إنطلاقًا من كون(التسول) ظاهرة عالمية تختلف آليات تشكلها من مجتمع لآخر، وكون(التسول) في مصر يعتبر فعلًا سائدًا في كافة طبقات المجتمع، وفي كل أنواع المجتمعات المحلية البدوية، والريفية، والحضرية والصناعية، وحتى في المجتمعات المعاصرة التي تُعد نفسها الأكثر تحضرًا، على الرغم من صدور القوانين التي تُجرمه، منذ فترة طويلة خاصة بعد دخول الأطفال اليه، يُمكننا ذلك من النظر الى(المتسول) عبر شيوع(ثقافة الفقر) التي ترتبط بالتنشئة الإجتماعية الناتجة عن ارتفاع نسبة(البطالة) و(الأميه)، فإذا كان(الفقر) يعني افتقاد الحدود الدينامية من الاحتياجات اللازمة لاستمرارية الحياة؛ يبدو(المتسول) قليل الحيلة، عاجز، كثير الشكوى، مفتقد للطموح والرؤية نحو المستقبل، يتسم ببطء الإنجاز إن تم توعيته وتكليفه بعمل ما
و(ثقافة الفقر Culture of poverty) مفهوم ارتبط بالعالم الأنثروبولوجي"أوسكار لويس" الذي كان معنيًا بدراسة العناصر الثقافية المميزة للأحياء المتخلفة في أمريكا اللاتينية، ومن أبرزها ارتفاع معدلات الوفيات، وانتشار الأمية، وضعف المشاركة الاجتماعية والسياسية، والحرمان من الخدمات، وتدني مستوى المهارة، وعدم توافر مخزون منزلي من المواد الغذائية، وتمركز الأسرة حول الأم، والشعور بالاستسلام
وباعتبار أن(الفرد) هو مركز عالم الخبرة، وأن(السلوك) هو محاولات موجهة لاشباع الحاجات؛ فإن(الذات) تعتبر حجر الزاوية للإدراك الشعوري واللاشعوري، ومعظم طرائق السلوك التي يتبناها الإنسان هى تلك التي تتسق مع مفهومه عن نفسه(1)
يمكننا ذلك من القول بأن(ثقافة الفقر) في مصر تعبر عن طريقة حياة قائمة على(الشعور بالدونيه) و(العجز) و(استجداء) التعاطف المادي، تنتقل من جيل الى جيل، وهى ثقافة قائمة على مايطلق عليه"التهديد المستدمج أى الخطر الذي تستشعره الذات"(2)، ولأن هناك ثلاث مكونات أساسية للأخلاق هى(المكون المعرفي)، و(المكون السلوكي)، و(المكون الإنفعالي)؛ فالإرتقاء الأخلاقي مرتبط بالإرتقاء العقلي Intellectual development، وفي ذلك قد ميز"بياجيه" بين مرحلتين أساسيتين للإرتقاء الأخلاقي هما: المرحلة المبكرة التي تعتبر مرحلة (الإمتثال للوضعية الأخلاقية Moral relism) التي تبدأ بالاحترام والوعى بالقواعد التي يتلقاها الإنسان من الآباء ويسهم في ترسيخ هذة الوضعية(التمركز حول الذات ego centrism) والتي يكون فيها الفرد عاجزًا عن تنظيم خبراته، ويكون ايضًا فيها أميل الى(الطاعة (Obedience و(التوجه العقابي Ishment Orientation) فيكون متمركزًا حول العقاب البدني الذي قد يتلقاه كنتيجة مترتبة على سلوكياته إذا كانت خاطئه
والثانية هى مرحلة(المرونة الأخلاقية Morality of reciprocity) التي يسعى فيها الفرد للفوز باستحسان لآخرين، والثالثة تشهد بعض(الاستقلال الذاتي) حيث بزوغ (الضمير الأخلاقي Morality of Conscience) تجنبًا لانتقادات الآخرين(3)
فعندما يمارس أسلوب التهديد ضد(المتسول) منذ طفولته، يميل لأن يكون أكثر سيطرة على الآخرين من نفس مستواه؛ لذا فإن التغلب على مفردات ثقافة الفقر يحتاج الى زمن طويل وتغيير نمط الحياة الذي تسيطر عليها انفعالات(الإحباط) و(التشاؤم) و(غياب الرغبة في التغيير)؛ فالأفراد ليس لديهم ثقة في الآخرين ولديهم بالمقابل إحساس بالتذمر من ظلم المجتمع ويشعرون بالتهميش، معنى ذلك أن(ثقافة الفقر) قائمة على(القلق) الدائم، والموارد المحدودة، و(الشعور بالاضطهاد)، وسيادة انفعالات(الكراهية) و(الحقد)، ومشاعر(العدائية) الظاهرة والمستترة؛ فــ(العداء) الذي يسيطر على(المتسول) في تعامله مع أقرانه، يعتبر ميكانيزم دفاع ضد(قلق الإحتياج) من ناحية وعدم القدرة على تخطي هيمنة الآباء من ناحية أخرى، مع ملاحظة أن(تشويه بناء الذات) لدى(المتسول) يتم عبر الممارسات الوالديه؛ فقد يكون(الوسط الإجتماعي) معززًا لظاهرة(التسول) من حيث العلاقات القائمة على اقناع الأفراد بقبول(الإستغلال)، وبالتالي(التماهي) مع شخصية المستغل في إطار قوانين لا تدخل حيز التنفيذ إلا فيما ندر عن طريق(ميكانيزمات نفسيه) تظهر من خلالها السلوكيات المعاديه للآخرين والداله على حالة من(الإستلاب)، كما أن الأسر المحرومة كأسر المتسولين ينمو أطفالها