ماذا لو تتبع المرء النماذج النسوية في رواية يحيى السنوار "الشوك والقرنفل"؟
هل تحفل الرواية بنماذج نسوية متنوعة متعددة مختلفة ؟
أغلب الظن أن المرء لن يعثر على نماذج نسوية لها أدوار اجتماعية غير الدور التقليدي المعروف ، وهو المرأة أم ، أو زوجة مثل فلقة البدر أو الصابون ، أو طالبة جامعية بلا ملامح فردية يحتاج إليها من أجل التصويت في الانتخابات لصالح التيار الإسلامي . أما المرأة محبوبة أو ناشطة اجتماعية أو موظفة فلا حضور لها ، وحين ينوي شاب الزواج تبحث له أمه عن عروس ، وغالبا ما تروق له ما دامت راقت لها . إنها تسأله عن أوصاف المرأة التي يحب أن تكون زوجة له ، ثم تبدأ الأم رحلة البحث.
المرأة معشوقة لم تظهر في الرواية إلا من خلال المرأة اليهودية ابنة صاحب المصنع التي أحبها حسن إلى أن نبذته .
ليس ما سبق بمستغرب من أشخاص متدينين محافظين لا يؤمنون بالحب والسفور والانفتاح في العلاقة بين الذكر والأنثى ، وهذا شيء طبيعي معروف ومألوف في التيارات الدينية ، وإن بدأ الأمر يختلف.
والدة محمود زوجة عم إبراهيم وأم زوجته مريم لم يكن تفكيرها ليخرج عن إطار الحياة التقليدية التي لا تلتفت إلى البعد الوطني أو الديني في الصراع ، فكل همها هو أن يتزوج الأبناء والبنات ويشكلون أسرة ، ولا يعنيها الوطن وتحريره ومقاومة العدو ، وغالبا ما كانت تقف ضد أي نشاط سياسي أو عسكري.
التغير يحدث في نهاية الرواية مع اشتداد حركة المقاومة ، وهنا تغير المرأة في كلمات الأغنية الشعبية لتتناسب والواقع الجديد ، بل إنها تودع ابنها الاستشهادي بالزغاريد ولا تتردد في أن ترسل بقية أبنائها للاستسهاد ، وهو ما نلحظه لدى أم نضال في الصفحتين ٣٣٢و ٣٣٣.
في الصفحة ٣٣١ نقرأ الفقرة الآتية:
" يقول عدنان :
- ألا ترى أنهم يراهنون على أن الناس تعبوا وأن الشعب يريد أن يرتاح ، فقد أرهقه الثمن الباهظ الذي دفعه .
يبتسم إبراهيم وهو يقول:
- من الذي تعب ؟ ومن الذي أرهق؟ أنت أم أنا؟ أمهاتنا ونساؤنا الذين يدفعون الثمن الذي من أرواح أبنائهم ومن بيوتهم ومن أغلى ما يملكون ، لم ينطق أحدهم بكلمة تدل على التعب . ألم تر في كل مرة أن أم الشهيد تهتف أنها مستعدة للتضحية باخوته الآخرين في سبيل القدس والأقصى.
وأما من يصرحون أن شعبنا تعب فهم حفنة من أصحاب المصالح السياسية أو الاقتصادية ، حفنة قليلة ، أما الشعب الصابر فهو مستعد للتضحية بكل غال وثمن من أجل عزته وكرامته ومقدساته".
وبعد هذه الفقرة نقرأ صفحتين عن محمد وأمه "أم نضال" حيث يودعها لتنفيذ عملية استشهادية تظل تتابعها ، إذ يطلب منها محمد أن تترك هاتفها مفتوحا لتسمع صوت التفجير الذي سينفذه .
ما إن يتم التفجير ويعرف الجيران باستشهاد محمد حتى يجتمعوا ، فتسأل إحدى الجارات أم نضال :
- ودعته وأنت تعرفين أنه ذاهب للموت؟
فترد أم نضال:
- والله إنه لأحب إلي من الدنيا وما فيها، ولكنه يهون في سبيل الله، وفي سبيل القدس والأقصى. وآلله إني مستعدة أن أضحي بنضال وحسام ورواد في سبيل الله، ومن أجل عزة شعبنا وكرامة أمتنا...".
موقف أم نضال هذا لم يكن موقف أم محمود حين انخرط إبراهيم زوج ابنتها مريم بالحركة الإسلامية ، إذ كانت تقف منه موقف الرفض والمحاسبة.
