إفتتاحية:-
(غياهب) هو ديون نثري يحتوي على عدد ٥٠ صفحة بعدد قصائد ١٦ قصيدة، تكمن بينه القصائد على شاكلة عمود بين كل صفحتين قصيدة واحدة في الغالب، كم تأتي كذلك أحجام القصائد جميعها بدرجة متوسطة من الطول بخلاف قصيدة (انتكاس المرايا) التي أتت كقصيدة قصيرة جداً، ولعل هذا ما أعطى حجم صغير جداً للكتاب جعلتهُ خارجاً عن الصورة المألوفة فيما نطالعه من كتب لدواوين شعرية - وهذا في نظري ليس بالأمر العيب إن كانت القيمة الحقيقة في المفردة نفسها وليس في عدد الصفحات - لذا كل ذلك يضعنا أمام جلسة قرائية واحدة متأنية لهذا الديوان.
إفتتاحية الديوان تبدأ بعد الإهداء بقراءة إنطباعية للدكتورة الناقدة (ليلى بومدين) وإن كان في نظري من غير الجيد أن تصحب الأعمال الأدبية مقدمة إنطباعية أو نقدية لأنها ربما تعد وسيلة تسهم بشكل أو بآخر في التأثير على إنطباع القارئ نفسه، وقد تصنف عند البعض أنها محاولة يائسة وخجولة لتلبيس العمل درعاً ضد النقد نفسه ليأخذ العمل حيزه من ناصية الأدب، إلا أن (ليلى بومدين) قدمت لنا قراءة إنطباعية بلغة سامقة ربما في غايتها أنها كتبت لقارئ ناقد وليس قارئ عادي وهي ما أعادتنا بها إلى ذاكرة (سليم بركات) الشاعر الكردي الجميل الذي كل ما قرأت له أحسست بأن إبداعه اللغوي يطغى على إبداع تخيلاته الأدبية، أو كم يقول عنه أدونيس «مفتاح اللغة هو عند سليم بركات». فاللغة هي بطبيعة الحال واحدة من أدوات الإبداع الأساسية والمحورية التي تشكل نبض النص.
العنوان:-
(غياهب) مفردها (غيهب) وهو ما يعني الظلمة.
أي الغيهب من الليل: الشديد الظلمة.
وغادر القرية في غياهب الليل: في ظلمة الليل.
كذلك هي تعطي معنى آخر: الضعيف الغافل والثقيلُ البليد أي يقول لك «الغيهب من الرجال».
فالمفردة هنا تعبر عن عنوان شعري بإمتياز لكلاسيكيتها أو لخروجها عن المفردة العامية اليومية من لغة الشارع. فالعنوان من وجهة نظري هو عنوان جاذب وجاذب أكثر إذا أصبح عنوان طويل بإضافة مفردة أخرى، فشخصياً كقارئ أحب العناوين الأدبية الطويلة مثل (أقصوصات الغجر الغنائية) لفيديريكو غارثيا لوركا و(إلى بيروت الأنثى مع حبي) لنزار قباني، لكن في آخر الأمر يظل بطبيعة الحال المحتوى الأدبي هو الحاكم، كم يصف الروائي الجميل ماريو بارغاس يوسا في كتابه (رسائل إلى روائي شاب): أن ليس للكاتب حرية مطلقة في كتابة النص كم يعتقد الكثيرين.
الغلاف:-
أتت لوحة الغلاف كلوحة (تجريدية/سيريالية) بألوان غير صارخة إن لم نقل اللون السماوي والأسود، فمن حيثيات عديدة إرتبط الغلاف من خلال الرمزية الحزينة لصورة الوجه الإنساني والتدعيات للسماء بالمضامين المشتركة والغالبة في بعض القصائد.
الإهداء:-
أظن الإهداء هو التمهيد الأمثل لتوضيح مدى إبداع الكاتب إذ إستغل الكاتب نفسه هذه السانحة الضيقة وقدم إهداءه بعمق خارج عن ما يمكن أن أسميه (الإعتيادية) أو (النمطية) مثل: «إلى وليد محمد... على حاله، الجرس الذي علقته ليرن كلما نظرنا في المرآة... غير أننا فقدنا ملامحنا!» الإهداء الذي ورد في رواية (رغوة سوداء) للروائي الأرتري (حجي جابر).
