قبل خمس سنوات تقريبا قال لي د . خالد المصري ، وهو طبيب مهتم بالثقافة ، كان يحضر ندواتي ويقرأ مقالاتي ، إنه ما من مقال لي يخلو من تضمين أسطر من أشعار محمود درويش ، وأنه على استعداد للدخول معي في رهان إن خلا مقال لي من هذا .
في السنوات الأخيرة غالبا ما أخذت مقالاتي تخلو من أشعار الشاعر ، بل ومن ذكره ، وربما يعود السبب إلى أنني أخذت التفت إلى فن الرواية أكثر من التفاتي إلى الشعر ، وهذا ما لاحظه الشاعر التلحمي خليل توما الذي طلب مني ، في أحد تعقيباته ، أن أنصف الشعر .
مؤخرا عرفت معلومة جديدة عن علاقة الشاعر ب ( ريتا ) ، ما دفعني إلى كتابة مقال " شتاء ريتا الطويل " ، وحين أدرجت المقال على صفحة ال ( فيس بوك ) الخاصة بي عقب قراء كثر على المقال ، ومنهم مثقفون لهم اطلاع على أشعار الشاعر ويشاركون في الحياة الثقافية و الفكرية .
أحد القراء عزز ما ذهب إليه أحد دارسي محمود درويش بشأن إيمانه وعقيدته ، وقال لي :
- صحيح أن الشاعر وطني وأنه شاعر كبير لكنه في إحدى قصائده جعل لله ولدا .
وقد أجبت القاريء بالآتي :
- علينا أن نعرف من هو المتكلم في النص ؟
أنا من المعجبين جدا بديوان " ورد أقل " ( 1985 ) ، وقد حللت بعض قصائده ودرستها في الجامعة ، ولهذا خمنت القصيدة التي رمى إليها القاريء . إنها قصيدة " الاهي الاهي .. لماذا تخليت عني ! " ، وسأعود إليها لأقرأها و أحدد أنا المتكلم في النص . و سأتأكد من أن ال " أنا " ليست أنا الشاعر . إنها أنا أنثى تسائل الاهها ونسأله :
- لماذا تزوجت مريم ؟
محمود درويش قاريء جيد للعهد القديم ، وقد وظفه في أشعاره منذ فترة مبكرة جدا ، وفي العهد القديم قصص وحكايات لا تصدق ، وهي تأتي على صراع بعض أنبياء اليهود مع الله ، كما لو أنه - جل وعلا - بشر ، بل إن بعض أنبياء اليهود تمكن من الله - جل قدره . ما سبق كنت قرأته ، وربما قرأته أيضا في تحليل ( فرويد ) لشخصية النبي موسى ، أو إحدى قصص سيدنا داود في علاقته بربه .
أعتقد أنه قبل إصدار الحكم على أن درويش هو الذي قال هذا ، أعتقد أن علينا أن ندرك أن أنا المتكلم في النص ليست دائما هي أنا الكاتب والشاعر . وحسب الدراسات النقدية الحديثة يجب إمعان النظر في الخطاب ، فقد يحتوي في داخله خطابات أخرى ، يضمنها الشاعر أو يقتبسها . بل إنه أحيانا لا ينطق باسمه الشخصي ، كما فعل بدر شاكر السياب في قصيدته " المخبر " ، فأنا المتكلم فيها ليست أنا السياب إطلاقا ، وإلا كان السياب ، الذي أراد أن يحقر المخبر ، مخبرا .
في مقالة الأسبوع الماضي : " رام الله .. قراءات متعددة " كنت توقفت أمام دراسة د . يوسف شحدة الكحلوت ، واقتبست منها سطرا من خلاصتها يرى فيه الدارس أن الشاعر سخر من الأنبياء ، وحط من مكانتهم و استهزأ بهم ، وقد أعادني حكم الدارس إلى مقالة لي عنوانها " إشكالية القراءة ... إشكالية النص : قراءة في سطر شعري "، وهي مقالة طويلة كتبتها بعد أن أنفقت مع طلاب الجامعة ثلاث محاضرات في مناقشة سطر شعري لدرويش من ديوان " أعراس " نص السطر :
"وتحذر الفقراء من لغة الصدى والأنبياء ".