ما سبق ، وهو مكتوب في العام ٢٠٠٣ ذكرني بما كتبه الشاعر محمود درويش في ديوانه " حالة حصار " ٢٠٠٢ :
" قالت الأم:
لم أره ماشيا في دمه
لم أر الأرجوان على قدمه
كان مستندا للجدار
وفي يده
كأس بابونج ساخن
ويفكر في غده "
و
" قالت الأم : في باديء الأمر لم
أفهم الأمر ، قالوا : تزوج منذ
قليل ، فزغردت ثم رقصت وغنيت
حتى الهزيع الأخير من الليل ، حيث
مضى الساهرون ولم تبق إلا سلال
البنفسج حولي. تساءلت : أين العروسان ؟
قيل: هنالك فوق السماء ملاكان
يستكملان طقوس الزواج ، فزغردت ،
ثم رقصت وغنيت حتى أصبت
بداء الشلل
فمتى ينتهي ، يا حبيبي ، شهر العسل؟".
ولعل الفقرات المقتبسة من الرواية تفصح لنا لماذا لم يتردد السيد يحيى السنوار في أيار ٢٠٢١ في إعطاء أوامره لكتائب القسام بإطلاق الصواريخ في معركة " سيف القدس".
أعتقد أن " الشوك والقرنفل " تقول لنا إلى أين نحن ذاهبون في قادم الأيام ، وقد لاحظ بعض الكتاب الإسرائيليين في أيار أن العقيدة الدينية كان لها دور كبير في قتال الفلسطينيين وعدم خوفهم من الطائرات الإسرائيلية المغيرة التي ألقت اطنانا من القنابل على البنايات والعمارات السكنية.
كانت تجربة حزب الله في تحرير جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠ حاضرة أبدا في ذهن إبراهيم، فلا يمكن تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة إلا بقوة السلاح. هذا ما يؤمن به إبراهيم وخطه السياسي، وإن كان في يحيى السنوار شيء من إبراهيم، أو إن كان ينطق إبراهيم بما يؤمن هو به ، فانتظروا الحرب القادمة!!
صباح الخير
خربشات
١١ تموز ٢٠٢١
هل تحفل الرواية بنماذج نسوية متنوعة متعددة مختلفة ؟
أغلب الظن أن المرء لن يعثر على نماذج نسوية لها أدوار اجتماعية غير الدور التقليدي المعروف ، وهو المرأة أم ، أو زوجة مثل فلقة البدر أو الصابون ، أو طالبة جامعية بلا ملامح فردية يحتاج إليها من أجل التصويت في الانتخابات لصالح التيار الإسلامي . أما المرأة محبوبة أو ناشطة اجتماعية أو موظفة فلا حضور لها ، وحين ينوي شاب الزواج تبحث له أمه عن عروس ، وغالبا ما تروق له ما دامت راقت لها . إنها تسأله عن أوصاف المرأة التي يحب أن تكون زوجة له ، ثم تبدأ الأم رحلة البحث.
المرأة معشوقة لم تظهر في الرواية إلا من خلال المرأة اليهودية ابنة صاحب المصنع التي أحبها حسن إلى أن نبذته .
ليس ما سبق بمستغرب من أشخاص متدينين محافظين لا يؤمنون بالحب والسفور والانفتاح في العلاقة بين الذكر والأنثى ، وهذا شيء طبيعي معروف ومألوف في التيارات الدينية ، وإن بدأ الأمر يختلف.
والدة محمود زوجة عم إبراهيم وأم زوجته مريم لم يكن تفكيرها ليخرج عن إطار الحياة التقليدية التي لا تلتفت إلى البعد الوطني أو الديني في الصراع ، فكل همها هو أن يتزوج الأبناء والبنات ويشكلون أسرة ، ولا يعنيها الوطن وتحريره ومقاومة العدو ، وغالبا ما كانت تقف ضد أي نشاط سياسي أو عسكري.
التغير يحدث في نهاية الرواية مع اشتداد حركة المقاومة ، وهنا تغير المرأة في كلمات الأغنية الشعبية لتتناسب والواقع الجديد ، بل إنها تودع ابنها الاستشهادي بالزغاريد ولا تتردد في أن ترسل بقية أبنائها للاستسهاد ، وهو ما نلحظه لدى أم نضال في الصفحتين ٣٣٢و ٣٣٣.
