ذات يوم.. 15 أكتوبر1968
فى الساعة السادسة والنصف مساء 15 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1968، كان الكاتب الصحفى بالأهرام كمال الملاخ فى منزل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، ومعه بعض المصورين، حسبما يذكر الدكتور محمد الدسوقى سكرتير العميد فى كتابه «أيام مع طه حسين».
كانت الزيارة بهدف تسجيل حديث مع «العميد» يتم نشره فى يوم عيد ميلاده الثمانين، الذى يوافق 14 نوفمبر 1968، ويكشف الدسوقى الظروف التى أحاطت بالزيارة وإجابات طه حسين على أسئلة «الملاخ»، وتحمل عصارة تجربته فى الحياة بما شملته من معارك وآراء خلقت استقطابا فكريا حادا حوله.
يذكر «الدسوقى» أن «العميد» لم يتمكن من النزول إلى مكتبه لظروفه الصحية، وكان يجلس فى حجرة نومه، ولم يكن يسمح لأحد بلقائه فيها إلا إذا كانت بينهما مودة خاصة أو ضرورة طارئة تدفعه إلى ذلك، يضيف: «لما كان هناك موعد سابق لتسجيل هذا الحديث فقد سمح العميد للأستاذ الملاخ بلقائه فى حجرة نومه، وإن كان أصر على عدم تصويره فى هذه الحجرة.
استهل «الملاخ» حديثه مع «العميد» بتقديم أطيب الأمنيات بعمر مديد بالسعادة، فشكره العميد وتلا قول الشاعر: «إن الثمانين وبلغتها/ قد أحوجت سمعى إلى ترجمان»، يستطرد العميد قائلا: «إن بعض الناس فى روسيا يعيشون مائة وخمسين عاما، ومن العرب من عاش مائة وعشرين مثل لبيد، عاش ستين فى الجاهلية ومثلها فى الإسلام، ويصمت برهة ثم يردد قول زهير بن أبى سلمى: «سئمت تكاليف الحياة ومن يعش/ ثمانين حولا لا أبا لك يسأم».
سأله عن الزواج، وهل كان يفضل أن يظل أعزب؟ يجيب العميد: «الزواج نعمة كبرى، وأنا مدين لزوجى بكل شىء»، وعن الأمنية التى يرجو أن يحققها فى حياته، يقول: «أرجو الله أن يعيننى على إتمام كتاب «الفتنة الكبرى»، وكتاب «الأيام».
أبدي طه حسين هذه الأمنية بعد سنوات طويلة من تأليفه الجزء الأول من «الفتنة الكبرى» «عثمان» عام 1947، والثانى «على وبنوه» عام 1953، أما «الأيام» فصدر فى ثلاثة أجزاء كسيرة شخصية، وكان الجزء الأول عام 1929، وقام بإملائه فى تسعة أيام أثناء تجدد أزمة كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وكان موجودا فى فرنسا، حسبما تذكر زوجته «سوزان» فى مذكراتها «معك»، ترجمة بدر الدين عردوكى، مراجعة، محمود أمين العالم.
يسأله «الملاخ»: هل تتصور أن يكون للأدب وجود عام 2000، رد العميد: «سيظل الأدب دائما توأما للعالم المتحضر، وكل ما أتمناه إذا جاء هذا العام الذى ذكرته أن يكون الأدب المصرى قد بلغ الامتياز»، وعن النساء اللاتى يعجب بهن ولا ينساهن، يقول: «معجب بوالدتى كل الإعجاب، ولا أستطيع أن أنساها، كما أننى معجب بزوجتى، ومن نساء النبى معجب بخديجة وزينب وأم سلمة»، يسأل «الملاخ»: ألم تندم يوما؟ يجيب: «ندمت على أشياء كثيرة، فالإنسان يخطئ ويندم على خطئه، والحمد لله الذى وهب لنا الندم فهو سبيل المغفرة، ندمت على خصام بينى وبين عزيز صديق، خصامى مع العقاد كان شكليا، فهو خصام فى الجرائد والمجلات، ومع هذا كنا صديقين وزارنى كثيرا».