في جو من(الخضوع) المبني على(الإحساس بالضآلة) والإعتماد على(الإستجداء) لنيل العطاء، نلاحظ أن العلاقات هنا تخضع الى (القولبة)؛ فالحاجة إذًا وليس الرغبة هى التي تجعل هناك تشابه بين الأسر المحرومة والتي تشجع أولادها على ممارسة فعل(التسول) في الدوافع النفسيه، بالتالي يكون انفتاحهم على العالم الخارجي قائمًا على المطامح المادية، لكنهم في مقابل اشباع حاجاتهم المادية يفتقرون الى اشباع الحاجة الى(القبول الاجتماعي)، يدفعنا ذلك الى ضرورة إيضاح(المفهوم الإصطلاحي للتسول)الذي يعني الوقوف في الطرق العامة وطلب المسعدة المادية من الماره أو عرض ألعاب بهلوانية أو استغلال الإصابات والجروح والعاهات لاكتساب عطف الجمهور(4)؛ فهناك(التسول الصريح) بمد اليد والسؤال عن طريق ممارسة الاستجداء، وهناك (التسول المستتر) مثل قيام(المتسول) بمسح زجاج السيارة، أو عرض خدماته على الفرد المار في الطريق، وهناك(التسول الموسمي) في الأعياد والمناسبات الدينية، مع ملاحظة أن(التسول الدائم) يعتبر عملًا منظمًا يقوم عليه الفرد أو عدة أفراد بالتنسيق فيما بينهم وتتم ممارسته باعتباره مصدرًا للرزق، أما إذا نظرنا الى معجم المصطلحات الاجتماعية فنجد أن(المفهوم الإجتماعي للتسول)، يعني" طلب الصدقة من الأفراد في الطرق العامة، ويُعد التسول في بعض البلاد جنحة يعاقب عليها القانون إذا كان المتسول صحيح البدن، أو اذا دخل في سكن دون استئذان"(5)، و(المتسول) هو ذلك الفرد الذي يمارس(الإستجداء) طلبًا للنقود إما بشكل مباشر بمد اليد أو ارتداء ملابس رثه أو بإظهار عاهة أو التلفظ بعبارات الدعاء لاستثارة عطف الآخرين وربما جمع هذة الأساليب، ويمارس تلك الأفعال عن قصد وبشكل منتظم(6).
وبما أن(التسول) ظاهرة سوسيولوجية، كان علينا هنا أن نحاول قراءة آثارها النفسية ودوافعها، انطلاقًا من(المفهوم النفسي للتسول)، الذي ينص على اعتبار(التسول)حالة نفسية تحمل المرء على أن يتخذ السؤال حرفة فيقعد عن العمل ولا يستغل ما وهبه الله من طاقات وإمكانات لسد حاجاته وحاجة من يعول"(7)؛ فالتسول كسلوك(لاشعوري) ينجم عن المواقف المتراكمة التي يتعرض فيها الفرد لـــ(الحرمان العاطفي والمادي)؛ فيتبنى فعل(التسول) من أجل العيش"كل إنسان يملك حق المخاطرة بحياته من أجل الحفاظ عليها"(8)، و(التسول) من المنظور النفسي، يعبر عن سلوك قد نجد له مبررًا في(الحاجة النفسية للأمن) التي لم يتم إشباعها؛ فالمتسول يتسم بـــ(الجمود) والإحساس بعدم الكفاية والعجز، وفقد الإحساس بالثقة في الآخرين، وفقد إحساسه باحترام ذاته وبالتالي أصبح بدنه سلعه وعواطفه سلعه، كما أن الفرد المصاحب لأمه أو لأبيه أثناء ممارسة فعل التسول تنعكس عليه(صورة الأب الخاضع) أو(صورة الأم الذليلة البائسة)، ومايصاحب ذلك من(اتكالية)؛ فينشأ(المتسول) ولديه شعورًا منطقيًا من وجهة نظره بــ(الدونيه) يعوضه فيما بعد بـــ(العدوانية) التي تعتمد على تفريغ شحنات القلق على رفاقه ليتسنى له الشعور بالتفوق في مجال آخر من مجالات الحياة، و(المتسول) إنسان نشأ على (الإستخفاف بالقيم الاجتماعية) وتبني(إرادة القوة) للتخلص من التوتر و(الإباحيه) في احتقار ذويه(الإحباط هنا قد تم تحويله نحو مصادر الإحباط الأصلية طالما أنه لم يستطع مقاومة الواقع الأليم الذي يُشعره دائمًا بالدونية والعجز)؛ "فعندما يكون مصدر الإحباط قوي يخشى الفرد بأسه لذلك ينتقل انفعاله الى موضوع آخر يكون أقل قوة ومقاومة وخطر من الموضوع الأصلي"(9)
ونتيجة لـــ(تدجين الانفعالات) نجد شيوع حالة من(انعدام الرضا عن الذات) لأن (المتسول) لايملك زمام أمره؛ فقد يتسول تحت ضغط الحاجة للحصول على الطعام والشراب للبقاء على قيد الحياة، وقد يتسول بسبب الخلافات الأسرية التي دفعته الى الهروب من المنزل، وقد يتسول بسبب غياب الأب الذي ينفق على الأسرة، وعلى النقيض من ذلك قد يُجبر الأب أفراد أسرته على التسول فتقل لديهم الرغبة في التعليم وتزيد الميول الإتكالية وهو الأمر الذي قد يدفعهم الى السرقة حال عدم حصولهم على المال عبر الإستجداء العاطفي والتذلل، مع ملاحظة أن(التوحد) بشخصية الأب المتسول أو الأم المتسولة عن طريق التقليد يتم في حالة من انعدام (التنظيم الاجتماعي) الذي يؤدي الى تهيئة الظروف الملائمة لانتقال مفردات(ثقافة الفقر) من اشخاص الى اشخاص آخرين، وتكمن الأزمة عندما يرى الفرد أن(التسول) حرفة مشروعة ويعتبرها مصدرًا للرزق؛ فالمتسول بحكم التكوين والتنشئة يتسم بعدم الاكتراث بالمثل الأدبية واستعذاب القعود عن العمل وفتور العاطفة"(10)، كما أن(التسول) يؤثر بشكل سلبي على شخصية الإنسان فيميل الى السخط على الآخرين والشعور بالرغبة فى الانتقام(11)؛ فـــ(الحرمان العاطفي)، يؤدي الى (انخفاض تقدير الذات) الذي يعتبر أحد محددات السلوك الصادر عن(المتسول)؛ لذلك يرى نفسه بلا قيمة فيشعر بالنقص والعجز وفقدان الحماية(12)؛ فالتسول كظاهرة اجتماعية ذات بُعد سلبي تدل على وجود خلل في بعض اتجاهات المجتمع، ومن دوافع(التسول)، زيادة الفقر، وزيادة نسبة البطالة، واعتبار التسول حرفة مريحة وبالتالي تفضيل القعود عن العمل، وتراجع الدور الاجتماعي القائم على العدالة الاجتماعية(13)، ويتداخل مفهوم(الحرمان العاطفي والإجتماعي) مع بعض المفاهيم كـــ(العدوانAggression)(14)،وكذلك مفهوم(الصراع الاجتماعيSocial Conflict )من أجل البقاء(15)، لأن الشعور بـــ(القهر الاجتماعي) الناجم عن(الاعتداء) على حقوق الفرد وامتهانه اجتماعيًا، مع افتقاده لآليات القوة وعجزه عن درأ الاعتداء الموجه اليه يجعل من الصعب عليه تحقيق طموحاته؛ فيصبح تركيزه منصب على استخدام آليات الخضوع والاستجداء من أجل البقاء، مفهوم(القهر(Coercion هنا يعرف بأنه" السلوك القائم على الإكراه والضغط والتهديد باستعمال القوة"(16)، مع ملاحظة أن(القهر السلطوي)، و(التمييز الطبقي) الذي يغذي(ثقافة الفقر) القائمة على الخضوع للأقوى والطاعة غير المبررة، أفرزا ميلًا عارمًا لدى المتسول نحو (السلبية والتواكل)، إلا أن الخصومة بين المتسول والسلطة تتسم بالدهاء والنفاق والفهلوة، وإن كان من المنطقي أن نعكس الآية، فندرك أن(التسول) يعبرعن قدرة بعض الأفراد على تنفيذ استراتيجيات البقاء للتخفيف من حدة الفقر، يمكننا إذًا اعتبار(التسول) آلية من آليات إعادة انتاج(ثقافة الفقر) التي تمتد لتصبغ الأفراد بــ(فقر الوعى) و(تهميش المكانة) و(العنف)، و(انخفاض مستوى التعليم)، و(الحرمان من الحقوق)، و(انعدام الرعاية الصحية)، و(انعدام فرص المشاركة المجتمعية)، كما أن هناك فجوة في(الحماية الاجتماعية) خاصة أن ظاهرة تفاقم الفقر بين النساء المعيلات في زيادة منذ منتصف الثمانينات بسبب زيادة الأسعار، وزيادة حالات الطلاق والتفكك الأسري، "فغياب الأب أو فقدانه يجعل الطفل مضطربًا"(17)، كل هذة السمات هى مفردات(ثقافة الفقر) التي يتم اعادة انتاجها مرة ثانية وتكريسها، فنجد أن(المتسول) الذي يعاني التهميش والفشل الإجتماعي، فاقد ايضًا لـــ(المسئولية الاجتماعية Social Responsibility) التي "تتكون من(الإهتمام) و(الارتباط العاطفي) بــ(الجماعة السيكولوجية) من ناحية، وبالفهم لتقاليد المجتمع وقيمه وثقافته من ناحية أخرى، وكذلك فهم المغزى الاجتماعي للأفعال والمشاركة فى حل المشكلات"(18) واشباع الحاجات النفسية بما يؤدي الى(التوازن النفسي) ومن أهمها الحاجة الى الحب، والحاجة الى الأمن، والإنتماء وتقبل الذات والإنجاز واللعب والتقدير الاجتماعي والاستقلال وحب الاستطلاع، لذلك نجد(المتسول) فاقد للاهتمام من قبل أسرته؛ فإنكار الوالدين للطفل وإهماله يشعره بعدم الأمان ويؤدي الى سوء التكيف فتتسم شخصيته بالخضوع، وقد يميل الى (التشرد) لعدم اكتسابه مقومات الضبط النفسي والاجتماعي، ونجد أنه أيضًا يصبح تدريجيًا فاقدًا للإهتمام بقيم وثقافة مجتمعه وفاقد لفهم ذاته ودوره تجاه الآخرين، وفقدان الإحساس بالمسئولية الإجتماعية لدية له دلالات متعدده منها(دلالة الإيذاء) الذي يعتبره الأهل آلية تأديبية تهدف الى إجبار الأبناء على الامتثال للأوامر، يواجهنا هنا(الموروث الثقافي) القائم على خلق (مجتمع أبوي) قائم على فرضية(الأعلى يأمر والأدنى يلبي)، وقد يمتد الأمر الى(الإيذاء الجسدي) بإحداث(عاهة) تُيسر فعل(التسول)، مع ملاحظة أن الأفراد الذين يحملون عاهات أو اعاقات عضوية يعبرون عن حالات من عدم الاستقرار وعدم القدرة على تحمل المسؤولية والميل الى الإندفاعية.
