د. عادل الأسطة - تداعيات : وداعاً أيتها الحرب .. وداعاً أيها السلم

في العام 1974 أصدر الشاعر محمود درويش كتابه "وداعاً أيتها الحرب.. وداعاً أيها السلم"، والكتاب مجموعة مقالات كتب أكثرها إثر حرب تشرين 1973، وإثرها دخلت المنطقة في حالة اللاسلم واللاحرب وفي العام 1975 أو العام 1976 كتب الشاعر أمل دنقل قصيدته الشهيرة "لا تصالح" واعتمد في بنائها على وصايا كليب العشر لأخيه الزير سالم، ومما ورد في قصيدة دنقل قوله: "إنها الحرب، قد تثقل القلب، لكن خلفك عار العرب".
كم من حرب حدثت في منطقة الشرق الأوسط بعد أن كتب محمود درويش مقالته التي تصدرت عنوان كتابه؟ وكم أثقلت الحرب القلب منذ ذلك التاريخ، وما زالت؟
في بداية العام 1980 شن العراق الحرب على إيران، وقبلها بعامين غزت إسرائيل جنوب لبنان، وفي العام 1982 انفجرت حرب بيروت، وفي العام 1990 سيغزو صدام الكويت، لتبدأ حرب الخليج الثانية في العام 1991، وعُدّ يا مَنْ تعد الحروب اللاحقة : الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى وحرب 2006 وحرب 2008/2009 وثورات "الربيع العربي" التي أتت في ليبيا وسورية على الأخضر واليابس. ترى لو نظر المرحوم محمود درويش في كتابه الوارد عنوانه أعلاه وأراد أن يختار له عنواناً مناسباً، فهل كان سيختار العنوان نفسه : وداعاً أيتها الحرب.. وداعاً أيها السلم؟ ولو امتد العمر بالشاعر المصري أمل دنقل وشاهد الكوارث والمآسي التي جرّتها الحروب على الشعوب العربية، هل كان سيواصل صرخته : لا تصالح؟ ، وهل كان سينتظر من يأتي ويشعل الحرب إلى أن يعود الوجود لدورته؟
في إحدى قصائد مظفر النواب، يرد السطر التالي : "هذه الأمة لا بد لها أن تأخذ درساً في التخريب". ولم يكن أحد في فترات ما قبل "الربيع العربي"، ليصدق أن هذا سيحدث، فقد قنع كثيرون أن هذه الأمة اعتادت الصمت وقبول الواقع، وربما تذكر قراء الأدب العربي مسرحية الكاتب السوري سعد الله ونوس "الفيل يا ملك الزمان" فزكريا الذي حرّض الناس على الذهاب إلى الملك لرفع شكوى ضد فيله ـ فيل الملك ـ الذي أفسد الزرع والضرع وفتك بالأطفال، زكريا، حين لاحظ جبن الناس وخوفهم وتراجعهم عما اتفق معهم عليه، غير رأيه مائة وثمانين درجة، وحين سأله الملك عن مطلبه قال زكريا غير ما أراد قوله. لم يقل للملك إن فيله أفسد حياة الناس، وأن على الملك أن يلجمه، بل قال له: إن الفيل يحتاج إلى فيلة حتى تتكاثر الفيلة. هل كنا، قبل بداية "الربيع العربي"، نأخذ قول مظفر مأخذ الجد؟ ها هي الأمة تأخذ درساً في التخريب، ولو بُعث سعد الله ونوس من قبره وشاهد ما يجري لربما كتب مسرحيته ثانية، وجعل الناس يهجرون خوفهم ويستبدلون الشجاعة بالجبن، ولربما ثاروا هم أنفسهم دون حاجة إلى زكريا والطليعة التي على شاكلته.