يسأله «الملاخ» عن النص الأدبى الذى يعجبه ولا ينساه، يجيب: «هناك بيتان أبنت بهما بثينة جميلا الشاعر العربى، كان فى مصر يمدح أميرها، وتوفى فيها، ولما بلغت وفاته حبيبته بثينة، قالت: «وإن سُلوِى عن جميل لساعة/ من الدهر ما حانت ولاحان حينها/ سواء علينا ياجميل بن معمر/ إذا مت بأساءُ الحياة ولينها»، وأيضا أعجب جدا بحيث نبوى شريف، وهو قال النبى: «ألا أخبركم بأحبكم إلى ِوأقربكم منى مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إلىَّ، وأبعدكم منى مجالس يوم القيامة، الثرثارون والمتفيهقون».
وعن ذكريات باريس، يقول: «أذكر أولا الجامعة، وأيام الدراسة فيها، وثانيا، التمثيل والمسرح الكوميدى فرانسيز»، يسأله «الملاخ» عن أصدقائه الذين أثرهم بمودته، يجيب: «كان لى أيام الشباب صديقان عزيزان هما محمود حسن زناتى، وتوفى منذ سنتين عليه رحمة الله، وأحمد حسن الزيات صاحب الرسالة وعضو المجمع اللغوى، وتوفى فى صيف هذا العام، وكان إلى أن توفى رئيسا لتحرير مجلة الأزهر، ثم قص ما جرى له ولصاحبه فى الأزهر، حين منعهما الشيخ الأكبر حسونة النواوى من الدراسة، وأمر الشيخ المرصفى بترك تدريس كتاب «الكامل» للمبرد، وتدريس كتاب آخر فى النحو، وذلك لأن الطالب طه حسين انتقد الفقهاء الذين كفروا الحجاج بسبب قوله حين رأى المسلمين يطوفون بقبر رسول الله، إنما يطوفون برمة وأعواد، فقد كان رأيه أن الحجاج بما قاله أساء الأدب، لكنه لا يعد كافرا، ونقل هذه العبارة، مشوهة، الناقمون من الطلاب على الزملاء الثلاثة إلى شيخ الأزهر فأمر بطردهم.
................................................
سعيد الشحات -اليوم السابع
فى الساعة السادسة والنصف مساء 15 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1968، كان الكاتب الصحفى بالأهرام كمال الملاخ فى منزل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، ومعه بعض المصورين، حسبما يذكر الدكتور محمد الدسوقى سكرتير العميد فى كتابه «أيام مع طه حسين».
كانت الزيارة بهدف تسجيل حديث مع «العميد» يتم نشره فى يوم عيد ميلاده الثمانين، الذى يوافق 14 نوفمبر 1968، ويكشف الدسوقى الظروف التى أحاطت بالزيارة وإجابات طه حسين على أسئلة «الملاخ»، وتحمل عصارة تجربته فى الحياة بما شملته من معارك وآراء خلقت استقطابا فكريا حادا حوله.
يذكر «الدسوقى» أن «العميد» لم يتمكن من النزول إلى مكتبه لظروفه الصحية، وكان يجلس فى حجرة نومه، ولم يكن يسمح لأحد بلقائه فيها إلا إذا كانت بينهما مودة خاصة أو ضرورة طارئة تدفعه إلى ذلك، يضيف: «لما كان هناك موعد سابق لتسجيل هذا الحديث فقد سمح العميد للأستاذ الملاخ بلقائه فى حجرة نومه، وإن كان أصر على عدم تصويره فى هذه الحجرة.
استهل «الملاخ» حديثه مع «العميد» بتقديم أطيب الأمنيات بعمر مديد بالسعادة، فشكره العميد وتلا قول الشاعر: «إن الثمانين وبلغتها/ قد أحوجت سمعى إلى ترجمان»، يستطرد العميد قائلا: «إن بعض الناس فى روسيا يعيشون مائة وخمسين عاما، ومن العرب من عاش مائة وعشرين مثل لبيد، عاش ستين فى الجاهلية ومثلها فى الإسلام، ويصمت برهة ثم يردد قول زهير بن أبى سلمى: «سئمت تكاليف الحياة ومن يعش/ ثمانين حولا لا أبا لك يسأم».
