يستشهد والد إبراهيم في حرب ١٩٦٧ ويختفي عمه ، وبعد حوالي ٢٠ عاما نعرف أنه استشهد في مجازر أيلول في الأردن ، مخلفا ولدين هما ماجد وخالد ، يعودان إلى غزة بعد توقيع اتفاق أوسلو .
ويتربى إبراهيم وأخوه حسن في كنف جده لأبيه وترعاهما زوجة عمه كما ترعى أبناءها الكثر ، فقد تزوجت أمه حين أصر أهلها على زواجها .
لا تقول الرواية لنا أي شيء عن والدة إبراهيم بعد زواجها ، فلا نقرأ أي خبر عن لقائها بابنيها إبراهيم وحسن . لا هي زارتهما ولا هما زاراها ، ولا نعرف إن كانت أنجبت من زوجها الثاني أبناء صاروا أشقاء لإبراهيم وأخيه .
هكذا نشأ إبراهيم يتيما ، فقد استشهد أبوه وتزوجت أمه وانفصل عنه أخوه حسن ليعود جاسوسا يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية ، وهكذا كان على إبراهيم أن يعاني من فقدان الوالدين وعار الأخ . وكان عليه أن يواجه ، مثل أبناء عمه الذين فقدوا الأب ، قسوة الحياة ، وكانت معاناته مضاعفة مرتين ، فهم فقدوا الأب وعاشوا على أمل أن يعود ، ولكنهم لم يخسروا الأم ولم يلحق بهم عار واحد منهم . تعلم محمود ومحمد وحسن والسارد أحمد وتزوجت الأخت من ابن عمها إبراهيم وانجبت . هذا كله ترك أثرا في تكوين إبراهيم وشخصيته ، عدا النشأة في المخيم والعيش على ما تجود به وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين من طعام وملابس ( بقج ) .
كانت زوجة عم إبراهيم بمثابة أمه ، فالأم البيولوجية تخلت عنه مضغوطا عليها من أهلها لتتزوج ، وزوجة العم حلت محلها . وهنا نتذكر مسرحية ( برتولد بريخت ) " دائرة الطباشير القوقازية " ورواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " وأعمالا أدبية أخرى .
لا أعرف الكثير عن حياة يحيى السنوار الشخصية ، ولا أعرف شيئا عن أسرته ، لأرى مقدار التطابق والاختلاف بينه وبين شخصية إبراهيم ، ولكني فيما قرأته من مقالات عن دوره في تأسيس جهاز ملاحقة العملاء " مجد " أكاد أجزم بأنه عانى مما قاموا به وارتكبوه بحق قيادات من حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى مثل فتح والجبهة الشعبية ، وهو ما يأتي عليه السارد في نهاية الرواية ، إذ يأتي على ذكر جمال منصور وجمال سليم وأبو علي مصطفى وآخرين غيرهم .
مما ورد في مقالات وتقارير عن يحيى السنوار أنه تخلص شخصيا من بعض الجواسيس وأنه لم يكن يرحمهم ، بل إن ثمة كتابات عن دوره في التخلص من شخصيات حمساوية عملت معه شك فيها وارتاب من بعض تصرفاتها ، مثل القائد محمود اشتيوي . إن ما ورد في الرواية عن فايز صديق إبراهيم ليس بعيدا عما قرأته عن قصة محمود اشتيوي ، والأمر يبقى بحاجة إلى التأكد عموما .
راقب إبراهيم صديقه فايز ولاحظ لقاءه بضابط المخابرات أبو وديع ، وفي إحدى مظاهرات الانتفاضة قتل فايز . لم يصرح السارد بأن إبراهيم قتله ،ولكن القاريء يلمح ذلك ، ومن قتل أخاه لأنه عميل فلن يتردد في قتل صديق صار جاسوسا ، بل وفي تصفية إخوة ارتاب في بعض سلوكهم ، ولن يتردد في مقاومة الأعداء مقاومة شرسة ، فهؤلاء هم العلة والسبب في فقدان الوطن وحياة اللجوء وتشرد الأخ وعمالته وتساقط الصديق وخيانته .
الطريف أن يحيى السنوار هو ابن مخيم وأن محمد دحلان هو ابن مخيم وفايز هو ابن مخيم وحسن شقيق إبراهيم هو ابن مخيم ، وفي أبناء المخيمات كتب غسان كنفاني روايته " أم سعد " فكتب عن ابن المخيم الفدائي الذي قال فيه الشاعر أحمد دحبور :
" اسمع - أبيت اللعن - راوية المخيم
افتح له عينيك وافهم :
هذي الصفائح والخرائب والبيوت
فيها كبرت ، بها كبرت
وفوضتني عن جهنم " .
وكم أنجب المخيم من أبطال فدائيين وعلماء وأطباء وجواسيس وحشاشين ، وتلك هي الحقيقة .
ماذا تخبيء الحياة ليحيى السنوار ؟
وماذا يخبيء هو لنا من مفاجآت ؟
هل ينطبق عليه ما قاله إبراهيم طوقان في قصيدته :
هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدأي يا عواصف
خجلا من جراءته
صامت لو تكلما
لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته
خلق الحزم ابكما
وبلادا أحبها
ركنها قد تهدما ... إلخ .
