عامر الطيب - هكذا تكلم غوميز

نيكولاس غوميز دافيلا ، إنه اسم يتردد ببالي منذ ما يقارب شهرين بسبب قراءة شذرة له في هامش أحد الكتب ، بحثتُ عنه فلم أجده قد ترجم أو ربما ترجم دون كفاية.
غوميز هو فيلسوف كولومبي ولد لعائلة ميسورة سنة ١٩١٣، عاش حياته براحة و تأمل فقد كان والده غنياً لكنه لم يكن مهتماً بأن يصبح رجل أعمال بل رفض حتى منصب مستشار للرئيس الكولومبي آنذاك البيرتو بيراس.
ظل يقرأ مطولاً حتى جمع بمكتبته حوالي ٣٠٠٠ كتاب ضخم و تمكن من اتقان بلغات حية مثل الإيطالية و الفرنسية بل إنه حاول تعلم اللغة الدنمارك قبل وفاته بفترة قصيرة ليقرأ سورين كيركغارد بلغته الأصلية .
رفض غوميز النشر مراراً و حتى عندما فعل ذلك اختار دور نشر مغمورة.
بعد حياة طويلة من السفر و اللعب و التأمل، من القراءة و التبحر فيما يقرأ و فيما يرى مات غوميز سنة ١٩٩٤ عن عمر ناهز الحادي و الثمانين سنة داخل مكتبته بطريقة لا تشبه الطريقة التي أنهت حياة الجاحظ بالطبع .
#فلسفته
لم يدخل غوميز الجامعة ولم يكن له منهج فلسفي رصين بقدر ما يمكن اعتباره متأملاً من خلال الشذرات التي نشرت له و هي تأملات في الدين و التاريخ و الفلسفة و في الأدب أيضا.
اختار غوميز كتابة الشذرات فهناك أسلوبان للكتابة حسب رأيه أحدهما أسلوب طويل و مسترسل و الآخر قصير كالشذرة أو كالبذرة بتعبير أدق ، أما السبب الآخر فهو يرى أن القارئ المعاصر لا يمكن إقناعه كونه يمتلك افتراضات مخالفة لافتراض المؤلف أو المعلم لكن يمكن وخزه أو تنبيهه بشذرة ما.
شذرات غوميز بالمجمل هي هوامش و تأملات لكتب قرأها إذن.
يسمي غوميز نفسه بالرجعي الأصيل لأنه سلوك يعيد له كرامته فإذا كان الرجعي الأوربي هو الرافض لحداثة أوربية بدأت تبني نفسها منذ عصر التنوير فإن الرجعي الكولومبي هو الذي لا يقبل الحداثة الأوربية بسلبياتها أيضاً فوظيفته كرجعي هي حراسة تراثه أمام هجمات تحاول قلع الشجرة المريضة من جذورها مع توفر إمكانية لمعالجتها بطريقة أخرى.

- هل كان غوميز متديناً ؟
من خلال بعض الشذرات يخيل لنا إن غوميز متدين لكنه شكوكي بالنسبة للكنيسة و بالنسبة للفلسفة التي تطالب بقتل الإله فهو يرى أن الإنسان يتفتح بين ميلاد الله و موته بمعنى إنه يرى أن الإنسان سيفقد جزء كبير من حركته و نشاطه و حسه عند تخليصه من الله ، و بالإسناد على تلك الرؤية فإن نقد غوميز للدين كان خوفاً عليه و نقده للحداثة كان خوفاً منها .
و بالنهاية لم تكن فلسفة غوميز جدلاً فكرياً إنما طريقة عيش و هذا هو المفهوم الحقيقي للفلسفة الذي تم نهبه أيضاً.


* بعض شذراته :

يجب ألا نخشى الزمن لأنه يقتل إنما لأنه يفضح
▪︎
الامل الوحيد هو في عدم عدالة الرب
▪︎
الأهمية التاريخية لفرد نادراً ما تناسب طبيعته الحميمة
▪︎
لا أحد يملك رأسمال عاطفي كاف ليضيع طموحه
▪︎
المجتمع يكافئ الرذائل الصارخة و الفضائل الخفية
▪︎
بسبب الثقافة يأكل الأحمق حتى عندما يكون جائعاً
▪︎
كل الأدب معاصر عند من يجيد القراءة
▪︎
الثرثرة ليست وفرة في الكلمات إنما شحة في الأفكار
▪︎
تعتقد البشرية إنها تصحح الأخطاء عبر تكرارها
▪︎
لا شيء أصعب من حل مشكلة عابرة بحلول دائمة
▪︎
من يخطئ جزئياً يزعجنا ،من يخطئ كلياً يُسلّينا
▪︎
ليس منشا الأديان يحتاج تفسيراً بل انحطاطها
▪︎
إن الخطأ الكبير ليس إعلان موت الله بل موت الشيطان
▪︎
كانت الشيوعية رسالة أما اليوم فهي مهنة
▪︎
كل زواج بين مثقف و الحزب الشيوعي ينتهي بالزنا
▪︎
لا يموت الأدب لأن أحداً لا يكتب بل لأنه الجميع يكتبون
▪︎
الطبقيات في الجنة أما في الجحيم فلكنا سواء
▪︎
ينبغي أن نبغض أو نحب الأشياء لماهيتها لا لعواقبها
▪︎
للثورة وظيفة واحدة هي تدمير الأوهام التي تسبب بها
▪︎
نؤمن بأشياء عديدة نعتقد إننا لا نؤمن بها
▪︎
الجنس لا يحل حتى المشكلات الجنسية
▪︎
كل من يظن بأنه ينطق لاسم الرأي العام فقد تم استعباده.
أعلى