يلجأ كثير من الروائيين إلى الحشو لتطويل رواياتهم ومطّها؛ كي تتضخم، وتغدو كبيرة الحجم. ويكون هذا بالإسهاب في الشرح، والتعليق على الأحداث، والثرثرة في الحوارات، وكثرة التفاصيل في وصف الأماكن والشخصيات، وتضمين رواياتهم وثائق وأجناسًا كتابية وغيرها دون ضرورة فنية أو بنائية. ويلاحظ القارئ ذلك فيعدل عن القراءة ويلقي الرواية جانبًا، أو يقفز عن الصفحات التي لا تؤثر في فهمه لمجرى الأحداث وتطورها.
هذا الحشو الذي نتحدث عنه يختلف عن التفاصيل التي تتطلبها بعض مواضع السرد والوصف في الرواية، لتساهم في الإيهام بواقعية الأحداث والأماكن، وتمنح الرواية الحياة، وتدفع القارئ إلى التعايش مع العالم الروائي والاندماج فيه.
وإذا كانت بعض التفاصيل ضرورية في الرواية الحديثة فإن الإكثار منها يضر بالبناء الروائي، ويشيع الملل في القارئ، كما أنه لا يتوافق مع عصرنا عصر التكنولوجيا والسرعة، بخلاف روايات القرن التاسع عشر حيث كان يتوافر للناس، وبخاصة النساء الوقت الكافي لقراءة الروايات التي تتكون من آلاف الصفحات، فيما تسمى روايات الأنهار.
لا تخلو الروايات التي تصدر حديثًا من الحشو سواء أكانت روايات ضعيفة أم جيدة؛ ففي كل رواية جمل وفقرات وصفحات لا ضرورة لها، ويمكن حذفها دون أن يختل البناء. فعلى سبيل المثال، يمكن حذف صفحات كثيرة من خماسية "مدن الملح" التي جاءت في آلاف الصفحات لتتحدث عن موضوع النفط وظهوره في الجزيرة العربية، وقد لاحظ هذا الحشو الناقد عصام محفوظ فأشار إلى أن عبدالرّحمن منيف لو أعاد طباعة الرواية لأعاد النظر في ترتيب السياق الروائيّ، واختصر العديد من الصّفحات.
لا تقتصر ظاهرة الحشو على الرواية العربية فنجد الظاهرة في كثير من الروايات العالمية الكلاسيكية والحديثة. فأشار الشاعر والناقد الإنجليزي كوليردج إلى رواية "دون كيشوت" للإسباني ميغيل دي ثرفانتس، وهي التي صنفت من أفضل مئة رواية في العالم، بأن فيها صفحات مملة، كما يفهم من وصفه بأنها كتاب يُقرأ مرة واحدة قراءة كاملة. وفي المرة الثانية يمر القارئ على بعض صفحاته فقط.
وهذا الكاتب الروائي الإنجليزي سومرست موم يجد الحشو في روايات مشهورة في كتابه" عشر روايات خالدة". وقد ترجم الكتاب سيد جاد وسعيد عبد المحسن، وصدر عن دار المعارف 1971م. وورد في المقدمة قصة وضع الكتاب بأن محررًا طلب من سومرست موم قائمة بأفضل عشر روايات عالمية، فجاء إليه سومرست بالقائمة وقد علق عليها:" سيجد القارئ العاقل أكبر قسط من المتعة في قراءة هذه الروايات لو تعلّم فن قفز الصفحات". وفيما بعد نشر هذه الروايات العشر بعد أن حذف الأجزاء التي لا ضرورة لقراءتها، والروايات هي: "توم جونز "، "الكبرياء والهوى"، "الأحمر والأسود"، "الأب جوريو"، "ديڤيد كوپرفيلد "، "مرتفعات ويذرنج"، "مدام بوڤاري" ."موبي ديك"، "الحرب والسلام "، "الإخوة كرامازوف" .