لكن الإهداء هنا في (غياهب) أتي (إعتيادياً) إن لم نقل (نمطياً):
إلى كل من يعرف ألوان الوجع والغدر
إلى صوت الشاعر الذي يسكنني
إلى نبض الفؤاد «أمي»
ونور العين «أبي»
إلى من يصل لهذا السطر
وكحالة تعويضية ربما لن ينتبه لها الشاعر أو غير متعمدة منه كتب (لحمر) أسفل الإفتتاحية الموسومة (بروئ): «إن الحب الذي أسقطنا يوماً ركعًا هو ذاته من جعل منا بشراً» فهنا يكمن التمهيد لخلق صورة إبداعية عن الشاعر.
النصوص:-
ليس من إختلاف أو جدل في أن "للكتابة أجنحة تطير" وكل فن لا يحمل قضية هو فن أجوف وأن القلم في المعنى الاصطلاحي تحركه ثقافة وليست أنامل مهمتها أن تكتب، لذا من الوهلة الأولى تأتي نبؤتي بأن (رامي لحمر) سوف يكون ولادة جديدة لشعراء أفذاذ أمثال (محمد الماغوط) و(أمل دنقل) و(سليم بركات)... بإسلوب فريد مختلف ولغة مختلفة في توظيف مفرداتها جيداً لتحلق كتابته في الأفق الأعلى أو لتصبح محل جدل ونقاش بين المحاور الثقافية، ذلك حينا إلتمست فيه تمرده وإنحيازه كشاعر (ثوري) ولغته المجازية الرصينة الماتعة وثقافته الثرة، فهو من نوعية الشعراء (المُرتبين) في مشروعهم الأدبي، وحينا أقول (المُرتبين) أعني الذين يعروفون ما عليهم وما لا عليهم، المهتمون بتجويد عملهم جيداً والمشتغلين على إحدوثيات الشعر التي تضيف للنقد نفسه، حيث يفتتح (لحمر) ديوانه بقصيدة وطنية متداخلة التشكيلات الشعرية (تعددية التجنيس الشعري في القصيدة) ما بين التفعيلية أو الوزن والعمودية فيكتب:
ما الوطن؟
حدود جغرافية؟
أم معالم تاريخية؟
أم أجراس كنائس؟
أم صوامع مساجد؟
سمت بالأرواح عليا
أم جبال الأوراس الراسيات
أم صحارٍ...
هنا يتسأل الشاعر دون أن يترك إجابة إلا ما هو قبل الجزئية الأخيرة من القصيدة وهي حالة أشبه (بتناص) - قد لا ينتبه لها الشاعر أيضاً - لقصيدة الشاعر السوداني (محمد الحسن سالم حميد) التي تغنى بها (مصطفى سيد أحمد) أسئلة ليست للإجابة: ما معنى أن نحيا ولا ندري بأن العشق قد يبقى سجيناً في الخلايا؟ ما معنى هذا الصمت؟ هذا من المضمون (السؤال) وليس شيئاً آخر.
لكن في أواخر القصيدة يجيب الشاعر بعد البيت «أم لهفة مشتاق عاد يبكي إليك بكيّا؟:
أنا كل ذلك
أنا الوطن
فلا تجعل عدوي لك وليّا
ليؤكد لنا الشاعر بأن الوطن هو (الإنسان) نفسه بهواجسه وطموحاته وكرامته وحقوقه الإنسانية... فلا تجعل العدو (الإنسان) الآخر له وليّا.
ثانياً إذ نظرنا لي للمتداخلات سوف نجد القصيدة بدأت كقصيدة نثرية ثم تداخلات بينها (القافية) لاحقاً:
...وتربة أرض عطرت بالمياه الذكية؟
أم مدائن وخيم
ورشفة شاي هنية؟
أم غفوة راعٍ تحت شجرة الزيتون
يتفيّاً ظلّا، ونسمة هواء نقية؟
...
أي القافية تبدو واضحة إستخدمت فيها تاء التأنيث (ذكية، هنية، نقية...) وإلى آخره. كذلك ورد شكل آخر للقافية بين الأبيات تتباين مع تلك من حيث الصوتية الشعرية في حين الإلقاء مثل (نديّا، فتيّا، بكيّا).
* تداعيات (السؤال) - هذه الفكرة عند الشاعر - تبتذل أو تتجدد لنا مرة في قصيدة أشواق دمع (لأجل ذلك) صفحة رقم ٣٣ :
من يوقظني عند كل إشراق
من بعد طول ظلام
من يمسح دمعتي من خدي
حين تشتد بي الآلام؟
...
