحتفاء بكل ما حوله، رفعت أيضا ليس مجرد مترجم نقل الى العربية مجلدات شعرية كاملة لرامبو وبودلير وكفافيس وريتسوس تي اس اليوت وغيرهم، لكنه مؤسسة ثقافية متنقلة، اين ولى وجهه تجده يثير الحراك من حوله، بداية من حث البعض على ترجمةالشعر العربي الى الانجليزية، او ترجمة سفر عظيم مثل قصيدة النثر الفر نسية لسوزان برنار الى العربية، وصولا الى مشروع المائة كتاب..
كان مغرما بالتجريب الفني والشكلي في الشعر. واعطى حياته لهذا الفن الصعب والمدهش، حتى انه يكاد يكون اكثر من ترجم أعمالا شعرية، ولا تتخطى ترجماته في الرواية سوى عمل اوثنين، وسعى طيلة الوقت لان يقدم للقارئ العربي مشروعا كاملا، فكان واحدا من المترجمين الكبار الذين اخلصوا لهذا الفن حتى على حساب مشاريعهم الخاصة، رغم سعيه للموازنة بينهم.
فرحمه الله بقدر ما اعطى للثقافة والشعر والحياة من جهد واخلاص في العمل.
Facebook
حين قرات المقال تصورت أن رفعت سوف يلقم ماجد ضربتين او ثلاث على فمه، او انه سوف يقطع علاقته به، لكنني وجدت يضحك متفهما النكتة التي في مقال، ومتقبلا شكل البورتريه الذي رسمه له صديقنا العراقي.
هذا الموقف جعلني انتبه الى جانب مهم في شخصية رفعت سلام، وهو انه متسامح وقادر على قبول الاخرين برؤاهم المختلفة معه وعنه، وأنه محب للكتابة الجيدة، والحقيقة أيضا انه محب للبشر الى ابعد مدى، وعلى غير ما يوحي به شكله الجاد المتحفظ قليل الكلام، وإن تكلم فإن ذلك يكون بتحفظ شديد وكلمة او اثنتين لا معقب لهما، وهو ما يوحي بمدى الحذر من الاخرين وصعوبة الوقوع في الخطا، والحقيقة أنه كان أبسط من ذلك، كثيرا ما خدع من قبل آخرين، وكثيرا ما فتح يديه لصداقة أناس يتحفظ الكثيرون من التعامل معهم، ربما لانه محب للبشر، ويثق في الجميع، وربما لانه كان يمنح وقته كله للعمل تلو العمل.
اعرف رفعت سلام منذ النصف الاول من التسعينات، كنا وقتها في الجامعة في شبين الكوم، حين تمت دعوته لمؤتمر اقامته كلية الاداب، رأيته برفقة الراحل حلمي سالم وطيب الذكر أحمد عبد المعطي حجازي، لكن معرفتي به لم تتوثق الا في نهاية التسعينات حين عملت صحفيا بجريدة القبس، وكان على ان اذهب لوكالة أنباء الشرق الاوسط كي التقي به وأجري معه حوارا، يومها تعرفت من خلاله على الروائية والمترجمة الراحلة نجوى شعبان، ثم صرنا نلتقي به حينما كان ينهي عمله بالوكالة ليأتي فيجلس مع الراحل الكبير محمد عفيفي مكر، وكان كما رسمه ماجد .. لا يتحدث..وان تحدث قال كلمات تعد على الاصابع... دائم التدخين وحمل كتب كثيرة تحت ابطه، بعدها سافر الى الجزائر نحو خمس سنوات ثم عاد ليستقر في مصر من جديد.
بعد الثورة حدث ان صرت مديرا للنشر في قصور الثقافة في وقت كان المد الاخواني يتزايد ويتصاعد في البلاد، كان رئيس المباشر هو الشاعر الراحل محمد أبو المجد، وجدته يتصل بي ويسألني عن رأيي في كفافيس، ثم سألني عن رأي في نشر أعماله الكاملة، قلت يا ريت بس ازاي، فأخبرني ان رفعت سلام لديه ومعه سي دي عليه ترجمته الكاملة للاعمال، طبعا سعدنا بالامر، وصمم الفنان أحمد اللباد غلافا رائعا وأصدرنا الكتاب في اسرع وقت ممكن، بالشراكة مع السفارة اليونانية، وكان الامر سينتهي باحتفال على هيئة حفل شاي في اتيليه القاهرة او اي مكان، لكنني طلبت ان يكون في النادي اليوناني، وسريعا جهزنا مجموعة بنارات، واتفقنا سريعا مع عدد من الشعراء والنقاد المصريين للمشاركة في الحفل، ودعونا كل من نعرف للحضور، حتى ان مسئولي النادي اليوناني كانوا في البدء مندهشين، ثم اقرب للعصبية، فقد تمت سرقة دفة الحفل من ايديهم، وصاروا ضيوفا بين المصريين، وتحول الحفل الى واحد من اكبر الليالي اليونانية المصرية المهمة، حتى أن الصحافة اليونانية كتبت عنه باهتمام كبير، وكان رفعت سلام نجم النجوم الذي احتفى به وبكفافي الجميع.
بعدها قررنا تغيير هيئات التحرير تماشيا مع فكرة الثورة، وكان طبيعيا ان يكون رفعت سلام اول اسم مرشح لسلسلة الترجمة، يومها اتى وابدى رغبته في عمل سلسلة المائة كتاب، حيث يوكل ترجمة اهم مائة عمل روائي الى مترجم جديد، ويقوم بنشرها في السلسلة تحت لوجو خاص بها، تحمسنا للامر معه، ورفعنا مكافآت الترجمة بما يتناسب مع تشجيع المترجمين على العمل، وكان محمد أبو المجد وراء الكثير من هذا الجهد.
بعد ان تركت النشر علمت ان السلسلة أخذت تعاني من بعض البيروقراطية، وفي النهاية استقال رفعت اعتراضا على بعض الامور، من بينها التاخير في الصدور.
رفعت ليس مجرد شاعر معبأ بالعالم كله، حتى أننا نشعر معه كأنه ينفجر في قصيدته بشر وكائنات وعوالم وتفاصيل، وتكاد تشعر بالزحام في النص من كثرة رغبته في الاحتفاء بكل ما حوله، رفعت أيضا ليس مجرد مترجم نقل الى العربية مجلدات شعرية كاملة لرامبو وبودلير وكفافيس وريتسوس تي اس اليوت وغيرهم، لكنه مؤسسة ثقافية متنقلة، اين ولى وجهه تجده يثير الحراك من حوله، بداية من حث البعض على ترجمةالشعر العربي الى الانجليزية، او ترجمة سفر عظيم مثل قصيدة النثر الفر نسية لسوزان برنار الى العربية، وصولا الى مشروع المائة كتاب..
كان مغرما بالتجريب الفني والشكلي في الشعر. واعطى حياته لهذا الفن الصعب والمدهش، حتى انه يكاد يكون اكثر من ترجم أعمالا شعرية، ولا تتخطى ترجماته في الرواية سوى عمل اوثنين، وسعى طيلة الوقت لان يقدم للقارئ العربي مشروعا كاملا، فكان واحدا من المترجمين الكبار الذين اخلصوا لهذا الفن حتى على حساب مشاريعهم الخاصة، رغم سعيه للموازنة بينهم.
فرحمه الله بقدر ما اعطى للثقافة والشعر والحياة من جهد واخلاص في العمل.
www.facebook.com