يلجأ الروائيون إلى الحشو، ربما لأن بعضهم يرى الحجم الضخم دلالة على المهارة الفنية، واتساع المعرفة. أما موقف القراء من الحشو فيختلف من قارئ إلى آخر، بعضهم لا يحتمله ويعده باعثًا على الملل، وبعضهم يرحب به لأنه يلامس ما يريده أو يرغب فيه، أو يتجاوب مع ما مر به من ظروف نفسية أو اجتماعية. أما الناقد فلابد أن يدرك الضرر الذي يلحقه الحشو بالرواية.
لا تخلو كل رواية من حشو هنا وهناك؛ فلا توجد رواية كاملة، فكثير من المشاهد والمواقف تغري الروائي كي يسهب في القول، ويستطرد في خيالاته وأحلامه، كما كان يحدث في الروايات الرومانسية التي يمضي فيها الروائي واصفًا، في صفحات عديدة، فراشات الحقول والطبيعة وطيورها وأنهارها.
لكن،
ما يحسن أن ينتبه إليه الروائيون بأن العصر الذي نعيش فيه لا يحتمل أن يقرأ الإنسان آلاف الصفحات التي تمتلئ بالحوارات، والحكايات الفرعية، والزوائد اللغوية؛ فالجودة ليست في ضخامة الحجم؛ فتوجد روايات كثيرة صغيرة الحجم عظيمة القيمة، مثل:" الغريب" لكامو، و"الشيخ والبحر" لهيمنغواي، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح و"اللص والكلاب" لمحفوظ وغيرها. لهذا فإن مقتل الرواية المعاصرة ــ كما أرى ــ يكمن في هذا الحشو الذي يجري في أوصالها؛ فلا يريد القراء من الرواية في المقام الأول غير التعايش مع عالم تخييلي يمتزج فيه الواقع بالخيال، عالم يمتعهم، ويرتقي بذائقتهم الجمالية، ويحبب إليهم الحياة والوجود. لا يريدون رواية محشوة بالمعلومات التاريخية والجغرافية والحكايات والثرثرات اللغوية؛ لهذا فمن المفيد أن يحرص الروائي على تقديم فضاء تخييلي سردي تتساوى عناصره من حيث الأهمية وضرورة الوجود.
هذا الحشو الذي نتحدث عنه يختلف عن التفاصيل التي تتطلبها بعض مواضع السرد والوصف في الرواية، لتساهم في الإيهام بواقعية الأحداث والأماكن، وتمنح الرواية الحياة، وتدفع القارئ إلى التعايش مع العالم الروائي والاندماج فيه.
وإذا كانت بعض التفاصيل ضرورية في الرواية الحديثة فإن الإكثار منها يضر بالبناء الروائي، ويشيع الملل في القارئ، كما أنه لا يتوافق مع عصرنا عصر التكنولوجيا والسرعة، بخلاف روايات القرن التاسع عشر حيث كان يتوافر للناس، وبخاصة النساء الوقت الكافي لقراءة الروايات التي تتكون من آلاف الصفحات، فيما تسمى روايات الأنهار.
لا تخلو الروايات التي تصدر حديثًا من الحشو سواء أكانت روايات ضعيفة أم جيدة؛ ففي كل رواية جمل وفقرات وصفحات لا ضرورة لها، ويمكن حذفها دون أن يختل البناء. فعلى سبيل المثال، يمكن حذف صفحات كثيرة من خماسية "مدن الملح" التي جاءت في آلاف الصفحات لتتحدث عن موضوع النفط وظهوره في الجزيرة العربية، وقد لاحظ هذا الحشو الناقد عصام محفوظ فأشار إلى أن عبدالرّحمن منيف لو أعاد طباعة الرواية لأعاد النظر في ترتيب السياق الروائيّ، واختصر العديد من الصّفحات.
لا تقتصر ظاهرة الحشو على الرواية العربية فنجد الظاهرة في كثير من الروايات العالمية الكلاسيكية والحديثة. فأشار الشاعر والناقد الإنجليزي كوليردج إلى رواية "دون كيشوت" للإسباني ميغيل دي ثرفانتس، وهي التي صنفت من أفضل مئة رواية في العالم، بأن فيها صفحات مملة، كما يفهم من وصفه بأنها كتاب يُقرأ مرة واحدة قراءة كاملة. وفي المرة الثانية يمر القارئ على بعض صفحاته فقط.
وهذا الكاتب الروائي الإنجليزي سومرست موم يجد الحشو في روايات مشهورة في كتابه" عشر روايات خالدة". وقد ترجم الكتاب سيد جاد وسعيد عبد المحسن، وصدر عن دار المعارف 1971م. وورد في المقدمة قصة وضع الكتاب بأن محررًا طلب من سومرست موم قائمة بأفضل عشر روايات عالمية، فجاء إليه سومرست بالقائمة وقد علق عليها:" سيجد القارئ العاقل أكبر قسط من المتعة في قراءة هذه الروايات لو تعلّم فن قفز الصفحات". وفيما بعد نشر هذه الروايات العشر بعد أن حذف الأجزاء التي لا ضرورة لقراءتها، والروايات هي: "توم جونز "، "الكبرياء والهوى"، "الأحمر والأسود"، "الأب جوريو"، "ديڤيد كوپرفيلد "، "مرتفعات ويذرنج"، "مدام بوڤاري" ."موبي ديك"، "الحرب والسلام "، "الإخوة كرامازوف" .
يلجأ الروائيون إلى الحشو، ربما لأن بعضهم يرى الحجم الضخم دلالة على المهارة الفنية، واتساع المعرفة. أما موقف القراء من الحشو فيختلف من قارئ إلى آخر، بعضهم لا يحتمله ويعده باعثًا على الملل، وبعضهم يرحب به لأنه يلامس ما يريده أو يرغب فيه، أو يتجاوب مع ما مر به من ظروف نفسية أو اجتماعية. أما الناقد فلابد أن يدرك الضرر الذي يلحقه الحشو بالرواية.
لا تخلو كل رواية من حشو هنا وهناك؛ فلا توجد رواية كاملة، فكثير من المشاهد والمواقف تغري الروائي كي يسهب في القول، ويستطرد في خيالاته وأحلامه، كما كان يحدث في الروايات الرومانسية التي يمضي فيها الروائي واصفًا، في صفحات عديدة، فراشات الحقول والطبيعة وطيورها وأنهارها.
لكن،
ما يحسن أن ينتبه إليه الروائيون بأن العصر الذي نعيش فيه لا يحتمل أن يقرأ الإنسان آلاف الصفحات التي تمتلئ بالحوارات، والحكايات الفرعية، والزوائد اللغوية؛ فالجودة ليست في ضخامة الحجم؛ فتوجد روايات كثيرة صغيرة الحجم عظيمة القيمة، مثل:" الغريب" لكامو، و"الشيخ والبحر" لهيمنغواي، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح و"اللص والكلاب" لمحفوظ وغيرها. لهذا فإن مقتل الرواية المعاصرة ــ كما أرى ــ يكمن في هذا الحشو الذي يجري في أوصالها؛ فلا يريد القراء من الرواية في المقام الأول غير التعايش مع عالم تخييلي يمتزج فيه الواقع بالخيال، عالم يمتعهم، ويرتقي بذائقتهم الجمالية، ويحبب إليهم الحياة والوجود. لا يريدون رواية محشوة بالمعلومات التاريخية والجغرافية والحكايات والثرثرات اللغوية؛ لهذا فمن المفيد أن يحرص الروائي على تقديم فضاء تخييلي سردي تتساوى عناصره من حيث الأهمية وضرورة الوجود.