كنت توقفت أمام دال " النبي " في العهد القديم وفي بعض الدراسات والمقالات الفلسفية ، ولاحظت أن العهد القديم ذكر أنبياء كذبة ، وأن بعض الفلاسفة نعت بعض المنظرين بالأنبياء الجدد ، ولم أنس أن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة ، ورأيت أن دال " النبي " لا يقتصر على أنبياء الله الصالحين ، وهكذا شرحت سطر محمود درويش ، وشاركت في الورقة في مؤتمر النقد الأدبي في جامعة اليرموك في صيف العام 2000 ، وقد لاقت الورقة قبولا واستحسانا لدرجة أن المدة المعطاة لي لقراءتها انتهت قبل أن أتم القراءة ، فطالبني الحضور باستمرار القراءة .
في قصيدة " الرمل " من ديوان محمود درويش " أعراس " 1977 ، يكتب الشاعر : " وسنعتاد على القرآن في تفسير ما يجري " .
وفي قصيدة " في القدس " أتى على الرسول محمد ( ص ) الذي سحر الشاعر بلغته الفصحى .
لا أريد ان أقول إن الشاعر غير مؤمن أو إنه مؤمن . هذا شيء ليس من اختصاصي ، ولكني أرى أننا حين نقرأ أشعاره علينا أن نأخذ بالحسبان أشياء كثيرة : المرحلة التي كتب فيها نصه وما كان عليه من أفكار ، اللحظة المعيشة التي كان عليها هو أو كان عليها شعبه ، من هو المتكلم في النص . ماذا كان يقصد بالدال الذي وظفه وما هي مدلولاته العديدة والمتنوعة ؟
خذوا مثلا قوله في شبابه " من يشتري تاريخ أجدادي بيوم حرية " وقوله في العام 1991:
" خسرت أجمل ما في يوم خسرت ماضي " .
إن قراءة تعاقبية لأشعار الشاعر هي ما توضح لنا موقفه من الماضي ، أما اجتزاء أسطر وعزلها عن سياقها التاريخي وزمن كتابتها وما كان عليه الشاعر وما كان عليه شعبه ، فسيؤدي إلى قراءة خاطئة . وهذا ما يذهب إليه المنهج الاجتماعي الماركسي ، وأعتقد أن الماركسيين في هذا محقون وعلى قدر كبير من الصواب .
في عيد ميلاد الشاعر لا بد من رفع القبعات .
في السنوات الأخيرة غالبا ما أخذت مقالاتي تخلو من أشعار الشاعر ، بل ومن ذكره ، وربما يعود السبب إلى أنني أخذت التفت إلى فن الرواية أكثر من التفاتي إلى الشعر ، وهذا ما لاحظه الشاعر التلحمي خليل توما الذي طلب مني ، في أحد تعقيباته ، أن أنصف الشعر .
مؤخرا عرفت معلومة جديدة عن علاقة الشاعر ب ( ريتا ) ، ما دفعني إلى كتابة مقال " شتاء ريتا الطويل " ، وحين أدرجت المقال على صفحة ال ( فيس بوك ) الخاصة بي عقب قراء كثر على المقال ، ومنهم مثقفون لهم اطلاع على أشعار الشاعر ويشاركون في الحياة الثقافية و الفكرية .
أحد القراء عزز ما ذهب إليه أحد دارسي محمود درويش بشأن إيمانه وعقيدته ، وقال لي :
- صحيح أن الشاعر وطني وأنه شاعر كبير لكنه في إحدى قصائده جعل لله ولدا .
وقد أجبت القاريء بالآتي :
- علينا أن نعرف من هو المتكلم في النص ؟
أنا من المعجبين جدا بديوان " ورد أقل " ( 1985 ) ، وقد حللت بعض قصائده ودرستها في الجامعة ، ولهذا خمنت القصيدة التي رمى إليها القاريء . إنها قصيدة " الاهي الاهي .. لماذا تخليت عني ! " ، وسأعود إليها لأقرأها و أحدد أنا المتكلم في النص . و سأتأكد من أن ال " أنا " ليست أنا الشاعر . إنها أنا أنثى تسائل الاهها ونسأله :
- لماذا تزوجت مريم ؟
محمود درويش قاريء جيد للعهد القديم ، وقد وظفه في أشعاره منذ فترة مبكرة جدا ، وفي العهد القديم قصص وحكايات لا تصدق ، وهي تأتي على صراع بعض أنبياء اليهود مع الله ، كما لو أنه - جل وعلا - بشر ، بل إن بعض أنبياء اليهود تمكن من الله - جل قدره . ما سبق كنت قرأته ، وربما قرأته أيضا في تحليل ( فرويد ) لشخصية النبي موسى ، أو إحدى قصص سيدنا داود في علاقته بربه .