منذ بداية هذا الشهر، وأنا أتذكر عنوان كتاب محمود درويش : "وداعاً أيتها الحرب.. وداعاً أيها السلم" وأتمنى لو أن الحرب لا تحدث، وأدرك أن السلم بعيد المنال، هنا في فلسطين، وهناك في العالم العربي، فطبول الحرب أخذت تقرع من جديد والسلم الذي يسود في أجزاء من بلاد الشام، ولا يسود في أجزاء أخرى، سيغدو مطلباً عسير المنال، حتى ليمكن القول: يا أهلاً بالمعارك، يا أهلا بالسلم، أيضاً. هل نريد الحرب والسلم معاً؟
منذ بداية هذا الشهر والسؤال الذي يثيره كثيرون هو : متى ستبدأ الحرب؟ فكثيرون لديهم قناعة بأن الحرب قادمة لا محالة. وستدق الفضائيات طبول الحرب، وسيدلي كثيرون بآرائهم: الذين يعرفون في السياسة والذين لا صلة لهم بها.
وستعود بي الذاكرة إلى نهاية العام 1990 وبداية العام 1991. يومها كنت في بون، وأخذت أشارك في مظاهرات ضد الحرب، وأكرر مع الألمان قصيدة الشاعر الألماني (فولفجانغ بورخرت) التي عنوانها "قل : لا" (Sag : Nein) التي لأجلها أعادت دار نشر (ro ro ro) طباعة الأعمال الكاملة للشاعر والكاتب المسرحي في آذار 1991، والتي لأجلها اشتريت الأعمال الكاملة حديثة الطباعة.
أيضاً، وسأقوم في 90 ق20 بنقل هذه القصيدة إلى العربية، وسيقوم أحد الأشخاص الذين عرفتهم، أيضاً، بترجمتها لاحقاً. ولا أدري إن كان اطلع على ترجمتي، بل ولا أدري إن كان هناك آخرون نقلوا القصيدة قبل نقلي لها.
هل من قصيدة ذاعت في ألمانيا في حينه مثل ذيوع هذه القصيدة؟ لا أظن، ولا أدري إن كانت الآن في ألمانيا ثمة تظاهرات ضد الحرب تجعل من عنوان القصيدة شعاراً لها.
في تلك السنوات كنت أنام على إيقاع الحرب وأصحو على إيقاعها، أيضاً، بل وكنت أهذي، وأنا نائم، بما لا أدري. هكذا قال لي (مارتن) ذات صباح. ومارتن هو ألماني أقمت في منزله في أثناء إقامتي في بون، وكان موظفاً في وزارة الخارجية الألمانية. وإن لم تخني الذاكرة، ولعلّني دوّنت هذا في روايتي "تداعيات ضمير المخاطب" (1993)، فقد رأيت، في المنام، ليلة الحرب، العراق يدمر بالكامل، وصحوت وأنا أتساءل : أين هو جيشك يا صدام؟
وفي تلك السنوات كنت أخوض في شأن الحرب وأشارك في فعاليات الوقوف في وجهها، حتى كدت أسافر من ألمانيا، لأنني أخذت أهذي وأشتط و.. و.. .هل كان جيش صدام في ذلك الوقت خامس جيش في العالم قوة حقاً؟ أم أنهم ضخموا قوته حتى يقنع الغرب شعوبه بضرورة الحرب؟ وفي العام 2002 و2003 واصلت أميركا تضليلها لشعبها ولشعوب العالم بقصة السلاح النووي العراقي حتى تحتل العراق. كذبوا الكذبة وصدقوها ثم عادوا واعترفوا بأنهم كذبوا، فهل يعيدون السيناريو نفسه الآن بخصوص استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي؟ ربما. وربما تكون جهة ما، تعمل لصالح جهات خارجية، هي من استخدمت هذا السلاح لتبرير تدمير سورية، علماً بأن النظام هناك ليس نظاماً بريئاً.
هذه الأيام أجدني أجلس أمام جهاز الحاسوب لأكتب. ماذا أكتب عن الحرب القادمة؟ ولولا بؤس الجهاز لربما تطرفت في الكتابة.. ربما. لا أنا مع النظام السوري، ولا أنا مع المعارضة السورية. أنا مع الشعب السوري أشعر بآلامه وأحزانه. ربما كررت مع حسن البطل : طاسة وضايعة وربما شتمت (سوزان رايس) التي قالت : سنضرب سورية لردع إيران. إنها الحرب.. قد تثقل القلب و... و... وداعاً أيها السلم، لا أيتها الحرب.
جريدة الأيام الفلسطينية- بتاريخ 15 أيلول 2013

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى