د. محمد السعيد أبو حلاوة - رحلة كفاح أثمرت خيراً وأنارت وعيا وأحيت همة وأزهرت بصيرة

يأبى خالد محمد عبد الغني إلا أن يبحر بنا في فضاءات رقة الكلمة وإبداعية الصورة وصفًا وتحليلاً وتأويلاً للنص الأدبي كما يتجسد شعرًا يداعب أسمى ما في الإنسان من سجايا بتوجه لما يصح تسميته الكشف عن فيض العرفان والدلالة النفسية رمزًا ومضمونًا في بنية ذلك النص، ويأبي خالد عبد الغني في نفس الوقت أن يكون إبحاره بلا رؤية وبلا بوصلة توجه نطاقات وحدود إبحاره في استنطاق ما يمكن تسميته المسكوت عنه في "النص"، والمضفر عضويًا في متنه فجاءت رؤيته منضبطة بناظمين أساسيين:
الأول : الخبرة الذاتية والتاريخ الشخصي للمؤلف د. خالد محمد عبد الغني والذي يوفر له ليس فقط حسًا أدبيًا مفعمًا بحدس سيكولوجي ينطلق منه في مقاربة النص الأدبي وصفًا وتحليلاً وتفسيرًا.
الثاني: تبنى المدخل السيكودينامي الموجه بفكر التحليل النفسي، ويبقى للتحليل النفسي للأدب وجاهته ومقتضياته في واقع الأمر رغم ما يكتنف هذه الرحلة من مغامرة محفوفة بمخاطر تأويل النص بما قد لا يحتمل تأويله، إلا إذا عاش المؤلف النص وتلبس التكوين النفسي لمنتجه ودار في دواماته ابتداءً لا بذهنية تكرارية الفكرة والمضمون، إنما بذهنية التعاطي المرتكز على الكشف وتأويل النص بما يحتمله.
وأحسب أن خالد عبد الغني امتلك زمام الحسنيين، فجاء استنطاقه للنص الروائي والقصصي والشعري محل المعالجة والتحليل كاشفًا للخطاب المكبوت فيه وللرسائل التي قد يتعذر علي قارئ النص تلمسها، من جانب آخر استطاع خالد عبد الغني فيما يحسب له الخلاص من فكرة التماهي مع النص غرقًا في ظاهريته، الأمر الذي يقربنا من تصور وجاهة التسليم بحتمية وقيمة المدخل النفسي في الوصف والتحليل كإضافة لمداخل التحليل الأدبي المتعارف عليها والمتجاورة تجاورًا تكامليًا وليس تفاضليًا والتي تتمثل في التحليل البنيوي بما يرتبط به من الإبحار المرتكز على بنية النص وتراكيبه اللغوية، والتحليل الدلالي بما يرتبط به من الإبحار المرتكز على تبين المعاني والأغراض والمقاصد الغالبة، والتحليل البلاغي بما يرتبط به من الإبحار المرتكز على تبيان الأساليب الجمالية فيما يعرف بجماليات النص وعذوبته ورقة وسلاسة نظمه وإبداعية إخراجه.
وخليق بالإشارة دون مبالغة في التصوير، أن مقاربة النص الأدبي من المنظور النفسي تبقى فريضة وجوبية تنحو بنا باتجاه تكاملية ما يمكن تسميته "تخليق حالة الوعي الإنساني" بالنص الأدبي، ذلك النص الذي يحوي بين دفتيه حياة إنسانية كاملة ما بين فكرة تأتي للمبدع ترقبًا وتلهفًا واستحقاقًا، يليها معاناة إنسانية وجودية تتعلق بفترة حضانة تحديدًا لملامحها تخيليًا ورسمًا لمبناها تكوينيًا، ومن ثم رعايتها وتعهدها بالتنمية باستحضارها وولادتها بمخاض وجهدٍ جهيدٍ قوامه، ثم تأتي مرحلة تمامية التكوين بسبكه وإخراجه إتاحة للوجود ليصبح فيما قد يتوهم البعض خارج نطاق مبدعه وملكًا لكل من يتعاطى معه قراءة وتذوقًا وتقييمًا.
وبالتسليم بوجاهة هذا التسلسل وربما اقترابه من الصحة، فإن مقاربة النص الأدبي بمدخل التحليل النفسي من زاوية تعتمد فكرة أن "النص" أو "المنجز" الأدبي لا ينفك ومهما طال الزمن عن مبدعه وعن ظرفه وعن سياقه، وعلى ذلك يبقى مُبْدعُ المنجز الأدبي حاضرًا في كل تفاصيل منجزه، ومنتظرًا لمن يحييه من جديد ومن يعيد إليه الاعتبار، ومن يبقيه فاعلاً في متن نصه مجددًا ومضيفًا بالكشف عن ما لم يكن ظاهرًا في الوعي الشعوري للمبدع، وهذا ما أبدع خالد عبد الغني في إيجاده وعيًا بما يحتمله النص من كشف عن خصوصية الحالة النفسية للمبدع من جانب، ومتلمسًا من جانب آخر ما يمكن الانطلاق منه نحو مزيدٍ من الفهم للطبيعة البشرية والسلوك الإنساني بالتوقف عند ديناميات النص والعمليات النفسية التي يعبر عنها النص دون استخدام مصطلحات نفسية فنية مباشرة، وهذا ما يكشف عنه كتاب المبدع خالد عبد الغني، هنيئًا للقارئ وتحية اعتزاز ودعاء إلى الله جل شأن لكم بمزيد من الأعمال العلمية الجادة ترقى بها الذائقة الإنسانية.
وهكذ عُدَّ خالد محمد عبد الغني مفكرًا نفسيًا في ثوب أديب، و أديب في ثوب مفكر نفسي .

د. محمد السعيد أبو حلاوة
أستاذ الصحة النفسية
كلية التربية - جامعة دمنهور – مصر



1622973110977.png


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى