. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٢٨ : زعران السجن والحكاية التي لا يملون من سماعها

أمس كان الجو رماديا ، فلا هو بالجو الربيعي ، وقد دخلنا في فصل الربيع ، ولا هو بالجو الشتوي . كان الجو أمس " بين بين " ، ولم تكن توقعات الراصد الجوي دقيقة تماما ، والراصد غالبا ما ينهي حديثه بترداد العبارة " والله سبحانه وتعالى أعلم " خوفا من أن يتمسخر الناس عليه إن لم تصح توقعاته ، فالناس في بلادي - العبارة أعتقد للشاعر المصري صلاح عبد الصبور - تنتظر بفرح وتشف خطأ توقعات الراصد الجوي ، لتعزز قناعاتها الدينية القائلة إنه " لا يعلم الغيب إلا الله " و " كذب المنجمون ولو صدقوا وصحت توقعاتهم " .
الجو الرمادي لم يشجعني على التسكع طويلا في الشوارع ، وسرعان ما ذهبت إلى شقتي / مكتبي لأدقق طبعة جديدة من رواية جمال الحسيني " على سكة الحجاز " تبرعا مجانيا خدمة للثقافة الفلسطينية وإحياء لجهود الرواد والمؤسسين لفن الرواية الفلسطينية ، وحسنا فعلت إذ أصررت على ألا يدفع
Fuad Akleek
الرواية إلى المطبعة قبل أن أدققها ، فأنا من كتب مقالة عن الرواية لتكون تصديرا لها .
هل يمل القراء من كتابتي عن الكورونا ومن وصف الأجواء يوما يوما ؟
وأنا أقرأ قصة " الوطن " ١٩٧٧ للقاص
محمود شقير
توقفت أمام زعران السجن والسجين السياسي ، فهؤلاء الذين حل عليهم طاريء جديد يريدون أن يتسلوا بالحكايات ، ومن هنا طلبوا منه أن يحكي لهم حكاية تسليهم .
يرغب السجين الجديد أن يحكي عن الحكام الذين يظلمون رعاياهم ، فلا يرغب السجناء في الإصغاء . الحكاية مملة . ويرغب في أن يتحدث عن الجوع ، فيعترضون لأنهم يعيشون الجوع يوميا ومنذ زمن ، فيقترح أن يحكي لهم عن زوجة التاجر التي هربت مع عشيقها سائس الخيول ، وهنا " هلل الزعران وقالوا : نعم ، حكاية نعرفها ولا نمل سماعها . وظللت أقص هذه الحكاية على امتداد ليالي السجن الطويلة " .
هل زعران السجن هم فقط من لا يمل الحديث عن التاجر وزوجته و عشيقها ؟
إن كانت الإجابة بنعم فإن أكثر أبناء شعبنا لا يختلفون عن زعران السجن من أصغر جندي حتى .... " وفي فمي ماء ، وأنا لا أقوى على ترداد جملة قالها بعض أبناء مخيماتنا في سلطتنا ؛ جملة لا يليق صدورها مني فلأجعلها إذن " سلطتنا سلطة محترمين من الجندي للرئيس " .
مل الناس من الحديث عن الكورونا واللقاح والإغلاق ولا بد من " نثر إلاهي لينتصر الرسول " والعبارة لمحمود درويش من قصيدته " قافية من أجل المعلقات " ، ولكي لا أظلم أبناء شعبنا ، فإن كثيرين من الكتاب والقراء العرب ملوا من الكتابة والقراءة عن النكبة والهزيمة والاحتلال والفدائي وصورته في الرواية العربية ، وصاروا مثل زعران السجن يريدون حكاية لا تمل . ألهذا صارت الكتابة عن اليهود منتشرة بين الكتاب العرب ؟!
في المساء التقيت برمضان ابن مخيمي ، وهو يعمل في فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ ، وسألته عن التطعيم والجهة التي أنجزته ، فأجابني بما لا يرضي الدكتور محمد اشتية رئيس وزرائنا الذي أعلن في مؤتمر صحفي أن السلطة الفلسطينية هي من لقحت مائة ألف عامل يعملون في فلسطين المحتلة - أي إسرائيل .
هل ثمة في الخفاء شيء لا نعرفه نحن عامة الشعب ويعرفه المسؤولون ؟ هذا ممكن .
في أمثالنا مثل يقول " بنحب الكبرة ولو على خازوق " وفيها أيضا المثل " عريان وبضرط لحف " إلا إذا دفعت السلطة ثمن اللقاحات ل ( شايلوك ) وهنا أعتذر .
خربشات
صباح الخير
٢٣ آذار ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى