يل ديفران
كان شاحنة من شاحنات الحرب على الأزبال في الستينات – كاميّو أخضر خضرة منهكة، ضخم الجثة، لا أنف له عكس شاحنات تلك الأيام، على وجنتيه، بالأبيض الشاحب وبالرسم الكبير خاتم البلدية المدور الحامل إسم القرية الصغيرة VILLE D’IFRANE
بيل ديفران كان يتحرك مدويّا مدخّنا متوقفا عند كل طارّو قمامة لا فرق بين نفايات النصارى في الفيلاج وأزبال المسلمين في حي تمدقين . كاميو محترم نوقّره ولا نتشبّط في مؤخرته، نحن الصغار، كما اعتدنا أن نفعل حين يمر كاميو الحسين السيكليس.
خالي دحّو
لم يكن سائق بيل ديفران ، لكنه كان صاحب الدابة هذه الواقف فوق ظهرها حاملا مذراته كإله البحر. هو "مول الزبل" صديق الأطفال في حي "الموساكين"، خالنا، والأخوال في زمن طفولتنا كثير، خالنا وصديقنا الذي نهتف باسمه كلما مرت شاحنة النفايات ونرجو ونتوقع أن يرمي لنا، كعادته، من أعلاها قطعة مما لا يصلح لــ" النصارى" المتخمين في الفيلاج وما يصلح للمحتاجين في تمدقين.
كثيرا ما أهدانا خالي دحو دمى وشاحنات ودبّابات وبنادق وطرابيش ورقية وعلبا فارغة جميلة.
كثيرا ما متّعنا باللعب التي لم تكن ضمن هموم آبائنا الفقراء.
سي بكّير
كان معلما مكناسي الصنع، متأنقا لدرجة أنه كان يرتدي الطرواكار في ايام الشتاء القطبي بإيفران بدل الجبة الصوفية كما عباد الله.
في الفصل، يلبس طابلية بيضاء كطابليات الممرضين والأطباء يشد حزامها شدا يجعله يشبه قطعة العجين في يد "الفاسي الشفناج" .
معلم ككل المعلمين يبدأ الحصة بـ"شششششت" وبكتابة التاريخ أعلى السبورة.
هو كان يكتبه بعيدا بعيدا في أقصى الأعلى، كي لا يصله الشيفون، عند المحو المتكرر للسبورة من طرف صالح التلميذ الملقب، لطول عموده، بالعزافة.
درس ذلك اليوم كان حول الحِرَف والمهن وكان ذا علاقة بنص في "التلاوة" عنوانه "بين خضار وسفّاز وززّار". سأل السي بكير الصغار عن مهن آبائهم:
- جارديني
- شومور
- سرباي، - عساس، - شومور، كساب، جيّار، شومور، فسربيس مانيسيبو، دلال، فلاح، شومور، فطرابوبليك،...
مهنة "الشومور" ترددت كثيرا، ففي ايفران كانت الكلمة ولا زالت تعني الاشتغال كعامل في "الانعاش الوطني.
- آس تيدير بّاك؟
- بنّاي
- وانت؟
- مخزني
- وانتيا ؟
- زبّال
-إخخ
قال سّي بكير "إخ" حين أجابت نعيمه بنت خالي دحو بـ "زبّال"
قال إخخ للطفلة ذات التنورة الزرقاء الأنظف مما تحت وزرته البيضاء.
سكويلة تمدقين الجديدة،
بناية على شكل لام لاتيني، طولها خمسة أقسام وعرضها لاكانتين ومكتب المدير تفصل بين حيين يسكنهما شعب تمدّقين ولها ساحة غير مسيجة تسمى الاستراحة تتقاطع فيها خطوط أشجار لبلاتان ويغطي أرضها الكاياص الأسود.
ربع الساعة المخصص للاستراحة كان كافيا لوصول "الإخخّ" لبيت خالي دحّو.
قليل من الوقت بعد استئناف حصة العربية، وقبل أن يفهم السي بكير ماذا حدث، كان أثر ما حدث على طابليته قطرات دم وحزاما منفصلا ، وعلى عنقه خدوشا دامية مائلة متوازية.
ما حدث هو أن امرأة خالي دحو حين توصلت، أصدرت الحكم على المعلم والتحقت بالمدرسة ونفذت العقوبة بـأظافرها وانسحبت من القسم ووقفت خارجه تلقي مرافعتها النارية التي استنفرت سكان المدرسة وعلى رأسهم السّي بنجويده المدير ووالدته العجوز.
- إخ؟، لهلا يحييك، ألڭنفود
- إخ؟، ما زال يجي اللي يوريك إخ أولد المعفونه...
عنّقت المرأة الأستاذ وشتمته شتم الغاضبات الحانقات المعوّلات على خْزيت.
وظل الأستاذ مشدوها مشلولا يردد ولا أحد يسمعه: "هاد لهبيله خاصها برسيد"
وعلقت أمي وجاراتها عند سماع الحكاية مساء ب "غزّات فيه"وسجل الكل ذلك السبت من عام كذا وستين وتسعمائة وألف ظهور علامتين من علامات الساعة: معلم يُضرب، وهو من حملة العصي وامرأة تُمرمِد رجلا ذكرا والعرف أن تنمحي النساء أمام الرجال.
.
استأنفت الدراسة الإثنين، ودخل سي بكير الفصل بكارطابله المعتاد وطابليته المعتادة وبكاشكول حول رقبته.
كل شيء كان عاديا عدا أنه، ذلك اليوم من سنة كذا وستين، كتب سي بكير التاريخ على السبورة في مستوى هو أقرب إلى الوسط منه إلى الأعلى.
لوحظ أنه أصبح معلما قصيرا.
