نيروز مناد مصلح (نيروزيات) - الى نيراز ♡

اليوم و أنا أنا اسند رأسي إلى المقعد مغمضةَ العينين فكرت:"من يذهب إلى البحر ليجلس على مقعدٍ بعيدٍ جداً عن الشاطئ ثم يلقي برأسه على المسند و يغمض عينيه عن البحر و السماء و أطفالٍ يلعبون على الصخور بثيابٍ صيفيةٍ ألوانها تبعث في النفس رغبةً في الرقص و الغناء!" .. من يفعل هذا غيري؟ أغمضتُ عيني و فيهما شاهدتُ بوضوحٍ ذلك الطفل الذي بكى لأنه وجد ألعابه شبه بالية تحت ركام منزله المقصوف في غزة! شعرتُ بحرارة دموعه على خدي و تلك الحشرجة في صوته خنقتني و تمنيتُ لو أعانقه لأقول:"كان يمكن أن تكون أنت تحت الركام، ميتاً! كن سعيداً فأنت بخير" غير أنّ هذا النوع من التفكير لنْ يقنع طفلاً على كل حال فلمَ عليه المفاضلة بين سلامة ألعابه و سلامته هو!؟ أليس من المفروض أن يكون بخير هو و بيته و ألعابه لماذا عليه أن يحدد أولويات بديهية في حياة أي طفلٍ آخر!؟ لا يكترث الأطفال الآخرون بهذا النوع من الحساب أبداً .. و لكني و مع ذلك تمنيت لو أعانقه رغم علمي أنّ هناك احتمال أسوأ و هو أن يكون هو نفسه الآن ميتاً تحتَ قصفٍ آخر.. وجه ذلك الطفل بالذات حفر في قلبي لأنه و لسببٍ مجهولٍ تماماً ذكرني بنيراز،، لا يشبهه أبداً و لكنّ في حرمانه و انفعاله الغاضب المكبوت و الذي حاول اخفاءه بالطرق على العلبة التي في يده ما يشبه روح نيراز كثيراً،، أنا لا أذكر أني رأيت نيراز غاضباً أبداً و لكني رأيته كثيراً مختنقاً بدمعٍ و كلماتٍ لم يستطع قولها،، عندما كنا أطفالاً كان يبكيني دائماً أن أراه يهذي في حلمه عن تلك الشاحنة التي فيها كل أدوات الحفر الملونة و التي رأها على واجهة محل الألعاب في نهاية شارعنا،، كان اسمه فريج.. "الشاحنة بخمسين ليرة يا الله !" كان يردد ذلك الرقم في نومه طوال الليل تقريباً و استيقظ صباحاً مصاباً بالتهابٍ في البلعوم غصت أمي و هي تطمأن أبي ليلاً عن صحته" قال الدكتور نازلين بنات أدانه،، و الله يمكن من الحصر ما بكي مبارح ضل مخنوق و حابسها بقلبه" .. ظلت تلك الحادثة تبكيني حتى عندما أصبح نيراز رجلاً كما يرى نفسه على كل حال أنا مازلتُ و سأبقى أراه "نينو" و هو الدلع الذي اخترعته أمي له عندما كنا في الابتدائية،، كان هو نينو و كنت أنا نوسة! و سأرانا هكذا دائماً .. و سأبكي دائماً لطفولتنا القاسية التي تجعلني أحياناً أفكر بحقيقة التعويض الذي يجب أن نحصل عليه لننسى،، ليس هناك تعويضٌ كافٍ فالشاحنة التي أرقت جفون نيراز و سببت له المرض لم تعد تعنيه اليوم حيث هو و كلُّ ما يريده اليوم هو أن يغفو في مساحةٍ أكبر من مترٍ واحد! أن يرانا و أن يطمأن أنّ والدتي تعتني بصحتها و أني لم أنتحر بعد! ..
