نجاح الجبيلي - نفــايـــات

آه.. منذ ساعات عدة وأنا أقبع في سلة المهملات بين قطع “شاش” جفّ عليها الدم و”سرنجات” وقناني أدوية وندف مصفّرة من القطن.
أراهُ غافياً على السرير بصدغين مشدودين؛ ما برح مفعول”البنج” سارياً فيه؛ ما أشد شحوب وجهه وقد غارت عيناه في نصف اغماضة!
(يحّرك رأسهُ قليلاً، يفتح عينيه، تزوغان في أرجاء الردهة، يعي نفسه ويتحسّس بأنامله الراجفة الأثر المقطوع في جانب رأسه، لم يبق سوى حفرة دامية مغطاة بالقطن و”الشاش”. تترقرق عيناه بدمع ساخن يسحُّ على وجنتيه الذابلتين).
الآن أصغي إلى وقع قدمين تطآن أرضية الردهة، تمتد يد موشومة مشعرة، تلتقط السلة التي قذفت فيها، تغادر القدمان، تسيران في ممر طويل مثقل برائحة “الديتول” وزفرة الدم المتيبس، تتردد أصداء بكاء، ثم يتحول إلى نحيب، وبالقرب من الباب المفضي إلى حديقة جرداء يتحول النحيب إلى عويل.
ترميني اليد في برميل مملوء إلى منتصفه بالنفايات. ضمادات، أوراق، أوعية فارغة وأخوات لي رحن يرحبن بي ثم أكملن حديثهنّ.
قالت إحداهنّ بهمس:
-صاحبي أرسل إلى حبيبته رسالة يقول فيها:”حبيبتي.. لا أجرؤ على اللقاء بك بأذن وحيدة..
وقالت أذن كبيرة أخرى وابتسمت:
-صاحبي كان يتضايق كثيراً من طولي حتى أنه كانوا يلقبونه “ماركوني”
وغمغمت أخرى:
-صاحبي أصبح مجنوناً، وفي أحدى نوباته الجنونية بتر أذنه الأخرى وألقمها إلى كلب أجرب.
وقالت أخرى بزهو:
-صاحبي طلب أن يحتفظ بي، كان يأمل أن يبقيني في البيت، ويتأملني كأي قطعة ديكور.
بقينا نتراسل الأحاديث وأدركنا الصباح فلم نسكت عن الكلام المباح إلى أن جاءت اليد الموشومة وأفرغت علينا قطرات من النفط ثم أشعلت القمامة. صرخنا سوية غير أن هسيس النار الضارية علا على أصوات استغاثاتنا اليائسة.




أعلى