أو(الإيذاء النفسي) بالتهديد المقرون بالحرمان العاطفي، والإهانة، والإهمال، والتعذيب بالنبذ والإقصاء؛ فالأسرة التي تؤكد على اتباع التهديد والحرمان العاطفي والإهمال في تعاملها مع الأبناء الذين لايستجيبون للأوامر تجعلهم عبادًا لها، فــ (الحرمان العاطفي) يعرفه قاموس علم النفس بأنه"نقص بالعاطفة، أو انعدامها"(19)
فحاجة الفرد للعاطفة هامة جدًا وعدم اشباعها يؤدي الى سلوكيات سلبية، معنى ذلك أن اضطراب(رابطة التعلق) التي تؤثر سلبًا في الإنسان، وتراكم المعاملات الوالدية(الضاغطة) أو غير السوية يؤدي الى فقدان الدلالات الرمزية للمعاني الإنسانية، فالخبرات الأولى التي يتلقاها الإنسان من والديه تظهر آثارها على سلوكياته عند تعامله مع الآخرين؛ لأنها تخرج من(كبتها) الى سطح السلوك، ولأن الإحباط من العوامل النفسية التي تؤدي الى(التسول) يكون السبيل لمواجهة(ثقافة الفقر) بــ(التسول) كآلية للتحايل من أجل البقاء، وإذا تجاوزنا نسبيًا منطق(الإرث والموروث) فيما يخص(ثقافة الفقر)؛ لوجدنا أن الثقافة العربةي تعاني من العلاقات الاجتماعية التي تتخذ طابع(الإكراه) و(القهر) و(التسلط) وهى المفردات التي تضرب جذورها في العائلة والمدرسة والحياة العامة(20)، ويؤكد لنا"مصطفى صفوان" أن الثقافة العربية مشبعة بروح العنف، فنجد أن الفرد المقهور المهمش نتيجة لأساليب التنشئة القائمة على إعادة إنتاج(ثقافة الفقر) يصبح مؤهلًا تمامًا لقبول السيطرة والتهديد، وحتى إن قاوم وأعمل عقله تنحصر كل طموحاته في أن يكون مصدر التهديد عادلًا
رشا الفوال
الهوامش:
**********
1_ Rogers, C(1959) a theory personality and interpersonal relationship as developed: a study of science, vol2 hill, New YORK, U.S.A
2_ Mitchell, R.(2000), Some Social Implications of High Density, American Sociological Review, Vol,36, P18
3_ جمال مختار حمزة(2000)، " أطفال معرضون للتشرد في مصر: رؤية نفسية"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، س14، ع53
4_ محمد أبو سريع(1986)، "ظاهرة التسول ومعوقات مكافحتها"، من الأبحاث المقدمة لأكاديمية الشرطة، القاهرة، صــ4
5_ أحمد زكي بدوي(1997)، "معجم المصطلحات الاجتماعية" ، مكتبة لبنان، بيروت، صـــ37
6_ جمال مختار حمزة(2005)، "دراسة لبعض أبعاد الشخصية للأطفال المتسولين"، مجلة العلوم التربوية، جامعة القاهرة، مج13، ع4، صــ71
7_ نهاد عبد الحليم عبيد(2016)، "البطالة والتسول بين السنة النبوية وبين القوانين الوضعية المعاصرة"
8_ Roussou J.J Du Contrat Social, Paris, P52, 1973
9_ عيسوي عبد الرحمن(1984)، "سيكولوجية الجنوح"، دار النهضة العربية، بيروت، صـــ80
10_ سليم نعامة(1985)، " الإنحراف : دراسة نفسية اجتماعية"، مكتبة الخدمات الطباعية، دمشق، ط1، صـــ70
11_ Helen, Higbee: Interrogations of University Learning in the late Elizabethan and early Jacobean drama(PHD): University of California San Diego, 2006.
12_ وزارة التخطيط: الجهاز المركزي للإحصاء(2011)، "خارطة الحرمان ومستوى المعيشة في العراق: دراسة في ثلاثة أجزاء، ط1، بغداد، صــ6
13_ عطا الله عبادة الخولي(2018)، "خصائص ودوافع ظاهرة التسول في مدينة الكرك"، المجلة العربية للعلوم الاجتماعية، ع14، ج2
14_ عبد الرحمن العيسوي(1997)، "سيكولوجية المجرم"، دار الراتب الجامعية، بيروت، صــ103
15_ عباس محمد البلداوي(1987)، "الشخصية بين النجاح والفشل"، مكتبة النهضة العربية، بغداد، صــ19
16_ محمود عبد الواحد محمود(2002)، "في التأصيل التاريخي لمفهوم الإرهاب"، مجلة الحكمة، ع 29، بغداد، صــ140
17_ Benard, C.(1979): Le developpement de la personnalite 5eme Edition, Paris.2, P42
18_ سيد أحمد عثمان(1983)، "المسئولية الاجتماعية في الإسلام"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، صــ12
19_ Nobert Sillamy, Dictionnaire Usuel de Psychologie, Ed. BORDAS. Paris, 1980
20_ على أسعد وطفه(1999)، "بنية السلطة واشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، صـ23
*نشرت في مجلة ميريت الثقافية 2020م
و(ثقافة الفقر Culture of poverty) مفهوم ارتبط بالعالم الأنثروبولوجي"أوسكار لويس" الذي كان معنيًا بدراسة العناصر الثقافية المميزة للأحياء المتخلفة في أمريكا اللاتينية، ومن أبرزها ارتفاع معدلات الوفيات، وانتشار الأمية، وضعف المشاركة الاجتماعية والسياسية، والحرمان من الخدمات، وتدني مستوى المهارة، وعدم توافر مخزون منزلي من المواد الغذائية، وتمركز الأسرة حول الأم، والشعور بالاستسلام
وباعتبار أن(الفرد) هو مركز عالم الخبرة، وأن(السلوك) هو محاولات موجهة لاشباع الحاجات؛ فإن(الذات) تعتبر حجر الزاوية للإدراك الشعوري واللاشعوري، ومعظم طرائق السلوك التي يتبناها الإنسان هى تلك التي تتسق مع مفهومه عن نفسه(1)
يمكننا ذلك من القول بأن(ثقافة الفقر) في مصر تعبر عن طريقة حياة قائمة على(الشعور بالدونيه) و(العجز) و(استجداء) التعاطف المادي، تنتقل من جيل الى جيل، وهى ثقافة قائمة على مايطلق عليه"التهديد المستدمج أى الخطر الذي تستشعره الذات"(2)، ولأن هناك ثلاث مكونات أساسية للأخلاق هى(المكون المعرفي)، و(المكون السلوكي)، و(المكون الإنفعالي)؛ فالإرتقاء الأخلاقي مرتبط بالإرتقاء العقلي Intellectual development، وفي ذلك قد ميز"بياجيه" بين مرحلتين أساسيتين للإرتقاء الأخلاقي هما: المرحلة المبكرة التي تعتبر مرحلة (الإمتثال للوضعية الأخلاقية Moral relism) التي تبدأ بالاحترام والوعى بالقواعد التي يتلقاها الإنسان من الآباء ويسهم في ترسيخ هذة الوضعية(التمركز حول الذات ego centrism) والتي يكون فيها الفرد عاجزًا عن تنظيم خبراته، ويكون ايضًا فيها أميل الى(الطاعة (Obedience و(التوجه العقابي Ishment Orientation) فيكون متمركزًا حول العقاب البدني الذي قد يتلقاه كنتيجة مترتبة على سلوكياته إذا كانت خاطئه
والثانية هى مرحلة(المرونة الأخلاقية Morality of reciprocity) التي يسعى فيها الفرد للفوز باستحسان لآخرين، والثالثة تشهد بعض(الاستقلال الذاتي) حيث بزوغ (الضمير الأخلاقي Morality of Conscience) تجنبًا لانتقادات الآخرين(3)
فعندما يمارس أسلوب التهديد ضد(المتسول) منذ طفولته، يميل لأن يكون أكثر سيطرة على الآخرين من نفس مستواه؛ لذا فإن التغلب على مفردات ثقافة الفقر يحتاج الى زمن طويل وتغيير نمط الحياة الذي تسيطر عليها انفعالات(الإحباط) و(التشاؤم) و(غياب الرغبة في التغيير)؛ فالأفراد ليس لديهم ثقة في الآخرين ولديهم بالمقابل إحساس بالتذمر من ظلم المجتمع ويشعرون بالتهميش، معنى ذلك أن(ثقافة الفقر) قائمة على(القلق) الدائم، والموارد المحدودة، و(الشعور بالاضطهاد)، وسيادة انفعالات(الكراهية) و(الحقد)، ومشاعر(العدائية) الظاهرة والمستترة؛ فــ(العداء) الذي يسيطر على(المتسول) في تعامله مع أقرانه، يعتبر ميكانيزم دفاع ضد(قلق الإحتياج) من ناحية وعدم القدرة على تخطي هيمنة الآباء من ناحية أخرى، مع ملاحظة أن(تشويه بناء الذات) لدى(المتسول) يتم عبر الممارسات الوالديه؛ فقد يكون(الوسط الإجتماعي) معززًا لظاهرة(التسول) من حيث العلاقات القائمة على اقناع الأفراد بقبول(الإستغلال)، وبالتالي(التماهي) مع شخصية المستغل في إطار قوانين لا تدخل حيز التنفيذ إلا فيما ندر عن طريق(ميكانيزمات نفسيه) تظهر من خلالها السلوكيات المعاديه للآخرين والداله على حالة من(الإستلاب)، كما أن الأسر المحرومة كأسر المتسولين ينمو أطفالها في جو من(الخضوع) المبني على(الإحساس بالضآلة) والإعتماد على(الإستجداء) لنيل العطاء، نلاحظ أن العلاقات هنا تخضع الى (القولبة)؛ فالحاجة إذًا وليس الرغبة هى التي تجعل هناك تشابه بين الأسر المحرومة والتي تشجع أولادها على ممارسة فعل(التسول) في الدوافع النفسيه، بالتالي يكون انفتاحهم على العالم الخارجي قائمًا على المطامح المادية، لكنهم في مقابل اشباع حاجاتهم المادية يفتقرون الى اشباع الحاجة الى(القبول الاجتماعي)، يدفعنا ذلك الى ضرورة إيضاح(المفهوم الإصطلاحي للتسول)الذي يعني الوقوف في الطرق العامة وطلب المسعدة المادية من الماره أو عرض ألعاب بهلوانية أو استغلال الإصابات والجروح والعاهات لاكتساب عطف الجمهور(4)؛ فهناك(التسول الصريح) بمد اليد والسؤال عن طريق ممارسة الاستجداء، وهناك (التسول المستتر) مثل قيام(المتسول) بمسح زجاج السيارة، أو عرض خدماته على الفرد المار في الطريق، وهناك(التسول الموسمي) في الأعياد والمناسبات الدينية، مع ملاحظة أن(التسول الدائم) يعتبر عملًا منظمًا يقوم عليه الفرد أو عدة أفراد بالتنسيق فيما بينهم وتتم ممارسته باعتباره مصدرًا للرزق، أما إذا نظرنا الى معجم المصطلحات الاجتماعية فنجد أن(المفهوم الإجتماعي للتسول)، يعني" طلب الصدقة من الأفراد في الطرق العامة، ويُعد التسول في بعض البلاد جنحة يعاقب عليها القانون إذا كان المتسول صحيح البدن، أو اذا دخل في سكن دون استئذان"(5)، و(المتسول) هو ذلك الفرد الذي يمارس(الإستجداء) طلبًا للنقود إما بشكل مباشر بمد اليد أو ارتداء ملابس رثه أو بإظهار عاهة أو التلفظ بعبارات الدعاء لاستثارة عطف الآخرين وربما جمع هذة الأساليب، ويمارس تلك الأفعال عن قصد وبشكل منتظم(6).
وبما أن(التسول) ظاهرة سوسيولوجية، كان علينا هنا أن نحاول قراءة آثارها النفسية ودوافعها، انطلاقًا من(المفهوم النفسي للتسول)، الذي ينص على اعتبار(التسول)حالة نفسية تحمل المرء على أن يتخذ السؤال حرفة فيقعد عن العمل ولا يستغل ما وهبه الله من طاقات وإمكانات لسد حاجاته وحاجة من يعول"(7)؛ فالتسول كسلوك(لاشعوري) ينجم عن المواقف المتراكمة التي يتعرض فيها الفرد لـــ(الحرمان العاطفي والمادي)؛ فيتبنى فعل(التسول) من أجل العيش"كل إنسان يملك حق المخاطرة بحياته من أجل الحفاظ عليها"(8)، و(التسول) من المنظور النفسي، يعبر عن سلوك قد نجد له مبررًا في(الحاجة النفسية للأمن) التي لم يتم إشباعها؛ فالمتسول يتسم بـــ(الجمود) والإحساس بعدم الكفاية والعجز، وفقد الإحساس بالثقة في الآخرين، وفقد إحساسه باحترام ذاته وبالتالي أصبح بدنه سلعه وعواطفه سلعه، كما أن الفرد المصاحب لأمه أو لأبيه أثناء ممارسة فعل التسول تنعكس عليه(صورة الأب الخاضع) أو(صورة الأم الذليلة البائسة)، ومايصاحب ذلك من(اتكالية)؛ فينشأ(المتسول) ولديه شعورًا منطقيًا من وجهة نظره بــ(الدونيه) يعوضه فيما بعد بـــ(العدوانية) التي تعتمد على تفريغ شحنات القلق على رفاقه ليتسنى له الشعور بالتفوق في مجال آخر من مجالات الحياة، و(المتسول) إنسان نشأ على (الإستخفاف بالقيم الاجتماعية) وتبني(إرادة القوة) للتخلص من التوتر و(الإباحيه) في احتقار ذويه(الإحباط هنا قد تم تحويله نحو مصادر الإحباط الأصلية طالما أنه لم يستطع مقاومة الواقع الأليم الذي يُشعره دائمًا بالدونية والعجز)؛ "فعندما يكون مصدر الإحباط قوي يخشى الفرد بأسه لذلك ينتقل انفعاله الى موضوع آخر يكون أقل قوة ومقاومة وخطر من الموضوع الأصلي"(9)
ونتيجة لـــ(تدجين الانفعالات) نجد شيوع حالة من(انعدام الرضا عن الذات) لأن (المتسول) لايملك زمام أمره؛ فقد يتسول تحت ضغط الحاجة للحصول على الطعام والشراب للبقاء على قيد الحياة، وقد يتسول بسبب الخلافات الأسرية التي دفعته الى الهروب من المنزل، وقد يتسول بسبب غياب الأب الذي ينفق على الأسرة، وعلى النقيض من ذلك قد يُجبر الأب أفراد أسرته على التسول فتقل لديهم الرغبة في التعليم وتزيد الميول الإتكالية وهو الأمر الذي قد يدفعهم الى السرقة حال عدم حصولهم على المال عبر الإستجداء العاطفي والتذلل، مع ملاحظة أن(التوحد) بشخصية الأب المتسول أو الأم المتسولة عن طريق التقليد يتم في حالة من انعدام (التنظيم الاجتماعي) الذي يؤدي الى تهيئة الظروف الملائمة لانتقال مفردات(ثقافة الفقر) من اشخاص الى اشخاص آخرين، وتكمن الأزمة عندما يرى الفرد أن(التسول) حرفة مشروعة ويعتبرها مصدرًا للرزق؛ فالمتسول بحكم التكوين والتنشئة يتسم بعدم الاكتراث بالمثل الأدبية واستعذاب القعود عن العمل وفتور العاطفة"(10)، كما أن(التسول) يؤثر بشكل سلبي على شخصية الإنسان فيميل الى السخط على الآخرين والشعور بالرغبة فى الانتقام(11)؛ فـــ(الحرمان العاطفي)، يؤدي الى (انخفاض تقدير الذات) الذي يعتبر أحد محددات السلوك الصادر عن(المتسول)؛ لذلك يرى نفسه بلا قيمة فيشعر بالنقص والعجز وفقدان الحماية(12)؛ فالتسول كظاهرة اجتماعية ذات بُعد سلبي تدل على وجود خلل في بعض اتجاهات المجتمع، ومن دوافع(التسول)، زيادة الفقر، وزيادة نسبة البطالة، واعتبار التسول حرفة مريحة وبالتالي تفضيل القعود عن العمل، وتراجع الدور الاجتماعي القائم على العدالة الاجتماعية(13)، ويتداخل مفهوم(الحرمان العاطفي والإجتماعي) مع بعض المفاهيم كـــ(العدوانAggression)(14)،وكذلك مفهوم(الصراع الاجتماعيSocial Conflict )من أجل البقاء(15)، لأن الشعور بـــ(القهر الاجتماعي) الناجم عن(الاعتداء) على حقوق الفرد وامتهانه اجتماعيًا، مع افتقاده لآليات القوة وعجزه عن درأ الاعتداء الموجه اليه يجعل من الصعب عليه تحقيق طموحاته؛ فيصبح تركيزه منصب على استخدام آليات الخضوع والاستجداء من أجل البقاء، مفهوم(القهر(Coercion هنا يعرف بأنه" السلوك القائم على الإكراه والضغط والتهديد باستعمال القوة"(16)، مع ملاحظة أن(القهر السلطوي)، و(التمييز الطبقي) الذي يغذي(ثقافة الفقر) القائمة على الخضوع للأقوى والطاعة غير المبررة، أفرزا ميلًا عارمًا لدى المتسول نحو (السلبية والتواكل)، إلا أن الخصومة بين المتسول والسلطة تتسم بالدهاء والنفاق والفهلوة، وإن كان من المنطقي أن نعكس الآية، فندرك أن(التسول) يعبرعن قدرة بعض الأفراد على تنفيذ استراتيجيات البقاء للتخفيف من حدة الفقر، يمكننا إذًا اعتبار(التسول) آلية من آليات إعادة انتاج(ثقافة الفقر) التي تمتد لتصبغ الأفراد بــ(فقر الوعى) و(تهميش المكانة) و(العنف)، و(انخفاض مستوى التعليم)، و(الحرمان من الحقوق)، و(انعدام الرعاية الصحية)، و(انعدام فرص المشاركة المجتمعية)، كما أن هناك فجوة في(الحماية الاجتماعية) خاصة أن ظاهرة تفاقم الفقر بين النساء المعيلات في زيادة منذ منتصف الثمانينات بسبب زيادة الأسعار، وزيادة حالات الطلاق والتفكك الأسري، "فغياب الأب أو فقدانه يجعل الطفل مضطربًا"(17)، كل هذة السمات هى مفردات(ثقافة الفقر) التي يتم اعادة انتاجها مرة ثانية وتكريسها، فنجد أن(المتسول) الذي يعاني التهميش والفشل الإجتماعي، فاقد ايضًا لـــ(المسئولية الاجتماعية Social Responsibility) التي "تتكون من(الإهتمام) و(الارتباط العاطفي) بــ(الجماعة السيكولوجية) من ناحية، وبالفهم لتقاليد المجتمع وقيمه وثقافته من ناحية أخرى، وكذلك فهم المغزى الاجتماعي للأفعال والمشاركة فى حل المشكلات"(18) واشباع الحاجات النفسية بما يؤدي الى(التوازن النفسي) ومن أهمها الحاجة الى الحب، والحاجة الى الأمن، والإنتماء وتقبل الذات والإنجاز واللعب والتقدير الاجتماعي والاستقلال وحب الاستطلاع، لذلك نجد(المتسول) فاقد للاهتمام من قبل أسرته؛ فإنكار الوالدين للطفل وإهماله يشعره بعدم الأمان ويؤدي الى سوء التكيف فتتسم شخصيته بالخضوع، وقد يميل الى (التشرد) لعدم اكتسابه مقومات الضبط النفسي والاجتماعي، ونجد أنه أيضًا يصبح تدريجيًا فاقدًا للإهتمام بقيم وثقافة مجتمعه وفاقد لفهم ذاته ودوره تجاه الآخرين، وفقدان الإحساس بالمسئولية الإجتماعية لدية له دلالات متعدده منها(دلالة الإيذاء) الذي يعتبره الأهل آلية تأديبية تهدف الى إجبار الأبناء على الامتثال للأوامر، يواجهنا هنا(الموروث الثقافي) القائم على خلق (مجتمع أبوي) قائم على فرضية(الأعلى يأمر والأدنى يلبي)، وقد يمتد الأمر الى(الإيذاء الجسدي) بإحداث(عاهة) تُيسر فعل(التسول)، مع ملاحظة أن الأفراد الذين يحملون عاهات أو اعاقات عضوية يعبرون عن حالات من عدم الاستقرار وعدم القدرة على تحمل المسؤولية والميل الى الإندفاعية.
أو(الإيذاء النفسي) بالتهديد المقرون بالحرمان العاطفي، والإهانة، والإهمال، والتعذيب بالنبذ والإقصاء؛ فالأسرة التي تؤكد على اتباع التهديد والحرمان العاطفي والإهمال في تعاملها مع الأبناء الذين لايستجيبون للأوامر تجعلهم عبادًا لها، فــ (الحرمان العاطفي) يعرفه قاموس علم النفس بأنه"نقص بالعاطفة، أو انعدامها"(19)
فحاجة الفرد للعاطفة هامة جدًا وعدم اشباعها يؤدي الى سلوكيات سلبية، معنى ذلك أن اضطراب(رابطة التعلق) التي تؤثر سلبًا في الإنسان، وتراكم المعاملات الوالدية(الضاغطة) أو غير السوية يؤدي الى فقدان الدلالات الرمزية للمعاني الإنسانية، فالخبرات الأولى التي يتلقاها الإنسان من والديه تظهر آثارها على سلوكياته عند تعامله مع الآخرين؛ لأنها تخرج من(كبتها) الى سطح السلوك، ولأن الإحباط من العوامل النفسية التي تؤدي الى(التسول) يكون السبيل لمواجهة(ثقافة الفقر) بــ(التسول) كآلية للتحايل من أجل البقاء، وإذا تجاوزنا نسبيًا منطق(الإرث والموروث) فيما يخص(ثقافة الفقر)؛ لوجدنا أن الثقافة العربةي تعاني من العلاقات الاجتماعية التي تتخذ طابع(الإكراه) و(القهر) و(التسلط) وهى المفردات التي تضرب جذورها في العائلة والمدرسة والحياة العامة(20)، ويؤكد لنا"مصطفى صفوان" أن الثقافة العربية مشبعة بروح العنف، فنجد أن الفرد المقهور المهمش نتيجة لأساليب التنشئة القائمة على إعادة إنتاج(ثقافة الفقر) يصبح مؤهلًا تمامًا لقبول السيطرة والتهديد، وحتى إن قاوم وأعمل عقله تنحصر كل طموحاته في أن يكون مصدر التهديد عادلًا
رشا الفوال
الهوامش:
**********
1_ Rogers, C(1959) a theory personality and interpersonal relationship as developed: a study of science, vol2 hill, New YORK, U.S.A
2_ Mitchell, R.(2000), Some Social Implications of High Density, American Sociological Review, Vol,36, P18
3_ جمال مختار حمزة(2000)، " أطفال معرضون للتشرد في مصر: رؤية نفسية"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، س14، ع53
4_ محمد أبو سريع(1986)، "ظاهرة التسول ومعوقات مكافحتها"، من الأبحاث المقدمة لأكاديمية الشرطة، القاهرة، صــ4
5_ أحمد زكي بدوي(1997)، "معجم المصطلحات الاجتماعية" ، مكتبة لبنان، بيروت، صـــ37
6_ جمال مختار حمزة(2005)، "دراسة لبعض أبعاد الشخصية للأطفال المتسولين"، مجلة العلوم التربوية، جامعة القاهرة، مج13، ع4، صــ71
7_ نهاد عبد الحليم عبيد(2016)، "البطالة والتسول بين السنة النبوية وبين القوانين الوضعية المعاصرة"
8_ Roussou J.J Du Contrat Social, Paris, P52, 1973
9_ عيسوي عبد الرحمن(1984)، "سيكولوجية الجنوح"، دار النهضة العربية، بيروت، صـــ80
10_ سليم نعامة(1985)، " الإنحراف : دراسة نفسية اجتماعية"، مكتبة الخدمات الطباعية، دمشق، ط1، صـــ70
11_ Helen, Higbee: Interrogations of University Learning in the late Elizabethan and early Jacobean drama(PHD): University of California San Diego, 2006.
12_ وزارة التخطيط: الجهاز المركزي للإحصاء(2011)، "خارطة الحرمان ومستوى المعيشة في العراق: دراسة في ثلاثة أجزاء، ط1، بغداد، صــ6
13_ عطا الله عبادة الخولي(2018)، "خصائص ودوافع ظاهرة التسول في مدينة الكرك"، المجلة العربية للعلوم الاجتماعية، ع14، ج2
14_ عبد الرحمن العيسوي(1997)، "سيكولوجية المجرم"، دار الراتب الجامعية، بيروت، صــ103
15_ عباس محمد البلداوي(1987)، "الشخصية بين النجاح والفشل"، مكتبة النهضة العربية، بغداد، صــ19
16_ محمود عبد الواحد محمود(2002)، "في التأصيل التاريخي لمفهوم الإرهاب"، مجلة الحكمة، ع 29، بغداد، صــ140
17_ Benard, C.(1979): Le developpement de la personnalite 5eme Edition, Paris.2, P42
18_ سيد أحمد عثمان(1983)، "المسئولية الاجتماعية في الإسلام"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، صــ12
19_ Nobert Sillamy, Dictionnaire Usuel de Psychologie, Ed. BORDAS. Paris, 1980
20_ على أسعد وطفه(1999)، "بنية السلطة واشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، صـ23
*نشرت في مجلة ميريت الثقافية 2020م
رشا الفوال
رشا الفوال ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit رشا الفوال und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die Welt...
www.facebook.com