ليجيب الشاعر في متوسط القصيدة بذكاء كبير جداً أو خالقاً صورة الإجابة بين السؤال نفسه «من بعدك أمّاه؟» ليؤكد لنا بصورة رمزية «أن ليس من بإستطاعته فعل ذلك من بعد الأم».
على العموم لضيق هذه السانحة لا يمكن مدارسة كل القصائد مدارسة نقدية تطبيقية، لذا سوف ألخص إنطباعي العام حول المحتوى عامة: وهو أن جميع القصائد إختلفت من حيث المضمون بخلاف القليل منها كقصيدة (وطني...، وأرض الجدود) وهي قصائد تجنس كقصائد وطنية. لكن في جميعها إستخدم الشاعر البوليفونية والمجاز لينطلق من مقولة درويش (أنا ابن المجاز) كم هو في قصيدة (انتكاس المرايا):
يسبح الحمام
فوق شرفة حلمي
القلوب على أشكالها تأن
وأنا الغريب في وطني
أجمل جروح المرايا
الكافرة عن الذنب
لون دمي جزائري
يكابر الوجود
وهي قصيدة يتداعى فيها الشاعر (بالسلام) رغم أن القلوب على أشكالها تأن إلا أنه يشعر بالغريب معها! لذا يحاول تجميل جروح المرايا والمرايا المقصود بها تعبير رمزي يرمز للتشابه أو للوطنية المشتركة، والحمام رمزاً (للسلام).
أم في بعض القصائد الأخرى ومن ناحية أخرى يستخدم السميائية (السيميولوجيا) والتأويل كتعبير عن فلسفة الخلود والموت مثل ما هو في قصيدة (دروب الخالدين) صفحة رقم ١٩ و(مشروط ومقص) صفحة رقم ٢٥.
ومن المؤكد أو ما لا يدع مجالاً للشك أن تلك تجربة عميقة وواعية تثقل نفسها بروئ حديثة لكيفيات الحياة للشاعر الجميل (رامي لحمر).
إبراهيم أحمد الإعيسر
القاهرة
10/4/2021
* ملاحظة: هذه القراءة قابل فيها (نقد النقد) لكونها تأتي من قارئ متذوق للشعر وليس ناقد مختص.
(غياهب) هو ديون نثري يحتوي على عدد ٥٠ صفحة بعدد قصائد ١٦ قصيدة، تكمن بينه القصائد على شاكلة عمود بين كل صفحتين قصيدة واحدة في الغالب، كم تأتي كذلك أحجام القصائد جميعها بدرجة متوسطة من الطول بخلاف قصيدة (انتكاس المرايا) التي أتت كقصيدة قصيرة جداً، ولعل هذا ما أعطى حجم صغير جداً للكتاب جعلتهُ خارجاً عن الصورة المألوفة فيما نطالعه من كتب لدواوين شعرية - وهذا في نظري ليس بالأمر العيب إن كانت القيمة الحقيقة في المفردة نفسها وليس في عدد الصفحات - لذا كل ذلك يضعنا أمام جلسة قرائية واحدة متأنية لهذا الديوان.
إفتتاحية الديوان تبدأ بعد الإهداء بقراءة إنطباعية للدكتورة الناقدة (ليلى بومدين) وإن كان في نظري من غير الجيد أن تصحب الأعمال الأدبية مقدمة إنطباعية أو نقدية لأنها ربما تعد وسيلة تسهم بشكل أو بآخر في التأثير على إنطباع القارئ نفسه، وقد تصنف عند البعض أنها محاولة يائسة وخجولة لتلبيس العمل درعاً ضد النقد نفسه ليأخذ العمل حيزه من ناصية الأدب، إلا أن (ليلى بومدين) قدمت لنا قراءة إنطباعية بلغة سامقة ربما في غايتها أنها كتبت لقارئ ناقد وليس قارئ عادي وهي ما أعادتنا بها إلى ذاكرة (سليم بركات) الشاعر الكردي الجميل الذي كل ما قرأت له أحسست بأن إبداعه اللغوي يطغى على إبداع تخيلاته الأدبية، أو كم يقول عنه أدونيس «مفتاح اللغة هو عند سليم بركات». فاللغة هي بطبيعة الحال واحدة من أدوات الإبداع الأساسية والمحورية التي تشكل نبض النص.
العنوان:-
(غياهب) مفردها (غيهب) وهو ما يعني الظلمة.
أي الغيهب من الليل: الشديد الظلمة.
وغادر القرية في غياهب الليل: في ظلمة الليل.
كذلك هي تعطي معنى آخر: الضعيف الغافل والثقيلُ البليد أي يقول لك «الغيهب من الرجال».
فالمفردة هنا تعبر عن عنوان شعري بإمتياز لكلاسيكيتها أو لخروجها عن المفردة العامية اليومية من لغة الشارع. فالعنوان من وجهة نظري هو عنوان جاذب وجاذب أكثر إذا أصبح عنوان طويل بإضافة مفردة أخرى، فشخصياً كقارئ أحب العناوين الأدبية الطويلة مثل (أقصوصات الغجر الغنائية) لفيديريكو غارثيا لوركا و(إلى بيروت الأنثى مع حبي) لنزار قباني، لكن في آخر الأمر يظل بطبيعة الحال المحتوى الأدبي هو الحاكم، كم يصف الروائي الجميل ماريو بارغاس يوسا في كتابه (رسائل إلى روائي شاب): أن ليس للكاتب حرية مطلقة في كتابة النص كم يعتقد الكثيرين.
الغلاف:-
أتت لوحة الغلاف كلوحة (تجريدية/سيريالية) بألوان غير صارخة إن لم نقل اللون السماوي والأسود، فمن حيثيات عديدة إرتبط الغلاف من خلال الرمزية الحزينة لصورة الوجه الإنساني والتدعيات للسماء بالمضامين المشتركة والغالبة في بعض القصائد.
الإهداء:-
أظن الإهداء هو التمهيد الأمثل لتوضيح مدى إبداع الكاتب إذ إستغل الكاتب نفسه هذه السانحة الضيقة وقدم إهداءه بعمق خارج عن ما يمكن أن أسميه (الإعتيادية) أو (النمطية) مثل: «إلى وليد محمد... على حاله، الجرس الذي علقته ليرن كلما نظرنا في المرآة... غير أننا فقدنا ملامحنا!» الإهداء الذي ورد في رواية (رغوة سوداء) للروائي الأرتري (حجي جابر).
لكن الإهداء هنا في (غياهب) أتي (إعتيادياً) إن لم نقل (نمطياً):
إلى كل من يعرف ألوان الوجع والغدر
إلى صوت الشاعر الذي يسكنني
إلى نبض الفؤاد «أمي»
ونور العين «أبي»
إلى من يصل لهذا السطر
وكحالة تعويضية ربما لن ينتبه لها الشاعر أو غير متعمدة منه كتب (لحمر) أسفل الإفتتاحية الموسومة (بروئ): «إن الحب الذي أسقطنا يوماً ركعًا هو ذاته من جعل منا بشراً» فهنا يكمن التمهيد لخلق صورة إبداعية عن الشاعر.
النصوص:-
ليس من إختلاف أو جدل في أن "للكتابة أجنحة تطير" وكل فن لا يحمل قضية هو فن أجوف وأن القلم في المعنى الاصطلاحي تحركه ثقافة وليست أنامل مهمتها أن تكتب، لذا من الوهلة الأولى تأتي نبؤتي بأن (رامي لحمر) سوف يكون ولادة جديدة لشعراء أفذاذ أمثال (محمد الماغوط) و(أمل دنقل) و(سليم بركات)... بإسلوب فريد مختلف ولغة مختلفة في توظيف مفرداتها جيداً لتحلق كتابته في الأفق الأعلى أو لتصبح محل جدل ونقاش بين المحاور الثقافية، ذلك حينا إلتمست فيه تمرده وإنحيازه كشاعر (ثوري) ولغته المجازية الرصينة الماتعة وثقافته الثرة، فهو من نوعية الشعراء (المُرتبين) في مشروعهم الأدبي، وحينا أقول (المُرتبين) أعني الذين يعروفون ما عليهم وما لا عليهم، المهتمون بتجويد عملهم جيداً والمشتغلين على إحدوثيات الشعر التي تضيف للنقد نفسه، حيث يفتتح (لحمر) ديوانه بقصيدة وطنية متداخلة التشكيلات الشعرية (تعددية التجنيس الشعري في القصيدة) ما بين التفعيلية أو الوزن والعمودية فيكتب:
ما الوطن؟
حدود جغرافية؟
أم معالم تاريخية؟
أم أجراس كنائس؟
أم صوامع مساجد؟
سمت بالأرواح عليا
أم جبال الأوراس الراسيات
أم صحارٍ...