----------------
محمد حساين
كان شاحنة من شاحنات الحرب على الأزبال في الستينات – كاميّو أخضر خضرة منهكة، ضخم الجثة، لا أنف له عكس شاحنات تلك الأيام، على وجنتيه، بالأبيض الشاحب وبالرسم الكبير خاتم البلدية المدور الحامل إسم القرية الصغيرة VILLE D’IFRANE
بيل ديفران كان يتحرك مدويّا مدخّنا متوقفا عند كل طارّو قمامة لا فرق بين نفايات النصارى في الفيلاج وأزبال المسلمين في حي تمدقين . كاميو محترم نوقّره ولا نتشبّط في مؤخرته، نحن الصغار، كما اعتدنا أن نفعل حين يمر كاميو الحسين السيكليس.
خالي دحّو
لم يكن سائق بيل ديفران ، لكنه كان صاحب الدابة هذه الواقف فوق ظهرها حاملا مذراته كإله البحر. هو "مول الزبل" صديق الأطفال في حي "الموساكين"، خالنا، والأخوال في زمن طفولتنا كثير، خالنا وصديقنا الذي نهتف باسمه كلما مرت شاحنة النفايات ونرجو ونتوقع أن يرمي لنا، كعادته، من أعلاها قطعة مما لا يصلح لــ" النصارى" المتخمين في الفيلاج وما يصلح للمحتاجين في تمدقين.
كثيرا ما أهدانا خالي دحو دمى وشاحنات ودبّابات وبنادق وطرابيش ورقية وعلبا فارغة جميلة.
كثيرا ما متّعنا باللعب التي لم تكن ضمن هموم آبائنا الفقراء.
سي بكّير
كان معلما مكناسي الصنع، متأنقا لدرجة أنه كان يرتدي الطرواكار في ايام الشتاء القطبي بإيفران بدل الجبة الصوفية كما عباد الله.
في الفصل، يلبس طابلية بيضاء كطابليات الممرضين والأطباء يشد حزامها شدا يجعله يشبه قطعة العجين في يد "الفاسي الشفناج" .
معلم ككل المعلمين يبدأ الحصة بـ"شششششت" وبكتابة التاريخ أعلى السبورة.
هو كان يكتبه بعيدا بعيدا في أقصى الأعلى، كي لا يصله الشيفون، عند المحو المتكرر للسبورة من طرف صالح التلميذ الملقب، لطول عموده، بالعزافة.
درس ذلك اليوم كان حول الحِرَف والمهن وكان ذا علاقة بنص في "التلاوة" عنوانه "بين خضار وسفّاز وززّار". سأل السي بكير الصغار عن مهن آبائهم:
- جارديني
- شومور
- سرباي، - عساس، - شومور، كساب، جيّار، شومور، فسربيس مانيسيبو، دلال، فلاح، شومور، فطرابوبليك،...
مهنة "الشومور" ترددت كثيرا، ففي ايفران كانت الكلمة ولا زالت تعني الاشتغال كعامل في "الانعاش الوطني.
- آس تيدير بّاك؟
- بنّاي
- وانت؟
- مخزني
- وانتيا ؟
- زبّال
-إخخ
قال سّي بكير "إخ" حين أجابت نعيمه بنت خالي دحو بـ "زبّال"
قال إخخ للطفلة ذات التنورة الزرقاء الأنظف مما تحت وزرته البيضاء.
سكويلة تمدقين الجديدة،
بناية على شكل لام لاتيني، طولها خمسة أقسام وعرضها لاكانتين ومكتب المدير تفصل بين حيين يسكنهما شعب تمدّقين ولها ساحة غير مسيجة تسمى الاستراحة تتقاطع فيها خطوط أشجار لبلاتان ويغطي أرضها الكاياص الأسود.
ربع الساعة المخصص للاستراحة كان كافيا لوصول "الإخخّ" لبيت خالي دحّو.
قليل من الوقت بعد استئناف حصة العربية، وقبل أن يفهم السي بكير ماذا حدث، كان أثر ما حدث على طابليته قطرات دم وحزاما منفصلا ، وعلى عنقه خدوشا دامية مائلة متوازية.
ما حدث هو أن امرأة خالي دحو حين توصلت، أصدرت الحكم على المعلم والتحقت بالمدرسة ونفذت العقوبة بـأظافرها وانسحبت من القسم ووقفت خارجه تلقي مرافعتها النارية التي استنفرت سكان المدرسة وعلى رأسهم السّي بنجويده المدير ووالدته العجوز.
- إخ؟، لهلا يحييك، ألڭنفود
- إخ؟، ما زال يجي اللي يوريك إخ أولد المعفونه...
عنّقت المرأة الأستاذ وشتمته شتم الغاضبات الحانقات المعوّلات على خْزيت.
وظل الأستاذ مشدوها مشلولا يردد ولا أحد يسمعه: "هاد لهبيله خاصها برسيد"
وعلقت أمي وجاراتها عند سماع الحكاية مساء ب "غزّات فيه"وسجل الكل ذلك السبت من عام كذا وستين وتسعمائة وألف ظهور علامتين من علامات الساعة: معلم يُضرب، وهو من حملة العصي وامرأة تُمرمِد رجلا ذكرا والعرف أن تنمحي النساء أمام الرجال.
.
استأنفت الدراسة الإثنين، ودخل سي بكير الفصل بكارطابله المعتاد وطابليته المعتادة وبكاشكول حول رقبته.
كل شيء كان عاديا عدا أنه، ذلك اليوم من سنة كذا وستين، كتب سي بكير التاريخ على السبورة في مستوى هو أقرب إلى الوسط منه إلى الأعلى.
لوحظ أنه أصبح معلما قصيرا.
----------------
محمد حساين