أعتقد أنه قبل إصدار الحكم على أن درويش هو الذي قال هذا ، أعتقد أن علينا أن ندرك أن أنا المتكلم في النص ليست دائما هي أنا الكاتب والشاعر . وحسب الدراسات النقدية الحديثة يجب إمعان النظر في الخطاب ، فقد يحتوي في داخله خطابات أخرى ، يضمنها الشاعر أو يقتبسها . بل إنه أحيانا لا ينطق باسمه الشخصي ، كما فعل بدر شاكر السياب في قصيدته " المخبر " ، فأنا المتكلم فيها ليست أنا السياب إطلاقا ، وإلا كان السياب ، الذي أراد أن يحقر المخبر ، مخبرا .
في مقالة الأسبوع الماضي : " رام الله .. قراءات متعددة " كنت توقفت أمام دراسة د . يوسف شحدة الكحلوت ، واقتبست منها سطرا من خلاصتها يرى فيه الدارس أن الشاعر سخر من الأنبياء ، وحط من مكانتهم و استهزأ بهم ، وقد أعادني حكم الدارس إلى مقالة لي عنوانها " إشكالية القراءة ... إشكالية النص : قراءة في سطر شعري "، وهي مقالة طويلة كتبتها بعد أن أنفقت مع طلاب الجامعة ثلاث محاضرات في مناقشة سطر شعري لدرويش من ديوان " أعراس " نص السطر :
"وتحذر الفقراء من لغة الصدى والأنبياء ".
كنت توقفت أمام دال " النبي " في العهد القديم وفي بعض الدراسات والمقالات الفلسفية ، ولاحظت أن العهد القديم ذكر أنبياء كذبة ، وأن بعض الفلاسفة نعت بعض المنظرين بالأنبياء الجدد ، ولم أنس أن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة ، ورأيت أن دال " النبي " لا يقتصر على أنبياء الله الصالحين ، وهكذا شرحت سطر محمود درويش ، وشاركت في الورقة في مؤتمر النقد الأدبي في جامعة اليرموك في صيف العام 2000 ، وقد لاقت الورقة قبولا واستحسانا لدرجة أن المدة المعطاة لي لقراءتها انتهت قبل أن أتم القراءة ، فطالبني الحضور باستمرار القراءة .
في قصيدة " الرمل " من ديوان محمود درويش " أعراس " 1977 ، يكتب الشاعر : " وسنعتاد على القرآن في تفسير ما يجري " .
وفي قصيدة " في القدس " أتى على الرسول محمد ( ص ) الذي سحر الشاعر بلغته الفصحى .
لا أريد ان أقول إن الشاعر غير مؤمن أو إنه مؤمن . هذا شيء ليس من اختصاصي ، ولكني أرى أننا حين نقرأ أشعاره علينا أن نأخذ بالحسبان أشياء كثيرة : المرحلة التي كتب فيها نصه وما كان عليه من أفكار ، اللحظة المعيشة التي كان عليها هو أو كان عليها شعبه ، من هو المتكلم في النص . ماذا كان يقصد بالدال الذي وظفه وما هي مدلولاته العديدة والمتنوعة ؟
خذوا مثلا قوله في شبابه " من يشتري تاريخ أجدادي بيوم حرية " وقوله في العام 1991:
" خسرت أجمل ما في يوم خسرت ماضي " .
إن قراءة تعاقبية لأشعار الشاعر هي ما توضح لنا موقفه من الماضي ، أما اجتزاء أسطر وعزلها عن سياقها التاريخي وزمن كتابتها وما كان عليه الشاعر وما كان عليه شعبه ، فسيؤدي إلى قراءة خاطئة . وهذا ما يذهب إليه المنهج الاجتماعي الماركسي ، وأعتقد أن الماركسيين في هذا محقون وعلى قدر كبير من الصواب .
في عيد ميلاد الشاعر لا بد من رفع القبعات .