هنا يتسأل الشاعر دون أن يترك إجابة إلا ما هو قبل الجزئية الأخيرة من القصيدة وهي حالة أشبه (بتناص) - قد لا ينتبه لها الشاعر أيضاً - لقصيدة الشاعر السوداني (محمد الحسن سالم حميد) التي تغنى بها (مصطفى سيد أحمد) أسئلة ليست للإجابة: ما معنى أن نحيا ولا ندري بأن العشق قد يبقى سجيناً في الخلايا؟ ما معنى هذا الصمت؟ هذا من المضمون (السؤال) وليس شيئاً آخر.
لكن في أواخر القصيدة يجيب الشاعر بعد البيت «أم لهفة مشتاق عاد يبكي إليك بكيّا؟:
أنا كل ذلك
أنا الوطن
فلا تجعل عدوي لك وليّا
ليؤكد لنا الشاعر بأن الوطن هو (الإنسان) نفسه بهواجسه وطموحاته وكرامته وحقوقه الإنسانية... فلا تجعل العدو (الإنسان) الآخر له وليّا.
ثانياً إذ نظرنا لي للمتداخلات سوف نجد القصيدة بدأت كقصيدة نثرية ثم تداخلات بينها (القافية) لاحقاً:
...وتربة أرض عطرت بالمياه الذكية؟
أم مدائن وخيم
ورشفة شاي هنية؟
أم غفوة راعٍ تحت شجرة الزيتون
يتفيّاً ظلّا، ونسمة هواء نقية؟
...
أي القافية تبدو واضحة إستخدمت فيها تاء التأنيث (ذكية، هنية، نقية...) وإلى آخره. كذلك ورد شكل آخر للقافية بين الأبيات تتباين مع تلك من حيث الصوتية الشعرية في حين الإلقاء مثل (نديّا، فتيّا، بكيّا).
* تداعيات (السؤال) - هذه الفكرة عند الشاعر - تبتذل أو تتجدد لنا مرة في قصيدة أشواق دمع (لأجل ذلك) صفحة رقم ٣٣ :
من يوقظني عند كل إشراق
من بعد طول ظلام
من يمسح دمعتي من خدي
حين تشتد بي الآلام؟
...
ليجيب الشاعر في متوسط القصيدة بذكاء كبير جداً أو خالقاً صورة الإجابة بين السؤال نفسه «من بعدك أمّاه؟» ليؤكد لنا بصورة رمزية «أن ليس من بإستطاعته فعل ذلك من بعد الأم».
على العموم لضيق هذه السانحة لا يمكن مدارسة كل القصائد مدارسة نقدية تطبيقية، لذا سوف ألخص إنطباعي العام حول المحتوى عامة: وهو أن جميع القصائد إختلفت من حيث المضمون بخلاف القليل منها كقصيدة (وطني...، وأرض الجدود) وهي قصائد تجنس كقصائد وطنية. لكن في جميعها إستخدم الشاعر البوليفونية والمجاز لينطلق من مقولة درويش (أنا ابن المجاز) كم هو في قصيدة (انتكاس المرايا):
يسبح الحمام
فوق شرفة حلمي
القلوب على أشكالها تأن
وأنا الغريب في وطني
أجمل جروح المرايا
الكافرة عن الذنب
لون دمي جزائري
يكابر الوجود
وهي قصيدة يتداعى فيها الشاعر (بالسلام) رغم أن القلوب على أشكالها تأن إلا أنه يشعر بالغريب معها! لذا يحاول تجميل جروح المرايا والمرايا المقصود بها تعبير رمزي يرمز للتشابه أو للوطنية المشتركة، والحمام رمزاً (للسلام).
أم في بعض القصائد الأخرى ومن ناحية أخرى يستخدم السميائية (السيميولوجيا) والتأويل كتعبير عن فلسفة الخلود والموت مثل ما هو في قصيدة (دروب الخالدين) صفحة رقم ١٩ و(مشروط ومقص) صفحة رقم ٢٥.
ومن المؤكد أو ما لا يدع مجالاً للشك أن تلك تجربة عميقة وواعية تثقل نفسها بروئ حديثة لكيفيات الحياة للشاعر الجميل (رامي لحمر).
إبراهيم أحمد الإعيسر
القاهرة
10/4/2021
* ملاحظة: هذه القراءة قابل فيها (نقد النقد) لكونها تأتي من قارئ متذوق للشعر وليس ناقد مختص.