في الصفحة ٣٣١ نقرأ الفقرة الآتية:
" يقول عدنان :
- ألا ترى أنهم يراهنون على أن الناس تعبوا وأن الشعب يريد أن يرتاح ، فقد أرهقه الثمن الباهظ الذي دفعه .
يبتسم إبراهيم وهو يقول:
- من الذي تعب ؟ ومن الذي أرهق؟ أنت أم أنا؟ أمهاتنا ونساؤنا الذين يدفعون الثمن الذي من أرواح أبنائهم ومن بيوتهم ومن أغلى ما يملكون ، لم ينطق أحدهم بكلمة تدل على التعب . ألم تر في كل مرة أن أم الشهيد تهتف أنها مستعدة للتضحية باخوته الآخرين في سبيل القدس والأقصى.
وأما من يصرحون أن شعبنا تعب فهم حفنة من أصحاب المصالح السياسية أو الاقتصادية ، حفنة قليلة ، أما الشعب الصابر فهو مستعد للتضحية بكل غال وثمن من أجل عزته وكرامته ومقدساته".
وبعد هذه الفقرة نقرأ صفحتين عن محمد وأمه "أم نضال" حيث يودعها لتنفيذ عملية استشهادية تظل تتابعها ، إذ يطلب منها محمد أن تترك هاتفها مفتوحا لتسمع صوت التفجير الذي سينفذه .
ما إن يتم التفجير ويعرف الجيران باستشهاد محمد حتى يجتمعوا ، فتسأل إحدى الجارات أم نضال :
- ودعته وأنت تعرفين أنه ذاهب للموت؟
فترد أم نضال:
- والله إنه لأحب إلي من الدنيا وما فيها، ولكنه يهون في سبيل الله، وفي سبيل القدس والأقصى. وآلله إني مستعدة أن أضحي بنضال وحسام ورواد في سبيل الله، ومن أجل عزة شعبنا وكرامة أمتنا...".
موقف أم نضال هذا لم يكن موقف أم محمود حين انخرط إبراهيم زوج ابنتها مريم بالحركة الإسلامية ، إذ كانت تقف منه موقف الرفض والمحاسبة.
ما سبق ، وهو مكتوب في العام ٢٠٠٣ ذكرني بما كتبه الشاعر محمود درويش في ديوانه " حالة حصار " ٢٠٠٢ :
" قالت الأم:
لم أره ماشيا في دمه
لم أر الأرجوان على قدمه
كان مستندا للجدار
وفي يده
كأس بابونج ساخن
ويفكر في غده "
و
" قالت الأم : في باديء الأمر لم
أفهم الأمر ، قالوا : تزوج منذ
قليل ، فزغردت ثم رقصت وغنيت
حتى الهزيع الأخير من الليل ، حيث
مضى الساهرون ولم تبق إلا سلال
البنفسج حولي. تساءلت : أين العروسان ؟
قيل: هنالك فوق السماء ملاكان
يستكملان طقوس الزواج ، فزغردت ،
ثم رقصت وغنيت حتى أصبت
بداء الشلل
فمتى ينتهي ، يا حبيبي ، شهر العسل؟".
ولعل الفقرات المقتبسة من الرواية تفصح لنا لماذا لم يتردد السيد يحيى السنوار في أيار ٢٠٢١ في إعطاء أوامره لكتائب القسام بإطلاق الصواريخ في معركة " سيف القدس".
أعتقد أن " الشوك والقرنفل " تقول لنا إلى أين نحن ذاهبون في قادم الأيام ، وقد لاحظ بعض الكتاب الإسرائيليين في أيار أن العقيدة الدينية كان لها دور كبير في قتال الفلسطينيين وعدم خوفهم من الطائرات الإسرائيلية المغيرة التي ألقت اطنانا من القنابل على البنايات والعمارات السكنية.
كانت تجربة حزب الله في تحرير جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠ حاضرة أبدا في ذهن إبراهيم، فلا يمكن تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة إلا بقوة السلاح. هذا ما يؤمن به إبراهيم وخطه السياسي، وإن كان في يحيى السنوار شيء من إبراهيم، أو إن كان ينطق إبراهيم بما يؤمن هو به ، فانتظروا الحرب القادمة!!
صباح الخير
خربشات
١١ تموز ٢٠٢١