القالب في الفن هو أن يختار الكاتب الشكل الذي يناسب الأثر الفني الذي يود إحداثه في أذهان قارئيه، فحركة الأسلوب مثلا يجب أن تتمشى مع حركة العاطفة أو الحادثة أو الشخصية فتجد الكاتب القصصي يستعير الموسيقى في هذا الصدد من حيث الإيقاع، والاتساق، والتدرج rhythms والموازنة حيث تكون الموازنة ابلغ بين طبيعة الجو مثلا وجو القصة، أو التباين حيث يكون التباين أجدى وأعود على الغرض الفني، وان يعمل الأصوات الداوية أو الصفير الناعم في موضعه، وان يستخدم الاوركسترا حيث تكون للاوركسترا جلالها ورهبتها وأشباه هذه الطرق الفنية وكما يستعين القصصي بالتعبير الموسيقي، فهو يستعمل أيضا أدوات التصوير وعدته على طريقته الخاصة من حيث التظليل، ورقة التفاصيل، أو قوة الوحدة الفنية مما يناسب عرضه ويتمشى مع فنه، ويلج التعبير الفني إلى غايته. فاللمسات المحكمة الدقيقة التي لا تكاد تراها العين إذا تجمعت أخرجت الأثر الفني الواحد.
فبعض قصاصينا يعتقدون أن الفن في الوصف، فيسهبون فيه ويطيلون من غير أن يكون القاري قد كون صورة معقولة لهذا الذي يصفون. لان جمال الوصف يعتمد على الإيحاء وليس على سرد ما تراه الحواس ويحسه كل إنسان.
والجمال في الفن القصصي لا يكون في عرض النماذج فحسب وإنما يكون في خلق الشخصيات الفريدة.
هنالك طريقتان لرسم الشخصية القصصية وإحيائها. أولها الطريقة المباشرة التي تحدثك عن كل ما تود معرفته عن الشخصية عن طريق الوصف المباشر. والطريقة الأخرى هي أن يعرض عليك القصصي شخوصه في تفكيرهم وأعمالهم فتعرف أنت الشخصية من طرق تفكيرها ونهج أعمالها وبداوت روحها.
والقاص مطالب أن يكون اسع الصدر واسع النظر والروح، لا يضيق صدره بخلائقه، بل يعطف على الكل، ويسبغ على قصته روح العدل، والنظرة الشاملة المتساهلة العاطفة، ذلك العطف الذي يخلق الشخوص الطيبة والفاسدة، والضاحكة والباكية، والممعنة في الصلاح، ومن ليس لها في الصلاح حظ أو نصيب، والشخصيات الآسية، والشخصيات الضاحكة مل شدقيها، ثم يمسح على رأسها كلها ويحنو عليها كما تحنو الأم على أبنائها، فيبسم لها إذا عملت خيرا من غير ثناء واضح، ويؤنبها في ضحكة شفيقة من غير أن تكون مرة، ثم يبسم لها كلها أخيرا كما يبتسم الخالق نحو خلائقه الضعفاء في فهم وروح كبير. ذلك شاو العباقرة الأمجاد.
أما ما يسمى بالحادثة plot في القصة وتمييزها عن الشخصية فلا يقره الناقد العارف، ذلك لأننا لا نستطيع خلق شخصية من غير حادثة، صغرت أو كبرت. والقاص الحديث لا يؤمن بضخامة الحادثة على حساب الشخصية. ثم بعد ذلك كله الحوادث ما أكثرها والشخوص الفذة ما اقلها. ومجمل ما يقال عن الحادثة أن لا نكثر منها ولا نغرب فيها وفي تفرعها وألا ندخل الحوادث التي لا يكون لها الأثر القوي في تصوير الشخوص وإحيائهم وان لا تخلق الحوادث الشخصيات بل لتخلق الشخصيات الحوادث.
* الأعمال الأدبية لمعاوية محمد نور-ص186-190
فبعض قصاصينا يعتقدون أن الفن في الوصف، فيسهبون فيه ويطيلون من غير أن يكون القاري قد كون صورة معقولة لهذا الذي يصفون. لان جمال الوصف يعتمد على الإيحاء وليس على سرد ما تراه الحواس ويحسه كل إنسان.
والجمال في الفن القصصي لا يكون في عرض النماذج فحسب وإنما يكون في خلق الشخصيات الفريدة.
هنالك طريقتان لرسم الشخصية القصصية وإحيائها. أولها الطريقة المباشرة التي تحدثك عن كل ما تود معرفته عن الشخصية عن طريق الوصف المباشر. والطريقة الأخرى هي أن يعرض عليك القصصي شخوصه في تفكيرهم وأعمالهم فتعرف أنت الشخصية من طرق تفكيرها ونهج أعمالها وبداوت روحها.
والقاص مطالب أن يكون اسع الصدر واسع النظر والروح، لا يضيق صدره بخلائقه، بل يعطف على الكل، ويسبغ على قصته روح العدل، والنظرة الشاملة المتساهلة العاطفة، ذلك العطف الذي يخلق الشخوص الطيبة والفاسدة، والضاحكة والباكية، والممعنة في الصلاح، ومن ليس لها في الصلاح حظ أو نصيب، والشخصيات الآسية، والشخصيات الضاحكة مل شدقيها، ثم يمسح على رأسها كلها ويحنو عليها كما تحنو الأم على أبنائها، فيبسم لها إذا عملت خيرا من غير ثناء واضح، ويؤنبها في ضحكة شفيقة من غير أن تكون مرة، ثم يبسم لها كلها أخيرا كما يبتسم الخالق نحو خلائقه الضعفاء في فهم وروح كبير. ذلك شاو العباقرة الأمجاد.
أما ما يسمى بالحادثة plot في القصة وتمييزها عن الشخصية فلا يقره الناقد العارف، ذلك لأننا لا نستطيع خلق شخصية من غير حادثة، صغرت أو كبرت. والقاص الحديث لا يؤمن بضخامة الحادثة على حساب الشخصية. ثم بعد ذلك كله الحوادث ما أكثرها والشخوص الفذة ما اقلها. ومجمل ما يقال عن الحادثة أن لا نكثر منها ولا نغرب فيها وفي تفرعها وألا ندخل الحوادث التي لا يكون لها الأثر القوي في تصوير الشخوص وإحيائهم وان لا تخلق الحوادث الشخصيات بل لتخلق الشخصيات الحوادث.
* الأعمال الأدبية لمعاوية محمد نور-ص186-190