صباح الخير
خربشات
١٣ تموز ٢٠٢١
ويتربى إبراهيم وأخوه حسن في كنف جده لأبيه وترعاهما زوجة عمه كما ترعى أبناءها الكثر ، فقد تزوجت أمه حين أصر أهلها على زواجها .
لا تقول الرواية لنا أي شيء عن والدة إبراهيم بعد زواجها ، فلا نقرأ أي خبر عن لقائها بابنيها إبراهيم وحسن . لا هي زارتهما ولا هما زاراها ، ولا نعرف إن كانت أنجبت من زوجها الثاني أبناء صاروا أشقاء لإبراهيم وأخيه .
هكذا نشأ إبراهيم يتيما ، فقد استشهد أبوه وتزوجت أمه وانفصل عنه أخوه حسن ليعود جاسوسا يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية ، وهكذا كان على إبراهيم أن يعاني من فقدان الوالدين وعار الأخ . وكان عليه أن يواجه ، مثل أبناء عمه الذين فقدوا الأب ، قسوة الحياة ، وكانت معاناته مضاعفة مرتين ، فهم فقدوا الأب وعاشوا على أمل أن يعود ، ولكنهم لم يخسروا الأم ولم يلحق بهم عار واحد منهم . تعلم محمود ومحمد وحسن والسارد أحمد وتزوجت الأخت من ابن عمها إبراهيم وانجبت . هذا كله ترك أثرا في تكوين إبراهيم وشخصيته ، عدا النشأة في المخيم والعيش على ما تجود به وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين من طعام وملابس ( بقج ) .
كانت زوجة عم إبراهيم بمثابة أمه ، فالأم البيولوجية تخلت عنه مضغوطا عليها من أهلها لتتزوج ، وزوجة العم حلت محلها . وهنا نتذكر مسرحية ( برتولد بريخت ) " دائرة الطباشير القوقازية " ورواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " وأعمالا أدبية أخرى .
لا أعرف الكثير عن حياة يحيى السنوار الشخصية ، ولا أعرف شيئا عن أسرته ، لأرى مقدار التطابق والاختلاف بينه وبين شخصية إبراهيم ، ولكني فيما قرأته من مقالات عن دوره في تأسيس جهاز ملاحقة العملاء " مجد " أكاد أجزم بأنه عانى مما قاموا به وارتكبوه بحق قيادات من حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى مثل فتح والجبهة الشعبية ، وهو ما يأتي عليه السارد في نهاية الرواية ، إذ يأتي على ذكر جمال منصور وجمال سليم وأبو علي مصطفى وآخرين غيرهم .
مما ورد في مقالات وتقارير عن يحيى السنوار أنه تخلص شخصيا من بعض الجواسيس وأنه لم يكن يرحمهم ، بل إن ثمة كتابات عن دوره في التخلص من شخصيات حمساوية عملت معه شك فيها وارتاب من بعض تصرفاتها ، مثل القائد محمود اشتيوي . إن ما ورد في الرواية عن فايز صديق إبراهيم ليس بعيدا عما قرأته عن قصة محمود اشتيوي ، والأمر يبقى بحاجة إلى التأكد عموما .
راقب إبراهيم صديقه فايز ولاحظ لقاءه بضابط المخابرات أبو وديع ، وفي إحدى مظاهرات الانتفاضة قتل فايز . لم يصرح السارد بأن إبراهيم قتله ،ولكن القاريء يلمح ذلك ، ومن قتل أخاه لأنه عميل فلن يتردد في قتل صديق صار جاسوسا ، بل وفي تصفية إخوة ارتاب في بعض سلوكهم ، ولن يتردد في مقاومة الأعداء مقاومة شرسة ، فهؤلاء هم العلة والسبب في فقدان الوطن وحياة اللجوء وتشرد الأخ وعمالته وتساقط الصديق وخيانته .
الطريف أن يحيى السنوار هو ابن مخيم وأن محمد دحلان هو ابن مخيم وفايز هو ابن مخيم وحسن شقيق إبراهيم هو ابن مخيم ، وفي أبناء المخيمات كتب غسان كنفاني روايته " أم سعد " فكتب عن ابن المخيم الفدائي الذي قال فيه الشاعر أحمد دحبور :
" اسمع - أبيت اللعن - راوية المخيم
افتح له عينيك وافهم :
هذي الصفائح والخرائب والبيوت
فيها كبرت ، بها كبرت
وفوضتني عن جهنم " .
وكم أنجب المخيم من أبطال فدائيين وعلماء وأطباء وجواسيس وحشاشين ، وتلك هي الحقيقة .
ماذا تخبيء الحياة ليحيى السنوار ؟
وماذا يخبيء هو لنا من مفاجآت ؟
هل ينطبق عليه ما قاله إبراهيم طوقان في قصيدته :
هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدأي يا عواصف
خجلا من جراءته
صامت لو تكلما
لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته
خلق الحزم ابكما
وبلادا أحبها
ركنها قد تهدما ... إلخ .
صباح الخير
خربشات
١٣ تموز ٢٠٢١