سأله عن الزواج، وهل كان يفضل أن يظل أعزب؟ يجيب العميد: «الزواج نعمة كبرى، وأنا مدين لزوجى بكل شىء»، وعن الأمنية التى يرجو أن يحققها فى حياته، يقول: «أرجو الله أن يعيننى على إتمام كتاب «الفتنة الكبرى»، وكتاب «الأيام».
أبدي طه حسين هذه الأمنية بعد سنوات طويلة من تأليفه الجزء الأول من «الفتنة الكبرى» «عثمان» عام 1947، والثانى «على وبنوه» عام 1953، أما «الأيام» فصدر فى ثلاثة أجزاء كسيرة شخصية، وكان الجزء الأول عام 1929، وقام بإملائه فى تسعة أيام أثناء تجدد أزمة كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وكان موجودا فى فرنسا، حسبما تذكر زوجته «سوزان» فى مذكراتها «معك»، ترجمة بدر الدين عردوكى، مراجعة، محمود أمين العالم.
يسأله «الملاخ»: هل تتصور أن يكون للأدب وجود عام 2000، رد العميد: «سيظل الأدب دائما توأما للعالم المتحضر، وكل ما أتمناه إذا جاء هذا العام الذى ذكرته أن يكون الأدب المصرى قد بلغ الامتياز»، وعن النساء اللاتى يعجب بهن ولا ينساهن، يقول: «معجب بوالدتى كل الإعجاب، ولا أستطيع أن أنساها، كما أننى معجب بزوجتى، ومن نساء النبى معجب بخديجة وزينب وأم سلمة»، يسأل «الملاخ»: ألم تندم يوما؟ يجيب: «ندمت على أشياء كثيرة، فالإنسان يخطئ ويندم على خطئه، والحمد لله الذى وهب لنا الندم فهو سبيل المغفرة، ندمت على خصام بينى وبين عزيز صديق، خصامى مع العقاد كان شكليا، فهو خصام فى الجرائد والمجلات، ومع هذا كنا صديقين وزارنى كثيرا».
يسأله «الملاخ» عن النص الأدبى الذى يعجبه ولا ينساه، يجيب: «هناك بيتان أبنت بهما بثينة جميلا الشاعر العربى، كان فى مصر يمدح أميرها، وتوفى فيها، ولما بلغت وفاته حبيبته بثينة، قالت: «وإن سُلوِى عن جميل لساعة/ من الدهر ما حانت ولاحان حينها/ سواء علينا ياجميل بن معمر/ إذا مت بأساءُ الحياة ولينها»، وأيضا أعجب جدا بحيث نبوى شريف، وهو قال النبى: «ألا أخبركم بأحبكم إلى ِوأقربكم منى مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إلىَّ، وأبعدكم منى مجالس يوم القيامة، الثرثارون والمتفيهقون».
وعن ذكريات باريس، يقول: «أذكر أولا الجامعة، وأيام الدراسة فيها، وثانيا، التمثيل والمسرح الكوميدى فرانسيز»، يسأله «الملاخ» عن أصدقائه الذين أثرهم بمودته، يجيب: «كان لى أيام الشباب صديقان عزيزان هما محمود حسن زناتى، وتوفى منذ سنتين عليه رحمة الله، وأحمد حسن الزيات صاحب الرسالة وعضو المجمع اللغوى، وتوفى فى صيف هذا العام، وكان إلى أن توفى رئيسا لتحرير مجلة الأزهر، ثم قص ما جرى له ولصاحبه فى الأزهر، حين منعهما الشيخ الأكبر حسونة النواوى من الدراسة، وأمر الشيخ المرصفى بترك تدريس كتاب «الكامل» للمبرد، وتدريس كتاب آخر فى النحو، وذلك لأن الطالب طه حسين انتقد الفقهاء الذين كفروا الحجاج بسبب قوله حين رأى المسلمين يطوفون بقبر رسول الله، إنما يطوفون برمة وأعواد، فقد كان رأيه أن الحجاج بما قاله أساء الأدب، لكنه لا يعد كافرا، ونقل هذه العبارة، مشوهة، الناقمون من الطلاب على الزملاء الثلاثة إلى شيخ الأزهر فأمر بطردهم.
................................................
سعيد الشحات -اليوم السابع