قد يراها حين يغفو أحياناً .. لا أعلم و لا أظن! و لكن ماذا يريد أيضاً!؟ قال لي عندما رأيته آخر مرة في دمشق "مابدي تضلي بالشام،، أنا حاسب حساب كل شي،، رح طلعك ع تركيا،، و هونيك أنا بكمل معك" أذكر أني جادلته كثيراً في خيار السفر فضحك قائلاً"سافري بلا هبل" هكذا و بهاتين الكلمتين أصبحت الشام لا تعنيني و أصبح السفر هو حلمي الجديد! أعترف اليوم أني مع نيراز كنت حرفياً "مو عارفة الله وين حاططني" وكنت متكئةٍ عليه بشكلٍ كامل كما لو أنه يملك مفتاحاً سحرياً كان ذلك هو آخر عهدي بالأمان .. الأمان من إني قد أقع ولكنه سيمسك بيدي دائماً..
وماذا يريد أيضاً!؟ يريد أن يكمل ما بدأه،، أن يحكي بنفسه ما عاشه و اختبره و أن يكون بيننا يخطط لنا ما يراه مناسباً قائلاً "لك أنا مزبطا" .. فتحتُ عيني على اتساعهما ،، وددتُ لو أستطيع البكاء،، ليس بكاءً بقدرِ ما هو أقرب إلى العويل .. كانت كل خليةٍ في جسمي تسأل "يالله يا نيراز وينك"،، أعتقدتُ لوقتٍ طويلٍ أنني قوية،، فها أنا هنا في بلدٍ يعاني ركوداً و في فترةٍ هي الأسوأ على الإطلاق و لكني بخير! لم أُقتَل و لم أنتحر،، اعتقدتُ أنه سيكون فخوراً بأني خطوت على نفس الطريق الذي رسمه لي و من دونه فعلتُ كل شيء تقريباً،، و لكني اليوم و هنا تعبت،، و يأست .. و آلمني غدرُ من سلمهم أمرنا و أمنهم على حريته و سلامة قلوبنا .. من أخبرهم أن "نيروز و إمي أمانة برقبتك و إنت محلي لبين ما أطلع" .. تنهدتُ و أنا أرى حولي كل تلك الالوان و فكرت :" أي عطبٍ أعانيه!" ..
لا يكفيني ألماً أني أرى في كل طفلٍ يلعب آمناً فرحاً هنا أطفال غزة يستخرجون جثثاً محترقةً من تحت الركام بعد كل قصف هناك و لكني أيضاً أراه .. نيراز الطفل الذي كبر و في خياله ظلت تلك الشاحنة الملونة غالية الثمن و اكتملت فصول حرمانه ليكبر سبع سنينٍ في الأسير و هو يحلم بنافذةٍ مفتوحة على خيطٍ من الشمس رفيع و بينهما سنين عمري بكيتها عليه و قلبي متقرحٌ على أوجاعه و روحي تتوجع من عجزي عن تحقيق أحلامه الصغيرة و الكبيرة ،، أعتقد أن الله الذي خلق كل هذا الجمال في الكون لابدَّ غفل عن حقيقة أنّ هذا الجمال لا يمكن أنْ يُدرك بالعين بل هو يحتاج قلباً معافىً من الذكريات القاتمة و الأوجاع القديمة و تلك الحالية ... اقتربتْ مني طفلة تلبس فستاناً أصفر عليه ورودٌ حمراء و ضحكت لي قبل أن تقع عن دراجتها ساعدتها في الوقوف و ابتسمتُ لها ،، كان عندي فستانٌ بورودٍ حمراءَ أيضاً ولخصره شريطٌ أبيض عريض و لكني مازلت حتى اليوم أحلم بتعلم ركوب الداجة فأنا لم أكن بشجاعة نيراز .. أنا لم أحلم بامتلاك واحدة أبداً ..

#Gazaunderattack
#Palstineunderattack

#ياحرية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى